• - الموافق2024/04/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الأندلس وأحداثه الرمضانية الخالدة

يرتبط شهر رمضان في الذاكرة التاريخية للمسلمين بالعديد من الفتوحات في أرض الأندلس التي افتتحها المسلمون الأوائل، وخسرها خلفهم لما قعدوا عن نصرة الدين، وهو يشير إلى أن رمضان في حياتهم كان شيئا مختلفًا عما يألفه المسلمون اليوم

كان لشهر رمضان في الأندلس أهمية عظيمة، مثلما في سائر الولايات الإسلامية، وكان المسلمون في الأندلس يستقبلونه كل عام بفرحة كبرى، سواء على مستوى الشعب أو الدولة. ولم يكن ذلك لأجل فضائل وبركات هذا الشهر الكريم التي لا تعد ولا تحصى، فحسب، ولكن أيضًا لكون رمضان يرتبط في ذاكرة مسلمي الأندلس، بالعديد من الانتصارات الخالدة والفتوحات المجيدة والأحداث الجليلة، التي غيرت مجرى تاريخ هذا القطر الواسع والعظيم، والمرتبطة بدورها ارتباطًا وثيقًا بوجودهم وانتشارهم في مدنه العريقة، وقراه الوادعة، وأقاليمه الخصبة، وسواحله الفضية، الممتدة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي.

 

في رمضان سنة 92هـ، كانت معركة وادي لكّة، تلك المعركة الحاسمة والخالدة والتي جرت في إقليم شذونة بجنوبي الأندلس، وقاد المسلمين فيها، البطل الصنديد، والمقاتل العنيد، طارق بن زياد، ضد الجيش القُوطي، بقيادة لُذْريق، والتي انتهت بهزيمة ساحقة ماحقة للقوط

 

حملة طريف بن مالك:

ففي رمضان سنة 91هـ، كان عبور حملة طريف بن مالك المعافري، خليج الزقاق، من سَبْتَة إلى عدوة الأندلس، والمكونة من خمسمائة جندي، فيهم مائة فارس، فنزل طريف مع جنوده في الجزيرة التي لاتزال تعرف باسمه حتى اليوم "طريف". وكان ذلك بمعونة صاحب سبتة يُليان النصراني، لأمور نقمها على لذريق ملك الأندلس. وقد أغار طريف على الجزيرة الخضراء، وعاد بالسبي والمال، ومحققًا النجاح المطلوب. وتأتي أهمية هذه الحملة في كونها أول خطوة على طريق العبور إلى إسبانيا، الذي رسمه القائد الفاتح موسى بن نصير بدقة وبراعة، بعد مشاورة الخليفة الوليد بن عبد الملك، فضلاً عن امتحانها الدور الذي كان يُليان يقوم به، ومدى إخلاصه وجديته في التعاون مع المسلمين.

معركة وادي لكة:

وفي رمضان سنة 92هـ، كانت معركة وادي لكّة، تلك المعركة الحاسمة والخالدة والتي جرت في إقليم شذونة بجنوبي الأندلس، وقاد المسلمين فيها، البطل الصنديد، والمقاتل العنيد، طارق بن زياد، ضد الجيش القُوطي، بقيادة لُذْريق، والتي انتهت بهزيمة ساحقة ماحقة للقوط، رغم كثرة أعدادهم (40000 ألف مقاتل)، وضآلة أعداد المسلمين (12000 ألفًا أغلبيتهم الساحقة من البربر).‏ وقد فتح هذا الانتصار الكبير، أبواب إسبانيا كلها أمام المسلمين. وضمت أول قطعة من أوروبا إلى الخلافة الإسلامية في دمشق. فبعده سقطت مدن المملكة القوطية بأيديهم، واحدة إثر أخرى، وعلى رأسها العاصمة طليطلة في الوسط، ووقع في أيدي الفاتحين ما فيها من ذخائر وكنوز هدية من رب العالمين، ولم يخض اطارق ورجاله، أي معركة حقيقية بعد تلك المعركة، باستثناء معركة استجة، ضد فلول الجيش القوطي الذي قٌضي عليه، إذ لم تظهر شخصية قادرة على الاضطلاع بأعباء السلطة المركزية في هذه المملكة الواسعة، بعد مقتل الملك لذريق: آخر ملوك القوط.

حملة موسى بن نصير:

وفي رمضان سنة 93ه، كان عبور القائد الفاتح موسى بن نصير، على رأس ثمانية عشر ألف مقاتل، معظمهم من العرب، وفيهم عدد من التابعين، وذلك نجدةً لمولاه طارق، ولاستكمال فتح المدن التي لم يمر بها طارق أو لم يرسل سرايا لفتحها، نظرًا لقلة جيشه، ولكثرة من استشهد منه في معركة وادي لكة، وللمساحة الشاسعة التي تغطيها شبه الجزيرة الإيبيرية. وتصرف موسى هذا كان متفقًا مع تخطيط رزين هدفه الإفادة القصوى من الفرصة التي أتيحت للمسلمين بعد الهزيمة الشنيعة التي لحقت بالقوط ومصرع ملكهم لذريق. فقد كان عبوره تعزيزًا للجيش الإسلامي، وسدًا لمحاولات قطع طريق الرجعة عليه، وأخذًا في الحيطة، وإتمامًا للخطة، وإنجازًا للفتح، وتأكيدًا لوجوده، ونشرًا للعقيدة الإسلامية، التي كان كل ذلك من أجلها. ولذلك فقد سلك موسى طريقًا آخر، غير الطريق، الذي سلكه طارق من قبل، وفتح مدائن إسبانية، لا تقل عظمتها عن عظمة المدائن التي فتحها طارق، مثل إشبيلية، وشذونة، وقرمونة.

 

في رمضان سنة 102هـ، كان فتح مدينة نربونة عاصمة مقاطعة سبتمانيا، وذات الموقع الاستراتيجي على الساحل الفرنسي الجنوبي، القريب من ساحل الأندلس الشرقي، وهي آخر ما افتتحه المسلمون من بلاد الأندلس

فتح مدينة ماردة:

وفي رمضان سنة 94هـ، كان فتح مدينة ماردة الواقعة في غرب الأندلس، وذلك على أيدي موسى بن نصير، وكانت هذه المدينة قد استعصت على المسلمين، نظرًا لكون كثير من فلول الجيش القوطي التي فرت بعد هزيمة القوط في معركة وادي لكة، تجمعوا فيها، لأنها كانت مدينة حصينة، صعبة المنال، فقط كان يطوقها سور ضخم، وكانت أيضًا وعرة المسالك، وفي أهلها منعة شديدة وبأس عظيم، ولذلك، فإن فلول القوط الذين لجأوا إليها امتنعوا بها، وقاوموا مقاومة شديدة، فنالوا من المسلمين دفعات وآذوهم، لكن المسلمين بدورهم قتلوا الكثير من محاربيها، خاصة في أحد الكمائن، التي دبرها القائد المحنك موسى بن نصير، هذا الأخير الذي أقام، على حصارها بنفسه، رغم أن عمره كان يتجاوز السبعين عامًا، حينذاك، إلى أن فتحها صلحًا في آخر رمضان سنة 94ه، ودخلها في أول يوم من شوال. وبذلك صار الطريق ممهدًا وسالكًا للوصول إلى طليطلة ومقابلة طارق، ثم الانطلاق لفتح الشمال الإسباني كله. 

استقرار السمح بن مالك في قرطبة:

وفي رمضان سنة 100هـ، كان وصول السمح بن مالك الخولاني، إلى قرطبة واليًا على الأندلس للخليفة عمر بن عبدالعزيز. وكان هذا من الأحداث الهامة، في تاريخ الأندلس. فبه تبدأ مرحلة أخرى متممة للفتح، ليس فيما يتعلق بالفتوحات وراء جبال البرت، بل أيضًا بتنظيم الأندلس وإصلاح شئونها الإدارية والمالية، وإقرار قرطبة حاضرة لها، لأهمية موقعها على نهر الوادي الكبير في وسط الأندلس الجنوبي، وهو الذي بنى قنطرتها المتهدمة وباشر في عمرانها لترتفع، بعد ذلك، إلى مصاف الحواضر الإسلامية الكبرى، بل ولتصير "جوهرة العالم" في القرن الرابع الهجري. وطبقًا لتصنيف المستشرق الفرنسي، ليفي بروفنسال في كتابه (حضارة العرب في الأندلس)، فإن استقرار السمح في قرطبة، هو الحدث الأبرز والأكبر، على الإطلاق، من النواحي الاجتماعية والثقافية، في تاريخ المسلمين بالأندلس، وذلك على اعتبار أن انتصار طارق في معركة وادي لكة، كان هو الحدث الأبرز والأكبر، في تاريخ الأندلس الإسلامي، من الناحيتين السياسية والعسكرية.

فتح مدينة نربونة:

وفي رمضان سنة 102هـ، كان فتح مدينة نربونة عاصمة مقاطعة سبتمانيا، وذات الموقع الاستراتيجي على الساحل الفرنسي الجنوبي، القريب من ساحل الأندلس الشرقي، وهي آخر ما افتتحه المسلمون من بلاد الأندلس، وكان صاحب هذا الفتح هو السمح بن مالك الخولاني، أمير الأندلس (رمضان 100- ذي الحجة 102هـ). وقد اتخذ السمح هذه المدينة المهمة، مركزًا دائمًا لقيادة المسلمين، وقاعدة لانطلاق الفتوحات في غالة (فرنسا). ولذلك فقد قام بتحصينها، وشحنها بالمؤن والرجال، وجعل عليها حاكمًا من قبله، قبل أن يتحرك لاستكمال الفتوح في جنوب غربي فرنسا. وبرغم استشهاده في ضواحي طولوشة، بعد ذلك (في يوم عرفة سنة 102هـ)، إلا أن الوجود الإسلامي بجنوب فرنسا استمر، وظلت مدينة نربونة الحصينة ثغرًا للأندلس وراء جبال البرت، ومحط آمال المسلمين لاستئناف الفتوح في غرب أوروبا لمدة أربعين سنة. 

أعلى