• - الموافق2024/04/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
صور من مآسي التعليم في العراق الممتحن

صور من مآسي التعليم في العراق الممتحن


تردِّي الأوضاع التعليمية في العراق في ظل الاحتلال والمد الطائفي، والحكومة باشرت تغيير مناهج التعليم على نحو طائفي.

عصابات الرداء الأسود تخترق الجامعات وترهب الطلاب والأساتذة.

مسلسل اغتيال الملكات التعليمية مستمر، والهدف إفراغ العراق من عقوله، وكل الجرائم قيدت ضد (مجهول).

هل بدأت معركة غسل العقول وفرض الأفكار الطائفية من خلال تغيير المناهج الدراسية؟

تربية الأطفال في المدارس على التفرقة المذهبية ونشر الأفكار الضالة والمنحرفة.

تخريب مناهج التعليم في المدارس وإدخال مواد تحض على الكراهية الطائفية.

منذ حلت كارثة غزو العراق بتاريخ 21 آذار 2003م، وحقل التعليم مثل غيره من حقول الحياة في العراق تعرَّض ويتعرَّض إلى التشويه والتخريب. ولئن كان التخريب في مجالات الصحة والخدمات والأمن والكهرباء وغيرها مما يمكن إصلاحه بالمال، لكن التخريب في التعليم لا يمكن لكل أموال الدنيا أن تصلح آثار فساده.

لقد انعكس تردِّي الأوضاع الأمنية في بلاد الرافدين على جميع مناحي الحياة، ومنها الحياة التعليمية، فالمدارس صارت مثار قلق للعوائل على أبنائها، والخوف من التفجيرات وأعمال العنف الأعمى ترهب العوائل وتقلقها على أوضاع أولادها، والفساد الإداري الذي ضرب بأطنابه كل مجالات الحياة في عراق الحرية والديمقراطية (الأمريكية) لم يجعل التعليم في منأى عن ذلك؛ فالشعار صار في بيت العلم (ورّق.. ورّق!) وهو شعار يفهمه العراقيون، فالنجاح بالدفع، والمحاضرات الخصوصية بالدفع، وهذه هي الحال بالنسبة لتراجع المستوى العلمي العام لجميع المستويات الدراسية في العراق في ظل الاحتلال الأمريكي. ولكن ليس هذا هو الطامة الكبرى، بل الطامة الكبرى هي تحوّل المدارس والجامعات إلى بُؤر طائفية تنشر من خلالها الأفكار الهدامة والتفرقة المذهبية. يروي مسؤول في وزارة التربية العراقية في ندوة تلفزيونية يوم 12/1/2006م على قناة (الحرة) الأمريكية حول أوضاع التعليم في العراق؛ أن كارثة تحل في بعض المدارس الابتدائية حين تقوم بعض الإدارات أو المعلمات بعزل التلاميذ في الصف الواحد إلى قسمين؛ قسم أيمن لجلوس التلاميذ الشيعة، والقسم الأيسر من الفصل للتلاميذ السنة، مما أثار صدمة نفسية للعوائل نتيجة رجوع بعض الأطفال إلى والديهم ليسألوهم: (من نكون؟ هل نحن شيعة أم سنة؟!) وهو ما لم يكن في حسبان أو تفكير أي طفل أو طالب أو عائلة في العراق قبل 2003م.

بعض معلمات الدين في المدارس الابتدائية من الشيعيات يقمن بتلقين التلاميذ أن الشهادة وهي أول ركن من أركان الإسلام تعتبر ناقصة بدون أن تضاف إليها ( أشهد أن علياً ولي الله).. كما أن بعض فصول الدين تحولت إلى (مآتم حسينية) يجري فيها الاستماع إلى (أشرطة) الرادود الحسيني، ويجبر التلاميذ على البكاء.

وبعض الأحزاب الطائفية تتدخل في شؤون المدارس ضمن مناطقها في إجبار المدارس على بث ما يسمى بالعزاء الحسيني واللطم وتعميم الضرب بالزناجيل.

وآخر الفضائح ما نشرته جريدة الزمان الدولي يوم 6 تموز - يوليو 2007م من فضيحة قيام ميليشيات طائفية بسرقة أسئلة الامتحانات العامة (البكالوريا)، واحتلال عناصر منها لمراكز الامتحانات في عدد من المحافظات، وإجبار المدرسين المراقبين على إملاء حلول الأسئلة على الطلبة من طائفة معينة؛ بهدف ضمان حصولهم على معدلات أعلى من أقرانهم تؤهلهم للقبول في الكليات العلمية كالهندسة والطب. وقد تعالت أصوات من أولياء الأمور تطالب بتدخّل دولي لإعادة الامتحانات والإشراف عليها؛ لأن ما حصل يشكل جريمة أكاديمية تؤدي إلى تقويض العملية التعليمية في العراق، وتضعف ثقة الجامعات العالمية بالشهادات العراقية.

* مؤامرة تغيير المناهج الدراسية:

تحدثت أوساط في (وزارة التربية) علناً عن وجود خطط لتغيير المناهج الدراسية المعتمدة في المدارس بمختلف مراحلها، بما يخدم التوجهين (الأمريكي) و (الطائفي)، فأمريكا تريد التركيز على ما تسمِّيه (ثقافة السلام ونبذ الإرهاب) وحذف كل ما يدعو إلى الجهاد ومقاومة الظالمين، والنَّفَس الطائفي يتركز في السعي إلى تشويه كتب الدين واللغة العربية وإدخال مفاهيم بِدْعِيَّة منحرفة عن الإسلام، وإدراج روايات وقصص تسيء للصحابة الكرام والخلفاء الراشدين، في مسعى واضح لتنشئة الأجيال الجديدة على الأفكار والمفاهيم الطائفية.

وقد صرّح مسؤول محلي هو مدير عام تربية محافظة النجف إسماعيل ماضي وهو من عناصر المجلس الأعلى بأن التغييرات التي سيتم إدخالها على المناهج التربوية في العراق لن تكون بعيدة عن أفكار وتوجيهات (المرجعية الشيعية في النجف) وقال المذكور في تصريح صحفي للصحافيين إن (وزارة التربية طبعت مبادئ الفلسفة التربوية ووزَّعتها على المديريات في المحافظات وأوصلت بالفعل نسخاً منها إلى مكاتب المرجعيات ومجلس محافظة النجف والإدارة المدنية؛ للاطلاع عليها وتثبيت ما لديهم من أفكار من أجل تطويرها).

وقد تصدت جبهة التوافق لهذا المشروع المريب، حيث أعلن الدكتور عدنان الدليمي رئيس الجبهة في مجلس النواب العراقي قائلاً: (هذا لن يتم، وإن تم فهو ليس لصالح العراق)، مؤكداً أن (المناهج الدراسية يجب أن تكون بعيدة عن الطائفية سواء أكانت شيعية أم سنية). وشدد الدكتور الدليمي قائلاً: (لا أظن أن بمقدور المرجعية الشيعية أن تفرض مناهج دراسية شيعية على طلبة العراق الذين يشكل السنَّة نسبة كبيرة منهم، وهناك أديان غير إسلامية، وليس بمقدور أحد تغيير أو فرض مناهج دراسية على العراقيين)، مشيراً إلى أن المناهج السابقة لم تكن سنية حتى تُغيَّر إلى شيعية.

* العراقيون يستنكرون الخطوة المشبوهة:

عدد من التربويين في الجامعات والمدارس العراقية من خلال استطلاع آرائهم بصدد ذلك الأمر، استغربوا طرح الموضوع في هذا الظرف وبهذه الصيغة الاستفزازية. فالمعلم عبد الرزاق سلمان قال: (أما كان الأجدر بهم التركيز على الأمن والنهوض وتوفير الخدمات الأساسية للمواطن العراقي البسيط قبل الخوض في هذه الأمور التي تأتي في آخر قائمة الأولويات؛ إن صح أنها من ذلك القبيل؟!

ولماذا تتعمد الحكومة الحالية دفع وإصدار قرارات في هذا الوقت غير المستقر حيث إن البرلمان العراقي يعاني من عدم اكتمال النصاب القانوني لاعتماد بعض القرارات المهمة والحيوية؟).

وقال المدرس ناصر عبد الحميد: (هل نحن ناقصون تطرفاً وأزمات؟ إن حصل مثل هذا التغيير في المناهج الدراسية في العراق في هذه المرحلة فسوف تشتعل النعرة الطائفية، ليس بين الشيعة والسنة فقط، وإنما بين الشيعة أنفسهم؛ بسبب كثرة الأفكار والانتماءات المتباينة داخل المذهب الشيعي ذاته. فهل العراق مقبل على زرع المذهبية في أراضيه بيد أبنائه؟ سؤال هام نتمنى من العراقيين الشرفاء أن يعوا أهمية السؤال وأهمية الإجابة عنه والتي تتطلب الحرص على العراق الواحد بدلاً من الإسهام في تمزيقه).

وقال مدرس آخر هو عباس الصيرفي: (حبذا لو توقف مسؤولونا عن إطلاق هذه التصريحات جزافاً.. وانصرفوا إلى العمل الجدي البنّاء.. وهكذا لم يبق لنا سوى متابعة تصريحات مدير تربية النجف بعد أن ملأ الآخرون آذاننا بكلامهم فارغاً وملآناً.. أيُّ مناهج تلك التي يتكلم عنها سيد ماضي؟ وأية فلسفة تربوية تلك التي اعتمدتها مرجعيته؟ هل تراكم ستجعلون اللطم بديلاً عن درس الرياضة؟ وقراءة التعازي بدلاً من درس النشيد الوطني؟ وهل تراكم ستجعلون قراءة ما يسمى بالعزاء الحسيني بديلاً عن درس التاريخ؟).

أما الأستاذ عبد القهار محمود فيقول: (بعد شيوع التصفيات الجسدية لأهل السنة في العراق على أساس طائفي؛ هل سنشهد في المرحلة التالية تصفيات فكرية للسنة في هذه المناهج؟)، وأضاف بأن (المناهج التدريسية في العراق وبخاصة في مرحلتي الدراسة الثانوية والمتوسطة وحتى الابتدائية هي جيدة جداً. والطالب العراقي كان من خلالها يتناول حصيلة كبيرة من المعلومات، ولا زالت إلى هذه اللحظة تعطي زخماً كبيراً من المعلومات للطالب عندما نريد مقارنتها بأي دولة عربية أخرى، كما أن المناهج التعليمية في العراق لم تكن يوماً طائفية ولا سنية).

وقال: (ليس من حق المرجعية الشيعية فرض مناهجها، فليس العراق تابعاً لإيران ولا لأتباعها، والتعليم حق عام بعيداً عن أي أحقاد صفوية، كما أن السنة في العراق - بما فيهم الأكراد - هم الأغلبية [1]، فكيف يتم فرض مذهب الأقلية وهم الشيعة في هذه الحالة على الأغلبية؟ وما دخل المرجعية الدينية في أمر يخص كافة العراقيين بمختلف مذاهبهم وطوائفهم؟). وأضاف: (أعتقد أن تغيير المناهج الدراسية في العراق هو جزء من مخطط مشبوه يراد به تشييع العراقيين أولاً من خلال مناهج التعليم، ومن ثم يمتد التغيير ليصل إلى كل دول المنطقة.

وعلى الجميع رفض مثل هذا المشروع المشبوه الذي يراد به توسيع الفتنة بين أطياف المجتمع العراقي الواحد والذي زرعه أعداء العراق من الطائفيين والاحتلال.

والتغيير الذي يجب أن يبدأ به العراقيون يجب أن يكون أولاً من مراكز القيادة التي تحكم العراق بالطريقة الطائفية، وتدع المجتمع العراقي يعيش كما كان سابقاً وطناً واحداً وشعباً واحداً).

المدرِّس حسين السامرائي يقول: (يبدو أن حكومة المنطقة الخضراء باتت تعتقد أن الوقت حان لاستيراد المناهج التعليمية من إيران، تماماً كما حدث لـ « الدستور العراقي » حين استُورِد من أمريكا! لقد بات اليوم الذي سيعود فيه العراق المحرر والموحد لأهله العرب قريباً، وكل ما جرى ويجري الآن من تجاوزات لا يقبلها أي عراقي شريف سوف تصحح بإذن الله تعالى).

أحد مدرِّسي الدين الإسلامي وهو عايد السالمي يقول في الموضوع ذاته: ( أعتقد أن هناك الكثير من المشتركات ما بين المذاهب الإسلامية بحيث إن جميع مراحل التدريس لا يمكن أن تغطيها، فهل نترك المشتركات ونذهب إلى الاختلافات؟ ومتى كان الطلاب يأخذون دينهم من المدرسة الحكومية؟ أعتقد أن هذا الكلام عارٍ من الصحة، حتى لو صرح به مسؤول، فسيبقى المسلم يأخذ دينه من أبويه ومعلميه ومن المسجد وقبل كل ذلك من القرآن الكريم وصحاح السنة النبوية الشريفة، وليس من مناهج مشبوهة مفروضة فرضاً على العراقيين بشيعتهم وسنتهم).

وأضاف السالمي: (إذا أردنا التطوير للعراق في كل الشؤون، وبضمنها التعليم، فيجب على الكل الاعتراف بوجود الكل، وأن نغير أفعالنا وأفكارنا نحن الكبار قبل التوجه إلى تغيير المناهج الدراسية للصغار والناشئة، ونؤمن بأن العراق بحاجة إلى تضميد الجراح الموجودة لا نَكْئها من خلال الأفكار المذهبية والطائفية الضيقة، لكي نوفر الحرية والأمن للناس وللأجيال. وبعد ذلك يأتي التغيير في كل مناهج الحياة وليس التعليم فقط).

* الأمريكيون بشَّروا بتغيير المناهج قبل غزو العراق:

لقد بدأت مخططات التغيير للمناهج التعليمية في العراق قبل الغزو وبعده، فقد نشرت حينها الصحف الأمريكية ما يؤكد وجود نوايا لتغيير وتعديل المناهج التعليمية بالعراق، وأن الإدارة الأمريكية ترغب بحذف مقررات عديدة من منهاج التعليم. ونشرت جريدة (واشنطن بوست) الأمريكية تقريراً يتحدث عن سعي الحكومة الأمريكية بالتعاون مع بعض العراقيين المغتربين إلى تغيير المناهج التعليمية في العراق على غرار ما قامت به الحكومة الأمريكية في أفغانستان، وأكد التقرير أن وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية رصدت 65 مليون دولار أمريكي لتقدِّمها باعتبارها عقوداً للمؤسسات التي سوف يسند إليها مهمة تغيير هذه المناهج ومن بينها منظمات أمريكية أشرفت على صياغة مناهج تعليمية جديدة للمدارس في أفغانستان، وقال التقرير: إن الإدارة الأمريكية تأمل في أن تجري هذه التعديلات في زمن وجيز. وتطرق التقرير إلى أن الحكومة الأمريكية تهدف من خلال مجهودات التعديل إلى طرد أفكار بالية تسيطر على عقول العراقيين، مثل: النزعة العسكرية المتطرفة والولاء المطلق للنظام، و (فكرة العداء للدولة الصهيونية)!!

والتي ترى أنها منتشرة في المقررات الدراسية العراقية التي اعتمدها النظام الحاكم السابق، ويجب العمل على إزالتها.

وأشار التقرير المذكور إلى أن نظام التعليم في العراق كان يُعدّ من أفضل نظم التعليم في العالم العربي قبل حرب الخليج الأولى في عام 1991م، وقبل الحصار الذي فرض على العراق بعد الحرب، وذلك وفقاً لتقارير أصدرتها الأمم المتحدة حينها.

إذن؛ واشنطن رصدت 65 مليون دولار لإنجاز المشروع الصهيو - أمريكي لتغيير المناهج في العراق، بعد أن أدركت جيداً أن السيطرة على الوطن العربي لا تحتاج إلى القوة العسكرية فقط؛ بل تحتاج إلى تغيير الهوية الثقافية أولاً، وذلك حتى يستطيع الفكر الأمريكي فرض سطوته علينا، ونقبل بما يرسمه لنا من خطط ومناهج، ونصبح أداة طيعة في يده يحركها مثل عرائس المسرح دون أن نعترض؛ وخاصة أن أمريكا لديها اعتقاد صارم بأن برامج التدريس المدعومة بالجرعات الدينية ودروس الفقه والآداب العربية والإسلامية من أهم أسباب انتشار الفكر الديني المتطرف؛ حسب زعمهم.

إن خطوة تغيير المناهج التعليمية في العراق وفق هوى المرجعيات الطائفية لا يمكن أن يخدم أمن العراق ووحدته، ويأتي في سياق المنهج الأمريكي لإرباك المنطقة، وحرف الناس عن عقيدتهم الأصيلة وبث التفرقة والتناحر، وإلغاء كل ما يتصل بالجهاد ومقارعة الغزاة والدفاع عن الوطن. ونعتقد جازمين أن أي خطوة في هذا الاتجاه المريب مصيرُها الفشل والخيبة، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

* الأحوال في الجامعات هي الأسوأ:

عندما تصاعدت هيمنة الأحزاب السياسية الطائفية على الجامعات العراقية، زادت أشكال استهداف الأساتذة والأكاديميين داخل الحرم الجامعي وخارجه، فمن الاغتيال إلى الاعتداء بالضرب والإهانة في الحرم الجامعي. ووسط أجواء كهذه باتت مغادرة البلاد (حلاً عقلانياً في أجواء غير عاقلة) كما يقول أستاذ رفض الكشف عن اسمه. فالأستاذ مؤيد الخفاف تعرّض لاعتداء سافر بالضرب داخل كلية الإعلام في جامعة بغداد حينما كان يلقي محاضرته، حين دخلت عليه مجموعة من عصابات الرداء الأسود، واعتدت عليه ضرباً؛ عقاباً على إشارته في محاضرة سابقة التي عُدَّت غير مقبولة إلى « الدور المتزايد للمرجعية الدينية في النجف الأشرف في توجيه الحياة السياسية والثقافية »، وقد استنكر وزير التعليم العالي هذه الحادثة، وأعلن تضامنه مع الأستاذ، إلا أن إجراءً ما لكشف الجناة ومحاسبتهم لم يحصل، مما أدى إلى قرار الدكتور الخفاف بعدم العودة إلى الجامعة إلا بعد القصاص من الجناة.

وبعد ذلك بأسبوع تعرض زميله في الكلية د. عبد الرزاق النعاس إلى نهاية دموية، حين سقط الناشط السياسي الذي لا يتردد في توجيه النقد للحكومة وأحزابها وقواها المتنفذة في غير وسيلة إعلامية (الفضائيات العربية بخاصة) برصاصات أطلقها عليه مجهولون حال خروجه من « الحرم الجامعي ».

* قائمة بـ (500) أستاذ جامعي تم اغتيالهم، و (17) ألفاً هُجّروا:

 رابطة الأساتذة الجامعيين حاولت رسم مشهد تصفية الأساتذة الجامعيين، فأشارت في لائحة وُزِّعت على نحو واسع أخيراً، إلى قتل أكثر من (500) شخصية علمية وتهجير نحو (17) ألف أكاديمي وتدريسي عراقي، منذ سقوط النظام السابق، وإلى تصاعد (مسلسل ملاحقة العقول العلمية العراقية الذي يهدف إلى إفراغ العراق من عقوله وذخيرته الثقافية والفكرية والتربوية، أو إجبارها عن طريق التهديد والتخويف على مغادرة البلاد).

جامعة بغداد حصدت المرتبة الأولى من جهة ارتفاع حوادث الاغتيال، تليها جامعة البصرة، ثم المستنصرية والأنبار والموصل وتكريت، وبعد ذلك هيئة التعليم التقني، فالجامعة التكنولوجية والقادسية و مركز وزارة التعليم العالي، ثم مركز بحوث السرطان. وباتت الجامعات العراقية التي تضم نحو ثلاثة عشر ألف أستاذ، وكانت تُعدّ في سبعينيات القرن الماضي من أفضل الجامعات العربية على شفا الكارثة مع قتل الأساتذة أو خطفهم، وهجرة نحو ألف آخرين. وكان أول من تم اغتياله من علماء العراق هو الدكتور محمد الراوي رئيس جامعة بغداد ونقيب الأطباء، الذي اغتيل بعد الغزو بأيام قليلة، وآخرهم وربما ليس آخرهم نهاد الراوي نائب رئيس جامعة بغداد الذي اغتالته ميليشيا طائفية عند باب جامعة بغداد مؤخراً.

إن عملية تصفية الأكاديميين العراقيين الهادفة إلى إنهاء الجو الأكاديمي واستنزاف العقول الفاعلة وترويع الناس وقتل المبادرات؛ مستمرة بلا انقطاع. فلا يكاد يمر أسبوع منذ احتلال العراق وحتى الآن بدون أن نقرأ خبر اغتيال أو محاولة اغتيال أحد الأساتذة أو العلماء أو الاختصاصيين، حتى تجاوزت فضيحة الاغتيالات حدود الاختصاص الواحد أو المصادفة. وخلافاً لتصريحات مسؤولي الاحتلال من عراقيين وقوات أجنبية فإن اغتيال الأكاديميين عمل منظَّم يستهدف أشخاصاً معينين دون غيرهم، ووفق تخطيط مرسوم لا علاقة له بحوادث الاختطاف المستهدفة لبقية أبناء الشعب طلباً للفدية، أي: أن منفذي عمليات الإعدام الفوري للعلماء والأساتذة والاختصاصيين هم ليسوا من رجال العصابات العادية وقطاع الطرق والمافيات المنتشرة حالياً، إذ تدل آلية تنفيذ الاغتيالات المباشرة والفورية على أنها عمليات لا تهدف إلى الاختطاف طلباً للمال لتحرير الرهائن، بل إلى ما هو أعمق وأهم، وهو تحطيم البنية الفكرية للمجتمع العراقي وبخاصة من أهل السنة.

* ظاهرة خطف الأساتذة الجامعيين وابتزازهم:

ومن بين الأعمال الإجرامية التي يتعرض لها المدرسون والمعلمون في العراق اليوم وقوعهم ضحية لعصابات الاختطاف، وأول من تم اختطافه كان عميد جامعة الأنبار في الرمادي على يد مسلحين طالبوا بفدية قدرها 60 ألف دولار للإفراج عنه. وكان الحديثي أول أستاذ جامعي يخطف من داخل حرم الجامعة.

وفي « جامعة صدام » التي تعرف حالياً بـ « جامعة النهرين » اضطر د. سعدون عيسى عالم الكيمياء إلى دفع فدية قدرها 50 ألف دولار إلى خاطفي نجله البالغ الثانية والعشرين. ولم يقف الخاطفون عند هذا الحد، بل سلموا نجله رسالة تطلب من الأستاذ الجامعي مغادرة البلاد. كما اختطف مجهولون الدكتور سمير يلدا معاون عميد كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة من أمام بوابة الجامعة من دون معرفة أسباب الاختطاف ولا دوافع الخاطفين، وقد وجدت جثته ملقاة في أحد الشوارع.

* كل الجرائم ضد المَلَكات العلمية في العراق قيدت ضد مجهول:

يرى أستاذ للقانون في جامعة بغداد، خشي الكشف عن هويته أن (مسؤولية التحقيق في جرائم اغتيال الأكاديميين والعلماء العراقيين تقع على عاتق الأجهزة الأمنية والقضائية)، مشدداً على أن (هذه العمليات لا علاقة لها بالثأر أو الانتقام الفردي، بل تندرج ضمن الجريمة المنظمة التي تمول من الجهات المستفيدة منها، ولو ألقت السلطات الأمنية القبض على القتلة المأجورين فإنها ستتمكن من ثم من معرفة الرؤوس المخططة للمشروع الشيطاني الذي يستهدف العقل العراقي). وقال إن (معظم هذه الجرائم تظل بلا متابعات أمنية أو قانونية، والمطلوب من الحكومة العراقية الجديدة أن تضع أمن العلماء في أولوياتها؛ من خلال حماية العلماء أنفسهم، ونشر قوات الأمن في المراكز العلمية وفي تجمعات الأساتذة، مما يضيق الخناق على منفذي الجرائم).

وترى وزارة التعليم العالي أنه (من غير الممكن توفير الحماية لجميع أساتذة العراق؛ لأنهم بالآلاف)، لكنها خيّرت الأساتذة في قرار لها منذ فترة بين القبول بعناصر حماية تعيّنها لهم أو عناصر يقومون هم باختيارهم. غير أن أحد أكثر قراراتها إثارة للجدل كان القرار الصادر في شباط (فبراير) الماضي حين اعتبرت إرسال الاختصاصيين العراقيين في مجالات طبية وعلمية نادرة في دورات بحث خارج البلاد (وسيلة لحمايتهم من التصفية والاغتيال).

* تغلغل تخريبي للأحزاب السياسية والطائفية في المؤسسات الأكاديمية:

نشطت الحركات السياسية الطائفية المتصدرة للمشهد العراقي مؤخراً بين طلبة الجامعات، بالرغم من دعوات كثيرة من الأساتذة بتحييد الوسط الجامعي ومنع ممارسة أي نشاطات سياسية فيه؛ لكي ينصرف الطلاب والمدرسون إلى الأمور العلمية، لكن الذي حصل أن الجامعات أصبحت مكاناً للنزاعات وفرض السيطرة الحزبية. وصارت القوى الشيعية تجبر الكليات على وضع صور مرجعهم السيستاني و « العلاَّمة الصدر الأول » و « العلاَّمة الصدر الثاني » و محمد باقر الحكيم، إضافة إلى الترويج لأسفار جماعية لزيارة المراقد الشيعية في إيران وبأسعار رمزية، وإشاعة ما يسمى بـ « الشعائر الحسينية » وتحديداً في الجامعة المستنصرية التي دعا رئيسها د. تقي الموسوي إلى إحياء ذكرى عاشوراء داخل الحرم الجامعي. ولم يعد غريباً وجود أعداد غير قليلة من علماء الدين الشيعة وهم يجتمعون مع الطلبة ويلقون محاضرات في رؤيتهم لـ (الإسلام السياسي!).

وكان الاحتفال بما يسمى « عيد الغدير » في جامعتي بغداد والمستنصرية قد أوجد حالاً من « الاحتقان الطائفي »، فالطلبة الشيعة أحيوا ما يعدّونه وفق عقيدتهم « اليوم الذي عيَّنَ فيه النبيُّ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- الإمامَ علي بن أبي طالب خليفة من بعده »، وجاءت الشعارات التي سمحت برفعها إدارتا الجامعتين لتعمّق جواً مشحوناً بالنزاعات الفكرية والدينية والسياسية.

وكان أستاذ الرياضيات الدكتور عبد السميع الجنابي عميد كلية العلوم في الجامعة المستنصرية في بغداد قد قُتل طعناً بالسكين وأُلقيت جثته على قارعة الطريق حين منع تعليق اللافتات السوداء في عاشوراء داخل الحرم الجامعي، وهو ما قُوبل بموجة من الاحتجاجات بين الطلاب الشيعة الذين نظموا اعتصاماً دام أكثر من أسبوع رفعوا خلاله لافتات تهدد بـ « قطع رأس من يحارب الحسين »!

وطالبوا بإقالة العميد الذي اضطر إلى الاختفاء بناء على نصيحة الوزارة.

* الميليشيات تنشر الرعب بين طلبة الجامعات:

يقول أحد الطلبة في الجامعة المستنصرية: (إن الميليشيات الشيعية ذات الرداء الأسود فرضت جواً من الخوف والترويع داخل الكليات، وتلك الميليشيات أصبحت تتحكم بأمن الجامعة). وفي جامعة البصرة حصل اعتداء مسلَّح على عدد من طلبة وطالبات كلية الهندسة بجامعة البصرة كانوا في رحلة جامعية إلى جزيرة السندباد، من قِبَل « جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » المنبثقة من « جيش المهدي » التابع لـ « مقتدى الصدر »، بينما شهدت الجامعة المستنصرية إقامة معرض للكتاب الإيراني، وبيعت خلاله كتب شيعية تحريضية ومذهبية بأثمان بخسة.

* دعوات لتحييد الحرم الجامعي:

الدعوات تتزايد إلى أن يبتعد عمداء الجامعات والكليات ومعاونوهم عن التدخل المباشر في الحياة الجامعية والبقاء على الحياد؛ للتخفيف من أجواء الاحتقان الحزبي والطائفي داخل الجامعة. وصدرت مواقف « تأييد » للأساتذة في الجامعات، فمنظمة (كُتّاب بلا حدود) أصدرت بياناً أكدت فيه (تضامنها مع الأستاذ الجامعي العراقي لما يتعرض له من عمليات قتل وخطف وابتزاز وتشويه للسمعة في ظل غياب الدولة، وتحول الجامعة إلى ساحة لتصفية الخصوم الفكريين الذين يتعرضون في تعاطيهم مع الشأن العراقي للأحزاب الدينية الشيعية التي باتت تهيمن على الجامعات وتُطْبِق على أنفاس الجميع). ونوَّهت المنظمة التي تنشط في العراق عبر عدد من مثقفي البلاد وأكاديمييها إلى (تعرض الدكتور هاشم حسن الأستاذ في كلية الإعلام إلى الإرهاب والتهديد في أكثر من مناسبة، كما تعرضت عميدة الكلية الدكتورة حميدة سميسم لحملة تشويه إعلامية تبنّتها صحيفة تابعة لأحد الأحزاب الشيعية).

* العجز الحكومي عن حماية أعضاء هيئة التدريس:

وحيال « عجز » حكومي عن حماية الأساتذة، عملت « رابطة التدريسيين الجامعيين » على إشراك المؤسسات الأكاديمية الرسمية في « مهمة إنقاذ » الأساتذة والعلماء، فنظمت مؤتمر « الحريات الأكاديمية في الجامعات العراقية » في نوفمبر الماضي، وقُدِّم إلى المؤتمر سبعة عشر بحثاً علمياً جاءت في محاور عدة، أبرزها:

( أثر التدخلات الدينية والحزبية والطائفية في أداء المؤسسات الأكاديمية).

وانطلاقاً من مفهوم الحريات الأكاديمية أكد الجامعيون في مؤتمرهم على ما يلي:

1 - توفير المناخ الحر للأساتذة للكتابة والحديث عن الحقيقة كما يرونها بلا قيود، وبخاصة قيد إنهاء الخدمة أو الوظيفة من الإدارة العليا في الجامعة، أو من جانب السلطة السياسية في البلاد، بالإضافة إلى حق الأستاذ في توفير الحماية له من الضغوط، داخل الجامعة أو خارجها، حينما يمارس حقه في الإفصاح عن الآراء والحقائق التي يتوصل إليها في بحثه.

2 - العمل على ممارسة الجامعة دورها في شكل مستقل، وذلك من خلال السماح لها بوضع وتحديد وممارسة السياسات الخاصة بها، من دون أي تدخل أو كبح من أي جهة خارج نطاق حرمها الجامعي.

3 - إصدار التشريعات التي تكفل الحرية الأكاديمية في الجامعات إدارةً وعلماً وبحثاً وصيغاً تشريعية وتنظيمية ملزمة في المجالات المنهجية والإدارية.

إن عمليات تصفية الأكاديميين العراقيين التي تجري بصورة منظمة هي جانب من جوانب المأساة التي حلت بالعراق منذ الاحتلال، إذ تم استناداً إلى أكثر المصادر تحفظاً اغتيال ما يزيد على 500 أكاديمي، كما أن هناك المئات من المفقودين وآلاف الهاربين إلى خارج العراق؛ حفاظاً على حياتهم.

يدل هذا الوضع المأساوي على أن العراق لا يمر بعملية منظمة لإفراغه من العقول وأصحاب الكفاءات فحسب، وإنما يدل كذلك على أن الطبقة المتوسطة المتعلمة المدنية التي ترفض التعاون مع الاحتلال تتعرض لعملية تصفية كاملة، مما سيؤدي بالضرورة إلى تهديد مستقبل العراق.

إن حملة الاغتيالات هذه تستهدف الجميع؛ نساءً ورجالاً، وليس طائفة أو حزباً بعينه، وفي كل أنحاء العراق. وهي لا تستهدف اختصاصات علمية أكاديمية محددة، بل تستهدف كذلك أساتذة الجغرافيا والتاريخ والأدب بالإضافة إلى العلوم.

وعلى الرغم من كل هذه الاغتيالات لم يتم اعتقال أي فرد له علاقة بها.

إن الحل الوحيد الذي يوفر للعراقيين الاستقلال والحرية والعدالة وصيانة ثرواتهم البشرية ووضع حدٍّ لإرهاب الاحتلال وميليشيات التكفيريين الجدد؛ هو إخراج قوات الاحتلال الأنجلو - أمريكية من العراق وبأسرع وقت؛ فما دامت قوات الاحتلال باقية تتمتع بالحصانة القانونية التي توفر لها الحماية الكاملة عند ارتكابها الانتهاكات والجرائم وبضمنها جرائم قتل أبناء العراق ومنهم الكثير من الأساتذة والأكاديميين والعلماء فإنها ستبقى صاحبة القرار الحقيقي في بلاد الرافدين، وهي الآمرة الناهية، مهما ادّعى سياسيو وعملاء الاحتلال غير ذلك. وسيبقى الكلام عن (نشر الديمقراطية) و (تحويل العراق إلى أنموذج ديمقراطي مشع في المنطقة)، و (تحرير العراق من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان)؛ محض سفسطة وكذب وهراء.

:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)


 (1) سبق أن وضحنا هذا القول بأغلبية السنة في سكان العراق خلال عرضنا لكتاب الباحث العراقي طه الدليمي الموسوم بـ (الحقيقة الكاملة لأعداد سكان العراق سنة وشيعة)، والمنشور في مجلة البيان العدد (218) الصادر في (شوال 1426هـ).

 

أعلى