• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
فرنسا والدرس الأسباني

فرنسا والدرس الأسباني



انقلبت الطاولة مرة أخرى على فرنسا بعد مرور أشهر على الهجوم الذي استهدف صحيفة "شارلي إبدو" الساخرة التي سخرت من قيم المسلمين وقداسة دينهم على مر السنين.. ربما يقول قائل إن مهاجمة فرنسا أو الغرب عموما مصلحة إيرانية صهيونية مشتركة لزيادة الضغط على الإسلاميين في سوريا أو حتى في الشرق الأوسط عموماً، كذلك فإنه مصلحة لليمين المسيحي و اليهودي على حد سواء لا سيما مع زيادة أعداد المسلمين في العالم الغربي بفعل الهجرة التي نتجت عن حروب أوروبا و حلفاءها في الشرق، و الخوف الكبير من ملامح عملية تغير ديمغرافي قادمة لصالح المسلمين في أوروبا.

في ابريل/2014 صرح وزير الداخلية الفرنسي كلود غيون، قائلا إن تزايد عدد المسلمين في فرنسا يخلق مشكلة تمس مبادىء العلمانية. منذ زمن وفرنسا وساستها يضيقون على قرابة سبعة ملايين مسلم في الداخل الفرنسي بقرارات عنصرية مثل قضية منع الحجاب أو تحجيم دور أئمة المساجد في الدعوة وكذلك إطلاق يد اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان لتسخير وسائل إعلامه للتحريض على المسلمين.. صحيفة ليمون الفرنسية تطرقت في شهر يوليو الماضي، لتصريحات لــ"كريستيان ايستوري"، عمدة مدينة نيس، الذي وجه انتقادات حادة للمسلمين بوصفهم "الطابور الخامس" الإسلامي، و"شبكاته المتسللة في أقبيتنا، ومرابد سياراتنا وفي أماكن سرية". وجاء على ايستوري، المقرب من نيكولا ساركوزي بأن "الحصول على بطاقة التعريف الفرنسية لا يجعل منك فرنسيا"، مشيراً إلى أن الوقت قد حان "لاتخاذ إجراءات ضد " أعداء فرنسا الذين يحملون بطاقة تعريف فرنسية ".

ليس ذلك فحسب ما تدفع ثمنه فرنسا، بل أيضا مواقفها الخارجية، لماذا يغيب الإعلام الفرنسي دائماً مسألة الانتقام الإفريقي من المستعمر الفرنسي؟! كيف لا و فرنسا لا تزال إلى يومنا هذا تسيطر سيطرة فعلية على عشرات الدول الإفريقية و تسلب ثروات شعوبها قهرا.. المواطن الفرنسي الذي يدعي البراءة اليوم و ساسته الذين يمسحون دموع التماسيح، أين كانت دموعهم حينما دمروا العراق على ساكنيها بقنابلهم تحت ذريعة محاربة " الإرهاب"، كذلك " أفغانستان" و "مالي" و كذلك دعمهم السخي للإرهاب الصهيوني.  الجزائر هي الأخرى لها خبرة طويلة مع قصص " الإرهاب" الفرنسي أيضا.

صحيفة ليبيراسيون، التي تنتمي إلى وسط اليسار قالت "لم تشهد فرنسا مثل هذا المستوى من العنف حتى خلال أشد المعارك ضراوة في أوج الحرب في الجزائر خلال التسعينيات من القرن الماضي. إن القتلة استهدفوا فرنسا والسياسات التي تنهجها والدور العالمي الذي تضطلع به".

بدورها قالت صحيفة ليزيكو بصريح العبارة إن الضربات هدفها" ممارسة الضغوط على فرنسا من أجل حملها على وقف تدخلها في سوريا، فإن الجهاديين يسعون إلى تحقيق أهداف تنظيم القاعدة الذي عاقب إسبانيا بسبب تدخلها في العراق في إطار التحالف الذي أقامته آنذاك الولايات المتحدة....لم تتعرض إسبانيا إلى أي هجمات بعد انسحابها من العراق".

بغض النظر عن رفضنا التام لإستهداف المدنيين، و عدم إتفاقنا مع الرؤية  الغربية و الفرنسية خصوصا حول هوية المنفذين، إلا أن الهجمات المتكررة التي استهدفت فرنسا خلال الفترة الماضية تحتم على الناخب الفرنسي أن يعيد تقييم خياراته، وأن يجعل من الديمقراطية المزعومة وسيلة للمحافظة على استقرار أمنه واقتصاده على حسابه الخاص وليس على حساب الشعوب الفقيرة التي تعيش تحت رحمة صواريخ طائراته، لا يختلف الملهي الليلي الذي ضرب في باريس عن مدرسة الفاخورة التي ضربتها الطائرات الصهيونية في قطاع غزة وقتلت العشرات من الأطفال الأبرياء بدعم فرنسي، أو مئات الآلاف من الأفغان و العراقيين و الماليين الذين قتلوا بدعم مباشر أو غير مباشر من ساسة فرنسا..  إذا كانت فرنسا جادة في محاربة " الإرهاب" و الذي هو غاية نبيلة إذا ما كانت في وجهتها الصحيحة عليها أولاً التوقف عن " إرهاب" الآخرين في ديارهم..

" الإرهاب" بتوصيفه الصحيح لا يفرق بين مسلم وكافر بل يستهدف الأمن و الاستقرار للبشرية جمعاء، لكن فرنسا و حلفاءها الغربيين جعلوا " الإرهاب" استثماراً ناجحاً للتضييق على المسلمين و ابتزاز العالم الإسلامي برمته، و أول من فرح بذلك كان إيران و الكيان الصهيوني حيث سارع حسن روحاني لتعزية فرنسا و تضامنه معها و إستنكار " التطرف الإسلامي" بنفس الصيغة أيضا أخرج رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بياناً صحفياً يستنكر فيه " التطرف الإسلامي" قبل أن ترفع جثث القتلى من مكان الجريمة.. لذلك نعتقد أن تبعات الجريمة أشد تأثيراً من الجريمة نفسها، ولا أشك مطلقاً في أن المنفذين لا يرتبطون بأي صلة للعالم الإسلامي لأن الغاية من هذه التفجيرات زيادة الضغوط على الثوار في سوريا وتبرير أي تعاون استخباري إيراني غربي ضد الجماعات الإسلامية عموماً، ولو كانت الحرب ضد "داعش" كما يزعم الغرب لما سمح لبقائها في العراق و سوريا إلى يومنا هذا،  وهي تحكم وترسم و تبيع النفط و تدير الفنادق وتتاجر في دماء المسلمين.. الغرب الذي لاحق معمر القذافي في صحراء مقفرة ووصل إليه وكذلك أسامة بن لادن و صدام حسين لا يستطيع أن يصل لقادة "داعش" في العراق وسوريا وهم يعيشون بين ملايين البشر؟!.. ثم لماذا حينما يقتل مئة فرنسي يستنكر العالم الجريمة ويحشد قواته لحرب " الإرهاب الإسلامي" وحينما يموت مئات الآلاف من السوريين على يد النظام السوري يقف العالم الغربي مشلول اللسان بل ويرسل وفوده للتفاوض مع القاتل؟ً!

 

 

 
 

أعلى