• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
خطب الاستسقاء (دلالات استسقاء الأمم)

خطب الاستسقاء (دلالات استسقاء الأمم)

الحمد لله الغني الحميد، الرزاق المجيد؛ خلق الخلق فكتب آجالهم، وقدر أرزاقهم، وأحصى أعمالهم؛ فلا تخفى عليه خافية منهم، نحمده فهو أهل الحمد، ونشكره على ما أسدى من النعم، وما رفع من النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له {يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ} [الشُّورى:28] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان أكثر الناس فقرا إلى الله تعالى، وتضرعا إليه، وإلحاحا عليه، يجتهد في الدعاء حتى يسقط رداؤه عن منكبيه؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، ولوذوا به، وأعظموا الرغبة فيه، وأنيبوا إليه؛ فإن ربكم يجيب الدعوات، ويكشف الكربات، ويجود بالخيرات {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] 

أيها الناس: استغفروا ربكم لكشف كربكم، واستغفروه لسقيا أرضكم، واستغفروه لإنبات زرعكم، واستغفروه لكل شئونكم؛ فإن الاستغفار إقرار بالذنب، ودعاء بالمغفرة، ولا يمنع النعم ويُحِلُّ النقم مثل الذنوب؛ فإذا غفرت الذنوب بالاستغفار تتابعت النعم، ودفعت النقم، وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: يلجأ البشر في كروبهم إلى الله تعالى، ويعلمون أنه سبحانه أقرب إلى أحدهم من نَفَسِه، وأعلم بحاله منه، ولن يكشف كربه سواه؛ ولذا تتابع البشر من شتى الأمم ومختلف الديانات على الاستسقاء؛ فنُقل استسقاء عباد الأوثان المشركين على اختلاف معبوداتهم، كما عُرف عند الكتابيين بمختلف طوائفهم وفرقهم، وعلمه المسلمون بما شرعه لهم النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الاستسقاء وخطبتها ودعائها.

إن تتابع البشر على الاستسقاء له دلالات عظيمة ينبغي للمؤمن أن يفطن لها؛ ويقف عندها؛ ليدرك عظمة الاستسقاء:

 فمن تلكم الدلالات: اندحار الإلحاد والملحدين؛ فإن تتابع الأمم على الاستسقاء فيه إقرار الخلق بالله تعالى، واعترافهم بفقرهم إليه سبحانه، وبقدرة الله تعالى على إنزال المطر وإنبات الزرع.

والعجيب أنه في الحقبة الشيوعية لما نشر الشيوعيون إلحادهم في الأرض، أجدبت بعض البلدان الشيوعية فذلَّ الشيوعيون تحت وطأة الجدب والجفاف والحاجة للمطر، وسمحوا للمسلمين بالاستسقاء، وكان عتاة الملاحدة منهم يسخرون من استسقائهم، فلما سُقيت البلاد بدعوتهم؛ كان الغيث المبارك منقذا للقلوب من الإلحاد، وللأرض من الجفاف، فأقبل الناس على دين الله تعالى أفواجا، وسقط الإلحاد والملاحدة.

ومن دلالات تتابع الأمم على الاستسقاء: أن الله تعالى يسقيهم باستسقائهم ولو كانوا محرفين لدينهم كأهل الكتاب، أو مخترعين له كالوثنيين؛ لأنهم مضطرون، ودعاء المضطر مجاب ولو كان كافرا؛ ولأن الله تعالى لما خلق العباد كفل أرزاقهم؛ مؤمنهم وكافرهم، والماء من أعظم الرزق وأهمه لكل البشر، وهذا من رحمة الله تعالى ليبقى الجنس البشري ولا يفنى. فليست سقيا الكفار إذا استسقوا دليلا على صحة دينهم، بل دليل على أنهم مضطرون، والله تعالى يقول {أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]  

 ومن دلالات تتابع الأمم على الاستسقاء: أن الناس مفطورون على الهرع إلى الله تعالى في الشدائد والملمات، والتقرب له بأنواع القربات، قال الله تعالى عن اضطرار المشركين {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65].   

فحري بأهل الإيمان أن يعرفوا الله تعالى في رخائهم، ويكثروا من دعائه كما جاء في الحديث "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ" وفي الحديث الآخر قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ» رواه الترمذي.

ومن دلالات تتابع البشر على الاستسقاء: ما هديت له هذه الأمة المباركة من صور الاستسقاء الصحيحة، التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ونقلها عنه الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وتتابعت الأمة على نقلها حتى وصلتنا بلا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، فنحمد الله تعالى إذ هدنا للإسلام، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، فنستسقيه سبحانه بما رضيه لنا شرعا في الاستسقاء. فنؤجر على عبادة الاستسقاء مع ما ننعم به من الأمطار، وهذا لا يتأتى إلا للمؤمنين دون غيرهم.

نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه.

نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه.

نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه.

اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنْ اللَّأْوَاءِ وَالضَّنْكِ وَالْجَهْدِ مَا لَا نَشْكُوهُ إلَّا إلَيْك، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا، فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، وأمددنا بأموال وبنين واجعل لنا جنات واجعل لنا أنهارا.

 اللَّهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، وَحَيًّا رَبِيعًا، وَجَدًّا طَبَقًا غَدَقًا مُغْدِقًا مُونِقًا، هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا مَرْبَعًا مَرْتَعًا، سَائِلًا مُسْبِلًا مُجَلِّلًا، دِيَمًا دَرُورًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ؛ اللَّهُمَّ تُحْيِي بِهِ الْبِلَادَ، وَتُغِيثُ بِهِ الْعِبَادَ، وَتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ مِنَّا وَالْبَادِ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا زِينَتَهَا، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا فِي أَرْضِنَا سَكَنَهَا، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، فَأَحْيِي بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا، وَأَسْقِهِ مِمَّا خَلَقْت أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 عباد الله: حولوا ألبستكم تفاؤلا بأن الله تعالى سيغير حالنا، فينزل المطر علينا، وادعوه مستقبلين القبلة وأيقنوا بالإجابة.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أعلى