• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دول المركز عندما تفرض على العرب

دول المركز عندما تفرض على العرب

خيار الحمسنة!

لم يعد يخفى على رجل الشارع العربي البسيط حجم وشكل وكيفية تآمر التحالف الغربي الشرقي الواسع على ثورات العرب وعلى ربيعهم الذي تحول إلى شتاء دام ومروع!

ولم يعد يخفى عليه ذلك التآمر المفضوح على نضال العرب من أجل الحرية والكرامة والاستقلال والسيادة والحفاظ على ما تبقى من ثروات العرب المنهوبة ومحاولتهم الخلاص من الجوع والفقر والتخلف والمذلة، في ظل أنظمة عميلة مستبدة متسلطة زرعتها دول المركز المحتلة في أعقاب خروج احتلالها العسكري المسلح.

هذه هي الصورة الذهنية السائدة عند رجل الشارع العربي البسيط عن المتسبب الرئيس في الأوضاع الكارثية التي يعيشها العرب اليوم، وإن كان لا يحسن التعبير عنها بلغة المتخصصين أو المثقفين.

لقد أصبح الشارع العربي اليوم واعياً جداً أكثر من أي وقت مضى رغم حملات التجهيل والتشويه والتضليل والحروب الإعلامية على مدار القرن الماضي والمستمرة بكثافة، والتي تحاول أن تقنع العربي بأنه لم يعد تحت نير الاحتلال، سواء كان احتلالاً شرقياً أو غربياً، وأن بلاده أصبحت تنعم باستقلالها وبسيادتها، وإلا فلماذا ثار إذاً وضحى بحياته وحياة أبنائه؟!

بل لقد ترسخ ذلك في وعي العرب عندما ذهبوا مع الكذاب إلى بيت أهله ولعبوا معه اللعبة السياسية السلمية إلى آخرها، وكلما اقترب فوز العرب مع الكذاب وفق قواعد اللعبة المتفق على جميع بنودها، انقلب الكذاب عليهم وركل الطاولة وأنهى اللعبة بمأساة دموية مروعة!

رضي العرب في القرن الماضي بخروج المحتل عسكرياً وبقاء احتلاله السياسي والاقتصادي، على أن يعيشوا حياتهم بحرية تحت ظل هويتهم وقيمهم، فسلط عليهم كل المحتلين نظمهم العميلة التي أخذت تفرض عليهم قوانين التفسخ والانحلال والانحراف في كل مناحي الحياة.

ناضل العرب سلمياً من أجل مشاركةٍ سياسية تتيح لهم حماية ما تبقى من أخلاقهم وهويتهم وما تبقى في أفواه جياعهم من السرقة، فأوحى كل محتل إلى نظامه العميل بأن يتيح الفرصة لمسرحية ديمقراطية هزلية مزيفة يفوز فيها الرئيس المخلد بنسبة 99.9%.

ثارت الشعوب العربية سلمياً في وجه الطغاة وقالت لهم ولمن وراءهم كلمتها، فاستحل الطغاة دماء وأعراض الثائرين ونجحوا في استدراج بعضهم إلى خيار ثورات مسلحة هدمت الديار وأزهقت مئات ألوف الأرواح وهجّرت الملايين تحت سمع ونظر العالم المتقدم المتحضر، كما يزعم، والمتشدق بقيم حقوق الإنسان والديمقراطية، والمتفرج على أبشع المآسي والنكبات على مر التاريخ، وعلى غير خجل من إبداء الارتياح والسرور عندما يهشم الفخار بعضه بعضاً.

لقد شاهد العرب تآمر دول المركز مع أذنابها المحيطية الإقليمية على ثورات الربيع العربي السلمية غير الدينية وغير الراديكالية والمنادية بالديمقراطية وحقوق الإنسان التي حاول الثوار أن يصوغوها صياغةً ترضي دول المركز وتتقاسم معها المصالح، لكن دون جدوى؛ فدول المركز ونظمها العميلة أبت إلا الانتقام ولغة الدم والخراب وتلقين الشعوب الثائرة دروساً تاريخية دامية علّها تكفر بالثورة وبالكرامة وتتحسر على حقب الخنوع والاستسلام!

لقد رأى العرب تبادل الأدوار المكشوف بين دول المركز وأذنابها المحيطية الإقليمية ونظمها العميلة في عمليات الدعم غير المحدود للثورات المضادة في مصر وليبيا واليمن، حتى سورية التي لم يكن ليبقى النظام الإجرامي فيها لولا ذلك الدعم والتعاون والتفاهم الدولي على إبقائه.

لقد رأى العرب الظلم الكبير لنشطائهم ومثقفيهم وأحرارهم السلميين الديمقراطيين عندما اتهمتهم دول المركز بالإرهاب وجعلتهم في سلة واحدة مع المنظمات الجهادية المسلحة، حيث لم تفلح كل محاولات التودد والتنازل والانسلاخ عن الجلد للتفاهم مع الغرب والتوصل معه إلى حلول وسط، ولم يظفروا بالدفاع عن أنفسهم وعن ضحاياهم الذين سقطوا في العواصم والميادين؛ كما في صنعاء وميدان رابعة والنهضة ورمسيس وغيرها.

لقد رأى العرب ازدواجية دول المركز وكيلها بمكاييل مختلفة عندما تتعامى عن الإرهاب الفتاك الحقيقي الذي يقتل العرب صباح مساء؛ كإيران وإسرائيل والنظام الانقلابي في مصر وحزب الله والحوثيين وعشرات المنظمات الإرهابية الشيعية في سورية والعراق، دون أن تفعل تجاهها أي شيء، حتى مجرد التصنيف كمنظمات إرهابية أو دول راعية للإرهاب.

بعد كل هذا، وبعد إفشال ربيع العرب وسرقة ثوراتهم؛ اكتشف العرب عودة كامل التراب العربي للغرق في أوحال التبعية والخضوع المطلق والهزيمة النكراء في كل مجالات الحياة، ما عدا بقعة عربية صغيرة جداً، فما هي تلك البقعة يا ترى؟!

بعد رمضان وبعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وبعد الانتصار المدوي عالمياً وتاريخياً وكونياً لحركة المقاومة الفلسطينية «حماس» على أعتى جيوش المنطقة وأكثرها تسليحاً وتطوراً وتقدماً وتدريباً؛ اكتشفت الشعوب العربية العديد من الدروس، أهمها:

- أن بقية العرب هم من يعاني احتلال بلدانهم وفقدان السيادة على القرار وعدم الاستقلال في السياسات الخارجية والداخلية، وليس قطاع غزة المحرر!

- أن نضال العرب السلمي السياسي فقط دون العسكري أو نضالهم العسكري فقط دون السياسي؛ مجرد محاولات فاشلة، وأن النضال الصحيح هو ذلك النضال على الطريقة الحمساوية فقط، وهو نضال سياسي يرافقه سلاح مقاوم يحمي القرار السياسي ويسانده.

ولهذا فإن الحديث بدأ يتصاعد في الأوساط الشعبية العربية المنكوبة عن ضرورة استلهام النموذج الحمساوي في الصراع مع الكيان الصهيوني كخيار جيد وجدّي في التعامل مع دول المركز، التي تحارب من أجل حرمان العرب من استقلالهم ونهضتهم وسيادتهم، بل تعاملهم كقطعان في أراض محتلة وليس كشركاء في الحرية والإنسانية على هذا الكوكب.

فهل تعي دول المركز خطورة تعاملهم مع العرب كشعوب محتلة لا كرامة لها ولا سيادة لها ولا قرار؟!

إن عنجهية دول المركز وعدم احترامها خيارات الشعوب العربية وحقها في الاستقلال والسيادة والعيش الكريم والحرية والكرامة، وعندما تنهب منها كل شيء ولا تبقي لها أي شيء؛ فإن العربي المسلم لن يقبل بحياة الفقر والتخلف، وعندها سيضطر للخيار الحمساوي، وسينتزع حقوقه بالقوة كما انتزعت منه بالقوة، وسيكسب الجولة التاريخية القادمة لا محالة.

:: مجلة البيان العدد  329 محرّم  1436هـ، أكتوبر  - نوفمبر  2014م.

أعلى