• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الشيخ ماجلان في بحار الاديان

الشيخ ماجلان في بحار الاديان

  تخيَّل أنك تعيش في مدينة الآباء والأجداد تمارس حياتك اليومية في سلام لتُفَاجَأ ذات يوم مع أهل المدينة بسفينة هائلة ترسو على شاطئها، ثم ينزل منها أناس وهم يصيحون ويصخبون. وبعد هنيهة تكتشف أنهم يُعبِّـرون عن فرحتهـم بـ «اكتشاف أرض جديدة» (أي: مدينتك). وبعد فترة يجري الإعلان عالمياً عن اكتشاف الأرض الجديدة التي أُطلِق عليها اسمٌ جديد وسُمِّي شعبها باسم جديد، وأُنعِم عليهم بالمصطلح «المُتحفي»: السكان الأصليون.
هكذا كان الحال في عصر «الكشوفات الجغرافية»؛ حيث مئات من المغامرين يجوبون البحار بحثاً عن كشف جديد(قديم) ينالون به المال والشهرة، ولم يمتلك أغلبهم مهارات وقدرات مثل المغامرِين الأكثر شهرة: كريستوفر كولومبوس، وفاسكو دي جاما، وماجلان؛ فبعضهم قنع باكتشاف جزر نائية مهجورة، وبعضهم ذهب يبحث عن الهند فوجد أمريكا، وهكذا أصبح «سكانها الأصليون» هنوداً؛ لأن مكتشفها أخطأ الطريق، ثم أصبح الهنود أعداءً؛ لأنهم تجرؤوا ودافعوا عن أرض آبائهم وأجدادهم.
وفي عصرنا الحالي يعيد بعض المشتغلين بالدعوة والعلم الشرعي أمجاد المكتشفين الأوائل، ولكن تحت عنوان جديد: «الكشوفات الفقهية».
إذ يوجد عدد لا يستهان به ممن يجوبون الكتب والمراجع والوقائع بحثاً عن قديم يعيدون اكتشافه في ثوب جديد تتغير فيه المقاصد والمآلات والعلل والأحكام لتتناسب مع غايات المكتشفين الجدد.
تخيل أنك تتعبد الله - تعالى - بحكم فقهي أجمع عليه فقهاء بلدك المشهود لهم بالفقه والدراية، واستقر العمل عليه مئات السنين دون تغيير، ثم فجأة يخرج بعضهم صائحاً صاخباً على طريقة «أرخميدس»: وجدتها... وجدتها... معلناً أن ملايين المسلمين الذين تعبَّدوا الله بهذا الحكم الشرعي كانوا على ضلالة، والسبب هو ظهور «أدلة جديدة»، وكأن الفقه يجري إنتاجه في المعامل والمختبرات.
إن نموذج «الشيخ ماجلان» الذي يجوب الآفاق بحثاً عن حكم فقهي يعلنه «كشفاً علمياً» ثم يقلبه رأساً على عقب مسمياً الأشياء بغير اسمها الذي تعارف عليه الناس مئات السنين، هو نموذج متكرر يصل إلى مستوى الظاهرة، فقائمة الأحكام الفقهية المستهدَفة طويلة، ويمكن بالنظر إلى أوَّلها تَوقُّع ما في آخرها، مما لم يناله «المكتشفون الجدد» حتى الآن.
إنه لا يمكن بحال تكرار أخطاء السابقين من السكان الأصليين، بمعنى آخر لا يمكن أن يتحول المسلمون إلى «هنود حمر»، فالأمر يحتاج إلى نهضة علمية شاملة تجدد ما اندرس من أحكام الإسلام، وتُرسخ ما تَهدَّد منها... هذه هي الرؤية الاستباقية التي يحتاجها المسلمون حالياً، فَلْنكتَشف نحن ثوابتنا الفقهية ونجددها ونرسخها قبل أن يصلها «الشيخ ماجلان» وأمثاله.
 

أعلى