• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
"الجرف الصامد" ينهار تحت أقدام "حماس"

"الجرف الصامد" ينهار تحت أقدام "حماس"

 

كشف العدوان الأخير على غزة عن عديد من الحقائق الجديدة التي تشكّلت على الأرض واعتبرها المراقبون نقلة نوعية في الصراع الذي أصبح فلسطينياً - إسرائيلياً بعد أن كان عربياً - إسرائيلياً، وكان أهم تلك المفاجآت هي شبكة الأنفاق التي حفرتها حركة حماس تحت غزة وامتدت حتى مشارف المستوطنات الإسرائيلية، والتي اعتبرت بمنزلة فشل استخباراتي إسرائيلي يضاف إلى الفشل الآخر المتعلق بتطوير حماس صواريخها؛ ليصبح التهديد على الكيان الصهيوني من فوق الأرض ومن تحتها.

وعن هذا الموضوع كتب شين هاريس في دورية فورين أفيرز الأمريكية بعنوان «شبكة أنفاق حماس الممتدة تؤكد الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي»[1]، حيث قال: إن تلك الشبكة من الأنفاق تمثل التحدي الأكبر الذي يطارد الجيش الإسرائيلي، حيث إن تلك الشبكة معقدة بشدة وفاجأت المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، وأسفرت عن مصرع عدد كبير من الجنود الصهاينة، إضافة إلى أسر أحدهم، وأوقعت الرعب في قلوب عديد من الشعب الإسرائيلي الذين يسكنون في المناطق القريبة من مخارج تلك الأنفاق.

وقد صرح مسؤول إسرائيلي كبير - رفض الكشف عن اسمه - بأن الجيش اكتشف عدداً كبيراً من الأنفاق يتخطى الأربعين نفقاً، وهو ما أرعب القيادة الإسرائيلية، التي فوجئت بتحصينات أسمنتية للأنفاق وسعتها التي تستوعب عدداً من المقاتلين الحمساويين بقدرات تخزين طعام وأسلحة وإنارة، وتصل إلى المغتصبات الصهيونية، كما أظهرته عملية ناحال عوز التي خرج منها مقاتلو حماس من تحت الأرض لمهاجمة منشأة عسكرية إسرائيلية قبل أن يقتلوا كل من فيها.

وقد أدت العمليات الحمساوية إلى إيقاع عدد كبير من الجنود الصهاينة أزعج الرأي العام وأربك المحللين الصهاينة الذين شككوا في معرفة الاستخبارات الإسرائيلية بالقصة الكاملة لتطور حركة حماس ومدى تهديدها أمن إسرائيل وقدرتها على الوصول إلى عمق البلاد في فترة لاحقة عن طريق الأنفاق، ما يستدعي حساباً عسيراً لأجهزة الاستخبارات فور انتهاء العمليات البرية ووقف إطلاق النار بعد مصرع 59 إسرائيلياً، منهم 57 جندياً، حتى الأول من أغسطس، بحسب البيانات العسكرية للجيش الصهيوني.

وفي أكتوبر 2013 اكتشف الجيش الإسرائيلي نفقاً طويلاً يمر تحت كيبوتز «عين حاشلوشا» شرق الحدود مع غزة، امتد بطول 1.5 ميل وبعمق 66 قدماً تحت الأرض، وقدر الجيش الإسرائيلي أن حماس استخدمت 350 طناً من الأسمنت لبناء ذلك النفق، وهي كمية تكفي لبناء مبنى ارتفاعه ثلاثة طوابق فوق الأرض، واستخدمت تقنيات لإخفاء مخلفات الحفر عن طريق وضعها في أجولة دقيق ومنتجات غذائية لخداع الاستخبارات الإسرائيلية وعملائها المحتملين في القطاع.

وقد صرحت مصادر من الجيش بأن القوات الجوية الإسرائيلية رصدت أجولة تأتي من تحت الأرض يتم نقلها في مناطق من قطاع غزة، وافترضوا أنها شحنات غذائية، ولم يعلموا أن حماس تبني مدينة كاملة من الأنفاق تحت غزة، وصرح مصدر من الجيش الإسرائيلي بأن تلك «كانت طريقة ذكية للغاية لخداع الجيش الإسرائيلي وعدم قصفه عمال الحفر».

ويقول جيورا إيلاند، المستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي، إنه من المستحيل أن تتم مراقبة كل شبر في غزة على مدار الساعة من أجل معرفة أماكن حفر الأنفاق، كما أنه لا توجد تقنيات تكشف ما في باطن الأرض على عمق 60 قدماً وتقوم بالمسح الشامل في كل قطاع غزة، ويضيف أنه بناء على ذلك فإن «معظم المعلومات كانت ناقصة ومبتورة بشأن أبعاد شبكة الأنفاق وعددها وأماكنها»، إضافة إلى عدم وعي القيادة الإسرائيلية بمدى تغلغلها وما تمثله من خطورة تفوق خطورة صواريخ حماس، والتي كان تركيز الجيش الإسرائيلي كله على منع إطلاقها من غزة.

وقد أنفق الجيش الإسرائيلي ملايين الدولارات على أبحاث متعلقة بكيفية كشف الحركة تحت الأرض عن طريق وضع مجسات على مسافات أعمق من الأنفاق من أجل رصد أي حركة تحدثها أدوات الحفر، واستمرت الأبحاث ثماني سنوات دون نتيجة تذكر حتى الآن، ولم تنفق إسرائيل المزيد على تلك الأبحاث بسبب تركيزها الكامل على تطوير منظومة القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ، والتي أثبتت أنها لا تعمل بكفاءة مقبولة أيضاً.

وهذا يجعل الجيش الإسرائيلي يراقب قطاع غزة كله من الجو عن طريق الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة لبناء صورة لـ «نمط الحياة» الطبيعية في غزة من أجل رصد أي تغيرات أو تحركات مشبوهة من مقاتلي حماس؛ وذلك لكشف مداخل الأنفاق التي عادة ما تكون داخل منازل.

ويقول الخبراء العسكريون الصهاينة إن الفشل الاستخباراتي الحالي يقارن بفشل إسرائيل في رصد نوايا مصر وسورية قبل شن حربهما على إسرائيل عام 1973، كما أدى ذلك الفشل إلى عدم قدرة إسرائيل على حسم المعركة سريعاً لأنه لم يكن لديها ما يطلق عليه «بنك أهداف» في القطاع، لذلك سقط عدد كبير من المدنيين، وهو ما استجلب إدانة دولية وضغطاً سياسياً على نتنياهو لسحب قواته ووقف إطلاق النار من جانب واحد، وذلك بعد تكبد الكيان الصهيوني عدداً كبيراً نسبياً من القتلى والجرحى في قواته، ووصول الصواريخ الحمساوية إلى عمق الكيان الصهيوني، وشلها حركة الطيران والسياحة وكافة أوجه الحياة في الكيان، لا سيما بعد استدعاء ما يقارب 60 ألف جندي من الاحتياط، وهو ما مثل انتكاسة كبيرة للكيان الصهيوني في تلك المواجهة مع حركة حماس.

وفي تحليل لشبكة سي إن إن الأمريكية، خلص هارون ديفيد ميللر إلى أن هناك عدة متغيرات في العدوان الحالي على غزة، من أهمها: عدم وجود وسيط نزيه يثق به الجانبان، ففي عدوان 2012 لعبت مصر دور الوساطة وأنهت الحرب في أسبوع واحد بسبب نفوذ حكومة د. مرسي على حركة حماس، لكن اليوم فإن الولايات المتحدة والأمم المتحدة والنظام المصري كلهم فشلوا في الوساطة، كما كانت حساباتهم خاطئة بشأن قدرات حماس واستعدادها هذه المرة لإطالة أمد الصراع بمفاجآتها الجديدة، بما في ذلك خطف جندي إسرائيلي، وبدت الحركة عازمة على تحقيق هدفها وهو رفع الحصار عن القطاع[2]، لكن يرى الكاتب أن الجانبين أفرطا في التوقعات؛ فحكومة نتنياهو هي الأخرى تهدف إلى نزع سلاح حماس، وهو هدف يبدو بعيد المنال وصعب التحقق، لا سيما بعد النجاحات الملحوظة التي حققتها الحركة مؤخراً، ما يطيل أمد الصراع، حيث إن كلاً من الجانبين لديه هدف غير واقعي ويسعى إلى تحقيقه ودون وساطة تستطيع فرض رؤيتها على الجانبين.

ويرى الكاتب أن أحد أسباب إطالة أمد الصراع هو ما اعتبره «ضعفاً سياسياً» لحركة حماس في الداخل بعد إذعانها للشراكة في حكومة وحدة وطنية مع حركة فتح لا تتمتع فيها حماس بصلاحيات تذكر، لذلك فإن إعادة استخدامها لخيار المقاومة هو هروب للأمام من حركة حماس من أجل استعادة زخمها ونفوذها السياسي، لا سيما بعدما عمل الكيان الصهيوني على إفشال تلك الحكومة وإعلانه معارضتها منذ اليوم الأول لها.

وقد ذكرت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية أن قوات الجيش سحبت معظم قواتها من غزة، وذلك رغم عدم صدور قرار رسمي لإنهاء عملية «الجرف الصامد» التي بدأتها إسرائيل على قطاع غزة منذ ما يقرب من الشهر.

وأوضحت الصحيفة أن القوات المتبقية في غزة تعمل حالياً على تدمير نفق آخر قرب رفح. كما أن هناك وحدات أخرى تتواجد في بيت حانون. وذكرت أن الجيش قرر الإبقاء على بعض القوات داخل القطاع لحماية التجمعات الإسرائيلية القريبة من الحدود.

وقال بيتر ليرنر لوكالة فرانس برس «نحن نسحب بعض (القوات) ونعيد نشر أخرى في قطاع غزة ونتخذ مواقع أخرى»، مؤكداً أن «العملية مستمرة»، وجاء ذلك تزامناً مع كشف حماس عن بندقية قنص صناعة القسام باسم «غول» على اسم شهيدها عدنان الغول، من عيار 14.5 ملم بمدى قاتل يصل إلى 2 كم، ما يعني أنها سلاح فتاك قال عنه قادة صهاينة إنه ربما يفسر العدد الكبير من الإصابات الحرجة بين صفوف الجنود الإسرائيليين، وقد يكون قناصة حماس هم السبب الرئيس لسحب إسرائيل قواتها من مشارف قطاع غزة.

لذلك؛ فإن حماس استطاعت أن تحقق نجاحات نوعية في العدوان الإسرائيلي المعنون بـ «الجرف الصامد»، والذي انهار تحت أقدام حركة حماس وإنجازاتها التي بهرت بها العالم في ظل حصار خانق، لتستطيع تصنيع مختلف أنواع الأسلحة والصواريخ والطائرات دون طيار، وتصد العدوان الإسرائيلي على غزة وتمنعه من تطوير هجومه وتحبسه على مشارف القطاع بخسائر بشرية فادحة نسبياً، ما اضطره إلى ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية وفضحه أمام المجتمع الدولي وخروج مظاهرات حاشدة في معظم دول العالم ضد وحشيته، أدت إلى موجة من مقاطعة العلماء والأكاديميين ومقاطعة اقتصادية من رجال الأعمال للكيان الصهيوني، كان آخرها بيع جورج سوروس حصته في شركة «صوداستريم» الإسرائيلية التي يقع مقرها الرئيس في إسرائيل ومصانعها في مغتصبة معاليه أدوميم بالضفة الغربية[3].

وكل تلك الإنجازات من حركة حماس أعادت إلى الواجهة خيار المقاومة من جديد، لا سيما مع فشل المسار السلمي في تحقيق أي نجاحات تذكر على طريق إنشاء الدولة الفلسطينية، فيما توسعت إسرائيل في بناء مستوطناتها واستمرارها في تهويد القدس ورفضها التام إنشاء دولة فلسطينية فاعلة ذات سيادة على أراضيها، ما أدى إلى تقوية الأصوات المؤيدة للمقاومة، بما فيها حركة فتح ذاتها، وهو ما مثل نجاحاً سياسياً وأدبياً لحركة حماس قبل أن يكون إنجازاً عسكرياً غير مسبوق لحركة إسلامية عربية في مسيرة الصراع مع إسرائيل.

 

 :: ملف خاص بعنوان "غزة تقاوم

:: مجلة البيان العدد  327 ذو القعدة 1435هـ، سبتمبر  2014م.


[1]  Extensive Hamas Tunnel Network Points to Israeli Intelligence Failure, SHANE HARRIS, Foreign Policy, JULY 31, on: http://thecable.foreignpolicy.com/posts/2014/07/31/extensive_hamas_tunnel_network_points_to_israeli_intelligence_failure_harris .

[2] Gaza war: The terrifying truth, CNN, By Aaron David Miller, August 1, 2014, on: http://www.pri.org/stories/2014-07-28/israels-campaign-gaza-widening-israel-still-unlikely-re-occupy .

[3] Soros fund drops shares in Israel’s SodaStream, Mahmoud Kassem, August 2, 2014, The National, on: http://www.thenational.ae/business/industry-insights/economics/soros-fund-drops-shares-in-israels-sodastream#ixzz39Np2U9PC  .

 

 

أعلى