• - الموافق2024/04/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
"العدالة والتنمية" بين التمكين واحتمالات الانقلاب

"العدالة والتنمية" بين التمكين واحتمالات الانقلاب


  شهدت تركيا خلال الأيام والأسابيع الماضية أحداثًا وتطورات مهمة ومقلقة، وخشي المراقبون والمحللون من خروج الأمور عن السيطرة، في ظل تزايد الهجوم الداخلي والخارجي على الحكومة التركية برئاسة أحمد داود أوغلو والرئيس رجب طيب أردوغان، وكذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم، وزادت هذه الأحداث والتطورات من الضغوط على صانعي القرار في تركيا.

اتخذت الحكومة التركية على إثر ذلك قرارات بغلق الكثير من مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، برغم أن هذه القرارات صدرت بناء على أحكام قضائية، إلا أن الرئيس أردوغان وحكومته لم يسلما من ألسنة الناقدين وقذائف المهاجمين، والاتهامات المتوالية بالرغبة في السيطرة على كل مؤسسات الدولة وإنهاء النظام الديمقراطي في البلاد وإقامة نظام حكم إسلامي استبدادي فاشي، حسبما يصفونه.

إن الصراع الذي بدأ بين حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان مع حركة الخدمة بزعامة فتح الله كولن في عام 2011م وبلغ ذروته في عام 2013م، لم يتوقف ولن يتوقف بمجرد صدور أحكام قضائية أو تصريحات من هنا أو هناك، بل هو صراع صفري بين طرفين يدرك كل منهما قدرات الآخر ونقاط ضعفه، خاصة أنهما كانا حليفين سابقين، وسيستمر هذا الصراع عدة سنوات حتى يقضي أحدهما على الآخر، ولا يبدو في الأفق أي احتمال للتصالح أو المهادنة.

خلال ستة عشر شهرًا تقريبًا، استطاعت الحكومة التركية كشف العديد من أنصار حركة الخدمة - الكيان الموازي كما يسميها أردوغان وحكومته وحزبه - في جهاز الشرطة، وخاصة المتهمين بالمشاركة في عمليات التنصت على أردوغان وعدد من وزراء حكومته، وألقت الحكومة القبض على العشرات من هذه العناصر، من بينهم مسؤولون كبار ومدراء أمن، كان آخرها اعتقال عدد من الضباط كانوا يعملون في وحدة الجريمة المنظمة والاستخبارات.

في الوقت نفسه يشتد الصراع بين حزب العدالة والتنمية من جهة والقوى العلمانية من جهة أخرى، وقد برزت حدة هذا الصراع بشكل واضح في الانتخابات الرئاسية الماضية، والتي لجأت فيها القوى العلمانية إلى ترشيح وتأييد أكمل الدين إحسان أوغلو، رغبة منها في سحب البساط من تحت أقدام أردوغان وحزبه، باعتبار أوغلو أحد الرموز الإسلامية التي لها تاريخ في العمل في المنظمات الإسلامية، وعلى رأسها منظمة التعاون الإسلامي التي كان أمينًا عامًا لها.

ولم تتوقف محاولات العلمانيين لتحجيم أردوغان وحزبه، وليس لديهم خطوط حمراء في سبيل ذلك، ولا ضرر عندهم في التحالف مع خصومهم التقليديين من أمثال حركة الخدمة وغيرها.

خطوات الحكومة:

تعمل الحكومة التركية ومعها حزب العدالة والتنمية على تهيئة الأوضاع تمامًا لصالحهما قبيل الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في السابع من شهر يونيو المقبل، حيث يسعى الحزب إلى الحصول على الأغلبية المريحة التي تمكنه من تعديل الدستور، دون الاضطرار إلى التحالف مع أي من الأحزاب الأخرى التي تقف عائقًا أمام تعديل الدستور، لتحويل نظام الحكم في تركيا من النظام البرلماني القائم حاليًا إلى النظام الرئاسي، ويبرر الحزب ذلك بأن النظام الحالي وصل إلى طريق مسدود، وأنه لا بد من هذا التعديل لضمان الاستمرار في النمو والتقدم.

وفي سبيل تهيئة الأوضاع وتحقيق أكبر قدر من الاستقرار خلال الفترة المقبلة، قدمت الحكومة مشروع قانون أمني جديد أطلقت عليه اسم «الحزمة القانونية لحماية الحريات» إلى البرلمان حيث شهد الكثير من الشد والجذب، ووصل الأمر إلى عراك بالأيدي بين النواب داخل قاعة البرلمان، إلا أن ذلك لم يثنِ الحكومة وحزب العدالة والتنمية عن المضي قدمًا في طريقهما، وتم التصويت لصالح القانون في 27 مارس الماضي، ووقع عليه الرئيس التركي في الثالث من أبريل، ومن أهم ملامح هذا القانون أنه يعطي الشرطة الحق في توقيف الأشخاص المشتبه بهم 48 ساعة عوضًا عن 24 ساعة دون المثول أمام قاضٍ، واستخدام الأسلحة النارية ضد من يستخدم أو يحاول استخدام قنابل المولوتوف أو المتفجرات أو المواد القابلة للاشتعال وغيرها، ومنع حمل أو رفع شعار أو لافتة أو زي أي من الأحزاب المحظورة في تركيا، أو إخفاء الوجه بشكل جزئي أو كلي، كما يمنح الشرطة صلاحية التنصت على المكالمات الهاتفية دون إذن من المحكمة، ويتيح نقل بعض صلاحيات المدعين إلى الرؤساء الإداريين المعيّنين كالمحافظين وغيرهم.

أحداث مريبة

معارضو أردوغان والكيان الموازي لا يقفون مكتوفي الأيدي في مقابل ما يفعله أردوغان وحزبه وحكومته، فقد واجه أردوغان وحكومته عدة أزمات وضربات قوية خلال الفترة الأخيرة، نذكر منها ما يلي بإيجاز:

انقطاع مفاجئ في الكهرباء عم معظم المناطق والأقاليم التركية، على رأسها مدن رئيسية منها أنقرة وإسطنبول وإزمير، ما تسبب في حالة من الشلل التام في البلاد، وهو ما تسبب في خسائر مادية باهظة بلغت في أدنى التقديرات ١٠٠ مليون دولار في كل ساعة استمر فيها انقطاع التيار الكهربائي، وقد استمر انقطاع التيار لمدة ثلاث ساعات على الأقل، بينما رجحت تقديرات أخرى أن يكون حجم الخسائر أكبر من ذلك بكثير.

لم تكد تنتهي أزمة انقطاع الكهرباء ويبدأ الأتراك في متابعة أمور حياتهم مجددًا، حتى بدأت أزمة أخرى، حيث أقدم مسلحان ينتميان إلى حزب جبهة التحرر الشعبي الثوري المحظور، على احتجاز المدعي العام في إسطنبول محمد سليم كيراز، وطالبا بالكشف عن أسماء عناصر الشرطة الثلاثة المتورطين في مقتل الطفل بركين إلفان (15 عامًا) على يد الشرطة خلال أحداث «جيزي بارك» في إسطنبول، وتقديمهم اعترافًا علنيًّا ومحاكمتهم، وقد انتهت عملية الاحتجاز بمقتل المدعي العام والمسلحين.

وحزب جبهة التحرير الشعبي الثوري حزب يساري تركي تأسس في 1978م وقام بتنفيذ عدة اغتيالات في الثمانينات من بينها رئيس الوزراء التركي السابق حينها نهاد إرم، وتصنفه تركيا ضمن المنظمات الإرهابية.

اقتحام أحد المكاتب التابعة لحزب العدالة والتنمية بإسطنبول بعد إخلاء المبنى، ورفع علم تركي يظهر عليه سيف، وبعد ساعات قليلة، وقع هجوم مسلح على المركز الرئيسي للأمن العام في إسطنبول من قِبل انتحارية يشتبه بانتمائها لحزب جبهة التحرير الشعبي الثوري.

ومن خلال المتابعة والتحليل الدقيق لهذه الحوادث، يتضح وجود رابط خفي بينها، ما يشير إلى تكاتف جهات مختلفة وتعاونها مع بعضها، لتحقيق أهداف خبيثة من وراء تلك العمليات القذرة، فحادث احتجاز المدعي العام في القصر العدلي بإسطنبول جاء بعد حادث انقطاع الكهرباء عن معظم مدن تركيا، وربما استغل المسلحون انقطاع الكهرباء لدخول القصر العدلي بهويات مزورة في ظل تعطل نظام المراقبة.

ومع ذلك، فإن ردود أفعال أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو على تلك الأحداث، تشير إلى أنهم كانوا يتوقعون تلك العمليات، من أجل تحقيق مصالح لأصحاب هذه المؤامرات والحيل قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي ينتظرها الحزب بفارغ الصبر لأنها ستكون مرحلة فاصلة في تاريخه وتاريخ قادته الكبار، وربما مرحلة مهمة في تاريخ تركيا الحديث.

تحالف العسكر والقضاء:

وفي ظل هذه الأحداث المتتالية، أصدرت محكمة تركية حكمًا ببراءة أكثر من 200 عسكري، أعيدت محاكمتهم بتهمة التآمر في 2003م بهدف إسقاط الحكومة التركية، والغريب أن قرار الاتهام، جاء فيه طلبُ المدعي العام تبرئة كافة المتهمين، معتبراً أن الأدلة ضدهم غيرُ دامغة، كما ذكرت شبكتا إن تي في، وسي إن إن ترك، وفي هذا الأمر ملاحظات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، إلا أنها تشير بوضوح إلى مدى توغل جهة ما في السلك القضائي، تجعل من المدعي العام محاميًا عن المتهمين.

إن تحالف العسكر والقضاء في تركيا أمر قديم قدم ترسيخ العلمانية في تلك البلاد، وكان هذا التحالف عاملًا مهمًا في كافة الانقلابات التي شهدتها تركيا في تاريخها الحديث، وإن كان أردوغان قد نجح خلال السنوات الماضية في توجيه الضربات المتوالية لجنرالات الجيش وتقديمهم للمحاكمة، فإن المؤشرات على عودة هذا التحالف مجددًا قد بدأت في الظهور، وهذا يمثل خطرًا كبيرًا على حزب العدالة والتنمية، بل على مسيرة التقدم والنمو في تركيا.

وإن ما يزيد من احتمالات عودة هذا التحالف بقوة، هو خوفهم من نجاح حزب العدالة والتنمية في حصد الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تعديل الدستور بالشكل الذي يريده، وهو ما يعني ضمنيًّا أن الحزب ضمن السيطرة الكبرى - ولفترة طويلة - على سلطات الحكم في البلاد وكل ما يتبعها وخاصة القضاء والقوات المسلحة، وأنشأ سدًا منيعًا أمام أي محاولة للانقلاب العسكري، وهو ما لا يريده العسكر ويسعى لمنع تمكن الحزب من الوصول إليه.

خلافات حزب العدالة والتنمية:

على الرغم من كل ما أشرنا إليه من مؤامرات تستهدف حزب العدالة والتنمية وقادته، وبرغم أن هذا يمثل خطرًا كبيرًا على الحزب، بل على الدولة التركية ذاتها، إلا أن الأخطر من ذلك هو ظهور صراع كبير في صفوف حزب العدالة والتنمية، لا ينكره أي من المتابعين للحزب وتصريحات قادته ومسؤوليه، التي باتت لا تخلو من الإساءة والتجريح لبعضهم البعض، وهو ما يشير إلى أن الخلاف ليس وليد الفترة الأخيرة، ولكنه خلاف كبير، سعى المسؤولون في الحزب لإبقائه خفيًّا قدر إمكانهم، إلا أنه كان لا بد أن يتصاعد الخلاف ويظهر علنًا في ظل عدم وجود قيادة قادرة على حل الخلاف باكرًا ومنعه من التصاعد.

إن الخلاف بين قادة ورموز حزب العدالة والتنمية، بل بين الرئيس التركي ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو، وكذلك بين الرئيس الحالي والرئيس السابق عبدالله جول، هو أمر غير محمود على الإطلاق، وإن لم تسارع قيادات الحزب الحكيمة لحل هذا الخلاف باكرًا فإن العواقب ستكون وخيمة للغاية، وقد بدأ بعض الكتاب المقربين من قيادات الحزب في الحديث صراحة وضمنًا عن هذه الخلافات وتداعياتها السيئة، وبما أن الحزب على أبواب الانتخابات البرلمانية التي يسعى لفوز ساحق فيها، فإنه لا ينبغي له أن يواصل مسيرته دون حل لهذه الخلافات، حفاظًا على تركيا أولًا وعلى نفسه ونهجه ثانيًا.

هل يقع انقلاب؟

ليس من المرجح أن تشهد تركيا انقلابًا عسكريًّا خلال الفترة المقبلة، وذلك لأسباب كثيرة، ليس من بينها أن العسكر لا يرغبون في الانقلاب، ولكن لأن بنية الدولة التركية اليوم أقوى من أن يسيطر عليها عدد من الجنرالات بسهولة، وأن الإجراءات والخطوات التي اتخذها حزب العدالة والتنمية على مدى 13 عامًا مضت جعلت ذلك الأمر صعب المنال، وكذلك شعبية حزب العدالة والتنمية بين صفوف الشعب التركي هي أكبر مانع أمام العسكر في التفكير بأي انقلاب في الوقت الحالي.

ولهذه الأسباب ولأسباب أخرى، ليس أمام أعداء حزب العدالة والتنمية، بمن فيهم العسكر، إلا محاولة التأثير على شعبية الحزب ومنعه من تحقيق أهدافه المرحلية الحالية، وخاصة منعه من الحصول على الأغلبية المطلقة في الانتخابات المقبلة، واستمرار المؤامرات والحيل ضده، إلى حين تتغير الظروف وتصبح الإطاحة بالحزب أمرًا سهل المنال.

:: مجلة البيان العدد  336 شعبان  1436هـ، مايو - يونيو  2015م.

 

googleplayappstore

أعلى