اجتياح الضفة الغربية

اجتياح الضفة الغربية

يعيش الفلسطينيون والصهاينة خلافاً حول «المطاردة الساخنة» لجيش الاحتلال بمناطق (أ) بالضفة الغربية للمطلوبين الفلسطينيين، وفيما يطالب الأمن الفلسطيني بتسلم المعلومات الأمنية من الصهاينة والقيام باعتقال وملاحقة أولئك المطلوبين يرفض الكيان الصهيوني ذلك، ويطالب بأن يقوم بنفسه بالملاحقة، والسلطة باتت تخشى على ضياع ما تبقى من هيبتها وسيادتها في الضفة الغربية.

وشكل اندلاع الانتفاضة الأخيرة منذ أكتوبر 2015م، وتوسع رقعة العمليات الفلسطينية ضد الصهاينة، وسقوط 33 قتيلاً صهيونياً وإصابة أكثر من 250 آخرين فرصة لجيش الاحتلال لاستباحة كافة مناطق الضفة الغربية، بدعوى المطاردة الساخنة للمطلوبين الأمنيين الفلسطينيين، دون تمييز بين مناطق (أ، ب، ج).

وقد قسم اتفاق أوسلو 2 بين الفلسطينيين والصهاينة عام 1995م الضفة الغربية البالغة مساحتها 5,844 كم2 إلى ثلاثة أقسام: الأول مناطق (أ) وتضم المراكز السكانية الرئيسة، وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة أمنياً وإدارياً، ومساحتها 18% من الضفة، والقسم الثاني مناطق (ب) وهي القرى والبلدات الملاصقة للمدن، الخاضعة لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية صهيونية، بنسبة 21% من الضفة، والثالث مناطق (ج) ومساحتها 61% من الضفة، وهي الوحيدة المتلاصقة وغير المتقطعة في الضفة، وتقع تحت السيطرة الصهيونية الكاملة أمنياً وإدارياً.

التنسيق الأمني:

يعتبر إصرار الكيان الصهيوني على اقتحام مناطق (أ) بالضفة الغربية مؤشراً على رغبته في توتير الأوضاع الأمنية مع الفلسطينيين، ومؤشراً على رفضه الأخذ بتوصيات المستويين الأمني والعسكري الصهيونيين المطالبة بمنح السلطة الفلسطينية تسهيلات في الضفة وعدم اقتحام مناطق (أ)، ما يعني أن الكيان الصهيوني لديه تقدير سياسي خاطئ يضر المنطقة، لأنه قد يفجر الأوضاع أكثر مما هي عليه حالياً، وهو ما قد يحفز السلطة الفلسطينية للبحث في آليات الرد على هذه الخطوات، كالدعوة لوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإعادة النظر في مصير الاتفاقيات السياسية الموقعة معه.

وكان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أعلن في 9 أبريل أن حرية عمل جيش الاحتلال في مناطق (أ) أمر مقدس، فيما هدد نفتالي بينيت وزير التعليم الصهيوني، في اليوم ذاته، بزعزعة أركان الائتلاف الحكومي إذا تم تقليص عمليات الجيش في هذه المناطق لأن سيطرة الجيش عليها ضمانة لأمن الكيان.

يكمن هدف الكيان الصهيوني من المطاردة الساخنة بمناطق (أ) بالضفة في ملاحقة واعتقال المطلوبين أمنياً للكيان، ممن يخططون لتنفيذ عمليات مسلحة ضده، وتشبههم مخابرات الكيان الصهيوني بالقنبلة «المتكتكة» التي قد لا تحتمل إجراء التنسيق مع الأمن الفلسطيني لاعتقالهم، مما يستغرق بعض الوقت، وينجح المطلوب في التخفي عن عيون الأمن الفلسطيني، وتنفيذ هجمته، وقد أسر الكيان الصهيوني 3 آلاف فلسطيني بين أكتوبر ومارس الماضيين.

من الواضح أن السلطة الفلسطينية تعتبر مناطق (أ) وحدة واحدة لا تقبل التجزئة، وترفض فكرة الانتقاص منها، وتصر على عودة السيادة الفلسطينية الكاملة عليها، واحترام الكيان الصهيوني لهذه السيادة، وعدم انتهاكها لأي سبب، وقد طلب مسؤولون فلسطينيون من نظرائهم الصهاينة في الأسابيع الأخيرة استعادة هذه السيادة عليها وفق جدول زمني محدد وقصير دون تأخير، في ظل أن الفلسطينيين لم ولن يوافقوا على الطرح الأمني الصهيوني المسمى المطاردة الساخنة.

يصر الكيان الصهيوني على استمرار المطاردة الساخنة للفلسطينيين بمناطق (أ)، برغم تأكيد قائد المنطقة الوسطى بجيش الاحتلال روني نوميه يوم 8 أبريل أن السلطة الفلسطينية تعزز نشاطاتها ضد منفذي العمليات فيها، وإذا كان الكيان الصهيوني منذ اندلاع موجة العمليات في أكتوبر الماضي مسؤولاً عن 85% من مكافحتها في الضفة الغربية، فيما تؤدي السلطة الفلسطينية دوراً بنسبة 15%، فإن المعادلة تغيرت منذ مارس الماضي، حيث تقوم السلطة بـ40% من النشاطات الأمنية، والكيان الصهيوني بـ60%، بحسب قوله.

مع العلم أن المطاردة الساخنة موضوع قديم جديد لم يتغير عند الصهاينة، وبرغم أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تقدم خدمات جليلة للأمن الصهيوني، وهي تقوم بحماية المشروع الصهيوني وليس المشروع الوطني الفلسطيني، لكن جيش الاحتلال لا يثق أحياناً بالمعلومات التي تقدمها له، مما يضطره لدخول مناطق (أ) مباشرة، ويقضي على ما تبقى من هيبة شكلية للسلطة الفلسطينية في الضفة، ويجعلها حريصة فقط على إبقاء شبكة مصالحها مع الصهاينة لصالح بعض المتنفذين فيها دون علاقة بالقضية الوطنية الفلسطينية.

السيطرة الميدانية:

دخول الانتفاضة شهرها السابع، ومواصلة جيش الاحتلال اجتياحه لمناطق (أ) يطرح علامات استفهام حول مصير المفاوضات الأمنية للجانبين منذ مارس الماضي، حول إعادة انتشار صهيونية في مدن فلسطينية، كـ: رام الله وأريحا، لكن استمرار المطاردة الساخنة قد يشير لرغبة الكيان الصهيوني اقتطاع بعض أراضي الضفة، وإبقاء سيطرته الأمنية عليها بأسماء مختلفة، كـ: مناطق أمنية، أو التدخل الساخن، أو حماية المستوطنات.

تعتبر المطاردة الساخنة مسألة ثابتة في النهج العسكري الصهيوني، وهناك قناعة بين الفلسطينيين بأنها تتم مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وهذا التنسيق يزداد يوماً بعد يوم، بإحباط العمليات الفدائية، وتبادل اعتقال المقاومين الفلسطينيين بين أجهزة أمن الجانبين، مما يشير لعدم جدية السلطة الفلسطينية في تحذيراتها بوقف التنسيق الأمني، ويمنح الكيان الصهيوني الغطاء الأمني في مطارداته الساخنة ضد الفلسطينيين.

لتقريب الصورة إلى القارئ، فإن جيش الاحتلال يدخل مناطق (أ) كما يشاء، وينفذ فيها مطاردات ساخنة، وأحياناً يبلغ السلطة الفلسطينية، ويطلب منها معلومات أمنية عن بعض المجموعات المسلحة، ثم ينسحب من المنطقة، كما يحصل بمدن الخليل ونابلس وجنين ورام الله بعد اعتقال من يريد من المطلوبين.

هناك نقطة جديرة بالانتباه، وهي أن استمرار الكيان الصهيوني بالمطاردة الساخنة يلبي له القبول الشعبي بين الصهاينة، ويمنحه الحصول على معلومات أمنية دقيقة وكثيفة عن الضفة أكثر من الأمن الفلسطيني، وهو يفضل وجود أجهزته الأمنية بجانب نظيرتها الفلسطينية في الوقت ذاته داخل الضفة لحفظ الأمن بنسبة كاملة.

أخيراً.. ليس من الواضح في الأفق القريب أن الكيان الصهيوني قد يوقف مطارداته الساخنة ضد المطلوبين الفلسطينيين، مع استمرار الانتفاضة، في ظل عدم قدرة السلطة الفلسطينية، المغلوبة على أمرها، على وقفها أو كبح جماحها، لا سياسياً ولا عسكرياً، مما يقضي تدريجياً على ما تبقى من سيادة وهمية منحها اتفاق أوسلو لها على معظم مناطق الضفة الغربية.

:: مجلة البيان العدد  348 شـعـبـان  1437هـ، مــايو 2016م.

أعلى