الصهاينة يشجِّعون الوطن البديل

الصهاينة يشجِّعون الوطن البديل


في ذروة انسداد أفق التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ظل الحكومة الحالية، والتقدير السائد بألا يحدث اختراق جدي مع الحكومة القادمة؛ يتداول الجانبان أفكاراً «من خارج الصندوق» لإيجاد حلول مؤقتة للوضع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ولئن كانت بعض هذه الأفكار تعتبر بنظر كثير من صناع القرار في المنطقة من أرشيف الماضي، لكن الوقائع المستجدة يومياً تجعلهم يلجأون لمحاولة استعادتها من كتب التاريخ، ومحاولة تهيئتها لتكون سياسة واقعة، في ظل تهاوي السلطة الفلسطينية، وفقدانها لمزيد من الأدوار والمهام.

الحديث يدور بصورة واضحة عن فرضية العودة بالأراضي الفلسطينية لما قبل حرب عام 1967، حيث كانت مصر تدير قطاع غزة، فيما الأردن يشرف على شؤون الضفة الغربية، ورغم أن نتائج الحرب «أزاحت» البلدين إلى حدودهما، وجاء الاحتلال الإسرائيلي للقيام بهذا الدور، لكن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسور خلال السنين الـ 40 الماضية، وبات الجميع أمام مفترق طرق قد يؤدي إلى مسارين جديدين، أولهما إعادة تشكيل خريطة فلسطين، وثانيهما فرض إسرائيل لحدودها الأمنية مع دول الجوار.

الفكرة ليست وليدة اللحظة، فقد دعا إليها «أريئيل شارون» من حزب الليكود و«يغآل ألون» من حزب العمل في سبعينيات القرن الماضي، ولئن كانت جميع الأطراف تبدي رفضها «العلني» لها، لكنها في لقاءات مغلقة بعيدة عن وسائل الإعلام تطرحها للنقاش، وتجري مفاضلة بين سلبياتها وإيجابياتها، مكاسبها وخسائرها، وقد اتضح ذلك عبر جملة من التصريحات الضمنية لمسؤولي الأطراف ذات العلاقة.

ففي حين طالب رئيس السلطة محمود عباس في لقاء خاص جمعه مؤخرا بمستشاريه وقادة حركة فتح، بالاستعداد لسيناريو الكونفدرالية مع الأردن، في ظل عدم وجود طرف إسرائيلي شريك في عملية السلام؛ التقى الأمير حسن ولي العهد الأردني السابق وفداً فلسطينياً رفيع المستوى من الضفة الغربية، وأوحى لهم أن الأردن أخرج منها تحت ضغط حرب 67، ما فهم على أنه رغبة منه في العودة إليها مجدداً.

لكن التسريبات الإسرائيلية كانت أكبر من أن يتم إخفاؤها حين كشف النقاب عن زيارة سرية قام بها رئيس الحكومة «بنيامين نتنياهو» في الأيام الأخيرة إلى عمان، ولقائه الملك عبد الله الثاني، وطرح معه مسألة الكونفدرالية مع الفلسطينيين، ورغم عدم تلقيه موافقة أو رفضاً على الفور، لكن ذلك اعتبر في تل أبيب موقفاً مطمئناً قد يشجعها على اتخاذ مزيد من المواقف ضد السلطة.

وطالما أن الوضع الإداري والسياسي للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية يأخذ منحى تهميشياً بصورة تدريجية، فإن الإسرائيليين يتعاملون مع فرضية إلقاء الضفة في حضن الأردن على أنها باتت قابلة للتحقق أكثر من أي وقت مضى، طارحين في سبيل ذلك مصطلحات جديدة على غرار «الدولة الأردنية الهاشمية الفلسطينية الموحدة»، و«الجمهورية الاتحادية فلسطين - الأردن».

بل إن عضو الكنيست «آرييه إلداد»، أحد أبرز قادة اليمين الإسرائيلي، جمع تواقيع 6 آلاف يهودي حول العالم يطالبون بإعلان الأردن دولة فلسطينية، وبلغ عدد أعضاء الكنيست الداعمين للفكرة 42 نائباً ووزيراً من أصل 120، من كافة كتل الائتلاف الحاكم، على اعتبار أن 75 ٪ من مواطني الأردن فلسطينيون، ويشكلون النخبة الأولى في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية.

في المقابل، هناك جو عام في إسرائيل مؤيد لخطوة مفادها «أعطوا غزة لمصر»، خاصة بعد تَدخلها الأخير في الحرب السابقة، والرغبة في إيصال رسالة لها بتولي مزيد من المسؤوليات عن احتياجات الفلسطينيين من الغاز والماء والكهرباء، لعدد من الأسباب، أهمها: أنه لم يعد هناك شيء في غزة تبحث عنه إسرائيل بعد مرور أكثر من 7 سنوات على الانسحاب أحادي الجانب، ولا يوجد مستوطنون تدافع عنهم، ولا تحتاج قافلات لحراستهم.

كما أكد تقرير الأمم المتحدة الأخير أن غزة مع حلول عام 2020 لن تكون صالحة للعيش الآدمي، فضلاً عن كون السلطة الحاكمة فيها، وهي حماس، تعتبرها إسرائيل غير قانونية!

كل هذه الأسباب وسواها دفعت بارتفاع مزيد من الأصوات الإسرائيلية المطالبة بتوسيع قطاع غزة جنوباً نحو مناطق سيناء والعريش والشيخ زويد، تطبيقاً للانفصال النهائي عنه، وإقامة حدود ثابتة غير قابلة للاختراق، والتعامل معه كسورية ولبنان، وما يتطلبه ذلك من تفعيل لمعبر رفح قدر الإمكان ليستجيب لاحتياجات الغزيين.

الاعتبار الأمني لدى إسرائيل بدفع غزة نحو مصر هو الأكثر تشجيعاً، وهو ما عبّر عنه الجنرالان «غيورا آيلاند»، رئيس مجلس الأمن القومي السابق والمنظر الاستراتيجي لخطة الانسحاب من غزة، و«يعكوف عميدرور»، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الحالي؛ بالقول إن مصر لا تحب إسرائيل صحيح، لكنها تريد هدوءاً على حدودها، تماماً كما هو الحال مع سورية، حيث يسود الهدوء هضبة الجولان منذ أكثر من 40 عاماً وليس بينهما اتفاق سلام!

كما يعتبر وجود أكثر من 1.5 مليون فلسطيني في غزة مشكلة ديموغرافية لإسرائيل ما زالت محلقة في سمائها، ما قد يعني أن الوقت المناسب للتخلص منها حالياً؛ إما بقيام دولة منفردة في القطاع تقودها حماس، أو دفعه نحو مصر وتحويله إلى جزء منها، حينها لن يتعامل العالم مع إسرائيل كدولة محتلة، وإذا واصل الفلسطينيون إطلاق الصواريخ من هناك، يحق لها أن ترد عليهم بقوة، إلى حين التوصل معهم لما يعتبره الجانبان هدنة لفترة طويلة جداً!

العودة للتاريخ قد تبدو مفيدة عند نقاش قضية آنية، بالإشارة إلى أن مثل هذه الخطة الإسرائيلية وضعت عام 2004 عندما اتبعت سياسة «الضم الزاحف» لقطاع غزة باتجاه مصر، إما بإلحاقه كاملاً بها، أو تخصيص بعض أراضيها لحلّ مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والسكانية.

ويتمثل ذلك بإضافة 600 كم من شمال سيناء لقطاع غزة لبناء ميناء ومطار ومدينة يسكنها مليون فلسطيني، مقابل منح مصر 150 كم من النقب الجنوبي، وتقديم مساعدات دولية لها، وفتح نفق يمرّ عبر إيلات لربط الأردن بمصر برياً، فيما تمنح إسرائيل 600 كم من الضفة الغربية لاستقرار حدودها والدفاع عنها.

ومما قد يجعل إسرائيل تنجح بتسويق خطتها تجاه غزة الآن ترديد مزاعم بأن حماس تستطيع الحصول على ما تريده من أسلحة وذخيرة ومتفجرات وتدريبات، ومع ذلك، فإن بعض المحاذير الأمنية لهذه الخطة من شأنها تقييد وتقليص حرية التحرك الإسرائيلي ضد غزة، بفعل تسلم مصر أي دور مباشر على أراضي القطاع، ما سيحرمها من القدرة على مراقبة حركة الحدود بين غزة ومصر.

:: مجلة البيان العدد 309 جمادى الأولى 1434هـ، مارس - إبريل 2013م.

 

 

أعلى