شكل الحكومات المقبلة وخيارات المقاومة المستقبلية

شكل الحكومات المقبلة وخيارات المقاومة المستقبلية


أهم سيناريوهات تشكيل الحكومة المقبلة والمستقبل السياسي:

أولاً: استمرار حكومة نوري المالكي لأربع سنوات جديدة:

وهو احتمال وارد، بل هو الاحتمال الأكثر وقوعاً، فالمالكي على استعداد لفعل أي شيء وتقديم أية تنازلات مقابل ولاية جديدة يكمل من خلالها مشروعه في السلطة، والمالكي في الوقت ذاته يحوز رضا كل من إيران والولايات المتحدة اللاعبَين الأساسيين الممسكَين بأطراف اللعبة في العراق مع غياب اللاعب الأساسي المفترض الذي هو المقاومة العراقية بوصفه لاعباً أولاً أو ثانياً أمام اللاعب الآخر الذي هو الاحتلال.

المتغير الأساس الذي لا بد من أخذه في الحسبان أن سياسية حكومة المالكي واستهدافها لأهل السّنّة كما هو بائن من حقيقة نهجها الطائفي سوف لن يكون على الوتيرة ذاتها التي كان عليها خلال السنوات الأربع المنصرمة، بل سيعتمد إستراتيجية جديدة تنطلق من غياب أي دور فاعل لقوى المقاومة المسلحة في حماية مناطق السّنّة، وما أن يرتب أوضاع وزاراته وخاصة الإتيان بقيادات جديدة سنية أو شيعية موالية له بالمطلق في وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني؛ فإنه سيعمد إلى:

1. نزع ما تبقى من أسلحة الصحوات بعد أن استنفدت قوات الاحتلال غاياتها منها، واستمرار حصارها واستهدافها من قبل أطراف متعددة لكل منها سببه الوجيه، ويبقى القول أنها ستتلاشى وستنتهي وستكون أول ضحايا الولاية الثانية لحكومة المالكي التي اعتمدت سياسة استبدال الصحوات غائمة الولاء إلى مجالس الإسناد ذات الولاء المطلق للمالكي الذي أسسها وأوكل مهمة الإشراف عليها إلى نائبه في زعامة حزب الدعوة علي الأديب.

2. إقصاء ما تبقى من السّنّة في الأجهزة الأمنية وشراء ذمم الآخرين الذين يعلنون الولاء المطلق للمالكي.

3. حصار مناطق السّنّة وتجويع أهلها والتنكيل بهم بهدف إرغامهم على هجرة مناطقهم، إن لم يكن تغييب شبابهم في السجون أو الموت على يد فرق الموت الجديدة التي يقودها المالكي، وتكرار ما حدث في أعقاب حادثة تفجير مرقدي سامراء.

4. شل القدرات الاقتصادية لأهل السّنّة ومحاصرتهم في سُبل عيشهم للغرض ذاته في الفقرة السابقة.

5. استبدال قيادات الجيش السّنيّة التي أظهرت ولاءً جزئياً للمالكي بقيادات جديدة ولاؤها المطلق له للتنكيل بأهل السّنّة على يد أبناء السّنّة لزرع العداوة والبغضاء بينهم، على شاكلة ما كان يفعله الرئيس الراحل صدام حسين حين كان يولي أمر قمع أي تحرك مناوئ له في منطقة ما أو عشيرة ما لأبناء تلك المنطقة أو العشيرة (حادثة مقتل حسين كامل المجيد صهر الرئيس الراحل صدام حسين المجيد وابن عمه على يد أبناء عمومته من آل المجيد).

خلاصة القول: ستكون الولاية الجديدة للمالكي هي الصفحة الثانية من مخططه الطائفي، وهي الأخطر في إطار إستراتيجية إفراغ بغداد من أهل السّنّة بالتنسيق مع إيران وهو هدف مشترك بينهما.

ثانياً: حكومة شراكة بين قائمتي علاوي والمالكي:

وهو احتمال قائم يعكس رغبة أمريكية بتخفيف التوتر الأمني في الساحة العراقية لاستكمال انسحابها المجدول، والتفرغ لحربها على تنظيم القاعدة في الشريط الحدودي الأفغاني الباكستاني وفي داخل أفغانستان، وهي الحرب الخاسرة منذ تسع سنوات حتى الآن، حيث خسرت أكثر من خمسة آلاف قتيل وأكثر من ألف ومائتي مليار دولار دون أن تحقق أهدافها، بل ازدادت القاعدة انتشاراً في المغرب الإسلامي وشمال غرب إفريقيا وحتى في الدول الأوروبية، بل في اليمن التي لا زال زعيم القاعدة فيها حراً طليقاً يتجول بحماية القبائل اليمنية حيث يشاء، وفي الصومال وبحر العرب والمحيط الهندي، وكذلك في العراق حيث اعترف الأمريكان ببقاء بنية تنظيم القاعدة سليمة، وازدياد قوة ونشاط ووجود تنظيم القاعدة الذي لم تستطع قوات الاحتلال إعلان القضاء عليه، وقد بدأت نشاطاته تزداد قوة وظهوراً بتناسب عكسي مع خفض عدد قوات الاحتلال وتحول مهامها إلى مهام فنية واستشارية بالمقام الأول، هذه المعطيات تشكل تهديداً لحكومة الشراكة المفترضة، وهو الخطر الذي أربك خطط أصحاب القرار الأمريكي بين إكمال الانسحاب المجدول مع زيادة قوة الدولة الإسلامية في العراق، وبين ضعف القدرات القتالية والأمنية للقوات العراقية الجديدة التي تحتاج إلى عدة سنوات قادمة ليست قبل عام 2020، وبين إستراتيجية الولايات المتحدة المعلنة منذ استلام باراك أوباما إدارة البيت الأبيض بتغيير ساحة الصراع أو الحرب على الإرهاب (الإسلام) من العراق إلى الشريط الحدودي الأفغاني الباكستاني حيث القنبلة النووية والاشتباه بالعلاقة بين الاستخبارات الباكستانية وحركة طالبان، وبين هذا وبين فشلها، بل هزيمتها في أفغانستان وحاجتها الملحة إلى المزيد من القوات المنسحبة من العراق إلى أفغانستان مع تراجع في تعهدات قوات حلف الناتو باستمرار قتالها في أفغانستان، وصعوبة تجنيد المزيد من الجنود الأمريكان للذهاب إلى أفغانستان بعد حالة انهيار المعنويات التي يعانيها جنودها هناك، وأخيراً فشل الجنرال الجديد بترايوس حتى الآن في رهانه على نسخ تجربة الصحوات العراقية التي أنقذت قواته من الهزيمة في العراق ربيع 2007 ونقلها إلى أفغانستان.

خلاصة القول: ستكون حكومة الشراكة المحتملة حكومة ضعيفة ومتنازعة فيما بين مكوناتها، وسيكون مكون ما منها بحاجة إلى تحالفات جدية مع فصائل المقاومة لإعادة تسليح وتدريب وتأهيل مقاتلي تلك الفصائل في مواجهة دولة العراق الإسلامية بعد تخلي الولايات المتحدة عن الاستمرار في هذه المواجهة، وهو خيار قد تلجأ إليه أية حكومة قادمة.

ثالثاً: حكومة إياد علاوي:

لا زالت قائمة ائتلاف العراقية برئاسة إياد علاوي تصرّ على أنّها صاحبة الاستحقاق القانوني لتشكيل الحكومة ورئاستها من قبل مرشحها الوحيد إياد علاوي، ومع أن احتمالات تخلي المالكي عن السلطة والسماح لعلاوي بتشكيل الحكومة احتمالات ضعيفة، إلا أنها تبقى قائمة.

وقد تجد بعض قيادات المقاومة صعوبة في إقناع قيادات أخرى بضرورة استمرار إستراتيجية المقاومة باستهداف الاحتلال وأعوانه في التعامل مستقبلاً مع حكومة إياد علاوي؛ لأسباب كثيرة تصب في خانة الثقافات الجديدة التي لم تحتكم إلى الأسس الأولى التي كانت سائدة في البدايات الأولى لانطلاقة المقاومة، منها: أن علاوي هو أفضل السيئين، أو الأصح هو الأقل سوءاً من بين جموع السيئين، وهو علماني وغير طائفي، وهو من جذور بعثية، وإن قائمته تم انتخابها من قبل السّنّة، وإن أغلب قياداتها هم قيادات السّنّة وما إلى ذلك من الأفكار التي تريد الالتفاف على منطق العمل المقاوم الذي لا يميز بين هذا وذاك من المصنفين بوصفهم أدوات مشروع الاحتلال، فليس بينهم سيء أو أقل سوءاً أو غيره، بل هم جميعاً في الحكم ذاته وإنْ تغيرت الأسماء والوجوه وتبدلت الأقنعة.

قائمة علاوي تلقى قبولاً واسعاً من بعض أطراف المقاومة الرئيسية؛ لارتباط أغلب قادتها بعلاقات قوية مع الكثير من قادة المقاومة والقوى المناهضة للاحتلال، وهناك لقاءات سبقت الانتخابات واتفاقات وعهود ووعود استمرت بعد إعلان النتائج.

إن مجيء حكومة برئاسة علاوي بكامل سلطاتها احتمال ضعيف لكنه احتمال قائم، وسيؤدي إلى:

أ. عودة مكثفة للبعثيين إلى الأجهزة الأمنية والجيش والوظائف المدنية مصحوبة بضغوط من حكومات دول اللجوء ستشمل حتماً غير البعثيين للعودة إلى العراق والمشاركة في العملية السياسية والتغيير من داخلها، فمع الانسحاب الأمريكي لم تعد الحكومات العربية ترى مبرراً لحمل السلاح بين العراقيين، وهي لا تعترف بالأشكال الأخرى من الاحتلال الأمريكي المقنَّع أو غيره من الاحتلالات الأخرى، وهي أيضاً ليست معنية بالمقاومة أو مشروعها الذي حملته من أجله السلاح.

ب. دخول البعثيين في العملية السياسية بصورة مباشرة، وإن كان بعناوين أخرى وبقادة جدد من غير أصحاب التاريخ المعروفين في العمل الحزبي والسياسي والوظيفي، مع استمرار مطالبتهم باستحقاقاتهم بوصفهم فصائل شاركت في المقاومة المسلحة.

جـ. استثمار إياد علاوي علاقاته مع دول الجوار للضغط على قيادات وكوادر المقاومة المسلحة والقوى المناهضة للاحتلال للقبول بالواقع الجديد والقيام بالعمل السياسي عوضاً عن العمل المسلح كأي حزب أو كتلة سياسية مقابل عفو عام وشامل.

د. استغلال الرموز السنية من قادة قائمة علاوي لعلاقاتهم مع بعض قادة المقاومة لدخول فصائلهم أو للدخول منفردين في العملية السياسية استجابة لإغراءات مالية أو سلطوية، وهو هدف من أهداف حرمان المقاومة من التمتع بثمرة ما وإن كانت ثمرة محرمة، وهو ما قد يفرض الاتفاق على تشكيل إطار ما يجمع الجميع ويتحدث باسم الجميع، ويتفاوض ويدخل باسم الجميع كأي كتلة أو قائمة أخرى، وهو احتمال قائم لكنه صعب التحقيق بسبب رفض قواعد المقاومة وكوادرها الوسطية لمثل هذه التوجهات.

رابعاً: حكومات هلامية:

يتحدث الكثير عن احتمالات تدخل الأمم المتحدة، أو تشكيل حكومة إنقاذ وطني، أو حكومة انتقالية أو عسكرية أو لجوء الولايات المتحدة إلى ترتيب انقلاب عسكري، وغيرها من الدعايات التي تملأ صفحات الانترنت ويصدقها بعض الناس ممن هم في ساحة المقاومة، بل يبني عليها بعضهم الآخر، وهي ليست أكثر من خيالات تشيعها بعض الجهات في المعسكرين الاحتلال والمقاومة، وكلٌّ له غاياته وأهدافه المختلفة.

والولايات المتحدة لا يمكن لها القبول بأي من تلك الحلول التي لا تعني أقل من الرجوع إلى المربع الأول، أي إلى ما كان عليه العراق سياسياً يوم 9 نيسان 2003، وهو ما يعني الإقرار بفشل الأنموذج الديمقراطي وعدم احترام التعددية والعملية السياسية التي أقرها الشعب العراقي عبر دستور وانتخابات وبرلمان منتخب وحكومة منتخبة أيضاً، وإن كانت جميعها على الأسس التي وضعتها قوات الاحتلال.

خامساً: حكومة الطاولة المستديرة أو الحكومة التوافقية:

التراجع الوحيد الذي قد تلجأ إليه الولايات المتحدة بعد غلق الأبواب جميعها أمام تشكيل حكومة عراقية على شكل ما أشرنا، أو شكل آخر يتمثل بحكومة طاولة مستديرة تلتقي عليها الأطراف الداخلة في الانتخابات الأخيرة ويتم التوافق على (حكومة شراكة وطنية توافقية) بالاتفاق بين رموز البلد وقادته من السنة والشيعة والأكراد بصرف النظر عن نتائج صناديق الاقتراع، ويتم تسمية هذا وذاك بالتوافق، وهو مبدأ تقر به الولايات المتحدة، حيث إن الديمقراطية في العراق ليست على وفق الديمقراطيات الأخرى في العالم، فهي ديمقراطية توافقية في المناصب السيادية، وهي ديمقراطية تحاصصية عرقية طائفية، وهي غير خاضعة لصناديق الاقتراع إلا شكلاً، كما في تجربة الجمعية الوطنية الانتقالية ومن بعدها البرلمان السابق، أي هي ليست ديمقراطية إلا بالشكل العام.

سادساً: الخيار الأخير:

الخيار الأخير الذي قد ترى الولايات المتحدة والأمم المتحدة أنهما مضطرتان إليه هو إعادة الانتخابات في أنحاء العراق كله، وهي عملية قد تستغرق على الأقل عاماً كاملاً من الإعداد لها وإجرائها والإعلان عن نتائجها وتشكيل حكومة جديدة، بينما يبقى الوضع في العراق هشاً كما هو عليه الآن بيد حكومة المالكي مع غياب لأبسط أشكال الدولة ومقوماتها.

أعلى