الهسبرة العبرية وصناعة الرأي العام

الهسبرة العبرية وصناعة الرأي العام


النظرية التطبيقية لصناعة الرأي العام الخارجي بالنسبة للكيان الصهيوني لم يضعها شخص غير مختص أبداً بل وضعها أحد أبرز مؤسسي المشروع الصهيوني في فلسطين الصحفي النمساوي ثيودور هرتزل حينما كتب في افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية «دي وولت»، في الثالث من يونيو عام 1897م: «يجب أن تكون وتتحول هذه الصحيفة إلى درع حامية للشعب اليهودي، وتكون سلاحاً ضد أعدائه». كلمات هرتزل لم تكن معالجة نظرية لصناعة رأي عام لليهود في العالم لاسيما بسبب العداء العميق لهم في الغرب، بل أصبحت اليوم نظرية تطبيقية حافظ عليها مؤسسو المشروع الصهيوني سراً وعلناً، فقد أنشأت الحركة الصهيونية قبل عام 1948م إذاعة خاصة لليهود اليهودي وطبعت 14 صحيفة بينها 4 ناطقة باللغة العربية، ومن بين تلك الصحف هأرتس ويديعوت أحرونوت وهما اليوم من أكبر مصادر المعلومات في الشأن الصهيوني.

إذا أردنا الخوض بعمق في دائرة صنع واستهداف الرأي العام بالنسبة للمشروع الصهيوني برمته فإنه لم يكن فقط عبارة عن مشاريع حزبية يتبناها اليسار واليمين لتحقيق مكتسبات سياسية على الساحة الداخلية وتستخدم في إطار المناكفات الداخلية بالصراع حول مقاعد الكنيست أو المحاصصة الحكومية بين الكتل البرلمانية، بل إنها أيضاً جزء من منظومة الدولة الأساسية مثل هيئة البث الصهيوني «مكان» والمواقع التي تمولها وزارة الخارجية الصهيونية مثل موقع المصدر وإسرائيل بالعربية وi24، وكذلك الصفحات الاجتماعية التي يشرف عليها الجيش والموساد وجهاز الأمن الداخلي. كلها جهود متلونة من حيث الشكل لكنها تتفق جميعاً في الرسالة.. ومع ظهور الإعلام الإلكتروني وتشكل الكثير من التكتلات التي تصنع معركة الوعي ضد المشروع الصهيوني في العالم الإسلامي والعربي بدأت الحكومة الصهيونية تصنع كيان اتصالات محترف للتصدي لتلك التكتلات من خلال مزيج من أجهزة السايبر ذات الطبيعة الاستخبارية وأجهزة الإعلام وصناعة الرأي العام التي تستهدف تبييض صفحة اليهود في العالم الإسلامي ومحاولة الحد من الكراهية والعداء الموجه لهم بسبب الصراع في فلسطين المحتلة.

السايبر

يدعم الجيش الصهيوني منذ يوليو 2015م مشروع «سايبر» متضخم يتم من خلاله إشراك مجتمع التقنية والمعاهد والجامعات والشركات الخاصة في المنظومة الأمنية بدعوى محاربة التحديات الجدية التي تهدد الأمن القومي الصهيوني، ويتضمن هذا المجال (الحوسبة، والشبكات، والأنظمة الإلكترونية، والواقع الافتراضي)، وخصص الجيش وحدة مختصة ضمن وحدات الجيش للإشراف على هذا الأمر وتخضع مباشرة لإشراف رئيس هيئة الأركان غادي آيزنكوت.

وفقاً للتوصيف فإن وحدة السايبر، التي تتعاون الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش بدعم من الوحدة (8200) مع قسم الحوسبة لإنشائها، هي أداة من أدوات توفير المعلومات للجيش لمساعدته في اتخاذ القرار والقدرة على التخطيط والتنفيذ.

بموجب التخطيط العسكري الصهيوني فإن وحدة السايبر ستكون واحدة من ضمن أربع وحدات تابعة للجيش وهي البحرية والاستخبارات والجوية والبرية، وتمتلك مقرات خاصة بها، أما في ما يخص الوحدات الثلاث الأولى فهي تختلف في بناها وتعريفها عن الوحدة البرية، التي عُرِّفت على أنها بنيوية في القوى العسكرية، ولأن وحدة السايبر هي وحدة برية بنيوية سيتوزع عملها على جميع الوحدات في القوى العسكرية.

في الوقت الراهن تقوم وحدة الاستخبارات والحوسبة بتفعيل وتشغيل وحدة السايبر، إلا إن المسؤولية الكبرى تقع على وحدة الاستخبارات في تشغيل الوحدة وتطويرها واستثمارها في الفضاء الرقمي. يركز الدور التشغيلي المنوط بوحدة السايبر على نمط يشبه الأساليب المتبعة في الاستخبارات التقليدية في وحدات الجيش الأخرى، أي كمقاول منفذ للتعليمات الصادرة من المستويات العليا، وتراهن رئاسة أركان الجيش على أن وحدة السايبر سيكون لها دور دفاعي وهجومي كبير في العمليات الخاصة والعمل الميداني برمته. وهناك إشراف حكومي كبير على مجال السايبر يمثله عدة هيئات مدنية، كوزارة العلوم والتكنولوجيا والفضاء، ووحدة التدخل الرقمي السريع CERT، ومكتب السايبر القومي، بالإضافة إلى أجهزة الأمن من الشاباك والموساد.

وحدة 8200:

كما أسلفنا سابقاً فإن المنظومة الأمنية الصهيونية مبنية على عقيدة قتالية واحدة في جميع الجبهات، لذلك فإن إشراك الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية في عمل السايبر لم يكن مجرد إجراء تنظيمي بل هو في صميم إستراتيجية العمل الاستخباري الصهيوني لأن تلك الوحدة هي حجر الأساس للاستخبارات العسكرية الصهيونية، وإن حاولتم البحث في جوجل فلن تجدوا الكثير من المعلومات عنها سوى خطوط عريضة.

تنفذ الوحدة العديد من المهمات العملياتية للجيش لكن عملها الأساسي مرتبط بجمع الإشارات الإلكترونية، ما يعرف علمياً بـ«سيجنت»، فيمكننا القول إن بإمكان 8200 الاستماع إلى أي محادثة، وقراءة أي رسالة إلكترونية أو حتى اعتراضها. بدأت الوحدة عملها كوحدة متواضعة تستمع إلى خطوط الهواتف، لكنها تحولت مع مرور السنين إلى إمبراطورية.

خلال الهجمات على قطاع غزة كانت الوحدة حلقة الوصل بين كتائب الجيش والمواطنين الفلسطينيين الذين يتم التواصل معهم قبل تفجير بيوتهم بالطائرات. من أبرز إنجازات الوحدة وفقاً لما نشره موقع «العساس» وهو موقع متخصص في الشأن العبري عملية «الماس»، وتعتبر العملية نموذجاً لما يمكن أن تصنعه المعلومة، ووفقاً لما ذكر فقد حصلت الاستخبارات الصهيونية على معلومات طيار عراقي يخون زوجته ويدعى «منير روفا»، وأمكنت هذه المعلومات الموساد من الضغط عليه، ومن ثم استدراجه إلى الكيان الصهيوني ومعه هدية، وهي طائرة «ميج21». وبموجب المعلومات التي تلتقطها وحدة 8200 فإن الأجهزة المختلفة للجيش والشرطة الصهيونية تقوم بتنفيذ اعتقالات وتحبط هجمات تستهدف الكيان الصهيوني. ذكرت منشورات غربية مختلفة أن 8200 قامت بتطوير برنامج الفيروس «ستاكسنت»، وإقحامه في أجهزة الطرد المركزي الإيرانية الأمر الذي تسبب بأضرار كارثية للبرنامج النووي الإيراني.

الملفات التي سُرّبت من NSA على يد إدوارد سنودن تشير إلى أن هذه القدرات تساعد المنظومة الأمنية الصهونية على عقد صفقات ضخمة لبيع المعلومات مع بلدان مثل الولايات المتحدة، وعلى إقامة تعاونية استخباراتية. ليس فقط الحصول على المعلومات المخفية مهمة الوحدة الرئيسية بل إن لديها أيضاً قسم تحليل للمعلومات المكشوفة في يوتيوب وفيسبوك وتوتير وجميع شبكات التواصل الاجتماعي.

الجنود في هذه الوحدة يتابعون صفحات تويتر، ويشاهدون فيديوهات على يوتيوب ويتابعون نشاط مجموعات في فيسبوك. كذلك فهم يجمعون معلومات من مدونات تنشر في الدول المستهدفة؛ يمكن أن تساعدهم في فهم مزاج الطرف الآخر، واستكمال الصورة الاستخباراتية التي تصل من المصادر السرية.

يتم استغلال المعلومات الواردة إلى الوحدة بشكل تنظيمي مكون من عدة عمليات أولها عملية الجمع ثم التقييم والتحويل إلى المستخدمين كقسم الأبحاث، والأقسام التي تتعلق بالبناء والأهداف، وأقسام القتال وغيرها، بالإضافة إلى أجهزة أمنية أخرى مثل الموساد والشاباك.

منظمات الدعاية الصهيونية:

تعتقد منظومة صناعة القرار الصهيونية أن الدعاية والتحكم في الرأي العام هي جزء من الأسلحة الإستراتيجية لتحقيق الاستقرار للمشروع الصهيوني، لذلك نجد دعماً سخياً لمنظومة الإعلام الرسمي والخاص، فعلى الصعيد الرسمي خصصت الحكومة الصهيونية وزارة الشؤون الإستراتيجية والإعلام لإدارة هذا الملف برئاسة جلعاد أردان إلى جانب توليه حقيبة وزارة الأمن الداخلي الشاباك.

عقب توليه منصبه قال أردان: «الحديث يدور عن تعاون دولي يهدف إلى توحيد جهود عشرات أو حتى مئات الآلاف من مؤيدي إسرائيل عبر منصة واحدة وتزويدهم بالبنية التحتية والأدوات اللازمة للمساعدة على مكافحة الكراهية».

إحدى الأدوات المهمة لعمل هذه الوزارة هي نوعٌ جديد من الدعاية، ليست دعاية حكومية من النوع الكلاسيكي المباشر، بل وسيلة جديدة وغير مباشرة لإقحام رسائل ومضامين ترغب الحكومة في إيصالها للجمهور عبر الخطاب العام بأسلوب مبطن. تقوم هذه الوزارة بشراء مساحات إعلانية في الصحف ووسائل إعلام بمبالغ ضخمة، منها شراء مساحات في موقع ماكو mako (موقع صهيوني شهير) وسلسلة مقالات تم نشرها في صحيفة يديعوت أحرونوت ومنصتها الإخبارية (واي نت) فضلاً عن ملحقٍ خاص في صحيفة «مكور ريشون» من مجموعة «إسرائيل اليوم» (صحفية يمينية).

إن الهدف الأساسي لوزارة الشؤون الإستراتيجية والإعلام محاربة ما تسميه «نزع شرعية دولة إسرائيل» بما في ذلك حركة المقاطعة العالمية BDS التي ساهمت في كشف الاحتلال الصهيوني في أوربا والعالم الغربي.

وتقوم الوزارة أيضاً بمحاولة تجميل الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية من خلال إنشاء شبكة واسعة من المنظمات والأفراد للدفاع عن المشروع الصهيوني والعمل كذراعٍ لها في الساحة العالمية وفي الفضاء الإلكتروني. وتتشكل هذه المنظمات في الأساس من مواطنين عاديين، ما يتيح تمويه حقيقة وقوف جهة محددة وراء الدعاية التي يقومون بنشرها، وبالتالي يسهل نشر المحتوى الذي ينتجونه على الصعيدين المحلي والعالمي. وبالإضافة لهؤلاء الأفراد تتلقى الوزارة المساعدة من وزارات الخارجية والداخلية والاقتصاد وأذرعها في الخارج. ما يثير الغرابة أن الوزارة لا تظهر بشكل رسمي على الساحة الحكومية الصهيونية ولا تستخدم أي شعار لممارسة أعمالها، وقد صادقت الحكومة الصهيونية على مقترح قانون يقضي باستثناء أغلبية أعمال وزارة الشؤون الإستراتيجية من قانون «حرية المعلومات».

برغم رفض الوزارة الكشف عن المنظمات التي تتعاون معها إلا إن الأحداث تكشف أن أبرز تلك المنظمات، ما يعرف بـ«التحالف العالمي من أجل إسرائيل» GC4I، الذي أقامته الحكومة بمساعدة العديد من المنظمات اليهودية حول العالم، بالإضافة إلى المؤتمر اليهودي العالمي WJC الذي يرأسه المليونير رون لاودر. وقد استثمرت الوزارة في العام الفائت مبلغ 20 مليون شيكل لدعم المؤتمر، الذي قاد بدوره حملة للتبرع لصحيفة يديعوت أحرونوت حين عقدت مؤتمراً لمحاربة «مقاطعة إسرائيل»، وشارك هذا المؤتمر في السابق مع وزارة الخارجية في تطوير تطبيق يحفز متصفحي الشبكة العنكبوتية على دعم الكيان الصهيوني تحت مسمى Act for Israel.

وتقوم الوزارة بتخصيص برامج تدريبية لطلاب المدارس الثانوية الصهيونية لتدريبهم على بث الدعاية الصهيونية والمشاركة في الدفاع عن المشروع الصهيوني في شبكات التواصل الاجتماعي من خلال إنتاج فيديوات دعائية لتحسين صورة الكيان الصهيوني. كذلك تعقد الوزارة مع شركات علاقات عامة منها شركة كرمر-دافيدوفيتش GCS للاستشارة الإعلامية والإستراتيجية. وتدعم أيضاً منظمة «المنتدى القانوني الدولي»، وهي منظمة صهيونية تحارب المقاطعة في 20 دولة بالعالم وتتواصل مع شبكة مكونة من أكثر من ألف محامٍ حول العالم.

معارك الإعلام الاجتماعي:

تضخمت الحملات الدعائية التي تستهدف الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة وأصبحت الكثير من الصفحات الإعلامية العربية والإسلامية والفلسطينية مؤثرة في الرأي العام الغربي، فقد أعلنت شركة «أير بي إن بي» الأمريكية أنها سوف تحذف من قوائمها المنازل بالمستوطنات الصهيونية في الضفة المحتلة. وبررت الشركة الأمريكية قرارها بأن هذه المستوطنات في «قلب الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، لكن تلك ليست الحقيقة كاملة فقد جاء القرار استباقاً لتقرير حول أنشطة الشركة في الأراضي المحتلة كانت ستصدره منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية. مثل تلك الوقائع تربك الحكومة الصهيونية على المستوى السياسي وتساهم في تصعيد العداء للمشروع الصهيوني في فلسطين، لذلك من أجل مقاومة الرأي العام المضاد سعت الأجهزة الأمنية الصهيونية لصنع قوة تأثير إعلامية للسيطرة على الرأي العام العربي والإسلامي والتأثيره فيه وقيادته وتوجيهه من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ولهذا الغرض أطلقت تطبيق يدعى Act.il، والذي سيُمكّن مناصري المشروع الصهيوني من خلق ظاهرة الذباب الإلكتروني للرد والنشاط على كل الجبهات المركزية للشبكات الاجتماعية.

وتستمر الصفحات المعادية للكيان الصهيوني بالانتشار في فيسبوك وإنستغرام وتويتر، وعندما تغلق صفحة تُفتح عوضاً عنها ثلاث صفحات جديدة تنشر نفس الصور التي تفضح جرائم الاحتلال وتُحقق التأثير المطلوب، وبرغم أن الصهاينة يبرعون في صناعة الكذب على الشبكات الاجتماعية لكن قبل إطلاق التطبيق لم يكن هناك جسم منظم لهذه الظاهرة.

ويقول مدير تطبيق Act.il يارون فيشلزون: «في 2017م فهمنا أن الدمج بين التكنولوجيا وأناس جيدين هو مفتاح النجاح، وأن عالم الدبلوماسية الجماهيرية تطلّب تجديداً وإبداعاً»، موضحاً أن التطبيق هو نتيجة محصّلة الدروس والنجاحات من حملة الهسبراه التي تم العمل على تحليلها في حربي غزة عام 2012 و2014م.

بدأ تطوير التطبيق بالتعاون بين معهد هرتسليا متعدد التخصصات ومنظمة IAC، وبالشراكة مع منظمة أمريكية – صهيونية، ومنظمة مكابي Maccabee Task force، ما يظهر أن المنظمات الداعمة للكيان الصهيوني تتكاثف لتجنيد الجمهور بأعداد ضخمة في وجه المقاومة الإعلامية الإسلامية والعربية.

يقوم بتشغيل التطبيق عدد من الطلبة الجامعيين الذين يتركز دورهم في مسح شبكات التواصل الاجتماعي سواء من خلال مشاركة المحتوى أو التبليغ عن محتوى آخر معادٍ، وإزالة مقاطع فيديو تحريضة، ونشر وبناء ردود جاهزة للردّ على المقالات التي تنتقد السياسيات الصهيونية، بالإضافة إلى تجنيد أشخاص آخرين للعمل في المشروع.

يقول فشلزون هناك إنجازات يومية تتحقق بإزالة عشرات المقاطع والصور والمقالات، ويُبيّن: «قبل شهر تقريباً وصلنا تبليغ عن متجر أسترالي، يرفض البيع للإسرائيليين وحتى أنه علق لافتة تنص على ذلك، وهنا قررنا إرسال مناصرينا بأعداد كبيرة لصفحة المتجر على فيسبوك، حيث تم توجيه الانتقادات ومنحه تصنيفاً منخفضاً، وبالفعل انخفض تصنيف المتجر من 4.6 لـ1.3 في غضون ساعات، وبعد عدة أيام قام صاحب المتجر بإنزال اللافتة».

وفي حالة أخرى، نشرت جريدة الإندبندنت البريطانية مقالاً عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا فيه لـ«معاداة الصهيونية» وذلك لأن الجريدة شوّهت مقولة ماكرون، ويُشير فشلزون إلى تجهيز رد خلال دقائق للرد على المقال في فيسبوك، و«بعثنا مستخدمين لبث التعليق ذاته الذي حاز على مئات الإعجابات والتعليقات وأصبح يظهر كأول تعليق لكل من يتابع الصفحة، وبالفعل في اليوم التالي أزيل المقال من صفحة فيسبوك وغُيّر عنوان المقال في الموقع».

تخطط إدارة التطبيق بحسب مديره «فشلزون» باستمرار عملية التواصل لبناء مجتمعات جغرافية يمكنها أن تجد أدوات سهلة للدفاع عن المشروع الصهيوني، ومن ذلك توفير ملصقات جاهزة وبطاقات معلوماتية لنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتسهيل المهمة على المنخرطين في هذا الأمر.

حتى تتجنب الحكومة الصهيونية العشوائية في عمل الهسبراه وتنظيمه قامت بتأسيس «مكتب الهسبراه القومي» يقع تحت طائلة المسؤولية أمام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ويقع على عاتقه تنسيق مركبات المحتوى وتقديمها لمستخدميها ويشارك في ذلك المتحدث باسم الجيش والمتحدث باسم الشرطة والمتحدثون باسم وزارتي الخارجية والأمن الداخلي ومكتب الصحافة الحكومي.

كذلك تقوم الحكومة الصهيونية بتعزيز التأثير الإعلامي في مسار غير رسمي من خلال إقامة منظمات في دول مختلفة من العالم، هدفها تمرير رسائل إعلامية ودعائية غير مباشرة، ومن أبرز المشاريع العاملة في هذا المجال مشروع «جميعنا سفراء»، والذي يدرب المتحدثين بلغات أجنبية في الكيان الصهيوني على الظهور في الإعلام الخارجي خلال حالات الطوارئ والأحداث الخاصة. المشروع الآخر هو «نفسّر» وهو موقع إنترنت مُعَدّ لتعزيز أثر الهسبراه على السكان الذين يخرجون من الكيان الصهيوني وتطوير مهاراتهم الحوارية.

في عام 2010م قررت وزارة الداخلية الصهيونية زيادة ميزانية التسويق للهسبراه من أربعين مليوناً، تستخدم عشرة ملايين منها فقط من أجل التسويق، إلى مئة مليون شيكل وهو مبلغ غير مسبوق ومعد بأكمله للتسويق والهسبراه. لقد تم الإقرار على أن يتمحور هذا المشروع حول الإنترنت، وبخاصة المواقع الاجتماعية. وتنشط الحكومة أيضاً في صناعة روابط إعلامية مع العالم الإسلامي من خلال البث باللغة العربية لعدة قنوات والاستخدام الواسع للإعلام الجديد وزيادة الحضور في المواقع. حيث يوجد حسابات فيسبوك، تويتر، يوتيوب وفليكر لغالبية أجسام الهسبراه الرسمية التابعة للكيان الصهيوني ويدون من خلالها عشرات الدبلوماسيين والإعلاميين الصهاينة.

لا تسعى الحكومة الصهيونية فقط ليكون دور أدوات صناعة الإعلام دوراً أمنياً سياسياً فقط بل إنها منحت القطاع الخاص صلاحيات تنافسية واسعة للخوض في هذا المجال، كما دعمت القطاع التعليمي بشكل سخي لتجهيز حاضنة للمتميزين في الهسبراه من خلال إنشاء القرى الذكية والمجمعات التقنية في المدن الصهيونية، من تلك التجمعات قرية «متام» على شاطئ الكرمل، وهي من أقدم المجمعات الصهيونية التي تم إنشاؤها على مساحة 220 دونماً عام 1965م، ويعد واحداً من أكبر مجمعات التكنولوجيا الذكية التي تبيع بالتجزئة في الكيان الصهيوني. ومن أهم شركات التكنولوجيا الذكية الموجودة في حيفا: إلبيت، آبل، ياهو، مايكروسوفت، جوجل، فيليبس، إنتل، المسؤولية الاجتماعية للشركات، فاست سيمون، كلير وغيرها. بالإضافة إلى القرية الذكية في بئر السبع وشيدتها الحكومة الصهيونية لإتاحة المجال أمام الأشخاص المجاورين للمدينة للوصول إليها، ومن بينهم طلاب جامعة بئر السبع، وجنود الجيش الذين سيخدمون مستقبلاً في مجال المعلومات والاتصالات في المكان. في تصريح للحكومة قالت: «إن الهدف من إنشاء هذه القرية هو جعل مدينة بئر السبع عاصمة السايبر في إسرائيل».

وتضم هذه القرية الذكية شركات عدة مثل: إي إم سي، أوراكل، جي في بي، نيس، دويتشه تليكوم، راد، ماتريكس، سانديسك، إلبيت، وسيسكو، CENS ديفنس L7. وأنشأت الحكومة مجمع قيسارية الذي يجتذب شركات التكنولوجيا الفائقة وقرية «نس تسيونا» وكان الهدف من إنشائها الجمع بين العلوم والتكنولوجيا، وختاماً تم إنشاء مجمع الصناعات الذكية «آفاق» بالقرب من قرية كفر قاسم ويعد هذا المجمع متطوراً ومتقدماً جداً في صناعات التكنولوجيا الذكية، وقد بُني في سنوات التسعين بهدف جذب شركات تكنولوجيا فائقة للمنطقة. مما سبق يمكن الإدراك أن التوظيف الصهيوني لعالم الهسبراه بمجمله سواء كان من ناحية تصدير المعلومة أو الحصول عليها إنما هو عملية متكاملة تخدم العقيدة القتالية الصهيونية وضمن الأهداف الإستراتيجية للأمن القومي الصهيوني بالإضافة إلى استثمارها سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

 

أعلى