يبدو أن الحرب أنهكت حلف الناتو، مع عدم وجود
عائدات نفطية بسبب توقف توزيع كميات النفط الليبية مع تواصل الحرب بين العقيد "القذافي"
والثوّار التابعين للمجلس الانتقالي. هذه الحالة دعت فرنسا من خلال وزير دفاعها
الثوّار الليبيين إلى إجراء حوار مع "القذافي" لنقل السلطة بشكل سلس،
لكن مع وجود تناقض في المواقف فإن "القذافي" الذي يرفض التنحي عن السلطة
يستغل إطالة فترة الحرب لإنهاك قوة حلف الناتو الذي يدافع عن الثوار بقيادة فرنسا،
وهذا يسبب المزيد من التكلفة المادية التي تضاعف أعباء الحلف مع انسحاب المزيد من
الدول المشاركة فيه.
وفي الجانب الأخر يبقى الثوّار في حالة أزمة
داخلية وخارجية، فهم يلاحظون زيادة الضغط العسكري عليهم مع تباطئ عمليات حلف
الناتو في حسم ملف "القذافي"، وضغط دولي بدأ يزداد للتخلي عن مطالبهم
بتنحي "القذافي" وقبول حوار وطني.
ولا يريد الثوّار الحوار مع "القذافي"
قبل تنحيه عن السلطة، من جانبه قال الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" إنه
أبلغ الرئيس الروسي "ديمتري ميدفيديف" في مكالمة هاتفية جرت بينهما أمس بأن
بلاده مستعدة لدعم مفاوضات تفضي إلى انتقال ديمقراطي في ليبيا في حال انسحب "القذافي"
من السلطة.
وتنتقد روسيا العمليات العسكرية في ليبيا, وترى
أنها تتجاوز تفويض مجلس الأمن بموجب القرار الدولي 1973, وتدعو إلى تسوية سلمية.
ونقلت صحيفة كومرسنت ديلي الروسية نقلاً عن مسؤول روسي أنّ "القذافي" مستعد للتنحي في حال حصل على ضمانات أمنية.
وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية "برنار
فاليرو" إن بلاده تؤيد الحل السياسي، لكنها لا تفاوض نظام "القذافي"
مباشرة.
وتحدث "سيف الإسلام القذافي" في
تصريحات لصحيفة الخبر الجزائرية عن استعداد طرابلس لقبول حكومة وحدة وتنظيم انتخابات،
ووضع دستور جديد في إطار خريطة الطريق الأفريقية، وهو مقترح
يرفضه الثوّار كما قال.
وأدلى وزير الدفاع الأمريكي "ليون بانيتا"
بتصريحات من بغداد تشير إلى عمق الأزمة التي يعيشها الناتو في ليبيا قائلاً: ( إن بعض
الحلفاء في الناتو المشاركين في حملة ليبيا قد يجدون قواتهم "أجهدت" خلال
تسعين يوماً ).
وصرح "بانيتا"
مخاطباً بعض الجنود الأميركيين في بغداد ( المشكلة الآن في ليبيا هي بصراحة أنه خلال
التسعين يوماً القادمة قد تكون كثير من هذه البلدان الأخرى قد أجهدت من حيث قدراتها,
ومن ثم سيتم اللجوء إلى الولايات المتحدة لسد الفجوة ).
وفي نفس السياق كشف عضو المجلس الوطني الانتقالي
في ليبيا الدكتور "علي الصلابي" أنه أجرى اتصالات مع ممثلين عن حكومة "القذافي"
للبحث عن مخرج سياسي يضع حداً للصراع الدائر منذ خمسة أشهر بين الثوّار وكتائب "القذافي".
وقال في تصريحات نشرتها صحيفة القدس
الفلسطينية إنه التقى شخصيات نافذة من النظام أبرزها رئيس جهاز المخابرات الخارجية
الليبية "أبو زيد عمر دوردة" ومستشار "القذافي" "أحمد قذّاف
الدم" والوزير السابق الدكتور "حسين عقيل" في شكل منفصل. وأوضح أن أهم
تلك اللقاءات هو الذي تم في القاهرة "بمشاركة مصرية رفيعة المستوى".
وأوضح "الصلابي" الذي يقيم حالياً
في الدوحة ، أن تلك الاتصالات تمت بموافقة رئيس المجلس الانتقالي الدكتور "مصطفى
عبد الجليل" ومسؤول الشؤون الخارجية رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي
"محمود جبريل". وأوضح أن رفض الحوار مع ممثلي "القذافي" كان موجوداً
في البداية أما اليوم فليست لدينا موانع من الحوار مع مساعديه حول آلية الحل السياسي،
"لكن الحل ينبغي أن يبدأ من رحيل "القذافي" وأبنائه ونظامه أولاً ثم
يُقرر الشعب الليبي كل شيء بعد ذلك". وعلّق قائلاً: "الحوار دليل قوة".
وأضاف أنه سلّم الموفدين الذين اجتمع معهم رسائل
خطية إلى "القذافي" وأنها تضمنت التأكيد على أن المخرج السياسي ينبغي أن
ينطلق من تنحَيه هو وأولاده وأتباعه عن الحكم. وشدد على أن الإعلان عن هذه الخطوة من
خلال اللجنة الشعبية العامة (الحكومة التي تأتمر بأوامر "القذافي") أو مؤتمر
الشعب العام (برلمان مؤيد له) لن يُجدي نفعاً، وأن هذا الأمر ينبغي أن يرد على لسان
"القذافي" نفسه "ثم نترك للشعب الليبي أن يُحدد خياره".
وألمح إلى إمكانية القبول بهيئة مشتركة من الثوّار
وممثلي النظام تُعد للمرحلة الانتقالية، لكن شريطة انسحاب "القذافي" من المسرح
السياسي، كما قال. وأكد أن عواصم عدة ذكر منها واشنطن وباريس ولندن على اتصال مع المجلس
الانتقالي للبحث في حل سياسي للصراع مُوضحاً أنه "ليست لدينا مشكلة في الحديث
مع أي كان".
وشدد على أن الدافع إلى القبول بمخرج سياسي على
رغم تقدم الثوار في الميدان هو الحرص على حقن دماء الليبيين في طرابلس وسبها وبني وليد
وسرت، "فهم إخوتنا وأبناؤنا ونحن حريصون عليهم حرصنا على سكان المنطقة الشرقية".
وقدر عدد القتلى في الحرب الدائرة مع الكتائب منذ نحو خمسة أشهر بـ15 ألف قتيل من الطرفين
و40 ألف جريح.
وقال "الصلابي" الذي قاد حوارات مع رموز
التيار السلفي المسلح في ليبيا في ظل حكم "القذافي" لإقناعهم بالتخلي عن
العنف: "أنا أؤمن بالدولة المدنية الحديثة التي تقوم على سلطة القانون واستقلال
القضاء ودولة المؤسسات والتعددية عن طريق الجمعيات والنقابات والأحزاب، وأؤمن أيضاً
بالحريات العامة وبالدولة الدستورية التي تحترم أعرافنا وتقاليدنا وثقافتنا وديننا،
دولة المواطنة بمعنى المواطن الذي له حقوق وعليه واجبات، بعيداً عن أية نزعة قبلية
أو مناطقية، وإن كانت القبيلة في الواقع الليبي سياج اجتماعي له قدرة على حل الكثير
من المشاكل الاجتماعية، إلا أن دخولها المُعترك السياسي يُضعف الدولة المدنية الحديثة،
وبالتالي أطالب المثقفين والنُخب عموماً، بأن يكونوا دُعاة لقيم العدالة والحرية والكرامة
الإنسانية والشورى".
وأكد أنه "ليس من حق المجلس الوطني الانتقالي
الحالي أن يُسمي أعضاء الحكومة الانتقالية، وإنما ينبغي أن يختار المؤتمر الوطني العام
الحكومة الانتقالية، لأننا كلما ضمنا التمثيلية نكون قد ضمنا الإستقرار. وستنبثق من
المؤتمر الوطني جمعية تأسيسية تضع مسودة الدستور قبل الاستفتاء عليها. وتُحدد الحكومة
الانتقالية وقت الاستفتاء والانتخابات إن كانت رئاسية أم برلمانية بحسب شكل النظام
الذي سيُتفق عليه. عندها سيشعر الناس أنه لا وصاية عليهم، وبهذه الآلية سنتفادى الأوضاع
التي نشأت في دول الجوار".
وسُئل عن دور التيار الإسلامي في المرحلة المقبلة
فأوضح أنه مع فكرة "اندماج هذا التيار كجزء من النسيج الوطني، وبالتالي مع فكرة
تجمع وطني ذي مرجعية إسلامية لخوض المعترك الانتخابي، مشدداً على ضرورة ألا يتميز الإسلاميون
عن بقية الوطنيين، فالشعب الليبي مسلم بفطرته وثقافته، وهو أقرب إلى الشعوب المحافظة،
ولذا فالمرجعية الإسلامية ثابت من ثوابته".