• - الموافق2024/04/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أردوغان الأوفر حظًا... وهو المطلوب إسقاطه

شهدت تركيا عام 2016 محاولة انقلاب عسكري فاشلة، والتي كانت تهدف إلى الإطاحة بحكومة رجب طيب أردوغان. وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على هذا الحدث المهم، لا يزال النقاش مستمرًا حول الشعبية الحقيقية لأردوغان


ولد أردوغان في إسطنبول في عام 1954 في عائلة متدينة وكان يدرس القرآن الكريم منذ الصغر، وقد شارك في الحركة الإسلامية مبكرًا وانضم إلى حزب الرفاه الإسلامي الذي أسسه نجم الدين أربكان في عام 1983.

عندما تولى أردوغان منصب رئيس الوزراء في عام 2003، بدأ بتنفيذ سياسة تهدف إلى كفالة حرية التدين وممارسة الشعائر؛ بعد عقود من القمع وكبت الحريات، وقد شهدت تركيا خلال فترة حكمه بناء مساجد كثيرة وزيادة دعم التعليم الديني؛ وقد تعرضت تلك السياسة للانتقادات اللاذعة من قبل الجماعات الليبرالية والعلمانية في تركيا.

وعلى الرغم من أن أردوغان يتحدث عن حرية الدين والمساواة بين الأديان، فإنه يتعرض لانتقادات من العديد من الجماعات الدينية والعلمانية على حد سواء. فقد وصفه بعض المحسوبين على المنظمات الإسلامية في تركيا بأنه "ليبرالي" ، بينما يراه العلمانيون والجماعات النسوية على وجه الخصوص بأنه يحاول فرض نمط حياة محافظ.

 

بداية أردوغان والنهوض ببلدية اسطنبول

تولى أردوغان منصب عمدة إسطنبول منذ عام 1994 حتى عام 1998، وهو يعتبر من السياسيين الذين ساهموا بشكل كبير في تحويل إسطنبول إلى مدينة حديثة ومتطورة؛ ففي فترة رئاسته للبلدية، قام أردوغان بعدة إصلاحات ومبادرات في إسطنبول، بما في ذلك:

1- تحسين البنية التحتية للمدينة، بما في ذلك الطرق والجسور والنفقات وشبكات الصرف الصحي والمياه.

2- تطوير النقل العام في المدينة، حيث قام بتوسيع خدمات المترو والحافلات والترامواي والمراكب النهرية.

3- إنشاء مشاريع مهمة في المدينة مثل مطار أتاتورك ومركز تسوق جراند بازار ومركز تسوق سوق الأحد وحديقة الألعاب فيا لاند.

4- دعم قطاع السياحة في المدينة، من خلال إنشاء متاحف ومعارض ومراكز ثقافية وتنظيم المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية.

5- تحسين الخدمات الصحية والتعليمية في المدينة، حيث قام ببناء مستشفيات ومدارس ومراكز تدريب وتأهيل الشباب لسوق العمل.

يمكن القول أن دور أردوغان في النهوض ببلدية إسطنبول كان بمثابة بداية لتحولات إسطنبول إلى مدينة عصرية وحديثة، وهذا يعكس التزامه بتطوير وتحسين البنية التحتية للمدن التركية ودعم التنمية الاقتصادية في البلاد، وقد ارتبط اسم نجم الدين أربكان بتاريخ أردوغان، حيث كان أحد المستشارين الاقتصاديين لأردوغان أثناء فترة رئاسته لبلدية إسطنبول.

 

اردوغان وإدارة الملف الاقتصادي

منذ توليه الحكم في عام 2003، اهتم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، وتمكن من تحقيق نجاحات ملحوظة في هذا المجال. ومع ذلك، فإنه يواجه تحديات كبيرة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك تراجع العملة التركية والتضخم المرتفع، إضافة إلى تداعيات جائحة كوفيد-19 على الاقتصاد العالمي.

تراجع الليرة التركية كان من بين أبرز التحديات التي واجهت الرئيس أردوغان في السنوات الأخيرة. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن الليرة فقدت قرابة 40% من قيمتها أمام الدولار ، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم وتراجع النمو الاقتصادي. ومع ذلك، فقد قام الحكومة التركية باتخاذ عدد من الإجراءات الاقتصادية لتعزيز الاقتصاد، بما في ذلك تخفيض الفائدة الرئيسية وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية.

على الرغم من هذه التحديات، فقد حققت تركيا بعض الإنجازات الاقتصادية في الفترة الأخيرة. ففي عام 2019، تم تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 0.9%، بالإضافة إلى تراجع معدل التضخم من 25% في العام 2018 إلى 11.9% في العام 2019. وبالرغم من تأثير جائحة كوفيد-19 على الاقتصاد التركي في عام 2020، فإنها تعهدت بمواصلة تحسين الوضع الاقتصادي في السنوات القادمة، وأعلنت عن خطة لتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

 

بروز شعبية أردوغان خلال الانقلاب الفاشل

شهدت تركيا عام 2016 محاولة انقلاب عسكري فاشلة، والتي كانت تهدف إلى الإطاحة بحكومة رجب طيب أردوغان. وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على هذا الحدث المهم، لا يزال النقاش مستمرًا حول الشعبية الحقيقية لأردوغان والدور الذي لعبه في إفشال هذه المحاولة الانقلابية.

 في الواقع، يبدو أن أردوغان يتمتع بشعبية كبيرة في تركيا، وهو ما يعكسه نتائج الانتخابات التي تم إجراؤها خلال السنوات الأخيرة. ففي الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2018، فاز أردوغان بنسبة 52.5٪ من الأصوات، فيما فاز حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه بأغلبية في البرلمان التركي.

وتشير الاستطلاعات الرأي إلى أن أردوغان لا يزال يتمتع بشعبية واسعة في تركيا. ففي استطلاع أجرته شركة "كونسولتانت" عام 2020، أظهرت النتائج أن 41٪ من المشاركين يعتبرون أن أردوغان يؤدي عمله بشكل جيد، بينما يعتبر 46٪ أنه لا يؤدي عمله بشكل جيد. وهذا يشير إلى أن الآراء متقاربة وأن الشعبية ليست بالضرورة كاسحة.

أردوغان والملف العسكري وزيادة التسليح

شهدت تركيا في عهد أردوغان زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري وتطوير قدراتها العسكرية، حيث تمكنت من تحقيق تقدم كبير في هذا المجال في فترة حكم أردوغان، والذي يسعى إلى إعادة إحياء قوة الأمة التركية في مجال الدفاع والأمن. ويعد الدفاع الوطني وتطوير القوات المسلحة من أولويات أردوغان، الذي يؤمن بأن القوة العسكرية تمثل الركيزة الأساسية لأي دولة.

تجدر الإشارة إلى أن تركيا تعد دولة ذات تقاليد عسكرية قوية، إذ يعود تاريخها في هذا المجال إلى عصور بعيدة. وتضطلع القوات المسلحة التركية بدور مهم في حفظ الأمن والاستقرار في الداخل والخارج، وهو ما يجعلها مهمة بالنسبة لأردوغان وحكومته.

تأتي هذه السياسة العسكرية القوية كجزء من استراتيجية أردوغان في إعادة إحياء الدور العظيم لتركيا على الساحة العالمية، بعد عقود من التراجع والانكماش. وقد قام أردوغان بزيادة إنفاق الدولة على الجيش بشكل ملحوظ، وذلك لتحديث التجهيزات العسكرية وزيادة القدرات الدفاعية للجيش.

يتميز الجيش التركي بتقنيات حديثة وأحدث المعدات العسكرية، وهو ما يتيح له مواجهة التحديات الأمنية التي تواجهه في الوقت الحالي. ويعتبر تطوير القوات الجوية والبحرية من الأولويات الرئيسية لأردوغان، حيث تم شراء طائرات حربية من أحدث الأنواع والصواريخ الحديثة وغيرها من التجهيزات

فمنذ توليه الحكم في البلاد قام بعدة إجراءات لتحديث سلاح البحرية التركية وزيادة قدراتها العسكرية، وقد أدخل العديد من الإضافات على مختلف المستويات، ومن أهم هذه الإضافات:

1- بناء الغواصات الجديدة: قامت تركيا تحت قيادة أردوغان ببناء الغواصات الجديدة من طراز "إيه تي بي" المتطورة والتي تتميز بقدرات متقدمة في الكشف والهجوم.

2- بناء السفن الحربية: قامت تركيا تحت قيادة أردوغان ببناء السفن الحربية من طراز "ميلجيم" المتطورة والتي تستخدم في الدفاع عن السواحل وتأمين المجالات البحرية والأمن البحري.

3- تطوير الصواريخ البحرية: قامت تركيا بتطوير الصواريخ البحرية وإنتاجها محلياً وتحت إشراف شركات عسكرية تركية مثل شركة "روكيت سان"، وتتميز هذه الصواريخ بالدقة والسرعة والقوة.

4- تطوير الطائرات البحرية: قامت تركيا بتطوير الطائرات البحرية وإنتاجها محلياً، حيث قامت شركة "توساش" بتصميم طائرات بحرية متطورة تستخدم في الاستطلاع والتحكم والإنذار المبكر.

5- تطوير الرادارات البحرية: قامت تركيا بتطوير الرادارات البحرية وإنتاجها محلياً، وتتميز هذه الرادارات بالدقة والسرعة والقدرة على الكشف عن الأهداف بعيدة المدى.

 

سياسة أردوغان مع الكيان الصهيوني

اتسمت العلاقات التركية الصهيونية بتاريخ متعدد الأوجه، فمنذ قيام دولة الاحتلال في عام 1948، لعب النظام العلماني في تركيا دوراً هاماً في تطوير العلاقات الثنائية مع تل أبيب، وتوسيع التعاون في العديد من المجالات، مثل التجارة والتكنولوجيا والأمن.

ومع ذلك، تغيرت العلاقات بين البلدين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وخاصةً بعد تولي رجب طيب أردوغان رئاسة الوزراء. فقد شهدت العلاقات بين الطرفين توتراً كبيراً بسبب مواقف تركيا المناهضة للسياسات الصهيونية في الشرق الأوسط، وبسبب انتقادات أردوغان المستمرة لحكومة الاحتلال.

وبلغ التوتر ذروته بعد الاعتداء الصهيوني على قطاع غزة في عام 2008، حيث انتقدت تركيا العدوان بشدة، وأدانت إسرائيل بسبب انتهاكها للقانون الدولي. ومنذ ذلك الحين، استمرت العلاقات بينهما في التدهور، حتى وصلت إلى حد الإعلان عن تجميد العلاقات الدبلوماسية في عام 2018.

ولم يتوقف أردوغان عن التعبير عن مواقفه المنتقدة لحكومة الاحتلال، فقد هاجم بشدة القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في عام 2017، متهما الكيان بارتكاب "مجازر" في غزة خلال الاحتجاجات السلمية في عام 2018، ومنذ ذلك الحين، تواصل تركيا دعمها للفلسطينيين، وتعهدت بتوفير المساعدات اللازمة لتعافي قطاع غزة من آثار العدوان

تقديم الدعم للقطاع المحاصر

لا تزال الحكومة التركية تقدم العون لقطاع غزة المحاصر، فمنذ العام 2007، تعرض القطاع لحصار شديد من قبل الاحتلال وتأثرت حياة الملايين من المدنيين الفلسطينيين العزل، الذين لا أمل لهم إلا دخول المساعدات من الخارج، ومن بين الدول التي تقدم دعمًا قويًا لغزة، الدولة التركية.

وخلال الأعوام الأخيرة، قدمت تركيا دعمًا شاملاً لقطاع غزة، سواء كان ذلك من خلال المساعدات الإنسانية، أو دعم المشاريع الإنمائية، أو دعم البنية التحتية، وذلك في إطار سياسة أردوغان لتعزيز العلاقات مع العالم الإسلامي ودعم قضايا المسلمين في العالم.

بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية والدعم المادي، فإن تركيا تلعب دورًا حيويًا في إيصال صوت غزة إلى المجتمع الدولي، من خلال التحدث نيابة عن الفلسطينيين في المحافل الدولية والإقليمية. وقد أدانت الحكومة التركية بشدة الحصار على غزة، وطالبت المجتمع الدولي برفع الحصار وإنهاء الوضع الإنساني المأساوي في القطاع.

علاوة على ذلك، فإن تركيا لم تتوقف عن توفير المساعدات والدعم اللازم لغزة حتى في ظل جائحة  كورونا، حيث قدمت المساعدات الطبية والإنسانية لمساعدة الفلسطينيين في التصدي للوباء. وفي العام الماضي، قدمت تركيا مليون جرعة من لقاح COVID-19 إلى الفلسطينين

الملف الكردي

يعتبر الملف الكردي واحدة من أبرز نقاط الضعف في حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. تشكل القضية الكردية تحديًا كبيرًا للحكومة التركية منذ عقود، وبين الحين والحين تتجددد مطالبات الأكراد بدعوات تقرير المصير؛ ما يزيد المسألة الكردية تعقيدا؛ لا سيما مع تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا وشمال العراق.

ومع ذلك، فإن المسألة الكردية لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا لأردوغان وحكومته، حيث يواجهون صعوبة في التعامل مع المطالب الكردية وإيجاد حلول سلمية للصراع. كما أن التصعيد العسكري في المنطقة يتسبب في تعزيز دور الأكراد في المنطقة وتقوية التحالفات الكردية المناهضة لتركيا، مما يؤثر سلبًا على العلاقات الدولية لتركيا ويضعف مكانتها في المنطقة.

وإلى جانب الملف الكردي، تبرز تخوفات من استمرار محاولات القوى الإقليمية والدولية الراغبة في إسقاط أردوغان، لدعم المعارضة وجمعها على هدف واحد، فكثيرا ما نجحت الانقلابات الناعمة فيما فشلت فيه الانقلابات العسكرية.

 

أعلى