• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
قصور الطامحين

وكم لأهل السماء من عوالم يَشُقُّ على العقل الذي كبلته دنياه اختراقها، ولو ضرباً من خيال. قالـوا له: هذي قصور الطامحين فخلِّهــا لا يشغلنك حبها[1]. تركيبة معقَّدة تلك التي تُسْفر عنها قلوبهم، فتشبه المعادلات الكيميائية ربما! أهو خط فاصل - يا تُرى - بين أن تبيع كل شيء وتيمم وجهك شطر السماء، لا شيء سوى السماء، أم هي مراحل تنقية وتكرير وعمليات فرز وانتقاء؟ أكان سهلاً أن يضعوا لقصتهم نقطة النهاية ليُغلَق الكتاب؟ أرأت أعينهم الدنيا بكل ما فيها لا شيء؟ أباعوا بهذه السهولة؟ أكانت جذوة الحب في قلوبهم لا تمكِّنهم إلا من اختيار وحيـد؟ أكانت الحروف الأبجدية العربيــة الـ 28 عاجزة عن تحمُّل شوقهـم وصفاً، فحملتهم حروف الفِعال؟ أأعياهم طول الانتظار؟ ألم يُرضِ غرورَهم أن يرحلوا إليه على جناح السنين فعجلوا إليه على جناح الدم بتذكرة مباشرة، وبغيــر ذلـك لا يقنعون؟ أهي تركيبة الحب التي تعمل في القلب عمل السِّحر؛ فيهيم علــى وجهــه لا يرى إلا حبيبه يطوي القـفــار والبحــار أشعث أغبــر لا يرويه إلا ماء الوصول ولا يريحه إلا مرفأ السدرة[2]... صَدَقوه الشوقَ، فمكَّن لهم، فعجلوا إليه، فعجَّل لهم اللقاء. فلما كان وقيل: تمنوا، قالوا: رُدَّنا إليها فنقتل فيك ثانيةً. فاض منهم الحب، فحملوا الروح هديةَ القدوم عليه، فبادلهم وأبى إلا أن تكون ضيافتهم في دارٍ زَرَعَ كرامتها بيده. هــي قصــة بــلا ختــام؛ فضيافـــته لا تعــرف الليالي الثلاث ولا غيرها من منتهى ما قد يُعَد البحر لو حيل مداداً. هـــي قصـــة العاشقين وروايـــة المحبيــن لا يسطِّرهـا إلا السَّـحَرْ وجنـوده. تكتنز الأرض مواضع الأقدام منهم والسجود في سِجِل عُمُرها قبل أن تُزلزَل فَتُحدِّثَ أخبارها، ويحفظ الهواء أنفاس ذِكرِهم، وتكتم عنهم السماء الخبر حتى يؤذَّنَ فيها أن الله يحب فلانا فأحبوه، فيعرفه أهل السماء في دنياه مرة ثم يعرفوه أخرى عندما تفيض منه الروح، فيسألون: أي رائحة تلك؟ أي القادمين ذاك؟ فيُخبَرون. وكم لأهل السماء من عوالم يَشُقُّ على العقل الذي كبلته دنياه اختراقها، ولو ضرباً من خيال. ------------------------ [1] من قصيدة «ها قد رحلتِ» للشاعر السوري معتصم الحريري. [2] سدرة المنتهى.

أعلى