آفاق وأبعاد تدهور العلاقات الصهيونية التركية

آفاق وأبعاد تدهور العلاقات الصهيونية التركية


ذكرت مصادر صهيونية أنه بعد التهديدات التي أطلقتها تركيا بإرسـال أسـطولها البحـري قرب قبـرص لحمـاية السـفن - ومن ضمنها سفن المساعدات لقطاع غزة - قررت قيادة الجيش بالتشاور مع وزير الحرب «إيهود باراك» إجراء مشاورات أمنية على ضوء التهديد التركي، وقال ضابط رفيع المستوى خلال اجتماع مغلق: إنه إن نفذ الأتراك تهديدهم؛ وأرسلوا أسطولهم البحري ليجوب مقابل شواطئنا، فسيترتب على ذلك تداعيات خطيرة.

وقد عبَّرت أوساط عسكرية عن توجه تركي يقضي بزيادة وجودها العسكري في شرقي البحر المتوسط من فرقاطة إلى 4 فرقاطات، في ضوء امتلاكها لأطول حدود بحرية عليه، وتسعى للقيام بدور كبير (إقليمي ودولي)، في سلوك مشابه لما تقوم به في المجال الجوي في بحر «إيجه» مع اليونان، وهو ما يعني أن سلاح البحرية التركي لن يسمح لأي قطعة حربية صهيونية بالاقتراب من سفنه لأكثر من 100 متر.

مواقف منتقدة:

في الوقت نفسه خرجت مواقف منتقدة للحكومة العبرية، ومطالبة بإصلاح العلاقات مع تركيا:

البروفيسور «أمنون روبينشتاين»، الحائز على جائزة «إسرائيل» في القانون، وعضو هيئة التدريس بمدرسة «رادزينر» للقانون بمركز هيرتسيليا متعدد التخصصات: انتقد الحكومة العبرية بشدة، وطالبها بالاعتذار للأتراك، والاستعداد لدفع تعويضات، لمنع تدهور آخر في العلاقات، بسبب الأهمية الهائلة لتركيا، والعلاقات معها بالنسبة لأمن «إسرائيل»؛ نافياً أيَّ معنى قانوني للاعتذار.

وأكد أن الحكومة الصهيونية والسلطات الأمنية أخطؤوا بشكل كبير للغاية حين صمموا على السيطرة على السفينة بواسطة وحدة عسكرية من النخبة، وليس وحدة شُرَطية؛ لذا لم يتمكن جنود الكوماندوز من الاستعانة بأسلحة غير قاتلة لتفريق التظاهرات، وكان من شأنها منع مقتل بعض العناصر على السفينة، وكان من الممكن التغلب عليهم بواسطة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع.

وأضاف: في الجانب السياسي، شكَّل العمل على متن السفينة نموذجاً للإهمال لا مثيل له؛ لأن الأمر تعلق برعايا دولة مهمة للغاية لوجود «إسرائيل»، وتشكِّل قوة عسكرية إقليمية، والويل لنا لو أصبحت دولة عدوة! متوقِّعاً أن يكون طرد السفير من أنقرة خطوة أُولَى في عمل معادٍ آخر، مطالباً ببذل جهود بمساعدة الإدارة الأمريكية كي لا تتفاقم الأوضاع.

أما المحلل الصهيوني «يسرائيل زيف» فقد رأى أن التصعيد الخطير في العلاقات مع تركيا ينبغي أن يقلق القيادة الإسرائيلية؛ فالخريطة الإستراتيجية تغيرت وإسرائيل لا يمكنها أن تبقى على حالها، ومسألة الاعتذار ليست فقط مسألة من هو المحق (نحن أم الأتراك)؟ بل تتعلق بمسألة أوسع بكثير لطبيعة علاقاتنا الإقليمية.

وأضاف: في الأيام العادية قد لا يكون سليماً أن تفكر إسرائيل بالاعتذار عن عملية شرعية ضد الأسطول، ولكن في الوضع الإقليمي القائم على إسرائيل أن تنظر إذا كان من الأهم التقرب إلى تركيا التي تشكل القوة الصاعدة في المنطقة، وإيجاد السبيل إلى قلبها. وهو الأمر الذي سيسهل بقدر كبير مهمة الولايات المتحدة في المنطقة بل ربما يسمح بخطوة اللحظة الأخيرة لتجنيد الأتراك، والدول التي تسمى «دولاً نوعية» في محاولة أخيرة لصد الخطوة الفلسطينية أو التأثير على التصويت المرتقب في نهاية الشهر؛ على أي حال زمن التردد نفد، والحاجة إلى القرار باتت هنا».

وأما المحلل السياسي الصهيوني البارز، «عكيفا إلدار»، فقد تناول أبعاد الأزمة التي تواجهها «إسرائيل» مع تركيا باعتبارها «ضوء تحذير أحمر» ينذر بهجمات ستتعرض لها على الجبهات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية، محذراً من تقليد مصري وأردني للسلوك التركي في استدعاء سفرائهما من تل أبيب.

وأما رئيس ديوان رئيس الحكومة الأسبق «إسحاق رابين» «إيتان هابر»، فقد حدد معالم الخسارة الصهيونية لتركيا بقوله: إنها كانت ستصبح لاعباً هاماً للمنظومة الإستراتيجية الصهيونية في الشرق الأوسط؛ حيث وصلت علاقات البلدين إلى أبعد مما كان متوقعاً، وسجل لنا ربح هائل في الميزان السياسي، والآن لم يتبقَ لنا سوى «البكاء على الحليب المسكوب»؛ لأنه كان بوسع تل أبيب ألا تعطي «أردوغان» سبباً وجيهاً لسلوكه المعادي ضدها، وهو ما يحتم عليها في هذا الوقت بالذات أن تعيد ارتباطها من جديد وبقوة بمصالح واشنطن في المنطقة؛ لأنها ليست لحظة سهلة لـ «إسرائيل».

الخسائر العسكرية:

محافظ البنك المركزي الصهيوني البروفيسور «ستانلي فيشر» حذر من عواقب تدهور العلاقات مع تركيا؛ لأنها شريك تجاري جدي لـ «إسرائيل»، وتبعات الأضرار في التجارة معها ستكون خطيرة بالنسبة للأخيرة، كما أن ناتجها القومي يزيد عن 700 مليار دولار، وهو ما يجعلها الدولة الأكبر اقتصادياً في المنطقة، وتقترب لتصبح دولة اقتصادية كبيرة بمصطلحات عالمية، وهي تعيد بناء مكانتها على أنها جهة مركزية في التجارة الإقليمية؛ سواء مقابل دول آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط.

ورئيس اتحاد الغرف التجارية «المحامي أورئيل لين» أعلن أن تفاقم الخلاف مع تركيا سيُلحِق أضراراً فادحة بالصناعة «الإسرائيلية»؛ لأنه إذا قررت تركيا المساس بالعلاقات التجارية مع «إسرائيل»، فسوف تخسر الأخيرة شريكاً تجارياً ممتازاً ومهمّاً كان لإسرائيل طوال سنوات مضت، وأشار لين إلى أن وقف العلاقات التجارية يمكن أن يقود إلى إقالات في المصانع التي تصدِّر إلى تركيا.

ولكن يقال في إسرائيل: إنه رغم أن القرار التركي لم يزعزع الصناعات العسكرية الإسرائيلية - على الرغم من أن تركيا كانت قبل عقد من الزمان الزبون الأكبر لهذه الصناعات - فإن الصيانة الإسرائيلية للمعدات التركية ستتواصل؛ إذ سيصعب على الجيش التركي صيانة أجهزة اشتراها من الصناعات العسكرية الإسرائيلية مثل «رفائيل» و «البيت» والصناعات الجوية.

بينما رأت مصادر مقربة من الجيش الصهيوني، أن الأضرار اللاحقة بإسرائيل جراء الأزمة مع تركيا تخلق سلسلة ضربات للجيش وللصناعات الإسرائيلية العسكرية، وهي:

1 - فقدان حليف إستراتيجي إقليمي: حيث إن الجيشين (التركي والإسرائيلي) يقيمان علاقات تعاون عميقة جداً تنطوي على تنسيقٍ دائم في التطورات الإقليمية. ومثل هذا التنسيق مهم ولا تنازل عنه؛ خصوصاً الآن في ظل الأوضاع في سورية والعراق والدور الإيراني.

2 - الإساءة للعلاقات الإسرائيلية الأميركية: حيث إن الولايات المتحدة كانت قد توجهت رسمياً لإسرائيل حتى تعتذر لتركيا أو تتوصل معها إلى أية صيغة تنهي الأزمة بينهما. والرفض الإسرائيلي أغضب واشنطن جداً.

3 - التضرر على مستوى مكافحة العنف: فإسرائيل لا تستطيع الاستغناء عن الدور التركي في هذا المجال، ومن اليوم فصاعداً سيكون عليها أن تعتمد على قواها الذاتية مع مكافحة نشاطات العنف الإقليمية.

4 - تراجع الصناعات العسكرية الإسرائيلية: فإسرائيل تبيع أسلحة كثيرة لتركيا تصل قيمتها إلى مئات كثيرة من ملايين الدولارات كلَّ سنة. وفقدان السوق التركية قد يُحدِث أزمة لهذه الصناعات إذا لم توجد أسواق أخرى.

 

أعلى