كونوا طائفيين!

كونوا طائفيين!


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:

فقد كان بعض إخواننا في العراق يتحفظ في الأشهر الأولى للاحتلال الأمريكي من الإشارة إلى النفس الطائفي عند بعض الأحزاب والشخصيات المذهبية والسياسية، حتى إذا فاحت رائحة الاستئثار والخيانة الصفوية، واستحرَّ القتل والاستئصال على الهوية، وأصبحت المليشيات الإيرانية أو المدعومة من إيران تلاحق علماء السنة وخطباءهم وقياداتهم السياسية والقبلية وكفاءاتهم العلمية والعسكرية؛ أدرك أهل السنة في العراق أن أرضهم اختطفت، وأن جميع حقوقهم استلبت، ولم يبق لهم شيء على الإطلاق. حتى بعض السياسيين الذين شاركوا في العملية السياسية لم يسلموا من التصفية والملاحقة والإقصاء، ووجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكونوا خدماً للمشروع الصفوي ويقدموا له كافة صنوف الولاء والتسليم، وإما أن يهمشوا بل ويقتلوا أو يحاكموا بتهم باردة ملفقة!

ومع أن دماء أهل السنة في العراق لا زالت أنهارها تسيل، وجراحاتهم لم تندمل، فها هو ذا المشهد نفسه يظهر جلياً في سورية، ويتكرر بتجليات سياسية متشابهة، فبعض إخواننا في سورية كان يتحفظ في الأشهر الأولى للثورة من الإشارة إلى طائفية النظام السوري لمسوغات اجتهادية كانوا يرونها، فلما تصاعدت الثورة وتمددت في الشارع السوري وخشي النظام من الانهيار، تدخل حزب الله اللبناني بجنوده وسلاحه، ثم تدخلت بعض المليشيات العراقية المسلحة وفتحت الحدود لنقل السلاح والمقاتلين، ثم تدخلت إيران والعراق ببجاحة لا نظير لها، وأصبحتا تقاتلان بقوة لمواجهة الثوار العزَّل، وليس غريباً أن تستدعى الأدبيات والأعمال الطائفية والأعمال المشينة مثل الاغتصاب وقتل الأطفال والتمثيل بالقتلى وإهانة المقدسات.

وما كان سراً في أول الثورة أصبح حقيقة فاضحة لا يمكن إخفاؤها بعد ذلك، فقد تتابعت تصريحات القيادات المذهبية والسياسية لتأييد النظام السوري وتعزيز قواته، ابتداءً بتصريحات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي، وبرئيس الجمهورية الإيرانية أحمدي محمد نجاد، ومروراً بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وبرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وبمقتدى الصدر.. وأمثالهم.

والمراقب للمشهد الدولي يدرك تواطؤاً مريباً بين المشروع الصفوي وأذرعته السياسية المختلفة، وبعض القوى الدولية، فالولايات المتحدة الأمريكية تسلم العراق غنيمة باردة لإيران، وتتغاضى عن الجرائم الإنسانية في سورية، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يحذر بكل صفاقة سياسية من حكم أهل السنة في سورية، ويحذر من تسليح الجيش الحر! وصدق المولى جلَّ وعلا: {وَإخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: 202].

إذاً نحن أمام مشروع صفوي طائفي يتكشف يوماً بعد يوم بأبعاده المستفزة وأهدافه الصارخة، ومع ذلك ما زلنا نتهرب من بيان الحقيقة، فعندما نتحدث عن حقوق أهل السنة في إيران أو عن حقوق العرب الأحواز يوبخك بعض إخوانك لأنك - بزعمهم! - تحيي الطائفية، وعندما تتحدث عن القتل والتشريد على الهوية وحملات التطهير المذهبي في العراق، يتهمك بالتعصب والتشدد. وعندما تخبره عن مشاريع إيران في البحرين وغيرها وخلفياتها الحزبية والطائفية وعن حراك وتسليح الحوثيين في اليمن، فأنت في ميزانه طائفي بامتياز، أما حينما تتجرأ في نقد حزب الله وتواطئه مع النظام السوري، فأنت تجتر صراعات تاريخية، وتثير خلافات لا مكان لها، وعندما ترصد التمدد الإيراني في الجزائر ونيجيريا والسنغال وأندونيسيا وبنجلاديش ونحوها من الدول الإسلامية الكبرى، فأنت تقوض الوحدة الإسلامية وتشتت الأمة بالعصبية المذهبية، وعندما ترد على بعـــض المتطــاولين على أمهات المؤمنيـــن والصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -؛ فأنت تشغل نفسك بالرد على بعض المغمورين الذين لا يمثلون التيار العام!

وإن تحفظت على دعوات ومجالس التقريب بين السنة والشيعة، وذكرت من الشواهد القديمة والمعاصرة ما يدل على فشلها وعدم صدقيتها؛ صاح بك بعضهم ينهاك عن التثبيط والتخذيل!

والمحصلة أن المشروع الصفوي يستأصل ويهجِّر أهل السنة في بعض البلاد ويُغيّر تركيبتها السكانية، ويخترق بمشاريعه الطائفية دولاً ومناطق أخرى، ويصل إلى الآفاق والأطراف الإسلامية في أفريقيا وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى وأوروبا الشرقية بدعاته ومشاريعه وسفرائه السياسـيين..

أما بعض السياسيين من المنتسبين إلى السنة فيواجه ذلك بالتهدئة والتغافل، وبعض الإسلاميين يطالب بالتسامح والحكمة وضبط النفس، وترتفع الأصوات من هنا وهنــاك: لا للطائفية.. إياكم والطائفية..!

إنَّ ثمة حقيقة مؤلمة تستحق الحوار الجاد والمراجعة الصادقة، وهي: أن رؤوس المشروع الصفوي من السياسيين وأصحاب العمائم يجاهرون بكل صفاقة ووضوح بأهدافهم السياسية وتطلعاتهم العقدية، ويسقطون بكل استعلاء ومكابرة عباءة التقية بلا تردد، وبعضنا ما زال يجتر أوهاماً لا حقيقة لها البتة، ويتردد حيث يجب الإقدام، ويسكت حيث يجب الكلام. مع أن الدعم المطلق - سياسياً وعسكرياً واقتصادياً - الذي يحظى به النظام السوري المستبد من حلفائه في إيران والعراق ولبنان، ينبغي أن يواجه بمشروع صادق ودعم جاد من أنصار الشعب السوري المرابط.

:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)

 

أعلى