ظهور المرجعية الشيعية وعوامل التجاذب والتنافر فيها

ظهور المرجعية الشيعية وعوامل التجاذب والتنافر فيها

 

لم يكن للطائفة الشيعية مرجعية متعارف عليها كما هي عليه الآن؛ فالطائفة الإمامية نَمَت وتطورت من حزب سياسي في منتصف القرن الأول الهجري إلى فرقة وطائفة لها مرتكزاتها العقدية الخاصة بها مع بدء القرن الثالث الهجري، وكانت النظرية الإمامية مفتوحةً وممتدة من عهد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى يوم القيامة، وبعبارة أخرى: إنها لم تكن محصورة في عدد محدَّد من الأئمة أو فترة زمنية مختصة.

والتراث الشيعي حافل بمئات الروايات التي تؤكد على استمرار الإمامة إلى يوم القيامة؛ لذا لم تكن هناك حاجة لمن ينوب عن الإمام؛ فسلسلة الأئمة تترى.

ولكنَّ وصول نظرية الإمامة إلى طريق مسدود بعد وفاة الإمام الحسن العسكري في سنة 260هـ من غير ولد يَخْلُفه [1]، وقيام جعفر بن علي الهادي أخي الحسن بأخذ تَرِكَتِه، كل ذلك أدى إلى تفجُّر أزمة عنيفة في صفوف الشيعة الإمامية الموسوية الذين كانوا يعتقدون بضرورة استمرار الإمامة إلى يوم القيامة، وقد رافق هذه الأزمة حدوث نوع من الحيرة والغموض والتساؤل داخل صفوف الشيعة، وهو ما أدى إلى تفريقهم يومئذٍ إلى أربع عشرة فرقة [2]:

كلٌّ يقول برأي مختلف: فذهب بعضهم إلى القول بإمامة أخيه جعفر، بينما ذهب بعضهم للالتحاق بالمحمدية الذين قالوا باختفاء السيد محمد (محمد بن علي الهادي) وأنكروا وفاته، وقال قسم منهم بانقطاع الإمامة، وأنكر بعضهم وفاة الحسن العسكري، وقال بعضهم بعودته إلى الحياة مرة أخرى، وقال آخرون بوجود ولدٍ له في السر، وُلِدَ في حياته - على اختلافٍ في الروايات في سِنِيِّ ولادته - أو بعد وفاته، وأنه المهدي المنتظر [3].

وقد استطاع دهاقنة الشيعة أن يخرجوا الشيعة من هذا المأزق الخطير بأقل الخسائر من خلال الادِّعاء بأنه وُلِد للإمام الحسن العسكري قبل وفاته بسنتين، أو ثلاث، أو خمس، أو ست، أو ثماني سنين، ويقولون بأنهم قد شاهدوه في حياة أبيه وأنهم على اتصال به، ويطلبون من عموم الشيعة التوقف وعدم البحث والتفتيش عنه أو التصريح باسمه ويحرسون ذلك، وكانوا يفسرون ادعاء جارية العسكري (صقيل) بوجود الحمل عند وفاة العسكري بأنه محاولة منها للتغطية على وجود الولد في السر.

ومنذ ذلك الوقت عُرِف هؤلاء الذين ادعوا بوجود ولد مغمور للإمام الحسن العسكري بـ (الطائفة الإثني عشرية). وكان أصحاب ادعاء وجود ولد للحسن العسكري هم أنفسهم الذين ادعوا النيابة عنه ويطلق الشيعة عليهم: (النواب الأربعة) الذين ادعوا النيابة عن المهدي في فترة الغيبة الصغرى من سنة 260هـ إلى سنة 329هـ؛ إذ كان هؤلاء النواب يزعمون مشاهدة المهدي المنتظر واللقاء به، وإيصال الأموال إليه، ونَقْل الرسائل و (التوقيعات) منه إلى المؤمنين به.

وهؤلاء النواب هم:

1 - عثمان بن سعيد العامري، توفي سنة 262 هـ.

2 - محمد بن عثمان بن سعيد العامري الملقب بـ (الخلاني)، توفي سنة 305 هـ.

3 - الحسن بن روح النوبختي توفي سنة 325 هـ.

4 - علي بن محمد السمري (الصيمري) توفي سنة 329 هـ [4].

وإلى جانب هؤلاء (النواب الأربعة)؛ فقد ادعى النيابة حوالي أربعة وعشرين رجلاً آخر من أصحاب الإمامين: علي الهادي والحسن العسكري، أو مِن أتباعهم: كالحسن الشريعي، و محمد بن نصير النميري، و محمد بن علي الشلمغاني بن أبي العزاقر، و أبي دلف الكاتب، و الحسين بن منصور الحلاج [5] ... وغيرهم.

وقد اختلف الشيعة الإمامية القائلون بوجود الإمام الثاني عشر فيما بينهم حول صدق أولئك النواب وصحة ادعائهم النيابة؛ فذهب فريق إلى تصديق (النواب الأربعة) الأوائل، وذهب فريق آخر كالنصيرية (العلوية) إلى تصديق الحسن الشريعي ومحمد بن نصير النميري، بينما ذهب آخرون إلى تصديق مجموعة أخرى [6].

ولا بد من دراسة ظاهرة ادعاء النيابة عن الأئمة في التاريخ الشيعي؛ كالذين ادعوا النيابة عن الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق الذي ادعى كثير من أصحابه استمرار حياته وغيبته ومهدويته، وكان منهم محمد بن بشير الذي ادعى النيابة عنه، ثم أورث النيابة أبناءه وأحفاده؛ مثلما فعل عثمان بن سعيد العامري الذي ادعى نيابة المهدي المنتظر - كما أسلفنا - ثم أورث النيابة ابنه محمداً.

ويبدو أن دعوى النيابة كانت تجر مصالح مادية ومكانة اجتماعية سياسية للمدعي، ولا سيما أن المدعي كان يهمس بها في السر وينهى عن التحقُّق من دعواه، وقسم منهم كانوا يتعاطون أعمال السحرة؛ لإثبات دعوى نيابتهم.

ومن الجدير ذكره أن أحد الباحثين الشيعة يقول بهذا الصدد: (إذا كنا نتهم أدعياء النيابة الكاذبين بجرِّ النار إلى قرصهم، وبالحرص على الأموال والارتباط بالسلطة العباسية القائمة يومذاك، فإن التهمة تتوجه أيضاً إلى أولئك (النواب الأربعة) الذين لم يكونوا بعيدين عنها) [7].

يقول أحد أدعياء النيابة، وهو محمد بن علي الشلمغاني الذي كان وكيلاً عن النائب الثالث الحسين بن روح النوبختي في بني بسطام: (ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح في هذا الأمر (النيابة) إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف) [8].

وهكذا استطاع دهاقنة الشيعة تمرير مخططهم في ادعاء النواب الأربعة النيابة الخاصة عن المهدي المزعوم، وتمكَّنوا بهذه الطريقة من السيطرة على الموارد المالية للطائفة الشيعية: من زكاة وخُمْس... وغيرها للفترة من 260هـ ولغاية 329هـ؛ أي: ما يقارب السبعين عاماً.

وللباحث أن يتساءل: لماذا حدد فلاسفة الشيعة سنة 329هـ لنهاية الغيبة الصغرى وبداية للغيبة الكبرى؟ علماً بأن تبريراتهم بخصوص بداية الغيبة الصغرى تجد القبول؛ على أساس أن الحسن العسكري قد توفي سنة 260هـ، وابتكروا له النظرية الجنينية (أي: وجود جنين في بطن إحدى جواريه).

ومهما يكن من أمر فلا توجد إجابات محدَّدة عند علماء الشيعة بخصوص تحديد بداية الغيبة الكبرى: هل جاءت من المهدي نفسه؟ أم أن هناك عوامل أو دوافع اقتضت هذا التاريخ، منها:

- الظرف الصعب الذي كانت تمر به الخلافة العباسية؛ حيث جرى سَمْل عيني الخليفة الراجي بالله في سنة 329هـ وتولى الحكم المتقي بالله.

- أو أنهم حدَّدوا هذا التاريخ على أساس أن مجموعة من علمائهم تُوفُّوا في هذا التاريخ: منهم النائب الرابع علي بن محمد السمري (الصيمري)، و الكليني صاحب الكافي، و علي بن الحسين بن بابويه القمي.

- أو أنهم كانوا على دراية بأن الوقت قد حان لمجيء البويهيين للاستيلاء على بغداد وجَعْل مقدرات الخلافة العباسية تحت حكمهم، وهو ما حصل؛ فقد سيطر البويهيون بقيادة أحمد بن بويه على بغداد في سنة 334هـ؛ أي: بعد خمس سنوات من بداية الغيبة الكبرى.

- الظاهر أن بداية الغيبة الكبرى ترافقت مع الانتهاء من كتاب الكافي لصاحبه محمد بن يعقوب الكليني ووفاته في السنة نفسها وتعليق المهدي - كما يدَّعون - على هذا الكتاب بأن: (الكافي كافٍ لشيعتنا) [9]، ولو أن الكليني انتهى من هذا الكتاب قبل هذه الفترة لكانت الغيبة قد تحددت في موعد آخر.

وبمجيء الغيبة الكبرى أصبح الشيعة - لأول مرة - بغير إمام معصوم وبغير نيابة واضحة، ولا سيما أن النواب الأربعة قد تُوفُّوا؛ لذا سادت في هذه الفترة نظرية الانتظار وهي النظرية التي جلبت للشيعة مآزق كثيرة، أقلها خروجهم من التاريخ؛ فلا جمعة، ولا جهاد ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا بحضور الإمام الحجة المهدي المنتظر.

وكان الزمن كفيلاً بعلاج هذا المأزق عند علماء الشيعة؛ فما بين فينة وأخرى كان يخرج عالم بنظرية تؤكد أنه ينوب عن المهدي في مسألة معيَّنة: كالخُمْس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون سفك الدماء، أو صلاة الجمعة.

وبعبارة أخرى: أصبح كبار علماء الشيعة هم مراجع للطائفة نيابةً عن المهدي، ولكن كثرة المراجع خلَّفت مأزقاً جديداً ولتلافي هذه المشكلة استحدث العلماء نظرية الأعلم؛ وفي الحقيقة لا توجد ضوابط مُحْكَمة يستطيع الباحث أن يدلي دلوه في ضوئها؛ فالمؤثرات الذاتية والعرقية لها أثرها في هذا الأمر.

وهكذا سادت نظرية الانتظار رغم قيام عدة دول شيعية: كالبويهيين من سنة 334هـ ولغاية 447هـ، والسربداريين في إقليم خراسان شرقي إيران، والدولة المشعشعية في أهوار العراق وإيران.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الفكر السياسي الشيعي بعد الغيبة الكبرى عام 329 هـ أصبح يعيش خارج الزمن (التاريخ) رغم حكم بعض الدول الشيعية:

كالبويهيين والمشعشعيين والسربداريين؛ غير أن اطلاع علماء ومتكلمي الشيعة [10] على النظرية السياسية الإسلامية عند علماء أهل السُّنة، ومحاولة إيجاد صيغةٍ مَّا توافقية بين الفكر السياسي السُّني وما يسمى بنظرية النيابة عندهم، جعلهم يحاولون الخروج من القوقعة التي أوقعوا أنفسهم فيها؛ فنظرية النيابة وانتظار الإمام الغائب التي التزموا بها أبعدتهم عن المساهمة بأي شكل من الأشكال في جهاد الكفار والمنافقين [11] الذي هو ذروة سنام الإسلام، فضلاً عن الإسهام في عملية التغيير الاجتماعي نحو الأفضل، وبعبارة أخرى: إنهم استبدلوا بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قانون الأمر بالمعروف والنهي على المنكر باللسان واليد فقط دون اليد التي تفضي إلى إراقة الدماء عن طريق السلطان [12].

وهكذا ينطبق الأمر على تعليق مهمة تنفيذ الحدود؛ أي: تحريم إقامتها والانتظار الممتد إلى خروج المهدي [13]، وإلى عدم إقامة صلاة الجمعة [14].

ولكن الغريب أن الناحية المادية كالخمس وغيرها كان لها شأن آخر؛ فمع أن علماء الشيعة عطّلوا كثيراً من الأحكام الإسلامية المعلومة من الدين بالضرورة: كالجهاد وإقامة الحدود وصلاة الجمعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إلا أنهم استطاعوا - إلى حدٍ بعيد - ابتكار نظريات اجتهادية الواحدة تِلْوَ الأخرى في الناحية المالية فقط، وهذا الذي يجعل الباحث في حيرة من أَمرِه؛ فلماذا تعطيل الجهاد والحدود والجمعة، والإبقاء على الأحكام المالية كالخمس وغيرها؟ وآية الخُمْس نزلت في غنائم الحرب، وهي صريحة جلية واضحة وضوح الشمس؛ يعرف مدلولها كلُّ من لديه إلمام باللغة العربية، وهي: }وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { (الأنفال: 41).

وكان علماء الشيعة إلى نهاية القرن الخامس الهجري موافقين في تفسيرهم للآية المذكورة لتفسير علماء أهل السُّنة، ولكنَّ متأخريهم حوَّروا الخُمْس من الغنائم في الحرب إلى أرباح التجارة (لغرضٍ في أنفسهم)؛ ففسروا الغنيمة بالأرباح وقالوا: « إن كل ربح يعتبر غنيمة ويشملها الخمس، ثم أضافوا أن هذا الخمس يجب أن يعطى إلى الإمام الغائب؛ وبما أن الإمام غائب؛ فيجب إعطاؤه إلى الفقهاء (النواب) الذين هم نوّابه » [15].

وهكذا ألزموا الشيعة بدفع الضريبة المالية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهكذا ضَمِن مراجع الشيعة لأنفسهم مورداً مالياً لا ينضب وكنزاً لا يفنى على حد تعبير الموسوي [16].

وقُبَيل وفاة النائب الرابع علي بن محمد السمري بشهور قليلة يقال: إن رقعة وصلت إليه بتوقيع المهدي، جاء فيها: « لقد وقعت الغيبة التامة؛ فلا ظهور إلا بعد أن يأذن الله؛ فمن ادعى رؤيتي فهو كذاب مفترٍ » [17].

ويلاحَظ أن فلاسفة الشيعة ومتكلِّميهم كانوا السبَّاقين إلى النظرية الجدلية ( الديالكتيكية) قبل ظهورها على يد الفيلسوف الألماني (هيجل)؛ فكلما تتولد نظريةٌ مَّا يلاحَظ بروز نقيضها بعدها، وهكذا دواليك؛ فما إن ظهرت نظرية المهدي المنتظر حتى برزت إلى الوجود نظرية النيابة الخاصة بالنواب الأربعة، وما إن حلت الغيبة الكبرى 329هـ حتى تولَّد نقيضها، وهي نظرية التقية والانتظار التي أثَّرت على الفكر الشيعي تأثيراً كبيراً؛ ولولا ظهور الدولة البويهية الشيعية بالتوازي مع بدء الغيبة الكبرى لكان مصير الفرقة الإثني عشرية إلى زوال وصيفاتها من الفرق الشيعية الأخرى البائدة التي دخلت في ذمة التاريخ.

ولعله لم يكن مصادفة ظهور المصنفات الشيعية الكبيرة في العصر البويهي؛ حيث ازدهرت حركة التأليف عندهم بسبب تشجيع البويهيين لعلماء الشيعة وحمايتهم ودعمهم من جوانب عديدة بعد أن كانوا مضطهدين ومطاردين من قِبَل الخلافة العباسية؛ لأفكارهم الهدامة وطروحاتهم الغريبة عن الفكر الإسلامي؛ فكان أن تفرغ علماء الشيعة لمباحثهم الفقهية ونظرياتهم الجدلية، ورافق حركة التأليف تلك إنشاء مدارس عديدة (حوزات)، كان من ثمارها ظهور المصنفات الحديثية الثلاثة:

- من لا يحضره الفقيه، لصاحبه علي بن بابويه القمي الملقب بـ (الصدوق) والمتوفى سنة 381هـ.

- والاستبصار.

- وتهذيب الأحكام، لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460هـ.

وكان متكلمو الشيعة وفلاسفتهم سبَّاقين إلى الاستفادة من الفكر المعتزلي الذي انكفأ على نفسه بعد أن بلغ الذروة في عهد المأمون العباسي المتوفى سنة 218هـ، والمعتصم المتوفى سنة 227هـ، و الواثق المتوفى سنة 234هـ؛ فأحيوا هذا الفكر من جديد بما يخدم أصولهم كالإمامة وغيرها من النظريات التي طرحها متكلموا الشيعة، واستطاعوا - إلى حد بعيد - تطويعها لما يخدم توجُّهَهُم العقدي والتاريخي والفلسفي [18].

وهناك نقطة على جانب كبير من الأهمية، وهي أن الأفكار الغريبة تنمو وتتبلور في ظل الاضطراب السياسي والقلق الاجتماعي؛ وهذا ما بدا واضحاً في العصر العباسي الثاني (فترة التدخل التركي) بعد سنة 247هـ وما رافقها من ظهور حركتَي: القرامطة والزنج اللتين عاثتا في الأرض فساداً وأرهقتا الدولة العباسية إرهاقاً شديداً؛ حيث ساد ذعر وقلق اجتماعي كانا كفيلين بانتعاش الأفكار والحركات الهدامة، واستطاع العالم الشيعي محمد بن يعقوب الكليني الاستفادة من هذا الوضع الحرج للأمة والمثالي بالنسبة له، بتمرير أفكار غريبة وهدامة تتقاطع مع أبجديات الفكر والفقه الإسلامي من خلال كتابه (الكافي)، ولم يكن باستطاعته فعل ذلك لو كان النظام السياسي مستقراً.

وعلى الرغم من ذلك؛ فإن الدولة العباسية لاحقت في الوقت نفسه عدداً من هؤلاء الزنادقة والملحدين مثل: الحراج و الشلمغاني: حيث تم إعدام الأول في سنة 309 هـ والثاني في سنة 322هـ بتهمة الزندقة وتناسخ الأرواح والادعاء بحلول الله - جلَّت قدرته - فيهما، علماً بأن المذكورَين كانا من أدعياء النيابة الخاصة للمهدي المزعوم، وكان الشلمغاني ينافس النوبختي النائب الثالث على النيابة، فضلاً عن أن سيرة النواب الأربعة؛ حتى في المصادر الشيعية لم تكن سليمة إلى حد كبير وإنما يشوبها الدجل والشعوذة.

:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)


 (1) أحمد الكاتب: تطوُّر الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، ص96.

(2) النوبختي: فرق الشيعة، ص2 الأشعري القمي: المقالات والفرق، ص 19.

(3) تطوُّر الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه (مرجع السابق)، ص 96.

(4) الصدوق: إكمال الدين، ص3 و 5.

(5) لقد ادعى هذا الشخص حلول الله فيه وثبت للدولة العباسية أنه جاسوس باطني للدولة العبيدية (الفاطمية)؛ لذا حاكمته محكمة عباسية وأصدرت عليه حكماً بالإعدام في سنة 309هـ، وغالبية المتصوفة يدَّعون أنه أحد أوليائهم، كما ثبت أن علي الشلمغاني ادعى هو الآخر القول بالتناسخ

وأن الله حل فيه؛ ولذا حاكمته محكمة عباسية وأصدرت عليه حكماً بالقتل سنة 322هـ.

(6) المرجع السابق، ص154.

(7) أحمد الكاتب: ص 225 و 226.

(8) الطوسي: الغيبة: ص 241.

(9) بلغ عدد أحاديث كتاب الكافي أكثر من 16 ألف حديث منها 5072 حديثاً صحيحاً مقابل 9480 حديثاً ضعيفاً انظر (الخوانساري: روضات الجنات، ص553)، ومما تجدر الإشارة إليه أن النجاشي (أحد علماء الرجال عند الشيعة) ذكر أن الكليني جمع كتابه هذا في عشرين سنة انظر (الرجال: ص 266)، ويعلق أحد كتَّاب الشيعة على كثرة الروايات الضعيفة في كتاب الكافي، ووجود روايات تؤكد وقوع التحريف في القرآن قائلاً: لماذا لم يتصل الكليني بالمهدي عن طريق النائبين الثالث والرابع النوبختي والسمري (الصيمري)؟ انظر (أحمد الكاتب: تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، ص 232).

(10) لم ينجح متكلمو الشيعة في تطوير نظرية دستورية إسلامية تخدم أيَّ غرض عملي، انظر تراث الإسلام العدد 234 الجزء الثاني، سلسة عالم المعرفة الكويتية.

(11) الطوسي، محمد بن حسن: الغيبة، ص 64.

(12) الصدوق: إكمال الدين، ص 94 - 59.

(13) المرتضى: رسالة في الغيبة (رسائل الشريف المرتضى، 2/ 298).

(14) الطوسي: المبسوط في فقه الإمامية، 1/143.

(15) موسى الموسوي: الصرخة الكبرى عقيدة الشيعة في أصول الدين وفروعه في عصر الأئمة وبعدهم، ص 65.

(16) المرجع السابق، ص65.

(17) الصدوق: إكمال الدين، ص 483.

(18) للأمانة العلمية: فإن متكلمي الفرقة الزيدية استطاعوا الاستفادة من الفكر المعتزلي حتى وصل الأمر بالمؤرخين والباحثين إلى اعتبار الزيدية معتزلة في الأصول.

أعلى