خارطة التنوير من التنوير الغربي إلى التنوير الإسلامي

خارطة التنوير من التنوير الغربي إلى التنوير الإسلامي


1 - ليس سهلاً لكنه ضروري:

ليس سهلاً أن تسعى لتلخيص المعلومات الأساسية عن تيار فكري وتأريخ محوري وتصور معرفي بحجم (التنوير)، فضلاً عن أن يكون هذا التلخيص لتلك المعلومات الأساسية كافياً كي يدرك القارئ حقيقة التنوير؛ إلا أنه لا بد مما ليس منه بد، ولا مفر من أن أسعى لهذا الهدف ولو كان عسراً؛ لأن تحقيقه يُعد ضرورة معرفية من دونها لا يحصل الفرقان بين الحق والباطل، فكانت السطور القادمة خطوطاً عريضة لا غير.

2 - تعدَّدت الأسماء:

تعددت الأسماء التي يُعبَّر بها عن المفهوم محل التحليل ها هنا، ولا بأس من أن نُشير إليها إشارة سريعة؛ رجاء ألا يشتبه على القارئ هذا المفهوم إذا عُبِّر عنه بأحد هذه الأسماء.

(النور)، و(التنوير)، و(الأنوار)، و(الاستنارة)؛ جميعها أسماء يُعبَّر بها عن هذا المفهوم، وربما تم التعبير عن الحقبة التاريخية التي استوت فيها المكونات الأساسية لهذا المفهوم بـ (عصر التنوير)، أو (عصر الأنوار)، أو (عصر الاستنارة).

(والنور في الوجدان الإنساني هو عكس الظلام تماماً، كما أن الخير هو عكس الشر، ومن ثم فإن كلمة (الاستنارة) بمعنى الفكر الشبيه بالنور الذي يُبدد الجهل الشبيه بالظلام)[1].

3 - قسمة أساسية:

قسمة أساسية لا بد من الابتداء ببيانها كي لا نقع في اشتباك الألفاظ والدلالات الذي طالما أضل عن الحق وأوقع في الباطل، وكي لا نظلم أقوالاً ورجالاً بأن نضمهم في حزمة واحدة مع أقوال ورجال ليسوا منهم ولا يرضون هم عنهم؛ لذلك فنحن في سعينا هنا لعرض المعلومات الأساسية عن التنوير لا نرى محيصاً من قسمة التنوير إلى ثلاثة أقسام، وإفراد كل قسم بما يتعلق به تاريخاً وفكراً ورجالاً.

وهذه الأقسام الثلاثة هي:

أولاً: التنوير العَلماني الغربي.

ثانياً: التنوير العَلماني الشرقي[2].

ثالثاً: التنوير الإسلامي.

فالقسمان الأول والثاني إنما تم تقسيمهما باعتبار التنوع الجغرافي لا الفكري، بعكس القسم الثالث، والذي كان اختلافه الفكري عن القسمين الأولين هو ما جعله قسماً ثالثاً على نحو ما سيتضح في باقي المقال وقابل المقالات.

 أولاً: التنوير العَلماني الغربي:

1 - التنوير العلماني، وبحسب المركزية الغربية التي جعلت أوروبا تاريخاً وفكراً هي محور الأفكار في العالم؛ هو ظاهرة أوروبية في المقام الأول، وكل حركة فكرية غير أوروبية توجد فيها مكونات الفكر التنويري فهي مما أفاضته أوروبا على العالم؛ ولا شك أن هذا واقع في صور كثيرة كما في التنوير الشرقي (بفرعيه العلماني والإسلامي)، وإن حاولت بعض النخب التنويرية العربية رد التنوير لمكونات تراثية؛ إما نُفرة من المركزية الغربية، وإما تبيئة للتنوير الغربي وعبوراً به للعقل الشرقي على جسر من التراث، وسنزيد هذه الفكرة إيضاحاً في مقالات قادمة.

2 - يُقصد بالتنوير من الناحية التاريخية: الحقبة التي تمتد من نهاية القرن السابع عشر حتى نهاية القرن الثامن عشر[3]، وفي هذه الحقبة كان مخاض منظومة الأفكار والقيم التي عاشت مدة حمل بدأت من عصر النهضة في القرن الرابع عشر والخامس عشر ومرت بعصر الإصلاح الديني في القرن السادس عشر، ثم القرن السابع عشر، والذي يسميه بعضهم عصر العقل، وانتهت بعد هذا إلى ولادة تطبيقها العملي في الثورات الثلاث، الإنجليزية (1688م)، والأمريكية (1776م)، والفرنسية (1789م)، ودساتيرها، وما مرت به أوروبا بعد ذلك من مد وجذر، وصولاً إلى حداثة القرنين الأخيرين.

3 - في بداية عصر النهضة شهدت أوروبا موجة من موجات الصراع بين الإنسان النازع للفرار من قبضة الوحي وبين الوحي الذي كان متجسداً وقتها في المسيحية، وهي وإن كانت مسيحية محرفة، إلا أن الذي نُحب تقريره هنا؛ لنصحح به صورة نمطية من صور تناول التيارات الفكرية الغربية: أن النزوع للهوى وإرادة نزع قدسية الوحي وإلزاميته والتي يُعبر عنها بالعلمانية، هي حالة شيطانية لا يزال الشيطان منذ اجتال بني آدم عن دينهم يؤزهم إليها، سواء كان هذا الوحي سليماً أو محرفاً، ولا شك أن لتحريف الوحي أثراً في تسارع ودعم حصول هذا النزوع؛ لكن الذي نؤكده أنه نزوع يقع من بني آدم بأز الشيطان لهم وتلبيسه عليهم ولو لم يكن الوحي محرفاً.

4 - وكان من أهم دعائم هذا النزوع للفكاك من سلطة الكنيسة ووحيها الصحيح منه والمحرف؛ الرجوع إلى الآداب والفلسفات الإغريقية، والتي كانت هي نفسها ضرباً من أشهر ضروب العلمنة في تاريخ الأمم وأفكارها، حيث يُعد الفكر الإغريقي من أشهر النماذج الفكرية العلمانية التي أعرضت عن الوحي[4]، وبنت نماذجها التصورية للإله والطبيعة والإنسان مع ما يستتبعه هذا من تصورات قِيمية = بنت كل ذلك عبر العمليات العقلية التي قام بها فلاسفتها دون الاهتداء المباشر بنور الوحي، بل بنتها من خليط عظيم من الفلسفات الشرقية وشذرات من الوحي، إضافة للنظر العقلي المستقل لهؤلاء الفلاسفة.

5 - فكان هذا التراث الإغريقي، مع التراث الإسلامي المنتقل لأوروبا، مع ما حصّله الرحالة الغربيون من تراث وثقافات الأمم المعاصرة لهم مع المسيحية نفسها التي لا يستطيعون الفكاك منها تماماً؛ هي المدخلات الثقافية التي عمل عليها العقل الأوروبي في حقبتي النهضة والإصلاح حتى بزوغ الأسماء الرئيسية التي شكلت البذور الفكرية للحداثة الغربية وأسست الأعمدة الرئيسة للفكر التنويري، وأذكر منهم: فرنسيس بيكون (1626م) وإسهاماته التجريبية، وتوماس هوبز (1679م) بماديته ونظريته في السيادة، وعقلانية ديكارت (1650م)، وباروخ اسبينوزا (1677م) وتأسيسه لنقد الكتب المقدسة برسالته في اللاهوت والسياسة، ثم جون لوك (1704) وتطويره لعقلانية ديكارت ومساهمته الأساسية في الفكر السياسي التنويري برسالتيه في الحكومة ورسالته في التسامح، ثم فيزياء إسحاق نيوتن (1726م) ودعم النظرة المادية الآلية للكون، ثم التنويريان الفرنسيان جان جاك روسو (1778) وعقده الاجتماعي، وفولتير (1778) ورسالته في التسامح وكتابه المهم: رسائل فلسفية، ثم مونتسكيو (1755م) وكتابه روح القوانين، وصاحب الموسوعة دينس ديديرو (1784م)، ثم الألماني لسنج (1781م) وكتابه المهم: تربية الجنس البشري، ثم فيلسوف ألمانيا الأعظم عمانوئيل كانط (1804) وكتبه النقدية الثلاثة، وفلاسفة إنجلترا جريمي بنتام (1832م)، وآدم سميث (1790م) واضع النظرية الاقتصادية الليبرالية، وفي أمريكا توماس بين (1809)، وتوماس جيفرسون (1826م)، وبنجامين فرانكلين (1790)[5].

6 - ما أهم الأسس الفكرية للتنوير العلماني؟

الكتب التي تؤرخ للفكر والفلسفة الغربية تختلف في تكثير أو تقليل هذه الأسس الفكرية، والسبب الرئيسي للتكثير هو أن يضم الكاتب للأسس ما هو ناتج من أحد الأسس وليس أساساً مستقلاً، وإذا راعينا ألا نقع في هذا الإشكال فإننا سنقتصر على أساسين فقط، هما:

1 - العقلانية:

و(الفكر الاستناري فكر عقلاني يؤكد المرجعية الإنسانية ومركزية العقل الإنساني، فمصدر المعرفة الوحيد هو العقل (الذي لا يقبل إلا البديهيات الواضحة وما يتفق مع قواعد المنطق)، والحواس (التي لا تقبل إلا ما يُقاس)، والتجريب (الذي تخضع له كل الموجودات). وكل ما هو مطلوب من الإنسان العاقل (المزوّد بالعقل وبالحواس وبالمنطق والمعرفة المتراكمة التاريخية والعلمية)، أن يقوم عقله برفض أي حقائق متجاوزة للواقع المادي المحسوس، مثل الأساطير والأوهام والغيبيات والتخيلات والحجج التقليدية والعقائد والمسلمات)[6].

وتتجلى مركزية العقلانية في التنوير من جواب كانط على السؤال الذي وجهته إحدى الصحف الألمانية لقرائها ولمجموعة من النخب الألمانية في الوقت نفسه: (ما هو التنوير؟).

فكان جواب كانط: (التنوير هو خروج الإنسان من قصوره الذي يرجع الذنب فيه إليه، وهذا القصور هو عدم المقدرة على استخدام العقل إلا بتوجيه من إنسان آخر، والذنب في هذا القصور يرجع إلى صاحبه، إذ لم يكن سببه هو نقص في العقل، بل كان نقصاً فيما ينبغي من عزم وشجاعة لاستخدام العقل دونما توجيه من إنسان آخر.

لتكن لديك الشجاعة لتستخدم عقلك هذا هو شعار التنوير، وإن الكسل والجبن هما السببان اللذان يرجع إليهما رضاء نسبة كبيرة من الناس بالقصور طوال حياتهم بعد أن خلصتهم الطبيعة من توجيه الآخرين.

وهما كذلك السببان اللذان يرجع إليهما سهولة استئثار الآخرين بالوصاية عليهم، وإن في القصور لراحة، فهناك الكتاب الذي له في نظري العقل والكاهن الذي له في نظري الضمير والذي يقرر لي ما أتناوله[7]، وهكذا فليست بي حاجة لأن أجهد نفسي، لست بحاجة إلى التفكير ما دام يمكنني الدفع، وهناك من يقومون من أجلي بهذه المهمة الثقيلة.. وليس هناك شيء يتطلبه التنوير قدر ما يتطلب حرية الاستخدام العلني للعقل في كل الأمور)[8].

2 - الطبيعية:

(آمن دعاة الاستنارة بأن الطبيعة لها قوانينها الثابتة المطردة المعقولة، وأنها كل مادي ثابت متجاوز للأجزاء له غرض وهدف، ولذا فهي مستودع القوانين المعرفية والأخلاقية والجمالية، وما دام الإنسان مرتبطاً بالطبيعة مهتدياً بهديها، فإنه سيصل إلى الطريق المستقيم ويصل إلى المنظومات المعرفية والأخلاقية التي تخدم صالحه وتحقق التقدم اللانهائي وتعمل على ضبط المجتمع وترشيد السلوك الإنساني، فظهر الإنسان الطبيعي والحقوق الطبيعية، والدين الطبيعي والأخلاق الطبيعية)[9].

وعن هذين المحورين: نتجت باقي النظريات والقيم التي يجعلها مؤرخو الفكر أعمدة التنوير الفكرية وهي: العلمانية، الحرية، المساواة، الديمقراطية، التقدم، التاريخية، الوضعية، واللادينية[10].

7 - يقول تودوروف في عرضه لأسس التنوير الفكرية: (إن أول سمة تكوينية لفكر الأنوار تتمثل في جعلنا نفضل ما نختاره ونقرره بأنفسنا على ما تفرضه علينا سلطة خارجة عن إرادتنا، ومن ناحية أخرى ينبغي الانقياد طوعاً للقوانين والقيم والقواعد التي يرغب فيها بالذات أولئك الذين هي موجهة إليهم.. ليس لأي سلطة مهما كانت راسخة أو محترمة أن تبقى في مأمن من النقد، وأن ليس للمعرفة سوى مصدرين هما العقل والتجربة.. وأفضى مبدأ الاستقلالية إلى مبدأين، أولهما يتعلق بالسيادة بحيث صار الشعب مصدر كل سلطة ولم يعد ثمة شيء أعلى من الإرادة العامة، وثانيهما مبدأ حرية الفرد في حدود دائرته الخاصة)[11].

8 - وإذاً فقد تبلورت في حقبة التنوير الأوروبي حزمة من المفاهيم والنظريات المعرفية والدينية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية كانت هي الوقود الفكري والفلسفي لعربة الحداثة الغربية، وما أنتجته بعد ذلك من مذاهب فلسفية وسياسية واقتصادية ونفسية واجتماعية، فيمكننا بشيء من التجوز أن نقول إن علاقة أفكار التنوير وقيمه بالمذاهب الفلسفية والأدبية والاجتماعية والسياسية الغربية الحديثة؛ هي علاقة المنهج والرؤية بالقضايا والمسائل، فالعقلانية العلمانية نازعة القداسة والسحر عن العالم هي الإطار الذي تعمل داخله المذاهب الفكرية الغربية كلها.

9 - وقد تعرضت هذه الحداثة نفسها بوقودها الفكري التنويري لنقد غربي لاذع لا يبدأ بنيتشه وهايدجر[12] ولا ينتهي بأطوار ما بعد الحداثة[13]، مروراً بمدرسة فرانكفورت[14]، وقد قوبل هذا النقد بموجة دفاعية[15] أخرى تعترف ببعض أخطاء التنوير، لكن مع التنبه إلى أن نقاط الاختلاف بين نقاد التنوير الغربيين والمدافعين عنه كثير منها في جهات تختلف عن النقد الإسلامي له.

10 - وكانت هي الثقافة العالِـمة التي حملتها جيوش أوروبا في اصطدامها بالشرق العربي والإسلامي على الخصوص، وعملية الاصطدام هذه هي التي ولّدت نوعي التنوير الموجودين في الشرق، وهما: التنوير الشرقي العلماني، والتنوير الشرقي الإسلامي، وهما القسمان الثاني والثالث من القسمة التي ذكرناها في بداية المقال، وهذا أوان بيانهما:

ثانياً: التنوير العلماني الشرقي:

1 - يُعطي أكثر مؤرخي الفكر العربي أهمية استثنائية للحملة الفرنسية على مصر (1798م) وما حملته معها من أدوات التحديث وقيم الحداثة، ويعدونها لحظة اصطدام الشرق والغرب، وهو الاصطدام الذي أحدث تصدعاً فكرياً في الأبنية الفكرية العربية نقلها من مرحلة العقائد والمذاهب الفكرية التراثية إلى مرحلة تشكيل المواقف من المنظومة الفكرية الغربية تشكيلاً فتح المجال لنشأة تيارات فكرية لم تكن موجودة في المنطقة قبل هذه الحملة، فكانت هذه الحملة الشرط التاريخي لبروز تيار التغريب وتيار التنوير الإسلامي[16] على ما سيأتي بيانه، ويبقى الحديث الآن معقوداً للتيار التنويري العلماني، والذي يسميه بعضهم تيار التغريب أو التيار الحداثي.

2 - إذا تتبعنا التنوير العلماني الشرقي منذ تاريخ الحملة الفرنسية، سنجد رموزه هم المجموعة التالية من المفكرين: بطرس البستاني (1883م)، وفرنسيس مراش (1783م)، وشبلي الشميل (1917م)، وفرح أنطون (1922م)، وقاسم أمين (1908م)، وأحمد لطفي السيد (1963م)، وطه حسين (1973م)، وعلي عبد الرازق (1966م)، وسلامة موسى (1959م)، وأنطون سعادة (1949م)، وساطع الحصري (1968م)، وزكي نجيب محمود (1993)، وصادق جلال العظم، وعبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري (2010م)، ومحمد أركون (2010م)، ونصر حامد أبو زيد (2010م)، وفؤاد زكريا (2010م)، وحسن حنفي[17]، وعبد الكريم سروش.

ثالثاً: التنوير الإسلامي:

1 - ينبغي أن يكون واضحاً منذ البداية أني اخترتُ استخدام هذا المصطلح لأعبِّر به عن هذا التيار مفضلاً له عن مصطلح (العصرانيين) وعن مصطلح (الإصلاحيين)؛ لأني أراه أدق في التعبير عن المراد[18]؛ لأنه يحتفظ لهذا التيار بالمكونين الرئيسين اللذين أوجبا اعتباره تياراً فكرياً مستقلاً، مع التنبيه إلى أن بعض رموزه قد استعملوا هذا التعبير بالفعل لتمييز تيارهم، لكن كان المراد به عندهم أن للإسلام تنويره المستقل المختلف عن التنوير الغربي، وأن هذا التنوير الذي جاء به الإسلام ينبغي أن يكون هو مقصد ومحور العمل والدعوة وليس التنوير الغربي[19]. وبلا شك فليس هذا هو مقصدي باستعمال المصطلح، وإنما مقصدي تمييز هذا التيار نفسه بهذين الركنين (التنوير - الإسلامي)، ولكل منهما دلالة معرفية في التصنيف تتضح في النقاط التالية.

2 - النموذج التحليلي الذي أعتمده في نظرتي للتيارات الفكرية الشرقية وعلاقتها بالتنوير يجعل من الإيمان بمرجعية الوحي وقدسية سلطته معياراً فاصلاً بين التنوير العلماني والإسلامي، فالعقلانية العلمانية التي تعزل الوحي عن أي منطقة من مناطق نفوذه هي المكون الرئيس الذي يكفي توفره في تيار فكري عربي ليتم إدراج هذا التيار في نطاق التنوير العلماني، وليكون بذلك لاحقاً وتابعاً للتنوير العلماني الغربي وتبدياً من تبدياته في المجتمعات الشرقية العربية والإسلامية، مع تسليمي بأن من قواعد التنوير وأصوله ما قد يُضيعه بعض من يتوافر فيهم المكون العلماني، وأرى أن أي عملية تصنيف فكري لا بد لها من الارتكاز على أصول عضوية يكفي توفرها للدخول تحت حيز الصنف الفكري وإن وقع بعد ذلك نقص أو استثناء في استيفاء المكونات الفكرية للتيار، لكن المهم أن يكون المكون الذي عددناه أصلاً ومركزياً تقوم الحجة على صلاحيته للقيام بهذه الوظيفة المهمة في عملية التصنيف، ويكفيني من الحجة على عدم العقلانية العلمانية مثالاً جيداً على هذا الأصل أن من يُسَلِّم بسلطة الوحي على العقل ومرجعيته المتجاوزة وكونه معياراً للممارسات الفردية والاجتماعية والسياسية معاً؛ أنه بهذا خرج يقيناً من التنوير الغربي العلماني[20]، وبريء منه مفكروه لو عرفوه، وأن من أثبت الوحي كمرجعية متجاوزة لم يستطع استيفاء باقي مكونات التنوير الغربي إلا بعد أن يستثني ويقص منها كل ما يتعارض مع هذه المرجعية التي سلم بتجاوزها؛ فالعقلانية العلمانية هي المكون العضوي الذي إذا اختل أو تغيَّر اختلت بتغيُّره المنظومة الفكرية التنويرية الغربية كلها.

3 - إذا اتضح هذا ظهر جلياً أن الشق الثاني من عبارة التنوير الإسلامي المقصود بها في تحليل الباحث هو احتفاظ هذا التيار الفكري ومفكريه بالمرجعية المتجاوزة الملزمة للوحي، وعدم قبولهم المكون العلماني للفكر التنويري؛ ولذلك تجد كثيراً من رموز التنوير الإسلامي من أكثر من يتناولون العلمانية والتنوير الشرقي العلماني بالرد والنقد[21].

4 - فما الذي استحقوا به الشق الأول من المصطلح إذاً؟

الجواب: أنهم استحقوا هذا الاسم بسبب قيامهم بعملية توفيق بين الإسلام (نصاً وتراثاً) وبين مفاهيم التنوير، فقبلوا منها ما رأوه حقاً، وردوا منها ما رأوه باطلاً.

إلى هنا فلا تثريب ولا إشكال[22]، فهذا هو واجب العدل مع الناس مؤمنهم وكافرهم، وهو المنهجية العلمية الصحيحة في التعامل مع المفاهيم والمصطلحات أياً كان مصدرها.

ولكن الخلل الذي دخل على هذا التيار الفكري أثناء قيامه بعملية المواءمة والتوفيق هذه، والتي استحق بها تصنيفه كتيار فكري نراه مضيعاً لحق وواقعاً في باطل واستوجب تمييزه بهذا الاسم (التنوير الإسلامي)؛ هو: أنهم في عملية التوفيق هذه أضاعوا قطعيات من الشريعة وخالفوها إما بقبول باطل وإما برد حق، فكانت مخالفة القطعي، بقبول ما هو باطل من المفاهيم الغربية، ورد ما هو ثابت قطعي من الدين؛ هو الموجب لتصنيفهم على الصورة السابق ذكرها[23]، ومن أمثلة القطعيات التي ضيعها بعض أولئك المفكرين أثناء عملية المواءمة هذه: قصر مفهوم الجهاد في الإسلام على الدفع، وإنكار شيء من المعجزات الثابتة بالأدلة القطعية، وتحريف بعض نصوص الوحي تحت ضغط العلوم الحديثة مثل تحريف مفهوم (الطير الأبابيل)، وإطلاق القول بعدم العقوبة على الآراء الباطلة، والقول بجواز تولي غير المسلم منصب حاكم المسلمين وولي أمرهم، والقول بإبدال المواطنة محل الذمة وإلغاء الذمة كصورة للعلاقة بين المسلم وغير المسلم، والقول بعدم جواز إلزام المسلمين بالشريعة رغم وجود الاستطاعة مراعاةً لحريتهم في الاختيار[24].

5 - وأكثر هذه المسائل التي ضيّعوا فيها القطعيات، هي من المسائل التي أنتجتها العقلانية العلمانية، لكنهم لا ينتبهون للأساس العقلاني العلماني لها ويظنون هذه المسألة من الحق المشترك بين الوحي وبين الفكر الغربي، والحال ليس كذلك، والوحي منها براء، وهي مصادمة له، وما أنتجها سوى العلمانية التي تنزع الوحي عن القيم وتطبيقاتها.

6- ويمكننا ذكر مسرد سريع برموز هذا التيار وهم: رفاعة الطهطاوي (1873م)، وخير الدين التونسي (1890م)، وجمال الدين الأفغاني (1897م)، ومحمد عبده (1905م)، وعبد الرحمن الكواكبي (1902م)، ومحمد رشيد رضا (1935م)، ومصطفى عبد الرازق (1947م)، وعبد المتعال الصعيدي، ومحمد الغزالي (1998م)، ويوسف القرضاوي، وأحمد كمال أبو المجد، ومحمد عمارة، وفهمي هويدي، ومحمد سليم العوا، وحسن الترابي، وراشد الغنوشي، وطه جابر العلواني، ومحمد مهدي شمس الدين، وعبد المنعم أبو الفتوح، وسعد الدين العثماني، وزكي الميلاد، ومحمد الأحمري.

7 - والصورة اليقينية التي تكفي في تصنيف الرجل تحت هذا التيار الفكري هي أن يرد شيئاً مما ثبت بنص قاطع أو كان فيه إجماع قديم أو أن يقول قولاً مما فيه خلاف سائغ، لكنه في الحالتين يبني قوله على قيمة تنويرية وإن توسل لها بالوحي، ولكن مجرد بنائه عليها وظهورها في كلامه يكفي لتصنيفه ضمن هذا التيار، وذلك كأن يبني قوله بتولي الكافر حكم المسلمين على المساواة والإنسانية وعدم التفريق بين الناس على أساس الدين.

8 - فإن لم يظهر الأساس التنويري في حججه تكون عندنا صورتان:

(1) الأولى: أن من الأقوال ما خالف نصاً قاطعاً، أو الإجماع القديم، وكان من نتاج ثقافة التنوير الغربي، إلا أنه قد تقدم فيه خلاف فقهي بين المسلمين أو شبهة خلاف أو شبهة دليل، كقصر الجهاد على الدفع، فالإشكال حينها ليس في رد هذا القول ولا في نقد القائل به، وإنما في صلاحية اعتبار الرجل تنويرياً بهذا القول بينما قد يكون مبناه في قوله على النظر الفقهي دون أدنى تأثر بمفاهيم التنوير الغربي، ولم يظهر الأساس التنويري في كلامه ولم يعرف في سيرته.

والذي نراه أن العمدة في هذا أن يُنظر في سائر أحواله العلمية واختياراته الفقهية، فإن عُلم من مجموع قرائنها تأثره بضغط الثقافة الغربية كأن يكون هذا اختياره في جهاد الغزو، مع اجتهادات فقهية مُختلة أبواب الولاء والبراء؛ فإن مجموع القرائن قد يؤدي لتصحيح إلحاقه بهذا التيار الفكري.

وعلى العكس من ذلك، لا يمكنك أن تنسب لهذا التيار من تراه يقصر الجهاد على الدفع لكن مجموع أقواله الأخرى فيها مصادمة للثقافة الغربية، خاصة في مواطن الاشتباه هذه.

مع وجوب رعاية إحسان الظن وجعل الوسم بذلك بعد مزيد التحري والاطمئنان للقرائن.

وهذا النهج أقرب لطريقة الفقهاء، فلا يُتوسع في تصنيف الناس بناء على أقوال مجردة لا بيّنة على ارتباطها بأساس فكري معين، ومن تضييقها بصورة مثالية تخالف قرائن الحال.

الصورة الثانية: ما يتنازع المسلمون هل فيه مخالفة للوحي أم لا؟ أو يتنازعون هل مصلحته هي الراجحة أم مفسدته؟ وليس في المسألة لا نص قاطع ولا إجماع قديم = لا يصلح هذا النوع من الخلاف الفقهي لإلحاق القائل به بالتنويريين، ومن أمثلته: الوسائل الإجرائية للديمقراطية، وتحديد مدد بقاء الحاكم في السلطة.

وحكم هذا النوع من الأقوال أنه من الخلاف السائغ المعتبر، وهو من جنس النظر الفقهي في أحكام الأقوال والأفعال، ومجرد كون القول ها هنا من نتاج عصر التنوير ونظرياته السياسية والاجتماعية لا يكفي لإلحاق الرجل بهذا التيار الفكري؛ لأن مصادمة الوحي القطعي هي الوصف المؤثر في رفض ما نرفضه من نظريات التنوير الغربي، وليس مجرد المصدرية، وعليه فإن مصادمة الوحي ها هنا ليست بينة ولا قطعية فامتنع عد القول باطلاً قطعاً أو إلحاق القائل به بالتنويريين، ولو كثرت المسائل التي من هذا النوع عند فقيه واحد، بخلاف الصورة الأولى التي تعد كثرة المسائل فيها دليلاً علمياً يلحقه بتيار التنوير الإسلامي وإن لم يُصرح بالأساس التنويري، أما في نوعنا هذا فكثرة المسائل لا تؤثر.

فإن قبول ما لا يخالف قطعيات الوحي ولا بينة على بطلانه من المنتجات الفكرية لعصر التنوير؛ هو مقتضى العدل في التعامل مع أقوال الناس، مع التنبيه على أنه لو ظهر الأساس التنويري في كلامه في هذه المسألة (كالذي يبيح كشف الوجه للمرأة بناء على حرية المرأة في لباسها)، أُلحق بها بالتنويريين بسبب منزعه الاستدلالي وليس مجرد قوله بهذا الرأي.

تنبيه: هل يكون الإلحاق التصنيفي مما تكفي فيه المسألة والمسألتان؟

الجواب: ليس لذلك حد محدود، فقد تكفي مسألة في إلحاق القائل بها بالتنوير الإسلامي إن كانت من المسائل المركزية في المنظومة الفكرية للتنوير الإسلامي وكان الأساس التنويري لاستدلال القائل بها ظاهراً، وقد نحتاج إلى حزمة من المسائل لإلحاقه بهذا التيار، ولا شك أن تقليل التصنيف أحسن وطلب كثرة المسائل والدلائل قبل التصنيف أولى، وكلما قيل في الرجل وافق مدرسة التنوير الإسلامي في هذه وتلك، كان أفضل من المسارعة لإلحاقه بالتيار إلحاقاً تصنيفياً.

وأخيراً: فليس سراً أن هذه مقالة تصنيفية بامتياز، والغرض منها فصل ما بين أقوال الناس حقها وباطلها، والفصل ما بين رتب هذا الباطل نفسها وتمييز الفقهاء وخلافهم الذي وإن وقع فيه شذوذ فهو نظر في الوحي وفقهه ومصادر فهمه دون مصدر فلسفي أجنبي، وبين من كان سبب شذوذه إدخاله فكرة أجنبية عن الشريعة على عمليات تعقله للمسألة أدت لاختلال نظره؛ فالتصنيف ها هنا ضرورة معرفية، وإلا لزمتنا التسوية بين من يكفّر تارك الصلاة لدلالة الأخبار وبين من يكفّره لأنه يرى أن مرتكب الكبيرة كافر!

أو التسوية بين من ينفي صفة من صفات الله لضعف الخبر الوارد فيها عنده، وبين من ينفيها لنفيه إمكان تعلق الصفات الخبرية بالله سبحانه.

 ولا ينبغي أن يقودنا غلو أقوام وبغيهم ووضعهم التصنيف في غير مواضعه إلى تضييع التصنيف، وإهدار أهميته المعرفية في نقد العقائد والأقوال والأفكار والرجال، فلا حرج في التصنيف شرعاً ما دام قد بُني على أساسين:

الأول: العلم، فلا يقام تصنيف على غير أساس معرفي، ولا ينسب رجل لصنف إلا ببيّنة على الاشتراك العلمي والفكري بينه وبين أفكار هذا الصنف اشتراكاً يكفي للتصنيف.

الثاني: العدل، فلا يُبنى على هذا التصنيف بغي ولا جور ولا رفع للإعذار عمن لا بيّنة على عدم إعذاره.

 فالتنويريون (وهم متى أطلقناهم بعد هذا المقال فمرادنا بهم التنويريين الإسلاميين)، ليسوا علمانيين، وتهمتهم بهذا أو رفع إمكانية إعذارهم أو نفي كون الواحد منهم يمكن أن يكون مجتهداً متأولاً معذوراً؛ ليست من مقتضيات العدل مع الناس، بل هم من جنس النظار في الشريعة والوحي وفقهه متى كانوا أهلاً للاجتهاد أمكن إعذارهم كسائر أصحاب الأقوال الشاذة والمبتدَعة، مع احتفاظنا بالتفريق بين شذوذهم وشذوذ الفقهاء لزيادة عند التنويريين متعلقها الثقافة الغربية وأثر اختلاطها بنظرهم العلمي.

:: مجلة البيان العدد 302 شوال 1433هـ، أغسطس 2012م.


[1] (فكرة حركة الاستنارة وتناقضاته)، عبد الوهاب المسيري، (ص/9)، نشر: دار نهضة مصر.

[2] والمقصود بالشرقي في هذا المقال: الشرق العربي والإسلامي.

[3] انظر في تعليل هذا التحديد: (أزمة الوعي الأوروبي) لبول هازار، نشر المنظمة العربية للترجمة، وترجمة المستكاوي التي بعنوان: (أزمة الضمير الأوروبي)، والتي قدم لها الدكتور طه حسين = أحسن من هذه الترجمة في نظري.

[4] نعم أعرضت؛ وما من أمة إلا خلا فيه رسول.

[5] وليس خفياً على الباحث أن بين هذه الاتجاهات التنويرية، سواء من حيث تنوعها الجغرافي أو تطورها التاريخي أو حتى بتعدد أفرادها؛ ألواناً من الخلاف ربما تبلغ بنا أن نرى أن الدقة إنما تستدعي الحديث عن استنارات وليس استنارة واحدة، لكن يضطرنا لهذا الإجمال الطبيعة المدرسية لهذا التلخيص مع اتفاق هذه الاتجاهات في الأصول الفارقة بينها وبين الإسلام.

[6] (فكرة حركة الاستنارة وتناقضاته) (ص/13) .

[7] أحد العلمانيين العرب لما نقل نص كانط حذف مثال الطبيب، بينما نبه آخر على أن مثال الطبيب هو أضعف أمثلة كانط، ولو تدبر هؤلاء جميعاً هذا المثال وضعفه لعلموا أن ضعفه دال على ضعف المثالين قبله، ودال على الخلل الكبير في التصور التنويري للعقل، ولبسط هذا موضع آخر إن شاء الله.

[8] انظر ترجمة نص كانط كاملة في: (صفحات خالدة من الأدب الألماني)، ترجمة وتقديم مصطفى ماهر (ص/79-87)، نشر: المركز القومي للترجمة بمصر.

[9] ( فكرة حركة الاستنارة وتناقضاته) (ص/16-17).

[10] مع التنبه للطبيعة الطيفية لعلاقة هذه المفاهيم بفكر كل فيلسوف على حدة، فلا يلزم اجتماعها في واحد منهم ولا يلزم وجودها في كل واحد منهم أو وجودها بنفس القوة.

[11] (روح الأنوار)، ص/10-23، وقد اقتطعنا من هذا السياق الطويل الجمل التي سقناها في هذا المقطع.

[12] انظر: كتابا المفكر المغربي محمد الشيخ: (نقد الحداثة في فكر نيتشه)، و(نقد الحداثة في فكر هايدجر)، من منشورات الشبكة العربية للأبحاث.

[13] راجع مثلاً: (نقد الحداثة) لآلان تورين، ترجمة أنور مغيث، نشر المركز القومي للترجمة؛ و(المدخل الفلسفي للحداثة) لابن داود عبد النور، نشر: الدار العربية للعلوم.

[14] خاصة كتاب أدورنو وهوركهايمر: (جدل التنوير)، نشر دار الكتاب الجديد، وكتاب هوركهايمر: (نقد العقل الأداتي)، وكتاب آدورنو: (الجدل السالب)، ولم أطلع عليهما كاملين مترجمين، وإنما نقولات مترجمة عنهما، وقد اتكأ عليهما المسيري كثيراً في نقده للتنوير والحداثة الغربية، ووجّه إليه النقد بسبب ما اعتبره نقاده غفلة منه عن أثر التجربة التاريخية والمجتمعية والسياسية لرواد مدرسة فرانكفورت في منهجها النقدي، وانظر نموذجاً عربياً آخر لنقد التنوير يصدر من علماني عربي ذي خلفية اشتراكية هو الدكتور جلال أمين في كتابه: (التنوير الزائف)، نشر دار العين.

[15] راجع مثلاً: (القول الفلسفي للحداثة) ليورجن هابرماس، نشر: وزارة الثقافة السورية؛ و(روح الأنوار) لتزفيتان تودوروف، نشر: دار الفارابي.

[16] ومن أقدم التصورات للتيارات الفكرية على هذا النحو ما كتبه محمد رشيد رضا في رسالته الخلافة كما تجد نصها ضمن كتاب الدولة والخلافة في الخطاب العربي (ص/91-94)، وانظر منها (ص/119)، و(127) كمثال على ما سنقوله بعد من سلوك علماء ومفكري هذه الطبقة لمسالك الشذوذ الفقهي أثناء عملية المواءمة بين الحداثة الغربية والشريعة نصاً وتراثاً.

[17] وليس خفياً على الباحث ما وجهه حسن حنفي (مثلاً) لبعض قيم التنوير من نقد، لكن الشأن كما قلنا في موارد الاشتراك بينه وبين فكر التنوير ومدى استيفائها لشرط الأصالة والمركزية المؤذنين بإدراجه ضمن نفس السلك وإن لم يقل بكل مكوناته.

[18] فقد رفضت مصطلح العقلانيين (مثلاً) لأن مجرد رد الحق اعتماداً على العقل هو أعم من محل البحث؛ فلا ينطبق على التيار محل البحث ما لم يكن من مكونات هذا العقل الرافض: التأثر بمفاهيم ومنتجات التنوير الغربي، فإنكار العلو مثلاً عقلانية وليس تنويراً، والتسامح مع نشر الإلحاد تنوير، وإنكار تلبس الجني تتنازعه الجهتان فيقع وليس تنويراً كما وقع من المعتزلة قديماً، ويقع ويكون تنويراً كما في صور منه في زماننا هذا، ويمكن القول أن كل تنوير عقلانية بلا عكس.

[19] انظر: (فكر التنوير بين العلمانيين والإسلاميين)، الدكتور محمد عمارة، (ص/16-18)، نشر: (دار نهضة مصر)؛ وانظر مقارنة الدكتور عمارة بين مقومات التنوير الغربي ومقومات التنوير الإسلامي في رسالته: (التقدم والإصلاح بالتنوير الغربي أم بالتجديد الإسلامي)، (ص/20-22)، نشر: دار نهضة مصر.

[20] مع إقراري بإمكان تأثره بالمضامين العلمانية لكنه تأثرٌ لا يكفي لإدراجه ضمن سلك العلمانيين.

[21] مع تفاوت بينهم في هذا؛ فطبقة الغزالي والقرضاوي ومحمد عمارة أعنف وأشد وأصرح في المصاولة الفكرية مع العلمانية من طبقة التنويريين السعوديين على سبيل المثال، ولهذا مدلوله السيئ عندي في نظرتي للتطور الفكري لهذا التيار.

[22] فالتحسّس من التوفيق والعمليات التوفيقية بين الإسلام وغيره من المنظومات الفكرية ليس حسناً؛ لأن التوفيق الذي هو تفكيك المفاهيم وقبول الحق منها ورفض الباطل، هو مقتضى العدل وألا يُبخس الناس أشياءهم، وإنما يأتي الخلل دائماً من منهجية التوفيق وما يقع فيها من تطفيف في الميزان لصالح المنظومات غير الإسلامية.

[23] وبيّن جداً أننا من حيث الجملة نحمل مخالفة القطعي منهم تقع على سبيل التأويل والخطأ في فقه الشريعة وليس العمد.

[24] يمكن الوقوف على أمثلة كثيرة في الكتب التي تعرضت لنقض التيار العقلاني التنويري مع التنبه إلى أني قد لا أقر كل مثال في هذه الكتب، وأن بعض هذه الكتب قد تتناول اتجاهات التجديد التنويري منها والعلماني، وأن بعض هذه الكتب قد يتناول مطلق الاتجاه العقلاني فيتقاطع أحياناً مع التنويري وأحياناً أخرى يفارقه، ومن هذه الكتب:

1 - الاتجاهات العقلانية الحديثة، ناصر العقل، دار الفضيلة.

2 - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، فهد الرومي، مؤسسة الرسالة.

3 - نهج الاعتزال، ظافر شرقة، مركز الفكر المعاصر.

4 - التنويريون والموقف من الآخر، ظافر شرقة، مركز الفكر المعاصر.

5 - موقف الاتجاه العقلاني الإسلامي من النص الشرعي، سعد بن بجاد العتيبي، مركز الفكر المعاصر.

6 - موقف الاتجاه العقلي الإسلامي المعاصر من قضايا الولاء والبراء، دار الفضيلة.

7 - التجديد في الفكر الإسلامي، عدنان أمامة، دار ابن الجوزي.

8 - تجديد الدين لدى الاتجاه العقلاني الإسلامي المعاصر، أحمد اللهيب، مركز البيان للبحوث والدراسات.

9 - مناهج الاستدلال على مسائل العقيدة الإسلامية في العصر الحديث، أحمد قوشتي، مركز التأصيل للدراسات والبحوث.

10 - الردود على كتاب السنة النبوية للشيخ محمد الغزالي - رحمه الله.

 

أعلى