الجبهة الداخلية الصهيونية.. قراءة ميدانية في جاهزيتها لحرب قادمة

الجبهة الداخلية الصهيونية..


لم يعد السؤال الأكثر إلحاحاً في «إسرائيل»: «هل هناك حرب في المنطقة أم لا؟»، وإنما: «متى، ومع مَن، وعلى أي جبهة؟».. ولذلك تُوجَّه الأنظار بصورة مركزة نحو حجم وكيفية استعداد الجبهة الداخلية لهذه الحرب، على اعتبار أنها ستكون ساحة قتال حقيقية.

ولهذا الغرض، أجرى الجيش مناورة حرب أركانية واسعة النطاق بمشاركة القيادات المناطقية الثلاث: الجبهة الداخلية، الشرطة، والشرطة العسكرية، وجهات أخرى؛ بهدف الاستعداد لنقل فرق من جنوب ووسط الكيان إلى الشمال خلال الحرب.

وقد جاءت المناورة بسبب تعقّد التهديد، وعدم وجود محاور طولية في «إسرائيل»، وقد أنشئت منظومة تعمل ما بوسعها من أجل خطة النقل المسماة «شنهاف»، تندرج فيها مطالبها، وتحاكي نقاط الضعف.

وتأتي أهمية المناورة في ضوء التقديرات السائدة بأن سيناريوهات الحرب القادمة تتضمن من بين جملة من الأمور: استهداف البنى التحتية، وحوادث استثنائية كاستهداف قادة وزعماء.

وبحسب الخطة التي وافقت عليها هيئة الأركان العامة بتوصية من شعبة «التكنولوجيا واللوجستيكا»، فستحدّد شعبة العمليات سُلّم الأولويات لقيادة الفرق والألوية، وسيكون مركز مصلحة إدارة سير الشركة القومية للطرقات تحت سيطرة الجيش، حيث ستخضع له كتيبة شرطة عسكرية، وشرطة المرور القطرية، وقوات إضافية من شرطة «إسرائيل»، ومصلحة التصوير، وطائرة من دون طيار تقوم بمراقبة واسعة لما يجري في المنطقة.

وقد اختيرت محاور طولية أساسية في «إسرائيل» ستُغلَق أمام حركة مركبات الجيش في الساعات التي ستُحدَّد بحسب تقديرات الوضع، ووفقاً لذلك ستُخصَّص محاور لحركة الصهاينة في ساعات محددة.

• التجهيزات العملياتية:

وبناءً على نتائج المناورة، أمر قائد الجبهة الداخلية «أيال آيزنكوت» قادةَ الألوية بتقديم المساعدة بأي وسيلة لمواصلة قيادة الدبابات وناقلات الجند المدرّعة، حيث تدربت قيادة الجبهة الداخلية على تدمير مفترق طرق أساسي جداً. وأكد قائد الجبهة الداخلية «رأينا عملاً منظماً جداً للقيادة مع تجهيزات ميكانيكيّة هندسيّة افتتحت محوراً في غضون عدّة ساعات.. وأعتبر أن الجيش يسير في الاتجاه الصحيح، لكنه سيواجه صعوبات ومآزق».

وفي إطار جاهزية السائقين لسقوط صواريخ، ستُوزَّع عليهم في ساعة الطوارئ خوذات، وسترات واقية من الانفجار، وستُحفر حفر في المواقف المخصصة للشاحنات وشاحنات النقل، كما تقرر ربط جميع قواعد مركز النقل في «إسرائيل» بمنظومة الصافرات القطرية كسائر المستوطنات.

في السياق ذاته، أكدت الجبهة الداخلية الصهيونية وجود حالة من الارتفاع الحاد الذي سجلته مراكز توزيع الكمامات، حيث تقدم 600 صهيوني بطلب التزود بها، مقابل معدل يومي في الظروف الاعتيادية لا يتجاوز 150 طلباً، وتلقت مراكز التوزيع 9 آلاف مكالمة هاتفية عبّرت عن خوفها وخشيتها من اندلاع الحرب، ما أدى إلى انهيار عدد من خطوط الاتصال التي لم تحتمل الضغط المفاجئ، كما تم توزيع 4 ملايين و200 ألف كمامة، وتحتفظ الشرطة في مخازنها بـ 200 ألف كمامة أخرى.

من جهة أخرى، فإن الجبهة الداخلية غير جاهزة لحرب متوقعة؛ نظراً لما يحضّره «الأعداء» من حول إسرائيل.. فهناك أكثر من 200 ألف صاروخ موجهة نحو الداخل، لذلك من الصعب القول إنها جاهزة، وما ينقصها بشكل أساسي هو تحصين ربع السكان، فهناك 400 ألف منزل ليس فيها غرف محصنة ولا ملاجئ، وأغلبها موجودة في الأماكن الأكثر تهديداً؛ وسط المدن القديمة.

ومن اللحظة التي ستسمع فيها صافرة الإنذار، سيكون لدى سكان تل أبيب 120 ثانية للتوجه نحو الملاجئ، أما سكان حيفا فسيكون لديهم 60 ثانية، وللكثيرين منهم لن يكون لديهم مكان للتوجه إليه، وفي لحظة سقوط الصواريخ سيغادر مليون ونصف شخص بيوتهم، وسيبحثون عن ملجأ في مكان آخر.

• الملاجئ والكمامات:

تحدثت أوساط عسكرية صهيونية أن قيادة الجبهة الداخلية أجرت مسحاً ميدانياً للحكم على جاهزية مدينة القدس للمواقف الطارئة، وقد تبيّن أنها لا تمتلك ما يكفي من الملاجئ العامة للحماية من القنابل في الأحياء الأكثر قِدماً، حيث هناك 200 ملجأ عام من القنابل تتركز وسط المدينة وجنوبها، كما أن جميع الملاجئ العامة للحماية من القنابل لا يتم استخدامها، كالمعابد اليهودية والمراكز المجتمعية؛ لمنع إساءة الاستخدام.

على الصعيد ذاته، أكدت أوساط عسكرية صهيونية قلة عدد الملاجئ المحصنة في الأحياء القديمة الواقعة في منطقة «غوش دان» وسط الكيان، ونقصاً في عدد الكمامات الواقية؛ لأن 61 % من سكانها فقط مزودون بها.

وما زالت 70 % من المدن والقرى العربية من دون ملاجئ عامة وغرف واقية تحميهم من تبعات حرب محتملة رغم التصريحات والوعود بتحسين الأوضاع منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، بما يشير إلى أن الفجوة في خدمات الطوارئ بين العرب واليهود كبيرة جداً، كما لا تتوافر خدمات الطوارئ والإسعاف الأولية التابعة لـ «نجمة داود الحمراء» في غالبيتها.

وقال قائد الجبهة الداخلية في لواء الشمال «أمير صعب»، إن الجيش انتهى من تأمين جاهزية الصهاينة لمواجهة سيناريو الحرب، مشيراً إلى تنفيذ سلسلة تمارين الطوارئ والمحاضرات الوقائية والإرشادية وبناء أجهزة الإنذار المبكر، منها 500 صافرة.. مع العلم أن المعضلة الصهيونية الكبرى في التعامل مع الحرب القادمة، وانتقالها إلى الجبهة الداخلية؛ تتعلق بالإجابة عن السؤال التالي: كيف سيتم العمل بـ «الشرايين الأساسية» في الدولة في الحرب القادمة كأنفاق الكرمل في حال حدوث هجمة، لا سيما مع فرضية عمل الحرب القادمة، حيث سيتم قصفها بالقنابل بشكل قاس جداً، ربما بـ 10 أضعاف الصواريخ التي سقطت عام 2006، ما يعني سقوط 40 ألف صاروخ وقذيفة مقارنة بـ 4 آلاف في ذلك الوقت؟

كما أن سياسة الإخلاء في المرة القادمة ستكون من نوعين:

منظّم، حيث سيتم استيعاب 300 ألف صهيوني بشكل منظم في مناطق تعدّ أقل خطراً، خصوصاً في عربة والضفة الغربية/ غور الأردن.

التجديد، وهو أن المجالس البلدية، التي فيها البنى التحتية، مهددة بالانهيار تحت العبء المفاجئ لمواطنين لا يدفعون ضريبة الأملاك، وسيحصلون على تعويض فوري.

أخيراً.. فإن التقدير الصهيوني السائد أن الحرب القادمة ستستهدف مئات آلاف الصهاينة، وستتقصد بالدرجة الأولى أهدافاً تتعلق بالبنى التحتية؛ كهرباء، اتصالات، ومواصلات، ما يتطلب تخصيص قوة جوية أكبر في ساحات أخرى لحمايتها من طوفان الصواريخ القادمة من عدة جبهات قتالية.

:: مجلة البيان العدد303 ذو القعدة 1433هـ، سبتمبر - أكتوبر 2012م.

 

أعلى