• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التطلعات الصهيونية للتطبيع مع الدول العربية

التطلعات الصهيونية للتطبيع مع الدول العربية

 

عملت الثورات العربية في السنوات الثلاث الأخيرة على تحويل المشهد الأمني في المنطقة، وولدت تحديات جديدة لـ «إسرائيل» وجيرانها العرب، وقد عززت الجماعات الجهاديّة تواجدها في المناطق غير الخاضعة للحكم، وتواصل إيران توسيع نفوذها في سورية في وقت يخشى فيه كثيرون من أنّ المُفاوضات النووية الحالية قد تُرسّخ وضعها كدولة تجاوزت العتبة النووية.

ومن ثم فإن المشاكل التي يواجهها الإسرائيليون والعرب «معاً»، ضخمة جداً، ولا تستطيع دولة واحدة مواجهتها بصورة منفردة، ما يتطلب وفق النظرة الإسرائيلية قدراً من التعاون بين الدول الإقليمية، تشمل العواصم العربية وتل أبيب في الوقت نفسه.

مع العلم أن «إسرائيل» تتعاون بهدوء، منذ فترة طويلة، مع بعض جيرانها العرب لتحقيق أهداف مُشتركة، من بينها: التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية والأردن لإحباط العمليات المسلحة، ومشاركة المعلومات الاستخباراتية مع دول مجلس التعاون الخليجي بشأن التهديد الإيراني.

لكن هناك بداية أساليب جديدة للتعاون في مواجهة التحديات الناشئة؛ كالجهود مع مصر ضد الجماعات الجهادية في سيناء، ومع الأردن لاحتواء انتقال عدوى الحرب في سورية عبر رحلات استطلاع على طول الحدود المشتركة، واتفاقيّة التعاون المائي مع السلطة الفلسطينية والأردن التي ستُمكّنها من مُعالجة مشاكل ندرة المياه المشتركة، وقد تكون هذه المستجدات مؤشراً على إمكانيّة وجود تعاون أوسع نطاقاً بين العرب و«إسرائيل» حول التحديات الأمنيّة الخشنة «العسكرية» والناعمة «غير العسكرية».

ولعل ما قد يشجع الجانبين: إسرائيل وبعض الدول العربية، على مثل هذا التعاون؛ أن الحلول العسكرية أحادية الجانب أصبحت أقل قابليّة للتطبيق، وأقل فاعلية ضد التهديدات الأمنيّة المختلفة على طول حدودها وما وراءها، حيث تشعر الدول العربية بالخطر بسبب الاضطرابات الداخلية، والجماعات المسلحة، والأطراف الخارجية مثل إيران.

التعاون المشترك

ولذلك انشغلت الأوساط الإسرائيلية في الآونة الأخيرة بالبحث عن مساحات التعاون المشترك مع الدول العربية، خاصة في المجالات الأمنية، ومنها:

1 - المعلومات الاستخباراتيّة: رغم أنّ هناك الكثير من التعاون غير العلني في هذا المجال، إلا أنّه بإمكان أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» والعربية إنجاز أكثر من ذلك بكثير، وبإمكانها تبادل المعلومات بشأن الخلايا والأنشطة والمنظمات والأعمال الروتينية والخطط والبنية التحتية للتهريب، ومن ثم سيتكوّن لديها فهم أفضل لتهديدات المنطقة.

كما أنّ التبادل الدوري للمعلومات الاستخباراتية يخلق علاقات عمل تمكِّن الوكالات من إنشاء قنوات تحذير مبكر عن المخططات وعمليات نقل الأسلحة، وتحركات المشتبه بهم، فضلاً عن توفير أساس للعمل لمواجهة مثل تلك الأنشطة.

2 - اعتراض خطوط إمدادات الأسلحة: منذ اندلاع الانتفاضات العربية في عديد من الدول، أصبح الشرق الأوسط جهة أكبر جذباً لعمليات نقل الأسلحة، ومن يسعون للقتال، وقد استغلت إيران وتنظيم القاعدة مسارات التهريب الحالية، وأنشآ مسارات جديدة لإرسال الأسلحة لسورية واليمن وغزة، وهنا يُمكن أن يساعد التعاون الإقليمي على إحباط بعض عمليات نقل الأسلحة المشار إليها.

3 - التحديات الأمنية: بما أنّ معظم البلدان في المنطقة تواجه مخاطر أمنيّة، بما فيها «إسرائيل»، فإنّ «إسرائيل» تطمح في تبادل الدروس مع جيرانها العرب فيما يتعلق بالحدود والمنافذ البحرية، والمطارات الجوية والأمن الوطني، من خلال إنشاء مركز علمي بحثي يقوم على تقنيات الحوسبة وخدمات الأطراف مجتمعة.

4 - تجميع الإمكانيات العسكرية: تتطلع «إسرائيل» لتبادل المعدات مع الدول العربية التي لم تعد لديها حاجة أو رغبة في استخدامها أو صيانتها، لكنّها قد تكون مفيدة للأطراف الأخرى المُنخرطة في عمليات الأمن الداخلي ومكافحة الثورات، بافتراض أنّ لديهم حاجة مُلحة لا يُمكن تلبيتها من خلال علاقات إمدادات الأسلحة التقليدية.

كل هذه الجهود الأمنية الاختراقية تحتاج للمتابعة بهدوء كي تحقق النجاح، ويجب أن تصاحبها توجهات تصالحية على جبهة السلام، ما يتطلب من «إسرائيل» تبنّي نهج أكثر مرونة في التعامل مع الفلسطينيين، بينما ينبغي على الدول العربية أن تدعم حل الدولتين من خلال التصريحات والأفعال معاً، من خلال تمكين شركات القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية من البحث عن فرص للتعاون الخاصة بها مع نظيراتها الإسرائيلية.

التطبيع الأمني

التصور الصهيوني لموضوع التطبيع والاختراق للمنطقة العربية يتطلب أن تشجع «إسرائيل» المجتمعات اليهودية في الشتات على تحفيز التعاون في المنطقة من خلال الشراكات الفردية في هذه المجالات، بما في ذلك الاستثمارات المشتركة، حيث تحتاج هذه الجهود التعاونيّة إلى المتابعة بهدوء كي تحقق النجاح، ويجب أن تصاحبها توجهات تصالحية على جبهة السلام، وتستطيع «إسرائيل» تبنّي نهج أكثر مرونة في التعامل مع الفلسطينيين، بينما ينبغي على الدول العربية أن تدعم حل الدولتين من خلال التصريحات والأفعال معاً.

كما تتوجه الأنظار إلى الحكومات الصهيونية لأن تقود معظم هذه الجهود، وأن تتابعها على أساس المصلحة وليس الصفقات، وفي الوقت ذاته يجب على الحكومات أن تعمل على تمكين شركات القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية للبحث عن فرص للتعاون الخاصة بها، كما ينبغي عليها أن تشجع المجتمعات اليهودية والعربية في الشتات على تحفيز التعاون في المنطقة من خلال الشراكات الفردية في هذه المجالات، بما في ذلك الاستثمارات المشتركة.

الكيان الصهيوني يضع عبئاً كبيراً على الولايات المتحدة في تحقيق الاختراق والتطبيع مع المنطقة العربية، فرغم أنّ واشنطن كانت تميل إلى التأكيد على الدبلوماسية رفيعة المستوى باعتبارها الوسيلة الرئيسية لحل الصراع العربي «الإسرائيلي»؛ إلا أنّ الحقائق الإقليمية الجديدة تُحتم انتهاج أسلوب مكون من مسارين.

ولذلك؛ فإنّ تحسين التعاون الضعيف بين «إسرائيل» والدول العربية يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة وفقاً لحيثياتها، ويعد وسيلة لتعزيز دبلوماسية السلام. كما أنّ الدعم الأمريكي الهادئ للمبادرات التي تبني الجسور بين الأطراف، لن يُساعد على وضع أسس للنجاح المستقبلي في عملية السلام فحسب، بل مواجهة التصور الإقليمي المتنامي أيضاً بأنّ الولايات المتحدة تعمل على تخفيض دورها في المنطقة أو الانسحاب منها كلية.

وسيأتي هذا النهج بثماره حتى إذا لم تؤدِّ دبلوماسية السلام الأمريكية الحالية إلى نجاح سريع.

إنّ الجهود المستمرة ومتعددة الجوانب لتشجيع التعاون بين «إسرائيل» وجيرانها العرب، ستساعد واشنطن على إدارة حالة عدم الاستقرار وتشكيل الحقائق المستقبلية في منطقة ستستمر أهميتها الحيوية لعقود طويلة.. فهل تنجح التطلعات الصهيونية في إحداث هذا الاختراق للدول العربية، حتى لو جاء بـ «يافطات» تطبيعية وتعليمية وصحية؟

:: مجلة البيان العدد  321 جمادى الأولى 1435هـ، مارس  2014م.

أعلى