الآثار الاجتماعية لمصادرة أوقاف ومساجد أهل السنة في العراق

الآثار الاجتماعية لمصادرة أوقاف ومساجد أهل السنة في العراق

الوقف هو الحبس، ومنه وقف الأرض على المساكين لأنه يحبس الملك عليهم، والجمع أوقاف، واصطلاحًا: هو تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف المالك وغيره في رقبته يصرف ريعه إلى جهة بر تقربًا إلى الله تعالى[1].

ودليل مشروعية الوقف: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة؛ إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم)، وأن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله: إني استفدت مالًا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره فتصدق به عمر فصدقته تلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القربى، ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف أو يوكل صديقه غير متمول به» (متفق عليه).

الاعتداء على الأوقاف في العراق:

اشتهر العراق بكثرة الأوقاف فيه، واتخذت صورًا شتى منها المساجد والمدارس والبنايات والدور والأراضي والمزارع، وأكثر الأوقاف تم وقفها على جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة رحمه الله، وعلى جامع الشيخ عبدالقادر الكيلاني رحمه الله، وشاعت الأعمال الوقفية زمن الدولة العثمانية، وبقت هذه الأوقاف مصانة حتى مطلع القرن الحادي والعشرين، ومع سنين الاحتلال الأولى بدأت ظاهرة اغتصاب أوقاف ومساجد السنة والاستيلاء عليها من مجموعات شيعية بعضها ينتسب إلى منظمات وأحزاب، وبعضها الآخر ليس له انتماء.

وقد تصاعدت وتيرة هذه التصرفات منذ عام 2006م من ناحيتين: الاستيلاء عليها في الواقع ومن ثم تحويل عائدها عن طريق التسجيل العقاري إلى ملك الوقف الشيعي بتحويل سندات ملكيتها، كما حدث في وقفيات جامع الآصفية والسوق الملحقة به، ووقف نجيب باشا في محافظة النجف في السوق، وجامع الحيدري في النجف، وفندق البراق في النجف أيضًا الذي اشتراه الوقف السني بعد الاحتلال بأمواله، ووقفيات القاضي أبي يوسف في الكاظمية من محلات وغيرها، ووقف شعبان بيك في الديوانية، مستخدين قوات الجيش والشرطة لتغيير سجلات العقار بالقوة... وغيرها.

تغيير معالم الأرض وأسماء المراقد:

دأب المسؤولون في الحكومة وفي ديوان الوقف الشيعي على ممارسة سياسة ماكرة وهي تغيير المعالم والأسماء لاستغلال هذ الأسماء في مشروع الاغتصاب والاستملاك غير الشرعي، بل واستغلال حتى الأسماء الصحيحة لهذا الغرض، فمثلاً استولى الوقف الشيعي على مساجد ومقامات كثيرة لمجرد أن أسماءها تحمل أسماء أهل البيت عليهم السلام، وليت شعري هل يعني أنني حين أسمي وقفًا أو مسجدًا أو عقارًا باسم أحد أئمة أهل البيت يعني هذا عائديته للوقف الشيعي؟! وكأن أهل السنة لا يتسمون بأسماء أهل البيت رضي الله عنهم!!

والأمثلة على ذلك كثيرة منها:

الاستيلاء على جامع المصرف لمجرد وقوعه في الكاظمية، وسند ملكيته موجود.

الاستيلاء على مقبرة الإمام محمد الباقر في ناحية داقوق التابعة لمحافظة صلاح الدين.

الاستيلاء على مرقد عبدالله بن جابر بن عبدالله الأنصاري في ناحية داقوق.

الاستيلاء على جامع الخفافين ببغداد، باب الآغا.

الاستيلاء على جامع الآصفية قرب المدرسة المستنصرية، مع ما أوقف له من أسواق ومحال.

جامع ومرقد أبي يوسف الأنصاري في الكاظمية، وما أوقف عليه من محلات، وسند ملكيته موجود.

الاستيلاء على القطعة الموقوفة رقم 28 تاجيات شمال بغداد بمساحة خمسين ألف دونم.

القطعة المرقمة 1/1074 مقاطعة 1 ومساحتها 4399 دونمًا، بمنطقة مزرنة وحصيوة مع وجود سند بعائديتها للوقف السني.

القطعة المرقمة 2/361 مقاطعة رقم 1 ومساحتها 2325 دونمًا في منطقة مزرفة وحصيوة. مع إثبات عائديتها لأهل السنة.

  وغير ذلك الكثير.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الأوامر تصدر من الجهات العليا بإيقاف الاستملاك والتسجيل ووضع اليد بينما نجد أن الوقف الشيعي ووزير العدل السابق حسن الشمري لا يعبأ بالأوامر ولا يخضع لها.

من ذلك، صدور الأمر من رئيس الوزراء بتاريخ 6/6/2012م المتضمن إيقاف الاستملاكات الخاصة بالوقفين السني والشيعي بخصوص الأملاك المسجلة باسم وزارة الأوقاف المنحلة بموجب القرار 29 لسنة 2003م إلا بعد تحديد العائدية من قبل لجنة الفك والعزل المركزية.

ومع كل هذا لم تتوقف عملية التسجيل ونقل الملكية المدعومة والمحمية بالجيش والحرس، وهذا يجعلنا نعتقد أن هناك أكثر من طرف فاعل في السلطة والبلد لا يدار من قبل جهة واحدة فهناك أجندة قد لا يعلم بها رئيس مجلس الوزراء تخالف ما يأمر به ويوجه بعمله!!

أهم الآثار الشرعية والاجتماعية الناتجة عن هذه التجاوزات:

 مخالفة شرط الواقف وفي ذلك إثم شديد وظلم لمن أوقفت عليهم تلك الأوقاف، وعدم مراعاة الجانب الشرعي والديني في الأمر.

 تغيير الملكيات تحت تهديد القوات الحكومية وتسلط الجهاز التنفيذي يجعل البلد يعيش حالة فوضى.

 إثارة الفتن الطائفية والإثنية بين مكونات الشعب جراء النقمة الحاصلة بوضع اليد وتحويل ملكية المساجد والمقابر والممتلكات إلى الوقف الشيعي، مما يرسم صورة الاضطهاد لمكون من الشعب، وهذا بدوره يهدد الوحدة الوطنية.

 فسح المجال أمام كل سلطة تتولى الأمر فيما بعد للتلاعب بالممتلكات العامة وحتى الخاصة.

  فقدان الثقة بالقضاء العراقي الذي يتجاهل الوثائق والسندات والحجج الوقفية التي تثبت عائدية الأملاك المغتصبة، لاسيما أن الكثير منها يعود لمئات السنين كمرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ومرقد الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنهم وجامع الآصفية وغيرها الكثير من الأوقاف.

 إعطاء الذريعة للمتطرفين باستخدام الأسلوب نفسه واستخدام القوة للاستيلاء على أوقاف المذهب الجعفري أو مصادرتها وهذا ما لا نقبله ولا نرجو وقوعه.

 الإيحاء بأن تلك المدن والمناطق ذات أغلبية شيعية بضم الأوقاف والمساجد إلى الوقف الشيعي، مما يسهم ويمهد لتغيير هويتها وتركيبتها كما يحصل في بعض المدن.

 تكريس السياسة الطائفية للحكومة التي يعتقد الكثير من السنة أنها تمارسها ضدهم.

 إفقار كل المنتفعين ممن أوقفت عليهم تلك الأملاك وسلب حقوقهم مما يزيد نسب الفقر، لاسيما وأنهم بالألوف.

 زرع التفرقة المذهبية بين مكونات الشعب حين يتم حصر عائدية مراقد أهل البيت رضي الله عنهم على متبعي المذهب الشيعي، وكأن السنة لا يتبعون ولا ينتمون لآل البيت رضي الله عنهم أجمعين.

 إضعاف هيبة الدولة حينما تصدر عن رئيس الحكومة أوامر ثم لا تنفذ بل تخالف وتستمر المخالفة مع علم الحكومة بذلك.

 ترسيخ مبدأ الطائفية حين يضع ديوان الوقف الشيعي اليد على أوقاف للسنة فقط لأن تلك المنطقة ذات أغلبية شيعية، مما يشجع سكان المناطق ذات الغالبية السنية على الفعل نفسه الذي لا يقره شرع ولا دستور ولا عرف.

 إن وضع اليد على أموال الآخرين يضعف اقتصاد الدولة ويفقد العالم الثقة في كونها قادرة على حماية الأموال الوافدة، مما يضعف الاستثمار الخارجي وخصوصًا في مجال العقار والمشاريع الأخرى.

 ومن أهم آثار ضياع الأمانة نزول البلاء وغضب الله تعالى الذي يجلب النقمة والهلاك، والعياذ بالله.

ولتجاوز ذلك نقترح وضع الكثير من البنايات والأملاك تحت حماية وإشراف منظمة التراث العالمي (يونسكو)، لاسيما أن كثيرًا من العقارات والأملاك المصادرة يعود تاريخ عائديتها إلى العهد العثماني مثل مسجد ومرقد الصحابي الجليل سلمان الفارسي وغيره.

جدول يوضح توزيع العقارات التجارية والزراعية المغتصبة في محافظات العراق

ت

المحافظة

العدد

وصف العقارات المغتصبة

1

بغداد

60

بنايات ومحال تجارية وعمارات في الكاظمية والسعدون والشيخ عمر وباب المعظم والهبنة وغيرها، وأراضٍ مسطحة وشقق سكنية وكراجات وأسواق ومزرعة.

2

الأنبار

4

في الكرمة والرحالية والرمادي، ومن بينها مرقدان ومقبرة.

3

البصرة

16

في مدينة البصرة وأبي الخصيب، منها بساتين وأملاك.

4

صلاح الدين

22

18 منها في سامراء كلها أسواق ودكاكين.

5

بابل

1

عقار واحد.

6

ديالى

14

تتكون من مئات الدوانم والمزارع والبساتين والمقابر في بعقوبة وزاغنية والخالص وقرة تبة.

7

كركوك

10

في مناطق: داقوق وتسعين وتازة وليلان ومركز المدينة، وهي أراضٍ زراعية ومقابر وأماكن أثرية.

8

المثنى

15

في القشلة وأبو المحار، وهي عقارات وأراضٍ ومقبرة.

9

النجف

7

مقبرة وجامع وأسواق وفندق.

10

القادسية

2

وقف شعبان بيك (كراج ومقبرة).

11

الفرات الأوسط

96

21 قطعة تجارية و75 قطعة زراعية تتراوح من دونم إلى240 دونمًا.

:: مجلة البيان العدد  337 رمضان  1436هـ، يونيو - يوليو  2015م.


[1] تحفة المحتاج، للخطيب الشربيني: 6/235.

googleplayappstore

 

أعلى