• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الظل اليهودي وراء مشروعات التقسيم (2)

الظل اليهودي وراء مشروعات التقسيم (2)

الأحقاد والأطماع الصهيونية، يهودية كانت أم صليبية[1]، تقف وراء كل خطط التقسيم في منطقتنا العربية الإسلامية، التي هي أرض النبوات الماضية والنبوءات المستقبلية. وقد مر استعراض أبرز مخططات التقسيم في تلك المنطقة منذ وقوع أشهرها؛ وهو المخطط الصليبي الصهيوني المعروف باتفاقية «سايكس بيكو» سنة 1916م، ثم الخطة اليهودية المنشورة في وثيقة «كرانيجا» المعلن عنها في 1957م، ثم المخطط اليهودي الصهيوني المعروف بمخطط «عوديد إينون» أو مخطط «الدويلات الطائفية» المعلن عنه عام 1982م.

وقد توالت جهود اليهود الصهاينة ومَن وراءهم من الصليبيين[2] الصهاينة في العقود القليلة الماضية لمزيد من المكر والكيد لأمتنا، فكان من المهم تتبع الأثر المباشر لهاتين الصهيونيتين في تتابع الاختراقات التي تمضي بمشاريع التقسيم قُدماً لخدمة مشاريعهما في أرض النبوات والنبوءات.

وبعد استعراض دفائن الخبء اليهودي في المشروعات الأربعة الآنف ذكرها في المقال السابق؛ هذا عرض لبقية المشروعات التقسيمية مع تفكيك هويتها اليهودية ووجهتها الصهيونية:

خامساً: مشروع «برنارد لويس» للتقسيم:

وراء هذا المشروع المؤرخ والمستشرق اليهودي «برنارد لويس» المولود في إنجلترا عام 1916م، وقد نشأ مع أسرته اليهودية الإشكينازية، واهتم بالدراسات الخاصة بخصوم اليهود، وعلى رأسهم المسلمون، فتخصص منذ صغره في الدراسات الاستشراقية المتعلقة بالشرق الأدنى والأوسط.

وقد عمل برنارد لويس بالتدريس في موضوعات الاستشراق بعد أن تحول هذا الاسم السيئ السمعة من كلمة «الاستشراق» إلى عبارة «دراسات الشرق الأوسط»، وحصل ذلك المستشرق على درجة الدكتوراه في تاريخ الإسلام، عن موضوع الحركات الباطنية المحسوبة على الإسلام والخارجة عن الدولة. واشتغل برنارد كاتباً في صحيفة «نيويوركر» لعقود طويلة، وقد بلغ عمره حتى كتابة هذه السطور مائة عام.

برنارد لويس هو صاحب أول مخطط مكتوب ومدروس للتقسيم في المنطقة العربية، حيث كانت المخططات قبله مجرد مقترحات وآراء لم تكتسب بُعداً إستراتيجياً ورسمياً بهذا الشكل الخطير الذي حظي به مخططه، فقد كلفته وزارة الدفاع الأمريكية شخصياً بوضع مخطط تقسيم يعدل فيه أخطاء المعاهدة الإنجليزية الفرنسية المعروفة باتفاقية «سايكس بيكو». وأثناء خدمته العسكرية، كان برنارد لويس قد اتجه نحو العمل بالمخابرات، فاكتسب مزيد خبرة واطلاع على خبايا الأوضاع السياسية في المنطقة العربية، وقد اعتمدت عليه المخابرات الأمريكية في كثير من خططها المتعلقة بالمنطقة، وهو بدوره اعتبر الدور الأمريكي فيها مكملاً للدور البريطاني، ولذلك نصح الأمريكيين مراراً أن يستفيدوا من خبرة الإنجليز أثناء فرض نفوذهم على الدول المهمة في المنطقة العربية، مثلما حدث في مصر والعراق وفلسطين واليمن الجنوبي وبعض إمارات الخليج العربي.

الخطوط العريضة لمخطط «برنارد لويس»:

وضع برنارد لويس خطته على أساس أن تقسم كل دولة من الدول العربية الكبيرة إلى عدة دويلات، لتشكل تلك الدويلات بمجموعها حصيلة هزيلة وهزلية، في مقابل الكيان اليهودي الموحد والموجه في أطماعه وطموحاته، لكي يتمدد بحسب خططه الإستراتيجية في خريطة «إسرائيل الكبرى» الافتراضية المستقبلية، الماضية على درب التنفيذ منذ مائة عام.

اعتمد برنارد لويس إستراتيجية إفسادية تفكيكية لإنجاح مخططه المدبر منذ عام 1980م، تقوم على إيقاد الحروب وإشعال الصراعات الطائفية والعنصرية في المنطقة العربية وما يحيط بها، والهدف من ذلك استغلال فوضى النزاعات في تغيير وضع الخرائط وإعادة ترسيم الحدود، بما يضمن مصالح اليهود وحلفائهم. وبرغم أن خطته اكتملت في بدايات الثمانينات إلا أن المعلومات التفصيلية عنها لم تنشر إلا في بداية التسعينات. وقد ظهرت ملامح خطته في مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية عام 1992م بعنوان «إعادة التفكير في الشرق الأوسط»، وكان ذلك في أعقاب حدثين تاريخيين مهمين، وهما تفكيك الاتحاد السوفيتي، ووقوع حرب الخليج الثانية الناجمة عن الغزو العراقي للكويت، وقد عد لويس تلك الحرب نهاية للفكر القومي العربي، وتوقع بحسه اليهودي أن يتخلى العرب بعدها عن حروبهم المباشرة ضد الكيان الصهيوني لينشغلوا بالنزاعات فيما بينهم، وهو ما سماه «نهاية القومية العربية»، ما يعني فقدان الوظيفة الأساسية للأنظمة العربية.

إن الخطوط العريضة لمخطط برنارد لويس تبرز الظلال اليهودية الواضحة من ورائه، وهو مخطط نشرت الصحف الأمريكية خرائطه كاملة مرات عدة، وتداولتها وتناولتها مراكز الأبحاث بالدراسة والتحليل. وتبرهن الأحداث منذ كشف ذلك المخطط على أن وراءه جهات تدبير وقوى تنفيذ، فالعراق الذي كان يمثل أكبر قوة عربية عسكرية محتملة يمكن أن تهدد اليهود يوماً بعد خروج مصر من الصراع بمقتضى اتفاقية كامب ديفيد؛ أصر لويس على تقسيمه جرياً على عادة من سبقوه من المخططين اليهود، حيث نادى بضرورة تقسيم بلاد الرافدين لتصبح ثلاث دويلات متفرقة: إحداها شيعية مداهنة لليهود والغرب، والثانية سنية علمانية مهادنة لهما، والثالثة كردية علمانية موالية ومتحالفة مع كل عدو خارجي يمكن أن يتعاون معها. وهذا المخطط المخصص للعراق هو ما ظل يطبق بانتظام منذ الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003م، أي بعد نحو عشرين عاماً من كشف مخطط برنارد لويس، وكأن بعض الأنظمة العربية كانت تنظر لمسلسل تقسيم العراق، وهي تقوم بدور المراقب المذهول والمشغول انتظاراً لدورها!

وقد أظهرت أحداث وتفاعلات وتغيرات الثورة السورية أن مساعي تقسيم سوريا أيضاً مضت وفق مخطط برنارد لويس، وأن الأحداث كانت توجه قسراً نحو جعل التقسيم هو الحل الوحيد لإنهاء الأزمة السورية التي تحولت إلى أزمة إقليمية. وتبين أن خرائط تقسيم سوريا في مخطط ذلك اليهودي تؤكد على المخططات الصهيونية ذاتها التي سبقته، والتي يصر صهاينة اليهود مع صهاينة الصليبيين على تقسيمها إلى ثلاث دويلات أو أربع، هي: دويلة للعلويين على الساحل، ودويلة كردية في الشمال، ودويلتين متنافرتين للسنة في الوسط. ولم تكن الأحداث في سوريا تتجه بعد العام الأول من الثورة إلا إلى ذلك التقسيم.

أما السودان في مخطط برنارد لويس فقد مضى قهراً إلى التقسيم افتراضاً ثم واقعاً، فأصبح انفصال الجنوب حقيقة سياسية وجغرافية اعترف بها العالم، ولا تزال الفتن تدبر لتنفيذ باقي المخطط القاضي بفصل مناطق المسلمين غير العرب في إقليم دارفور، عن بقية المسلمين العرب في غرب السودان.

وأما اليمن فاقترح اليهودي برنارد منذ أكثر من ثلاثين عاماً تقسيمه إلى دويلتين: إحداهما شمالية للشيعة الزيدية، تكون قريبة من مناطق الوجود الشيعي الإثنى عشري في شرق الجزيرة العربية، والثانية للسنة الشوافع اليمنيين في الجنوب. وقد سارت الأحداث في اليمن بعد إفشال ثورتها بسرعة صاروخية نحو ذلك المسار الضار لليمن وجيرانه.

وتقسيم ليبيا لم يبعد في مخطط لويس كثيراً عن المخططات الصهيونية السابقة، فهو ينبني على ضرورة تقسيمها إلى ثلاث دويلات، في الشرق والشمال والجنوب، والعجيب أن التقسيم السياسي في ليبيا بعد إفشال الثورة يسير على وتيرة أسرع مما كان متصوراً، حيث تتنازع البلاد عدة تنظيمات وجماعات، لكل منها مناطقها وثرواتها وحكومتها وأنصارها، ولا توجد بينها الحدود الدنيا من «الوحدة العربية»، ولا حتى «الوحدة الإفريقية» التي عاش النظام الليبي السابق يبشر بجعلهما واقعاً حاكماً على النظام العربي كله ثم الكيان الإفريقي بتمامه!

صحيفة نيويورك تايمز التي نشرت خرائط المخطط في سبتمبر 2013م لم تعمد إظهار تفاصيل تقسيم مصر، ولكن ذلك القسم الخاص بمصر سرب من قبل، وقد وَجَد الجزء الأخطر والأكبر منه - وهو الخاص بدويلة للنصارى الأقباط - من يصرون على المضي به إلى نهايته، وهم الجماعات المعروفة بـ«أقباط المهجر» الذين تحتضنهم أمريكا، والذين تتابعت في السنوات الأخيرة مساعيهم الانفصالية إلى حد الإعلان عن إنشاء ما سموه «جمهورية مصر القبطية»، في ذات يوم الإعلان عن انفصال جنوب السودان! ولا يزال القائمون على هذا الإعلان مطلوبين في قضايا ومحاكمات منظورة أمام دوائر القضاء المصري.

وخريطة برنارد لويس تشير إلى تقسيم مصر إلى أربع دول هي: دولة مسيحية في المناطق الغربية الشمالية وعاصمتها الإسكندرية، ودولة نوبية في الجنوب، وإسلامية في منطقة الدلتا، مع اقتراح أن يؤول مصير سيناء والصحراء الشرقية إلى النفوذ اليهودي المباشر مستقبلاً، ضمن خريطة «إسرائيل الكبرى».

أما جزيرة العرب، وفي مقدمتها بلاد الحرمين، فنوايا صهاينة اليهود والصليبيين الظاهرة والمضمرة تتجه نحو تمزيقها وتفكيكها إلى دويلات متناقضة متنافرة، إحداها شيعية إثنى عشرية في المنطقة الشرقية، وأخرى إسماعيلية في نجران والمناطق الجنوبية، ودويلة سنية في منطقة نجد بلا ثروات ولا موانئ تطل منها على العالم، مع جعل الحجاز أو المدينتين المقدستين تحت إدارة دولية أو هاشمية! وكل ذلك بالتنسيق مع إيران وحلفائها، بعد دخول الفرس على خط تنفيذ خطط التقسيم.

خُطط اليهود التي تولى كبرها حاخامهم السياسي الهرِم برنارد لويس لم تقتصر على عالم العرب، بل تناولت البلدان الإسلامية الكبرى غير العربية، مثل تركيا وأفغانستان وإيران نفسها، حيث اعتمد ذلك العدو في خطط التقسيم على تسعير النزاعات والاختلافات والتناقضات العرقية والدينية والمذهبية الطائفية، والغرض مزيد من التفتيت حتى لا يكون للعرب أو المسلمين حاضر يُحترم أو مستقبل يُرجى.

سادساً: مشروع «رالف بيترز» للتقسيم:

رالف بيترز هو أحد العسكريين الأمريكيين برتبة «لفتينانت كولونيل»، ولد في 19 أبريل 1952م بولاية بنسلفانيا الأمريكية، وهو يدين بالنصرانية البروتستانتية اللوثرية الأقرب إلى اليهودية، والتحق بالجيش الأمريكي عام 1967م بعد تخرجه من الجامعة، وخدم في فوج المشاة وسلاح المدرعات، وقد عمل بيترز في مجال الاستخبارات العسكرية، وتدرج في الخبرة الاستخباراتية حتى عُين مديراً لمكتب نائب رئيس الأركان للشئون العسكرية.

تقاعد عن العمل في عام 1998م، ليتفرغ للكتابة والعمل الصحفي والإعلامي، وبخاصة في شبكة «فوكس نيوز»، وعُرف رالف بالتأليف في مجال السيناريوهات المستقبلية، وبخاصة فيما يوصف في الغرب بـ«الإرهاب المعاصر»، الذي تبين أنه مصطلح يغطي عند الأمريكيين معظم خريطة العاملين للإسلام في العالم. ولبيترز رواية تدل على اهتمامه بالنبوءات الدينية التوراتية المستقبلية وهي رواية «الحرب بعد هرمجدون».

واشتغل رالف بيترز كاتباً منتظماً في مجلة التاريخ العسكري وله كتابات عديدة حول الإستراتيجيات العسكرية، خاصة في مجلة القوات المسلحة التي نشر فيها خطته المقترحة لتقسيم الشرق الأوسط، بل العالم الإسلامي على أسس عرقية ومذهبية، واشتهرت خريطة التقسيم التي اقترحها بـ«خريطة الدم».

اشتهر بيترز، أو «بطرس»، بالآراء المثيرة للجدل، ففي مقال له - تحول إلى كتاب - بعنوان «الصراع الدائم» يقول: «لن يكون هناك سلام في أي لحظة في بقية حياة البشر، بل ستكون هناك صراعات متعددة في شتى أنحاء العالم، وسوف يكون العنف السمة البارزة في تلك الصراعات، وكذلك سيستمر الصراع الفكري (حرب الأفكار) والصراع الاقتصادي، وهنا يجب على القوات المسلحة الأمريكية أن تكون دائمة التأهب للحفاظ على الأمن الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، ونشر الأفكار الأمريكية، وهذا سيتطلب حتمية القتل والقتال»!

وقد نشر «رالف بيترز» مخططه للتقسيم على شكل دراسة في مقال، نشرته مجلة القوات المسلحة الأمريكية في يونيو 2006، والدراسة أو الخطة تحدد الأسس الإستراتيجية لتقسيم العراق لحساب الشيعة والأكراد العلمانيين على حساب أهل السنة، الذين يقترح لهم دولة علمانية معدومة الموارد، يمكن للغرب التفاهم معها واحتواؤها بعيداً عن الهوية الإسلامية السنية، والمراد أن يكون هذا التقسيم في بلاد الرافدين أساساً لانطلاق بقية خطط التقسيم في المنطقة العربية. ويريد بيترز تقسيم السعودية بفصل جزء لحساب الأردن في الشمال وجزء لحساب شيعة اليمن في الجنوب، مع إضافة الأجزاء الساحلية إلي الدولة العربية الشيعية.

وتتناول الخطة تشكيل دولة فينيقيا الكبرى بدلاً من لبنان الحالية، وتتحدث عن إعادة تشكيل دولة الإمارات العربية المتحدة ليذهب جزء منها إلى دولة الشيعة العرب الكبرى، مع بقاء دبي «ملعباً وملهى للأغنياء، وحليفاً مستقبلياً قوياً للكيان الصهيوني.
والمخطط لا يستثنى في بلاد العرب والمسلمين من التقسيم والتبديل للمكونات السكانية والجغرافية إلا الكويت «الشيعية» وعمان «الإباضية»، وذلك على امتداد الأراضي من باكستان حتى لبنان.

ويهدف المخطط لفصل جزء من إيران لحساب أذربيجان، وتقسيم أفغانستان الحالية بضم جزء منها إلى إيران «الفارسية»، وتقسيم باكستان الحالية لصالح أفغانستان المستقبلية، التي يفترض أن يظل حكمها في يد نظام يدين بأصل وجوده للأمريكيين.

سابعاً: مشروع «جيفري جولد برج» للتقسيم:

«جيفري جولد برج» صحفي أمريكي صهيوني مزدوج الجنسية، ولد عام 1965م وعمل كاتباً صحفياً في مجلة «نيويوركر»، ثم اشتغل بالكتابة الصحافية في جريدة «المحيط الأطلسي». وكتاباته تنصب على الشئون الدولية وخاصة منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. واشتهر جولد بأنه من أكثر الكتاب الأمريكيين اطلاعاً واهتماماً بشئون الكيان الصهيوني، وينظر إليه على أنه أحد الفاعلين في تيار المحافظين الجدد، المكون من فريق متكامل من اليهود الأمريكيين الذين حكموا أمريكا في مدة حكم جورج بوش الابن، ولهذا يوصف جولد برج بأنه ليبرالي صهيوني.

لم يكتف ذلك اليهودي الأمريكي بالتعاطف مع الكيان الصهيوني عن بعد، بل غادر الولايات المتحدة في شبابه بغرض الالتحاق بجيش الاحتلال، وعمل في معسكر اعتقال للفلسطينيين، ثم عاد إلى أمريكا ليعمل في مناصرة الكيان الصهيوني بكل ما يستطيع، ويقول عن نفسه واصفاً مشاعره تجاه أعداء اليهود أو أعداء السامية: «أعتقد في تصوري الذاتي أنني يهودي متشدد، لأنني لا أريد تسامحاً في حياتي الخاصة مع من يعادون السامية، وفي اعتقادي أنني أنجذب نحو إسرائيل وأقتنع بفكرة الرد العلني على المحرقة اليهودية (الهولوكوست) لا مجرد الرد النظري الفلسفي».

جاءت خريطة جيفري جولد والتي نشرتها مجلة «أتلانتيك» الأمريكية في عددها الصادر في فبراير 2008، بعنوان «شرق أوسط ما بعد العراق»، لتكشف النقاب عن أن الإدارة الأمريكية ترغب في نشر الفوضى في مناطق التوتر تحت مزاعم مواجهة الإرهاب ونشر الديمقراطية، والهدف التقليدي من ذلك هو ذاته الذي تتكرر الاستماتة في تحقيقه عن طريق خطط التقسيم، وهو تمزيق كل دول العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة، وتطال حتى الدول الأكثر استقراراً، بالإضافة إلى غياب الصورة الذهنية لدول ظلت دوماً موحدة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر وليبيا والسودان وغيرها. وتتناول الخطة المقترحة اختفاء ما يسمى على الورق «دولة فلسطين» لحساب الكيان الصهيوني، وتتحدث عن توسع اليمن علي حساب السعودية والانفصال الفعلي لجنوب السودان، وجعل سيناء دولة مستقلة تحت هيمنة اليهود.

ويتحدث جولد برج الذي زار المنطقة العربية وقام بمحادثات مع 25 شخصية سياسية بارزة عن تمزيق الدول الأكثر استقراراً بحيث تكون الحماية والأمان للكيان الصهيوني، ويؤكد في خطته المنشورة أن الولايات المتحدة الأمريكية ستسعى في غضون 15 عاماً إلى تحقيق دولة للبدو في سيناء، وبذلك تكون مزقت الدولة المصرية في شمالها الشرقي، إلى جانب القلاقل التي تحاول إحداثها في جنوبها وغربها عن طريق استثمار الفتنة الطائفية بين المسلمين والنصارى لإنشاء دولة لهم بحجة تعرضهم للاضطهاد، وهو ما تترجم عنه الرعاية الأمريكية لمؤتمرات أقباط المهجر، والتي يحاول القائمون عليها التأثير على الرأي العام العالمي بزعم تعرض الأقباط في مصر للتضييق والتمييز.
 واقترح التقرير المنشور عام 2008م تنفيذ خطط تمزيق العراق في المدى المتوسط عن طريق إعلان استقلال الأكراد ليتبع ذلك الإعلان عن دولة شيعية وأخرى سنية، بالإضافة إلى إشعال حرب «سنية - شيعية» لتسهيل السيطرة على بعض البلاد.

واهتم التقرير بالوضع في لبنان، الذي يرى أنه بلد ستمزقه الخلافات السياسية الداخلية، وتنذر بفوضى تعيد سيناريو الحرب الأهلية التي يعدها التقرير أقصر الطرق إلى التقسيم.

كما يشير ذلك التقرير بحسب ما نشرته المجلة الأمريكية إلى إلغاء فكرة الدولة الفلسطينية العربية لحساب المشروع الصهيوني الساعي للإعلان الرسمي عن جعل القدس بشطريها عاصمة موحدة أبدية للدولة اليهودية.

وأكدت خطة جولد برج أن الحسابات الأمريكية بدأت في عد الدول التي من الممكن أن تكون في الشرق الأوسط خلال الخمسة وعشرين عاماً المقبلة، وكم من الممكن أن يقسم كل بلد على حدة، وهل ستبقى بعض الدول أم تسعى واشنطن إلى اختفائها.

المشهد المستقبلي لخريطة الشرق الأوسط رهيب مرعب من المنظور الصهيوني (اليهودي الصليبي)، وهو يشير إلى طغيان العقلية الشيطانية على الإدارات الأمريكية، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، فكل ما كان يردده الجمهوريون نظرياً عن الفوضى الخلاقة في مدة حكم بوش الجمهوري؛ صار العالم يرى تنفيذه العملي في عهد أوباما الديمقراطي!

الثورات العربية وكيف جرى تحويلها إلى «فوضى خلاقة» للتقسيم:

أثبتت تداعيات الثورات العربية التي خاضتها بعض شعوب المنطقة بغرض التحرر من الفساد والاستبداد أن الأعداء المتربصين بالأمة من الخارج كانوا في انتظار أية تقلبات في الداخل كي يستغلوها في تغيير المعادلات وقلب الطاولات، لإحداث تلك الـ«الفوضى الخلاقة» التي يمكن من خلالها إعادة رسم الملامح المستقبلية للمنطقة العربية، بما يضمن استمرار التيه العربي والإسلامي لعقود كثيرة قادمة، ويحفظ للأحلاف المعادية للأمة استقرار قوتها واستمرار هيمنتها.

وهذا ما يحصل بانتظام وبكل أسف منذ إسقاط الثورات وإحباط الشعوب التي قامت بها، حيث خيم على المنطقة برمتها شبح التقسيم القديم، بما يحمله من خطط جديدة، وقد بدأ هذا «الشبح» يتجول في المناطق التي سبق وضع الخطط النظرية المتعددة لتقسيمها، كي يحول تلك المشروعات النظرية إلى وقائع عملية في كل من العراق وبلاد الشام، وبخاصة سوريا وليبيا، وكذلك بلاد اليمن، ريثما يأتي دور التقسيم على بلدان الجزيرة العربية ومصر وغيرها من بلدان الشمال الإفريقي الإسلامي!

هل يفلحون؟

لا يزال الظل اليهودي قابعاً وراء شبح التقسيم القادم والقديم، غير أن ذلك الظل يبقى محكوماً بحكم الله القدري القريب، وسنن الله الكونية الآتية التي أخبرت أن نهاية يهود المنطقة والعالم تقترب كلما اقتربوا أو قربوا من تحويل المعركة الفاصلة معهم إلى صفتها الأصلية العقدية التي ينادى فيها الحجر والشجر على أهل التوحيد فيقال: «يا مسلم يا عبد الله.. هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله»!

من يدري! لعل التقسيمات الجديدة - إن وقعت - ستكون سكيناً يقطع رقاب من وضعوها، ومطرقة قدرية تقصم ظهر كيان اليهود الذي طالما استفاد من حدود «سايكس بيكو»، واحتمى وراءها واستثمر نتائجها، فإذا قام اليهود اليوم ومن وراءهم بإزالة تلك الحدود فمن يضمن لهم الأمان أو التأمين في ظل «فوضى» أخرى سيكونون هم أكبر الخاسرين فيها وأكثر المتورطين في تبعاتها: {وَلا يَحِيقُ الْـمَكْرُ السَّيِّئُ إلَّا بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43].

لقد تصاعدت في الآونة الأخيرة صيحات التحذير ودعوات النفير اليهودية، خوفاً من أن تمتد ألسنة النيران التي أشعلها اليهود في المنطقة إلى داخل حصنهم الكبير الذي لن يظل حصيناً، بل سيتداعى حتماً ويقيناً كما نؤمن ونوقن: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51].

 

:: مجلة البيان العدد  352 ذو الـحـجــة  1437هـ، سبتمبر  2016م.


[1] نكرر استعمال وصف الصهيونية الصليبية للتأكيد على أن الفكر الصهيوني ليس خاصاً باليهود، بل هناك نصارى صليبيون صهيونيون. واستقر الباحثون والمفكرون على تسمية ذلك الاتجاه الفكري المنتشر في الغرب بـ«الصهيونية المسيحية»، ولم ينتشر استعمال هذا المصطلح كثيراً قبل حقبة ثمانينات القرن الماضي، ويصنف هذا الاتجاه ضمن جماعات البروتستانت الإنجيليين الذين ينتمي إليهم نحو 130 مليون شخص في قارات العالم، وتتلخص الفكرة التي قامت عليها تلك الاتجاهات في ضرورة السعي لتحقيق كل النبوءات التوراتية المتعلقة بيهود آخر الزمان وعودتهم لأرض الميعاد، لأنه من دون ذلك لن يعود مسيح النصارى المعبود إلى الأرض!

[2] لا تعد كلمة «الصليبية» وصفاً مذموماً عند نصارى الأمس واليوم، فالصليب هو الشعار الرسمي على أعلام نحو 19 دولة، كلها أعضاء في الأمم المتحدة، وأكثرها أعضاء في حلف الناتو الذي يتخذ من نجمة الصليب شعاراً له.

أعلى