المسلمون قادمون.. الإسلاموفوبيا والتطرف والحرب الداخلية على الإسلام

المسلمون قادمون.. الإسلاموفوبيا والتطرف والحرب الداخلية على الإسلام


عنوان الكتاب: المسلمون قادمون.. الإسلاموفوبيا والتطرف والحرب الداخلية على الإسلام.

المؤلف: آرون كوندناني.

الناشـر: منتدى العلاقات العربية والدولية.

تاريخ النشر: 2016م.

يناقش كوندناني، أستاذ الإعلام والثقافة بجامعة نيويورك، في هذا الكتاب سياسات الحرب على الإرهاب داخل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. وهو نتيجة ثلاثة أعوام من البحث، و160 مقابلة مع نشطاء ومسؤولين ومستشارين حكوميين وشباب وغيرهم من الشخصيات ذات العلاقة، كما اعتمد على معلومات سرية عن ديمغرافيا أفراد مصنفين متطرفين بحسب سياسة الوقاية البريطانية. وأطروحة الكتاب الأساسية تتلخص في «أن الدعوة للتطرف صارت العدسة التي ترى المجتمعات الغربية الإسلام من خلالها في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين»، كما يقدم الكتاب أطروحة كبرى ترى أن «فهم أسباب ما يسمى بالإرهاب الجهادي يقتضي توجيه اهتمام لعنف الدولة الغربي ولسياسات الهوية التي تدعمها، يماثل ما نوجهه من اهتمام لأيدلوجية الإسلام السياسي، وأن ما تسميه الحكومات تطرفاً هو إلى حدٍ بعيدٍ نتاج ما تشنّه من حروب».

يقع الكتاب في مقدمة وتسعة فصول وخاتمة، ويفتتح المؤلف الفصل الأول باقتباس عن صامويل هنتغتون يقول فيه: «ينبغي أن يكون العدو المثالي لأمريكا معادياً أيدلوجياً، مختلفاً جنساً وثقافةً، وقوياً من الناحية العسكرية»، ويخصص هذا الفصل لبيان الملامح الرئيسة لتكوّن الأقلية المسلمة في الولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة، وتحولها لتكون عدواً مثالياً. وفي مطلع الفصل يقدم المؤلف قصة «فاراسات لطيف»، وهو شاب باكستاني كان متحمساً للماركسية إبان ثمانينات القرن المنصرم، ثم تحول للإسلام، واعتنق مذهب السلف في أوائل التسعينات، وهو يمثل نموذجاً لصيغة تحول مألوفة، يقابلها في الوقت نفسه صيغة تحول في ترقية دوائر السياسة الغربية لـ«التطرف الإسلامي» في قائمة الأعداء الخطرين بديلاً عن التطرف الماركسي.

وفي الفصل الثاني يسلط الكتاب الضوء على سياسات مكافحة «التطرف» وخلفياتها الأيدلوجية، ويشير المؤلف إلى أن صنّاع الحرب على الإرهاب يسود لديهم نمطان رئيسان من التفكير: أحدهما يهيمن على المحافظين، وهو أن أصل الإرهاب يتمثل في إخفاق الثقافة الإسلامية في التكيف مع الحداثة. والآخر يهيمن على الليبراليين، ومفاده أن أصل الإرهاب لا يكمن في الإسلام نفسه، بل في سلسلة من مفكري القرن العشرين شوهوا الدين لينتجوا أيدلوجيا شمولية، وهو ما يسمى بالإسلام السياسي، على غرار الشيوعية والفاشية. ومع ما يبدو من التباين بين الرأيين، إلا إنهما يشتركان في الاعتقاد بأن أصل الإرهاب يكمن في محتوى عقائدي متجذر في ثقافة أجنبية، سواء في الإسلام نفسه، أو في تطرف مرتبط به. ويعتقد المؤلف أن هذه الرؤية التي تحكم تفكير صنّاع الحرب على الإرهاب مستمدة من الأفكار عن النزعات أو المذهبيات الشمولية، التي ظهرت في الحرب الباردة، كما يتفق الطرفان أن الثقافة الإسلامية شيء ثابت لا يتغير، ولا بد من التدخل لهندسته وترويضه باستخدام القوة الخشنة أو الناعمة. ويكرس خطاب صناع الحرب على الإرهاب - مع وجود تباينات وفروقات بين منتجيه - من تقديم الإسلام والمسلمين بوصفهما مشكلة، وذلك بسيطرته على المناقشة الرئيسة للإرهاب في الثقافة السياسية لكل من أمريكا وبريطانيا.

ويتحدث الكتاب في فصله الثالث عن جذور الغضب الليبرالي، مسهباً في بيان مدى تأثر منظري الحرب على الإرهاب بمنظري الشمولية في الحرب الباردة، وتجاهلهم لخصوصية السياقات السياسية، والميل للاعتقاد بأن وجود القمع والعنف الشامل ليس سوى نتيجة لخطيئة عقائدية منفلتة، وأن هذه الخطيئة مصدرها النصوص المقدسة الإسلامية، ويجادل المؤلف أن هذا النموذج التفسيري للعنف أو ما يسمى «الإرهاب الإسلامي» يفشل في تفسير ظواهر عديدة مثل تفسير ارتفاع عدد أحداث العنف «الإرهابي» في بريطانيا بعد بداية الحرب على العراق. ويواصل بالقول إن النصوص المقدسة مفتوحة لتأويلات مختلفة بل متناقضة أحياناً، كما أن خطاب المفكرين والعلماء الإسلاميين يتعرض لهذه التأويلات العقائدية المتنوعة، ويقدم مثالاً طريفاً في هذا السياق، فأستاذ العلوم السياسية الأمريكي لينارد بيندر في كتابه «ليبرالية إسلامية: نقد لأيدلوجيات التنمية» الصادر عام 1988م يقدم سيد قطب رحمه الله على أنه معتنق لأفكار التحرر الفردي الحديثة من السلطة التقليدية، والذاتية الدينية في سياق تجربة فردية لا تحتاج إلى رجال الدين التقليديين، بل صرح بالقول عن كتاب «معالم على الطريق» بعد سياقه لجملة من المقتطفات منه أنه «قد لا يتصف بالثورية العنيفة»، وأن «فكرته عن الحرية الفردية يمكن أن تتيح الظروف الاجتماعية اللازمة لظهور دولة برجوازية ليبرالية»، وبعد عشرين عاماً استشهد آخرون بالمقتطفات نفسها كدليل على شمولية الإسلام السياسي، ويفسر الكتاب هذه المفارقة بالاستناد لكون التطرف الاشتراكي لا الديني إبان الحرب الباردة هو الذي سهّل للينارد بيندر الانسياق خلف هذا التحليل الرغبوي، بينما حين تغيرت الظروف تغير التأويل. ويبحث المؤلف في الفصل نفسه إشكالية تعريف التطرف والاعتدال، والاشتراطات الثقيلة التي يفرضها صناع خطاب الحرب على الإرهاب على المسلمين في الغرب لإثبات «اعتدالهم»، فعليهم أن يتجاهلوا ما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان، وأن يرفعوا أصواتهم بالإدانة لاستخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية، إلا أن تكون حكوماتهم من يقوم بذلك، وتبعاً لذلك يرى المؤلف أن صعوبة العثور على مسلمين معتدلين طبقاً لهذا التعريف تبدو أمراً متوقعاً.

وفي الفصل الرابع يفتتح المؤلف بحكاية قيام طبيب نفسي بريطاني بفحص متمردي ماوماو الذين اعتقلهم الجيش البريطاني في كينيا إبان الاحتلال، وادعى الطبيب اكتشاف دليل علمي يثبت أن تمردهم لم يكن سياسياً وإنما هو مرض نفسي، وتلخص هذه الحكاية ما يريد المؤلف قوله عن «أساطير التحول إلى التطرف» وهو عنوان الفصل. ويؤكد المؤلف أن الأعمال البحثية التي تعد من قبل دوائر مكافحة الإرهاب الغربية تفتقر للموضوعية، وأن تحيزاتها لا تعود فقط لأسباب التمويل، أو ضغوط المؤسسات الأمنية أو غيرها، بل بسبب افتراضات أيدلوجية تحدد ما يعد مشروعاً في أسباب التحول «للتطرف» وما ليس بمشروع. ويحلل الأسباب الأكثر تداولاً ومشروعية في هذا الخطاب، فيذكر المنهجية الأبرز التي تركز على تأثير الأيدلوجيا الدينية، والأخرى التي تذهب بشكل أعمق، وتدخل عوامل نفسية واجتماعية، فالعنف لا ينتج عن مجرد المعتقد الديني بل بسبب أزمة هوية، أو بسبب عملية تكوين جماعة متضامنة. ونتيجة لشيوع هذه التفسيرات تعتقد مؤسسات الأمن القومي الغربية أن المراقبة المكثفة لحياة المسلمين الروحية والعقلية تساعد في إجهاض الهجمات الإرهابية المستقبلية. ثم يفيض المؤلف في ذكر أنور العولقي كنموذج على فشل هذه التفسيرات في وصف التحول للتطرف، وتجاهلها المشبوه للعوامل السياسية.

ويخصص المؤلف الفصل الخامس لاستعراض «برنامج منع التطرف العنيف» الذي برز في بريطانيا بداية من 2006م مع حكومة توني بلير ليكون واحداً من أعقد برامج المراقبة والضبط الاجتماعي التي جربت في دولة غربية في العقود الأخيرة. كان لهذا البرنامج ميزانية ضخمة، وتنوعت نشاطاته، واستهدف ضمن أعماله تقوية المجتمع المدني للتيار الإسلامي الرئيس في البلاد، ودعم المساجد بالمال من أجل الترميمات، ورعى عروض الفنون الإسلامية، وغير ذلك، وكان الأثر المبتغى يكمن في جذب منظمات المجتمع المدني إلى فلك الحكومة بشكل أكبر، وبعد ذلك ازدادت الجرعة الأيدلوجية في أنشطة البرنامج، كتمويل محاضرات وعروض لمشايخ لمواجهة التطرف وإدانته، وتدريب أئمة المساجد لأجل التعرف على من يحمل نزعات أو بذوراً للإرهاب، وتمويل توجهات بعينها داخل التيار الإسلامي، فقد تلقى مثلاً المجلس الإسلامي الصوفي SMC ما لا يقل عن 203 آلاف جنيه إسترليني في عامي 2008 و2009م لترسيخ مكانته كمنظمة قيادة مجتمعية، وسوى ذلك. ويعرج المؤلف أيضاً على مشروع آخر أنشأته الحكومة البريطانية باسم «تشانل» وهو جزء من البرنامج السابق، ويكتنف مشروع «تشانل» السرية والإبهام، وبحسب الكتاب فالمشروع يخضع حياة الأفراد المسلمين للمراقبة الدقيقة، ويجمع المعلومات عنهم، بهدف رصد أية مظاهر مزعومة لإرهاصات التحول للتطرف، والتدخل «لتعديل أيدلوجية الفرد» بمساعدة المتخصصين.

ويأتي الفصل السادس كاشفاً عن أكثر زوايا صناعة الحرب على الإرهاب قسوة وإجراماً، ويحكي المؤلف في أول الفصل قصة أنطونيو مارتينيز، وهو شاب أمريكي مسلم لم يتجاوز الحادية والعشرين، وبعد كتابته لمنشورات على الفيسبوك صنفت على أنها «متطرفة» كُلّف عميل في FBI بمهمة مصادقته، وتطورت العلاقة ليطلب مارتينيز - في ظروف تحول غامضة - من العميل المتخفي مساعدته لتنفيذ هجوم إرهابي على مركز تجنيد للقوات الأمريكية في بالتيمور، وفعلاً قدم العميل له سيارة بها قنبلة وهمية، وأثناء محاولة مارتينيز التفجير، قبض عليه، وحوكم بالسجن لمدة ربع قرن. يشكك المؤلف كثيراً بنزاهة التدخل الاستخباراتي، ويرى أنه قد تم التلاعب بالضحية من قبل العميل وحثها على تنفيذ العمل، ويقول: «إن قصة مارتينيز ليست غريبة بل إنها الحالة النمطية في تكتيكات FBI»، وأن زيادة أعداد المقبوض عليهم بتهم ذات صلة بالإرهاب هو في الحقيقة بسبب زيادة عدد عمليات العملاء المحرضين، وليس نتيجة زيادة مستقلة في أعداد المخططين «الإرهابيين».

ويسوق المؤلف في الفصل السابع ظروف تأييد بعض الشباب المسلمين الأمريكيين من أصل صومالي لحركة الشباب الموصوفة بالإرهاب، ويصف طريقة تعاطي الأجهزة الأمريكية مع هذه الظاهرة في سياق الحديث عن مكافحة التحول للتطرف، وعن التوسع في الرقابة والتحري، وتجاهل المبررات الموضوعية والعوامل السياسية المؤثرة في تلك الميول الشبابية.

وفي الفصل الثامن يقف المؤلف مع ظاهرة اليمين الغربي الشعبوي المتطرف وميوله العنصرية الإقصائية، ويشير لشيوع نظرية مؤامرة تطبيق الشريعة، فقد توهم كثيرون وجود خطة سرية لفرض الشريعة الإسلامية على الولايات المتحدة، وقد ترسخ هذا الوهم مع ظهور باراك أوباما مترشحاً للرئاسة وما تداولته وسائل الإعلام عن ديانته والشكوك حولها.

وفي الفصل الأخير يتحدث المؤلف عن بعض التحديثات الأخيرة في خطاب صناع الحرب على الإرهاب والتي خفّ معها الاتهام المباشر أو التشكيك التلقائي بالمسلم الأمريكي، ويفرق المؤلف بين الشروط الاندماجية للمسلمين في الولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة، ففي الأخيرة تبدو الشروط صارمة وصريحة، بخلاف الحال في الولايات المتحدة، التي لها شروطها أيضاً لكن بصورة أقل وضوحاً، وإن كانت بالصرامة نفسها. ومع كل هذه التحديثات يظل الخوف الحقيقي في الولايات المتحدة ليس من التطرف الإسلامي بل من تعبير الجيل الجديد من المسلمين الأمريكيين عن أنفسهم سياسياً.

ويختم المؤلف كتابه بالأسف على ثبوت صحة تحليلاته لخطاب الحرب على الإرهاب وذلك في ظهور الموجة السياسية والإعلامية الأخيرة عن «داعش»، كما أكد بشواهد متعددة على استمرار السمات الأيدلوجية ذاتها التي وصفها في كتابه، وأشار لقضية محاكمة مسلم أمريكي متهم بدعم الإرهاب، والتي انتهت بحكم مخفف من القاضية الأمريكية، وأشاد بالحكم وبتحرره من الأساطير الشائعة عن «التحول للتطرف»، إلا إنه لم يرَ في ذلك بصيصاً للأمل، بل ختم الكتاب بنفي احتمال تغيّر تلك الأساطير في خطاب صناع الحرب على الإرهاب، وذهب للقول بأن «ضغط آلة المراقبة الشاملة والتجريم الموجه عنصرياً والقتل دون محاكمة يزداد باستمرار».

أعلى