مصطلح الجهل في القرآن الكريم

مصطلح الجهل في القرآن الكريم

جهله جهلاً وجهالة: ضد علمه. والجهل: ضد العلم. وتجاهل: أرى من نفسه ذلك. وجهل عليه: أظهر الجهل. واستجهله: عده جاهلاً واستخفه أيضاً. والتجهيل نسبة إلى الجهل. والمجهلة: الأمر الذي يحمل على الجهل، ومنه قولهم: الولد مجهلة. والمجهل: المفازة لا أعلام فيها. وجهل الحق: أضاعه. وجاهله: سافهه. والجهل البسيط: عدم العلم عما من شأنه أن يكون عالماً. والجهل المركب: عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع. والجاهلية: ما كان عليه العرب قبل الإسلام من الجهالة والضلالة[1].

في الاصطلاح:

معاني الجهل ومشتقاته في القرآن الكريم:

المعنــى الأول: السفه ورواية الكذب عن الله تعالى:

في قوله تعالى: {وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْـجَاهِلِينَ} [البقرة: 67]، يعني: أعوذ بالله أن أكون من السفهاء الذين يروون عن الله عز وجل الكذب والباطل[2].

المعنــى الثاني: اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه:

في قوله تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْـجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273]، أي: يعتقد الذي لا يعرف حالهم أنهم أغنياء من تعففهم عن المسألة، وتركهم التعرض لما في أيدي الناس، صبراً منهم على البأساء والضراء[3].

المعنــى الثالث: المعصية:

في قوله تعالى: {إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: 17]، أي: كل من عصى ربه عز وجل فهو جاهل، حتى ينزع عن معصيته[4].

وقوله تعالى: {وَإلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْـجَاهِلِينَ} [يوسف: ٣٣]، أي: وإن لم تدفع عني كيدهن أميل إليهن، وأكن من الذين خالفوا أمرك ونهيك وأركب معصيتك[5].

المعنــى الرابع: الهداية والضلال بمشيئة الله:

في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إلَيْهِمُ الْـمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْـمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: ١١١]، أي: يحسب المشركون أن الإيمان إليهم والكفر بأيديهم، متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا كفروا، وليس ذلك كذلك، ذلك بيد الله عز وجل، لا يؤمن منهم إلا من هداه فوفقه، ولا يكفر إلا من خذله عن الرشد فأضله[6].

فلله تعالى الحكمة البالغة، يضل الظالمين، ويهدي إليه من أناب.

المعنــى الخامس: خلاف العلم:

في قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138]، ومعناه: إنكم أيها القوم لا تعلمون عظمة الله عز وجل وواجب حقه عليكم، ولا تعلمون أنه لا تجوز العبادة لشيء سوى الله جل ذكره الذي له ملك السماوات والأرض[7].

وقوله تعالى: {إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْـجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]، أي: الأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر[8].

المعنــى السادس: القول بخلاف الحق:

في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْـجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، هذا أمر من الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم  أن يعرض عمن قال خلاف الحق[9].

المعنــى السابع: فعل الشيء على خلاف ما حقه أن يفعل:

في قوله تعالى: {وَلُوطًا إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ 54 أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 54، 55]، أي: إنكم قوم سفهاء جهلة بحق الله تعالى عليكم، خالفتم الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهي زواج الذكور بالإناث، وتأتون الرجال شهوة وإسرافاً من دون النساء، فخالفتم بذلك أمره، وعصيتم رسوله[10].

المعنــى الثامن: عدم معرفة ما هم عليه من المضرة:

في قوله تعالى: {قَالَ إنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف: 23]، أي: أنا رسول الله تعالى إليكم أبغلكم عنه ما أرسلني به من الرسالة، ولكن تجهلون مواضع حظوظ أنفسكم، ولا تعرفون مقدار ما يلحقكم من المضرة بعبادتكم غير الله عز وجل، وفي استعجال عذابه[11].

المعنــى التاسع: ظن المنافقين بالله تعالى ظن أهل الشرك:

في قوله تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْـحَقِّ ظَنَّ الْـجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: 154]، أي: هم المنافقون الذين يظنون بالله عز وجل الظنون الكاذبة، ظن أهل الشرك بالله تعالى، شكاً في أمر الله، وتكذيباً لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وظناً منهم أن الله جل ذكره خاذل نبيه، ومُعْلٍ عليه أهل الكفر به[12].

المعنــى العاشر: حكم عبدة الأوثان:

في قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْـجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، أي: أيبغي هؤلاء اليهود الذين احتكموا إليك فلم يرضوا بحكمك، إذ حكمت بينهم بالقسط، حكم الجاهلية! يعني أحكام عبدة الأوثان[13].

المعنــى الحادي عشر: ما قبل الإسلام:

في قوله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْـجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: ٣٣]، أي: لا تتبخترن ولا تتكسرن في مشيتكن كما كان النساء يفعلن قبل الإسلام[14].

المعنــى الثاني عشر: أخلاق أهل الكفر:

في قوله تعالى: {إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْـحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْـجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26]، أي: إن الذي فعله المشركون كان جميعه من أخلاق أهل الكفر، ولم يكن شيء منه مما أذن الله عز وجل لهم به[15].

بيان المعاني والدلالات:

الجهل على أربعة أضرب:

الأول: خلو النفس من العلم.

الثاني: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه.

الثالث: فعل الشيء على خلاف ما حقه أن يفعل، سواء كان الاعتقاد فيه اعتقاداً صحيحاً أو فاسداً.

الرابع: قول خلاف الحق[16].

على أن الجهل من الصفات الثابتة في الأقوام السابقين الموصوفين به والمذكورين في القرآن الكريم، مثل قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وبني إسرائيل وكفار قريش.

وتفشّي هذه الظاهرة في هؤلاء الأقوام الذين نسبت إليهم دلالة على تمكن الجهالة منهم حتى صارت من مقومات قوميتهم. وللدلالة على أنها عمت الجميع أو أغلب القوم، فإن لوطاً عليه السلام قال لقومه: {أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} [هود: 78].

على أن الذين أسند إليهم الجهل في القرآن الكريم كلهم كفار، وتجمعهم عدة قواسم مشتركة منها:

- عداوة الأنبياء وتكذيبهم: كما في قوله تعالى: {وَإن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ 42 وَقَوْمُ إبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ 43 وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الحج: 42 - 44].

- مجادلة الأنبياء ومحاججتهم بالباطل: ومن أمثلة ذلك ما حكاه القرآن الكريم عن قوم نوح: {فَقَالَ الْـمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} [هود: 27].

- استعجال العقاب: كما جاء في الكتاب العزيز عن عاد:  {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأحقاف: ٢٢]، وما حكاه الله عز وجل عن كفار قريش: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: ٧٤][17].

والموصوفون بالجهل في القرآن الكريم ثلاثة أنواع من الناس كلهم مذمومون: إما كافر جاحد لرسالة نبيه، وإما مشرك أو منافق مضيع للأمانة الكبرى التي كلف بها الإنسان، وإما مؤمن عاص استزله الشيطان، وغلبته شهوته فوقع في ما يجب الاستغفار منه[18].

ومصطلح الجهل لم يذكر في كتاب الله تعالى إلا في مقام الذم والاحتقار، وكأنما المشرع الحكيم لم يمحصه إلا للشر. ولذلك نجد أن مرادفاته لا تقل عنه قبحاً مثل: السفه، والطيش، والمعصية، والشك، والظن، والرفث. ومعطوفاته من الخصال المذمومة، بل إن بعضها من الكبائر. ومن تلك المعطوفات ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم  في حديث رفع العلم: «إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال ويكثر النساء»[19].

ويمكن القول إن الجهالة سبب كبير للمعاصي والذنوب، بل هي مصدرها ومنشؤها. وقد سبق إلى هذا الاستنتاج كثير من العلماء الراسخين في العلم منهم أبو العالية الذي قال: «سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  عن قوله: {إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: 17] فقالوا لي: كل من عصى الله فهو جاهل، وكذلك قال مجاهد، والحسن البصري، وغيرهم من العلماء التابعين، ومن جاء بعدهم»[20].

ومن مظاهر الجهل:

- الهزء في موضع الجد: نلمس هذا في قصة موسى صلى الله عليه وسلم  مع قومه في قوله تعالى: {وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْـجَاهِلِينَ} [البقرة: 67].

- تغليب العاطفة على العقل: نلمس هذا المسلك في قصة نوح صلى الله عليه وسلم  مع ابنه، حيث طلب نوح عليه السلام من الله عز وجل الشفاعة في ابنه الذي كفر وكان من المغرقين، فقال سبحانه وتعالى في شأنه: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإنَّ وَعْدَكَ الْـحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْـحَاكِمِينَ صلى الله عليه وسلم ٥٤^صلى الله عليه وسلم ) قَالَ يَا نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِـحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْـجَاهِلِينَ} [هود: 45، 46].

- تقويم الناس بالمال والجاه لا بالقيم والأخلاق: نلمس هذا في قوم نوح الذين نظروا إلى من آمن منهم نظرة ازدراء واحتقار؛ لأنهم فقراء لا يملكون مالاً ولا جاهاً، وطلبوا من نوح أن يطردهم ويتخلى عنهم، قال تعالى: {فَقَالَ الْـمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ 27 قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ 28 وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إنْ أَجْرِيَ إلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود: 27 - 29]، أي: لا تعلمون الميزان الذي يوزن به الناس وهو ميزان الله عز وجل الذي يقوّم الناس بإيمانهم وأعمالهم لا بمالهم وجاههم.

وفي هذا السياق قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»[21].

- الشذوذ عن الفطرة: نلمس هذا في قصة لوط عليه السلام، فقد شذ قومه لجهلهم وسفههم وطيشهم عن الفطرة، وذلك بإتيانهم الذكران من العالمين وتركم لما خلق الله عز وجل لهم من أزواج: {وَلُوطًا إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ 54 أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 54، 55].

- استعجال عقاب الله تعالى: وهذا نلمسه في قصة هود عليه السلام مع قومه الكافرين المعرضين عن دعوته: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 22 قَالَ إنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف: 22، 23].

- طلب عبادة الأوثان: وهذا نلمسه في قصة موسى صلى الله عليه وسلم  مع قومه الذين طلبوا منه أن يجعل لهم صنماً يعبدونه ويعكفون عليه شبيهاً بآلهة الكنعانيين التي مروا عليها وهم في طريقهم إلى بلاد الشام: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138].

- المطالبة بإنزال الخوارق والمعجزات بعد بيان الحق ووضوحه: ونلمس هذا في قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم  مع الكفار من قومه الذين طالبوه بالمعجزات المادية مع أنه أتاهم بأعظم معجزة وهي القرآن العظيم الذي تحدي بيانه وفصاحته وبلاغته الإنس والجن. فقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إلَيْهِمُ الْـمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْـمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: ١١١].

 

مفهوم الجاهلية في ضوء الوحيين:

الجاهلية لا تنحصر في زمان ما قبل البعثة النبوية، بل تمتد في دروب الزمان والمكان، ونجدها حتى في الفترات التي تلت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل إلى يوم الناس هذا.

 فهي إذن وضع من الأوضاع يوجد بالأمس، ويوجد اليوم، ويوجد غداً، فيأخذ الصفة المقابلة للإسلام[22].

ولأجل ذلك فالجاهلية نوعان: جاهلية الكفر وجاهلية الإسلام[23].

أما جاهلية الكفر فهي جاهلية أهل الشرك وحكم عبدة الأوثان وأخلاق الكافرين الذين لا يؤمنون بالله عز وجل. وأما جاهلية الإسلام فتتمثل في جاهلية المعصية. ومن هذا النوع التنابز بالألقاب، والفخر بالأنساب، والنياحة على الموتى، ومفارقة الجماعة، والقتال تحت راية الحمية والعصبية. وفي هذا الشأن قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة»[24].

وقال عليه الصلاة والسلام: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فَقِتلةٌ جاهلية»[25].

ومن خصائص الجاهلية عيوبها ومنكراتها التي دلت عليها نصوص الوحيين: كالتبرج، وسوء الظن بالله تعالى، والحكم بالهوى، والحمية، والربا، والتعصب للعشيرة، والكبر، وندب الميت، والفخر بالأحساب، وهي كلها أخلاق ومواقف مذمومة نهى عنها الشارع الحكيم وتبرأ ممن اقترفها.

 


 


[1] الرازي: مختار الصحاح، ص104. والزاوي: مختار القاموس، ص109. وإبراهيم مصطفى وآخرون: المعجم الوسيط، ص144.

[2] الطبري: جامع البيان، 1/466.

[3] المصدر السابق، 2/1590.

[4] المصدر السابق، 3/2196.

[5] المصدر السابق، 6/4534-4535.

[6]  المصدر السابق، 4/3310.

[7] المصدر السابق، 5/3620.

[8] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، 36/318.

[9] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 3/532 (بتصرف).

[10] الطبري: جامع البيان، 8/6309.

[11] المصدر السابق، 9/7416.

[12] المصدر السابق، 3/2024.

[13] المصدر السابق، 4/2918.

[14] المصدر السابق، 9/7506.

[15] المصدر السابق، 8/6657-6658.

[16]  محمد الينبعي: مفهوم الجهل والجاهلية في القرآن الكريم والسنة النبوية، ص79.

[17] المرجع السابق، ص82.

[18] المرجع السابق، ص95.

[19] أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب رفع العلم وظهور الجهل، 1/28.

[20] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، 16/178.

[21] أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم 2564، 4/1987م.

[22] سيد قطب: في ظلال القرآن، 2/904.

[23] محمد قطب: جاهلية القرن العشرين، ص9.

[24] أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، 2/644.

[25] أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، رقم 1848، 3/1476.

 

  

أعلى