لاءات الخليج في وجه الروس... والعلاقات الروسية التركية

لاءات الخليج في وجه الروس... والعلاقات الروسية التركية


مجلة البيان في حوار مع الدكتور ماجد التركي رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية - الروسية


انتهى العالم من زمن سيطرة القطب الواحد وأصبحنا أمام مرحلة تحوُّل كبيرة توجت بعد الألفية بالصراع على النفوذ بين الولايات المتحدة والصين من جهة، وروسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى. وبدأ العالم يشهد تغيراً في تكتيكات سيطرة القوى الاستعمارية السابقة؛ بصنعها لنقاط توتر جديدة تبرر إعادة انتشارها؛ فقد استقر الوجود الفرنسي في دول الساحل وإفريقيا بزعم محاربة (الإرهاب)، وكذلك فعلت روسيا حينما تدخلت في سوريا لدعم نظام بشار الأسد، ودخلت في ليبيا عبر بوابة العمل المتوازن في علاقاتها مع القائد العسكري خليفة حفتر، والسراج (في الوقت عينه)، وقدمت عدة مقترحات للأمن في الخليج، وتحاول جاهدة عرقلةَ المساعي الأمريكية في أوروبا، وإعادةَ ضم القرم من أوكرانيا... في حوار استغرق ساعة من الزمن حاولنا مع الباحث البارز في الشأن الروسي، الدكتور ماجد التركي التعرف على هوية ومحركات الصعود الروسي في المنطقة العربية ومدى فاعليته في التأثير على قضايا المنطقة.

مجلة البيان: في المرحلة الحالية: كيف تقوِّم العلاقات العربية الروسية؟

التركي: أحاول دائماً أن أفصل ما بين المرحلتين الزمنيتين للحضور (الروسي السوفييتي) والحضور (الروسي الحـديث) في المنطقة لأنهما يختلفان اختلافاً جذريّاً؛ فالحضـور السوفييتي السابق كان مبنيّاً على عقيدة وهوية أيديولوجية، بعكس السياسة الروسية الحالية فهي سياسة براغماتية بالدرجة الأساسية، صحيح النزعة القومية الروسية بدأت تظهر في العشر سنوات الأخيرة كعقيدة للسياسة الخارجية الروسية وحتى لوزارة الدفاع الروسية، ولكن الروس أنفسَهم يحاولون أكثر من العرب الانسلاخَ من تداعيات التاريخ السابق. لذلك حتى تقرأ المشهد الروسي بواقعية تساعدك على وضع تقويمات صحيحة وقراءة المستقبل؛ يجب ألا تقيِّد نفسك بالحضور الروسي القديم، سواء في أفغانستان أو الجزائر أو في اليمن الجنوبي أو في سوريا أو في العراق، لقد انتهى بشكل كامل، فقد رحل الميراث السوفييتي عن الساحة السياسية العربية بشكل كامل.

مجلة البيان: هل تقصد أن العلاقات الروسية الشرق أوسطية خارجة عن تأثير الموروث الشيوعي السابق؟

 التركي: بكل تأكيد فليس له أي علاقة، فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي وروسيا الاتحادية منكفئة على الداخل، وكلنا نعرف استغلال واشنطن لذلك وتفرُّدها بملفات المنطقة؛ فما بين عامَي (1992 - 2000م) تم انفصال كامل بين روسيا والمنطقة العربية، فقط علاقات دبلوماسية ضعيفة؛ إذ انشغلت روسيا في حالة السيطرة على محيطها السياسي (الداخلي والإقليمي) بعد محاولة واشنطن إثارة الانقـلابات العسكرية في مناطق النفوذ الروسي مثل قرغيزيا وأوزباكستان وجورجيا، وركزت على إعادة البناء الداخلي فلديها ما يقلقها في محيطها الإستراتيجي، لذلك اعتبر العالم العربي بمشاكله أولوية ثالثة أو رابعة أو خامسة، بل العكس كانت الأولـوية التـي تبعت اهتمـامهم بأمريكا الجنوبية، فمصالحهم مع إحدى الدول اللاتينية تعادل مصالح روسيا الاقتصادية مع الشرق الأوسط بأكمله.

مجلة البيان: هل تحوُّل روسيا التدريجي للرأسمالية يصنع منها فعلاً ندّاً لأمريكا على غرار ما تفعله الصين الآن؟

التركي: الدول الكبرى لا تهتم بالتفاصيل الصغيرة، المنتجات التي نحن نستهلكها تأتينا من الصين وكوريا وفيتنام وماليزيا (دول شرق آسيا) بحكم توفر مساحات جغرافية وموارد طبيعية ووفرة العمالة بالبرمجيات وقطع الغيار والمنتجات الدقيقة حتى أن كثيراً من تلك الدول أصبحت تنقل صناعاتها إلى الصين بسبب رخص عملية الإنتاج.

ألمانيا التي كانت تهيمن على السوق في الصناعات الإلكترونية اليوم بدأت تتخلى عن 60 - 70% من المنتجات التفصيلية وبدأت تهتم بالمنتجات الثقيلة، وبعض التفصيليات نقلتها إلى الهند وبنغلادش. المهتمون بالتفاصيل في التصنيع حقيقة هم الصينيون وبعض دول شرق آسيا.

الولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي لا تختلف كثيراً عن العالم العربي من حيث الاستهلاكُ، ورغم أن الدَّين العام مرتفع جداً والاقتصاد يعاني أزمات كبيرة إلا أنها تمثل ندّاً قويّاً لروسيا، لكن أبرز أزمات أمريكا هي الصراع داخل (حلف الناتو) وهو القوة التي تعتمد عليها الولايات المتحـدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر عن طبيعة التحالفات اليوم ففرنسا وهي عضو في (الناتو) تمتلك 25% من استثمارات الغاز الروسي في سيبيريا، وألمانيا تمتلك 17% من شركة (غاز بروم)؛ إذن مصالح الأوروبيين مع الروس لا تقل عن مصالحهم مع الأمريكيين. لذلك هناك أزمة حقيقية تضرب النفوذ الأمريكي تتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وضعف التمـويل الأوروبي للنـاتو، لذلك يبحثون عن حليف إقليمي في الشرق الأوسط لوضع مقر الناتو فيه والهدف الدعم المالي.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، سيطرت واشنطن على روسيا الاتحادية واستطاعت تحديد مساحة تحركها في العالم، لكنها اليوم تعود بقوة عبر منظمة شنغهاي وهي تضم تحالفاً ضخماً يغطي بقوَّته الاقتصادية والسياسية والجغرافية والأمنية والمالية تحالف الناتو.

مجلة البيان: شهد عام 2015 تدخُّل الروس في سوريا وحادث إسقاط الطائرة الروسية على حدود تركيا ومقتل السفير الروسي في أنقرة؛ بم تفسر تجاوز الروس لتلك الأزمة مع تركيا؟

التركي: علقت عقب حادث إسقاط الطائرة مباشرة وقلت بأن ذلك لن يؤثر على العلاقات الروسية التركية، لأن المصالح المستقبلية بين تركيا وروسيا أكبر من نقطة الخلاف وأن بوتين عنده إشارات على أن الدولة العميقة في تركيا لها دور في ذلك، هنا يظهر الجانب البراغماتي الذي تحدثتُ عنه سابقاً في أن السياسة الروسية الحالية سياسة براغماتية تريد أن تتجاوز الأزمات دون تعميقها.

مجلة البيان: قبل عدة أشهر تم افتتاح خط السيل التركي بدل الخط الجنوبي الذي كانت تعتمد عليه روسيا في تصدير غازها لأوروبا؛ فهل الوجود العسكري الروسي في سوريا مقدمة لحماية مثل هذا المشروع؟

التركي: سوريا ومناطق من اليونان دخلت مرحلة المطامع الدولية، وهذا الأمر موجود منذ أكثر من 20 سنة في حَراك دول إقليمية وبقوة ومن ضمنهم إسرائيل وإيران فيما يتصل بمكامن الغاز الموجودة في المتوسط، سواء المحاذية لمصر أو المحاذية لسوريا، وهي احتياطات غاز مهولة جداً (حسب تقـديرات الخبراء)؛ فالصراع الذي تراه الآن في سوريا، والصراع الذي تراه الآن في ليبيا، واجتماع الدول في ليبيا، كل هذه قضايا متداخلـة فيمـا يتصل بمكامن الغاز، فالقضية ليست نشر ديمقراطية، لذلك ما عانت منه سوريا الآن وما يعانيه العراق أشد مما تعانيه ليبيا، التي تعاني بسبب قرار مجلس الأمن، البند السابع في التدخل العسكري، هو الذي أحدث الفوضى فيها؛ فلماذا اجتمع هؤلاء الأطراف كلُّهم في الملف الليبي؟ الجواب على ذلك هو: قضية ليبيا ذاتها، ثم إنها ممر كذلك؛ قضية ليبيا ذاتها فيما يتصل بالغاز والنفط، ومن جهة أخرى هي ممر للعمق الإفريقي فيما يتصل بمناجم الذهب والمعادن، كل هذه الدول هي عناصر تقاسم المصلحة، وتدخُّل جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي ليس له قيمة، القيمة الأساسية ستراها عبر التدخل الفرنسي والروسي والإيطالي والأمريكي؛ فالعالم الغربي بُني على أُسس مادية، ولديه هاجس يتعلق بمصادر الثروة لذلك هو يعيـد ترتيب أموره الآن. حتى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من كان يعتقد أنه متعلق بالجانب الاقتصادي فهو مخطئ؛ فمجرد خروجها سوف يفقدها 190 مليار جنيه إسترليني، ولكن هي الآن تريد أن تتحلل من ارتباطاتها مع الاتحاد الأوروبي وتتحرك بصورة فردية.

القوى الدولية لا تهرول عبثاً، هي لا تسعى لمصالح دول الشرق الأوسط إطلاقاً، كما قال كسنجر: «نحن لا نسعى لحل المشكلات ولكن نسعى للإمساك بخيوطها». هم الآن يمسكون خيوطها، ومن مصلحتهم التهدئة في هذه المنطقة لحماية مصالحهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد التغاضي الأمريكي عن بعض القادة حتى وإن كان سجلهم سيئاً (مثل بشار الأسد) لأن القوى الدولية تسعى لمصالحها فقط، فعندما نتحدث عن روسيا وأمريكـا وبريطانيا فباعتبارها ثلاث قوى رئيسية، وفرنسا وألمانيا (مع احترامي الشديد) هي تابعة بدرجة كبيرة لأنها منهكة بمجموعة من المشاكل. تلك القوى الثلاث وهي تعمل لمصالحها في المنطقة تستحضر مصالح الحاضنات الإقليمية؛ فالمنطقة فيها ثلاث حاضنات إقليمية وهي مهمة جداً، كثير من الناس لا يعونها من التحليل والدراسة، الحاضنة الإيرانية، والحاضنة التركية، والحاضنة الإسرائيلية، وكل هذه الحاضنات الثلاث الإقليمية تؤذي المنطقة، الشرق الأوسط والخليج، تؤذيهم من خلال إستراتيجياتهم، فهم أصحاب إستراتيجيات تتصادم بشكل مباشر مع الخليج، لأن تلك الحاضنات على الأرض إلى الجوار، خلافاً للإستراتيجية الأمريكية أو الروسية والبريطانية، التي قد تتماهى وتنسجم معك، وقد تحقق مصالح، لأنها ليست على الأرض معك مباشرة، لأنها ليست جيوسياسية.

مجلة البيان: هل المفهوم الديني مؤثر في السياسة الروسية فعلاً أم أنها مجرد دعاية؟

التركي: مؤثر جـداً، ولو لاحظـت الاجتماع الذي عقده الرئيس بوتين مؤخراً مع الفيدرالية الروسية، فستجد في الصف الأول مقابله رئيس الكنيسة الأرثوذوكسية مباشرة، وهو بخلاف ما نحن عليه (في عالمنا العربي)؛ إذ نحاول دائماً فصل الدين وإبعـاده عن الحياة السياسية، الروس أرثوذوكس متدينون وهذا حاضر لديهم، إن روسيا ليس نصرانية فقط، فجزء من مكونها الأساسي الإسلام، ومعتنقوه ليسوا وافدين وجاليات تستغني عنهم، بل عددهم 30 مليون مسلم، بمساحاتهم الجغرافية، بمكونهم الحضاري، وهم موجودون أصلاً قبل النصرانية.

مجلة البيان: هل المسلمون في روسيا لهم تأثير على السياسية الخارجية؟

التركي: السياسة في روسيا تبنى بنظام مؤسساتي، وليس بنظام أفراد مؤثرين، على سبيل المثال لدينا زملاء مساعدون في وزارة الخارجية مسلمون، أعضاء في البرلمان بأعداد مهولة حتى في مجلس الشيوخ الحكاية نفسها، وزير الداخلية في فترة من الفترات كان مسلماً، فهو عمل مؤسسي.

مجلة البيان: شاهدنا الآونة الأخيرة ازدواجية معايير عجيبة في العلاقات التركية الروسية؛ تركيا تحفظت على بنود الاتفاق الأخير الخاص بالناتو المتعلق بنشر قوات على حدود دول البالطيق، وفي الوقت نفسه هذا الاتفاق موجَّه ضد روسيا، ومن جانب آخر توافقت مع روسيا في إدلب، كذلك في قضية ليبيا يتكرر الأمر نفسه، روسيا بجانب حفتر، وتركيا بجانب حكومة الوفاق!

التركي: روسيا ليست بجانب حفتر مطلقاً، كنت في موسكو قبل سنتين وجاء رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وجاء خليفة حفتر في اليوم نفسه، طبعاً دون ترتيب بين الطرفين، والتقوا مع الخارجية الروسية والتقوا مع الكرملين... الروس يسعون لمصلحتهم البراغماتية الصِّرفة لا يعنيهم حفتر ولا يعنيهم السراج، حتى الأمريكان كذلك لكن مشكلتهم أنهم لا يكشفون أوراقهم، وحكومة السراج هي حكومة أممية ووافقت عليها الأمم المتحدة وأخذت صيغة معينة، من الممكن أن ظاهرهم السياسي يختلف عن حقيقة الواقع الذي يتعاملون معه. هم فقط يحاولون الدفاع عن مصالحهم في ليبيا.

مجلة البيان: شركة فاغنر الأمنية الروسية لوحظ في الآونة الأخيرة الحديث الرائج عنها، وقد استخدمها النظام السوري لقمع المعارضة وكذلك استُخدِمت في ليبيا مؤخراً؛ فهل هذا صحيح أم أنه مجرد تهويل إعلامي للتدخل الروسي في قضايا المنطقة؟

التركي: لم أقم بإعداد تقويم عن طبيعة التدخل الروسي المباشر في ليبيا، الإشكالية أن روسيا لها علاقات قوية جداً مع بعض الأطراف في المنطقة وكذلك لها علاقة قوية مع تركيا وكل طرف يمثل اتجاهاً.

قد يكون الدور الروسي، بعيداً عن التدخل على الأرض في ليبيا لأنه سيخسر أحد الأطراف إن تدخَّل وهذا يخالف مصالحه، وذلك لن يكون في مصلحة ليبيا.

مجلة البيان: ماذا تستطيع روسيا أن تقدم للمنطقة العربية، في ظل الحديث عن الانسحاب الأمريكي الآن؟

التركي: أمريكا لن تنسحب من المنطقة، هي فقط تحاول إعادة ترتيب وجودها في المنطقة؛ فهي تُعَدُّ مصدراً للدخل بالنسبة لأمريكا، طبعاً لا يمكن أن يتركوا منطقة الشرق الأوسط بهذه السهولة.

الجانب الثاني ماذا يقدم الروس في الخليج؟ هذا سؤال حقيقة كبير، طبعاً على المسار الأمني خليجياً ليس لدينا الرغبة في التعاون الأمني مع الروس وأن تكون روسيا هي البطانة، وقد طرح الروس خطة لأمن الخليج وعرضت على مجلس التعاون الخليجي لكنها لم تعطَ الاهتمام الكافي لأن التوتر لم يتصاعد بشكل كبير مع إيران، كذلك فقد راعت روسيا المصالح الإيرانية في طرحها الأخير للخطة فهي شريك إستراتيجي لإيران في مجـال الطاقة، بالإضافة إلى المؤثر الأمريكي، فالأمريكان لن يسمحوا للروس بالوجود في المنطقة.

مجلة البيان: هل تتوقع أن يشغل الروس دوراً في أفغانستان في حال انسحبت أمريكيا من هناك؟

التركي: دائماً أسأل لماذا هم في أفغانستان؟ الأمريكـان لهم مصلحة اقتصادية ضخمة جداً في ثروات أفغانستان: المعادن، جبال أفغانستان، فإذا انتهت مصلحتهم من هذا الأمر فسوف يتركوا أفغانستان، وإذا توافقت طالبان مع الحكومة الأفغانية أو لم تتوافق لا يعنيهم هذا الأمر، ونحن لو رجعنا إلى التاريخ السوفييتي حينما دخلوا أفغانستان لم يعبثوا فيها (وأنا لا أريد هذا الأمر لا أريد لأي أجنبي أن يطأ أرضاً عربية وأرضاً إسلامية، هذا مبدأ شرعي ومبدأ واقعي، لا يمكن لأجنبي أن يحمل همَّك، ولكن حينما نضع الموازنات والمقارنات، يعني أن حضور السوفييتي كان على غرار حضورهم في أوزبكستان وكازاخستان، وهما حاضرتا دول متقدمة وفيهما بنى تحتية عظيمة جداً وفيهما تعليم راقٍ، ومكون ذاتي (الأوزبك والطاجيك والتركمان الأذر) مكونات حقيقية من أبناء الشعوب متعلمون وعندهم حياة عظيمة جداً، مع أن بعض الدول لا تمتلك مصادر طبيعة وليست على مطلات بحرية.

الحكاية نفسها تكررت في العراق عام 2003م، فباسم الأمم المتحدة تم تدمير أكبر مستودع للبذور الطبيعية، والمؤسسات التعليمية والصناعية وغيرها.

وهنا يجب التذكير بنظرية (الانكشاف الإعلامي)، نأخذ العراق ونأخذ سوريا وعد أربع سنوات إلى الوراء وسخونة الوضع بوجود داعش والحشد الشعبي الشيعي والمشاكل الاقتصادية، حكومة العراق برئاسة نوري المالكي تتبع لإيران، وحكـومة بشار تتبع لإيران، والذي يقوم بقصف الناس على الأرض، الحشد الشعبي هنا وهناك سواء مجموعة بدر أو حزب الله اللبناني، وسليماني قائد المجموعات هنا وهناك، سلاح الجو هناك في العراق أمريكي، وسلاح الجو في سوريا روسي، نحن نقوم بالدعاء على الروس في صلواتنا لكننا نتجاهل ما يفعله الجيش الأمريكي في العراق، والسبب يعود إلى تركيز الآلة الإعلامية الأمريكية على الجرائم الروسية، وضعف التغطية لجرائم الجيش الأمريكي في العراق.

مجلة البيان: هل تعتقد أن الولايات المتحدة تفكر بمنطق الحفاظ على استمرار أفغانستان منطقة توتر لخصومها روسيا والصين؟

التركي: لن تستمر أمريكـا لاعباً أساسياً في صناعة البؤر، بؤر السلام أو بؤر الصراع، الآن الصين تبنت طريق الحرير وطريق الحرير لها خمس مسارات برية وبحرية، وبعد رفض روسي للمشاركة فيه لسنوات إلا أنها قبلت أخيراً أن تكون جزءاً من هذا المشروع، لأن 60% من طريق الحرير يمر بروسيا. والجانب الآخر أن الحاضنة لطريق الحرير هي منظمة شنغهاي (الأمن والتعاون) وهي تضم الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى وباكستان والهند، لذلك الصين أخـذت ملـف باكستان واستثمرت في الميناء، مدة 30 سنة بـ 4.5 مليار دولار، وكذلك قام الروس بضم الهند إلى مجموعة (شنغهاي) وكذلك ضم مجموعة لبركس (البرازيل، الهنـد، جنوب إفريقيا)، فأصبحت مساحة جغرافية إمبراطورية ضخمة، قوة اقتصادية ضخمة، وقوة بشرية ضخمة، وقوة عسكرية ضخمة.

لذلك كلما تجذرت هذه القوة زاد ما يُعرَف بــ (خطر الصين العظيم) وتقلصت مساحة النفوذ الأمريكي، لذلك نجد واشنطن تحاول البقاء بقوة في جنوب الفلبين لأن قواعدها العسكرية هناك تضغط على الصين بقوة.

مجلة البيان: تسعى الصين إلى نفوذ قوي في إفريقيا، ما هو حجم الوجود الروسي هناك؟

التركي: روسيا تعمل في موضوع إفريقيا، وأنا للأسف عندما أتكلم عن مثل هذه القضايا أتكلم بألم؛ الروس والصينيون يعملون بقوة هناك، ووزارة الخارجية الروسية لديها إدارة خاصة فيما يتصل بإفريقيا بخلاف إدارة العلاقات الثنائية.

مجلة البيان: هل تعتقد أن الصين تخطو خطوات تمهيداً لاحتمالية حماية إمدادات النفط الخاصة بها عسكرياً؟

الصين وقَّعت مع المملكة ثلاث اتفاقيات، وهذا الأمر كله جعل المملكة تتحرك بصورة سريعة فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر، وكذلك حينما جاء رئيس الوزراء الياباني للمملكة كان هدفه الأساسي أمن الإمدادات وأرسلت الحكومة اليابانية فريقاً عسكرياً لهذا الغرض، وهذا يخفف عن المملكة ودول الخليج العبء، فبدلاً من الاستعانة بالجيش الأمريكي، تصبح كل دولة مجبرة على حماية إمداداتها النفطية، وهذا الأمر يشير إلى استيعاب دولي لهذا الأمر، وأهم نقطة هي مشاركة بعض الأطراف المتصارعة في الاتفاقية، ومثل هذه الاتفاقيات تخدم أمن البحر الأحمر وتحوِّله إلى ملف أممي لن تستطيع إيران أو جماعة الحوثي العبث فيه.

مجلة البيان: كيف تقوِّم الأزمة بين تركيا وروسيا في إدلب، وكيف يمكن تفسير الوضع الراهن هناك... وإن كان له تأثير مستقبلي على المصالح بين الطرفين؟

التركي: الروس جاؤوا إلى سوريا بحضور ممنهج ووقَّعوا اتفاقيتين لمدة 25 سنة واتفاقية عدم الملاحقة على الطريقة الأمريكية. لمعرفة طبيعة العلاقة بين تركيا وروسيا في سوريا يجب أن نقرأ المشهد السوري من مسارين منفصلين، إما مسار تسلسل الموضوع، وإما مسار المكونات الموجودة في الداخل السوري.

نحن نتكلم عن منصة آستانة التي أسست في البداية من أجل تثبيت وقف إطلاق النار تمهيداً للدخول في المراحل السـياسية وعـدم سـقوط النظام حتى لا يدخل البلد في فوضى.

الجانب الآخر عمق المصالح التركية الروسية؛ فهل يعقل أن تسقط تركيا طائرة سوخوي 35 ولا تتوتر العلاقات ولا يحدث تصادم بين الطرفين! لماذالم يحدث ذلك؟ لأن روسيا تحتاج تركيا في العمق الأوروبي، لفك الُّلحمة الأوروبية، وفك لُحمة الناتو. ثم إن هناك اتصالاً مباشراً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان وما يجري جولات ولن تكون إدلب آخرها، تركيا لديها سيناريو طويل في المنطقة. لتفهم طبيعة العلاقات التركية الروسية يجب أيضاً أن لا تتجاهل مكـونات المشهد، فأنت تتكلم عن إيران، تتلكم عن الروس، تتكلم عن النظام، تتكلم عن الإسرائيليين من خلال (قسد). إيران وإسرائيل مكونان يعملان أمنياً وديموغرافياً في الداخل السوري ويوجد صمت مريب تجاههما، والتركيز الإعلامي فقط على الإشكالية التركية الروسية مريب أيضاً.

الروس قلقون من الأتراك في المنطقة الجيوسياسية الخاصة بهم، في آسيا الوسطى وتتار القرم وداخل روسيا تتار سيبيريا، العرق واحد، الولاء السني واحد، واللغة واحدة.

 

 

 

 


أعلى