مياه النيل..هل تُدق طبول الحرب؟!

مياه النيل..هل تُدق طبول الحرب؟!


مع بداية موسم الأمطار في منابع النيل بدأت مرحلة عض الأصابع بين الأطراف الثلاثة المشتركة في المفاوضات وهي مصر والسودان واثيوبيا، فالأخيرة تنوي البدء بحجز مياه النيل الأزرق لملء خزان سد النهضة وبحسب تصريحات الخارجية الاثيوبية فإن هذه الخطوة سيتم تنفيذها سواء تم الإتفاق أو لم يتم بين الأطراف الثلاثة.

تقول إثيوبيا إنها حُرمت على مدار عقود من حقها في استخدام مياه النيل وتسعى منذ عقد من الزمان لفتح نافذة لتنمية مواردها الاقتصادية عبر إنتاج أكثر من 6500 ميغا وات من الكهرباء ستورد لها دخل سنوي يزيد عن ملياري دولار. إن بداية موسم الأمطار يحتم على اثيوبيا اتخاذ قرارات هامة في الأسابيع القليلة المقبلة، لكن الإقدام على هذه الخطوة قد يجلب المزيد من التوتر بين الدول الثلاثة مما يصعب الحصول على تسوية مرضية.

وفقاً لرسالة أرسلتها وزيرة الخارجية السودانية أسماء عبد الله إلى مجلس الأمن فإنه تم التوصل إلى 90 في المائة الاتفاق خلال المحادثات التي رعتها الولايات المتحدة والبنك الدولي وتوقفت في أواخر فبراير،  لكن لاتزال هناك مسألتان عالقتان، الأولى تتعلق ببروتوكولات تخفيف الجفاف خلال تعبئة السد والأخرى تتعلق بوضع آلية مُرضية لتسوية المنازعات. تراقب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجنوب افريقيا بصفتها رئيس الاتحاد الافريقي المحادثات بين الأطراف الثلاثة وتسعى الأطراف الراعية إلى اقناع المتنازعين لتقديم تنازلات لازمة لتجاوز الخلاف لكن اثيوبيا ترفض التعاطي مع تلك الجهود.

في الفترة الأخيرة شنت مصر هجوم دبلوماسي هدفه الضغط على اثيوبيا وإقناعها بالتوقيع على مسودة الاتفاق التي رعته واشنطن، كذلك عرضت الملف على مجلس الأمن الدولي لكن اديس أبابا ترى في المسودة الأمريكية أنها محاولة لإدامة ما تصفه بالهيمنة المصرية "الظالمة على مياه النيل"، لكن هناك نقطة هامة جداً قد تكون وراء إصرار اثيوبيا على ملء السد في هذا العام وهي تتعلق بالكلفة السياسية التي سيدفعها رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد في حال تم تأجيل ملء السد، فهو مقبل على انتخابات عامة كانت مقررة في أغسطس المقبل لكن سيتم تأجيلها في  عام 2021.  تقدم آبي أحمد بإقتراح يتضمن إتفاقية تستمر لمدة سنتين لتعبئة السد لكن القاهرة رفضتها واعتبرتها تهرباً من توقيع إتفاقية شاملة وبالتالي ترك مصر عرضه لنقص المياه على المدى الطويلة.

إن أحد أهم الأسباب التي تدفع إلى التوتر في أزمة سد النهضة هو إعتبار كلا الطرفين هذا الملف جزء من ملفات الأمن القومي وقد أخذ في تناوله بعداً شعبوياً كبيراً وأصبح ينظر إليه على المستوى المحلي كجزء من سيادة الدولة التي لا يجب التفريط بهأ. تقول مجموعة الأزمات الدولية إذا أرادت الأطراف الثلاثة التوصل إلى حل فيجب التوقف عن إطلاق التهديدات والنظر إلى المصالح المشتركة التي يمكن أن يجنيها الجميع من سد النهضة مثل توفير الكهرباء الرخيصة لدول المصب والمنبع ومنها مصر، كذلك فإنه على اثيوبيا تقديم تعهدات بالسماح بتمرير كميات كافية من المياه المخزنة في السد لتفادي أي نقص في المصب لتجنب الجفاف.

كذلك على مصر أن تقوم بالتعاون مع أديس أبابا لترشيد استهلالك المياه في الخدمات الصناعية والزراعية، أما بالنسبة للسودان فهي تعتبر سد النهضة إنجاز يمكن الاستفادة منه عبر توفير الكهرباء الرخيصة وتدفق ثابت للمياه يقلل من تأثير السيول والفيضانات التي تجتاح البلاد سنوياً في موسم الأمطار وتسبب الكثير من الخسائر المادية، لكن تشدد الخرطوم على ضرورة أن تقدم اثيوبيا دراسات السلام التي طلبتها لوضع آلية آمنة لإدارة الخزان حتى لا تتضرر الأراضي السودانية من آثار تشغيل السد.

إن أحد الأسباب التي تراهن عليها اثيوبيا بشأن موقفها إزاء المفاوضات يتعلق بعدم وجود إتفاقية قانونية شاملة تنظم تقاسم المياه في حوض النيل وهذا الأمر يجعلها بعيدة كل البعد عن الخضوع للتحكيم. وبالنسبة لمصر فإن إرسال الملف إلى مجلس الأمن الدولي يعني القبول بالتحكيم الدولي في هذه القضية وتجنب المزيد من المواجهة مع اثيوبيا لذلك يتوقع أن يتم التوصل إلى إتفاق يحفظ حقوق جميع الأطراف يبعد شبح المواجهة التي تنذر بها التصريحات السياسية المتبادلة.

 

أعلى