سلام الوهم يوشك على التبخر

سلام الوهم يوشك على التبخر


"هآرتس"

في 29 سبتمبر مرت الذكرى السنوية التاسعة عشر لإندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي تأججت عام 2000م عقب زيارة رئيس الوزراء الصهيوني السابق، اريئيل شارون، إلى المسجد الأقصى يرافقه أكثر من 2000 عنصر من قوات حرس الحدود والشرطة، وكان ضابط شرطة الحدود يوسف طباجة أول قتيل صهيوني بنيران شرطي فلسطيني، خلال دورية مشتركة في قلقيلية. استمرت الأحداث في تصاعد خلال السنوات الخمس التالية، حتى قُتل أكثر من 1100 صهيوني، وأكثر من 3200 فلسطيني قبل انتهاء الانتفاضة الثانية. إثر ذلك الحدث تراكمت عواقب أمنية وسياسية وانتهت مرحلة "أوسلو" بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني لا سيما عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2006 وانتهاء سطوة السلطة الفلسطينية هناك. أما بالنسبة للكيان الصهيوني فقد تصاعدت قوة اليمين وانشغلت في تطبيق سياسات توسعية في موضوع الإستيطان في الضفة وتقزيم السلطة الفلسطينية التي استقرت في مقر المقاطعة برام الله، وحولتها من شريك سياسي إلى أداة أمنية تحافظ على عدم إندلاع مواجهات بين الفلسطينيين والصهاينة.

في الفترة الحالية تعيش الضفة حالة من الهدوء الذي يقطعه هجمات فردية تستهدف المستوطنين وجنود الاحتلال، وهذا الأمر لا يعني أن الاحتلال أصبح جزءًا يتم التعايش معه بل لأن التعاون بين السلطة الفلسطينية والجيش الصهيوني أصبح على أشده في منع الأنشطة الفدائية هناك. في عام 2002م نفذ آرئيل شارون خطة أحادية الجانب تشمل عملية أطلق عليها عملية "الدرع الواقي" واستهدف من خلالها تصفية خلايا المقاومة الفلسطينية التابعة لحركات مثل الجهاد الإسلامي وحماس وحركتي فتح والجبهة الشعبية، وتعزيز قوة الأجهزة الأمنية الفلسطينية لثبيت استقرار أمني في المنطقة، وفي قطاع غزة تم سحب القوات الصهيوني عام 2005م تخلله فراغ امني كبير أسفر عن سيطرة ضعيفة للسلطة الفلسطينية أمام كثافة سلاح المقاومة. 

العميد عران نيف، هو أحد جنرالات الجيش الصهيوني الذين عايشوا تلك الأجواء بصفته قائد لشعبة الضفة في الجيش، يقول في لقاء مع صحيفة هأرتس، إن حوالي 1٪ فقط من الفلسطينيين في المنطقة يشاركون في هجمات تستهدف الجيش الصهيوني. ويود عدد آخر أن يفعل ذلك، لكن لا يشجعهم الثمن الشخصي الذي قد يدفعونه. ويقول: بقية الناس خارج دائرة الهجمات، هدفنا هو إبقاء 99٪ خارج الدائرة..

يقول العميد نيف في تصريحه لهأرتس إن الثناء العلني على أجهزة الأمن في السلطة، سيصور كبار المسؤولين فيها كمتعاونين مع الاحتلال ويعقد موقفهم في الضفة الغربية. في الممارسة العملية، يساعد التنسيق الوثيق في منع الهجمات الفلسطينية ضد المستوطنات.

ويشير إلى أن محاولة الحفاظ على حالة الهدوء وعدم تصاعد المواجهات مع الفلسطينيين تقوم على ثلاثة جوانب أبرزها الحفاظ على استقرار حكم السلطة الفلسطينية، والأمر الآخر الشعور بالأمان لدى الفلسطينيين وأخيراً تحسين الوضع المالي لهم.

في الأشهرة الأخيرة تأثر الوضع الاقتصادي الفلسطيني بشكل سيء بفعل خفض المساعدات الاقتصادية المقدمة من الولايات المتحدة و وقف عملية تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، ثم أزمة حادة مع الحكومة الصهيونية، التي قلصت أموال (الضرائب) التي تعيدها إلى السلطة الفلسطينية، لمعاقبتها على دفع مرتبات شهرية للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. لكن عقب تأزم الحالة الأمنية في الضفة اضطرت الحكومة الصهيونية لتحويل ملياري شيكل من أموال السلطة المحتجزة، وبحسب نيف قد يكون ذلك سبباً مهماً في الاستقرار الأمني خلال الفترة المقبلة.

ويؤكد أن استهداف الفلسطينيين والمساس برموزهم الدينية هي أبرز محركات التصعيد، فحينما اندلعت عاصفة وضع البوابات الإلكترونية في محيط المسجد الأقصى، بعد مقتل ضابطي شرطة حرس الحدود في المسجد الأقصى، في صيف عام 2017، كانت مثالاً جيدًا على ذلك. في شهر أغسطس، شهدت القدس تصعيد لفترة قصيرة بعد الغضب الفلسطيني، عندما دخل اليهود إلى المسجد الأقصى والذي تزامن مع بداية عيد الأضحى. في ضوء العمليات الأخيرة التي حدثت في الضفة ومقتل عدد من الصهاينة، يقول نيف: "الجمهور لا يرى بشكل عام إلا ما يتم تنفيذه، في عام 2018 قام الشاباك بإحباط 200 هجوم فلسطيني".

ويضيف في العام الماضي بلغ متوسط الوقت الذي يمر حتى الكشف عن منفذي العمليات واعتقالهم حوالي أسبوع، وانخفض هذا العام إلى يومين أو ثلاثة أيام. يتم توثيق المهاجمين الفلسطينيين بالكاميرات المنتشرة في الميدان، وبالتالي فإن الطريق إليهم قصير عادة.

بعد كل هجوم في الضفة الغربية تقريبًا، يبدأ وزراء الحكومة الصهيونية بتقديم سيل من الاتهامات ضد السلطة الفلسطينية وتحميلها المسؤولية عن الهجمات. ويتهم نيف مناهج التعليم الفلسطيينة بالعب دور كبير في التحشيد ضد الاحتلال في الضفة، مشيراً إلى أن أبو مازن يعمل على قمع أولئك الذين يهددونه ويهددون استمرارية حكمه، ويجب أن يقال "إننا نحن أيضا، مهتمون للغاية بالحفاظ على التنسيق الأمني".

يشير العميد نيف بأنه بدون تنسيق أمني، سوف تتعرض المستوطنات الصهيونية لزيادة كبيرة في الهجمات الفلسطينية في الضفة المحتلة، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن هذا الوضع يمكن أن ينقلب، ولا يجب أن يمر يوم دون أن نكون فيه مستعدين لهذه اللحظة.

 

 

أعلى