مجلة البيان - تهافت الحضارات ... الغرب في مستنقع الخمر

 تهافت الحضارات ... الغرب في مستنقع الخمر
تهافت الحضارات ... الغرب في مستنقع الخمر

* مترجم عن صحيفة الجارديان البريطانية.

 

بقدر ما حصل الغرب من تقدم وحضارة على المستويات العلمية والتقنية ؛ بقدر ما تكشف له تلك التقنيات عن سقوطة في مستنقعات الحرية المطلقة المزعومة التي توشك أن تطفئ شمس حضارتهم.

"الخمر أخطر وأشد فتكًا من المخدرات".. هذا هو ما توصلت إليه لجان الخبراء، ومراكز الدراسات الموثوقة في الغرب، فالمخدرات محظورة ومستشنعة، أما الخمور فهي مباحة ومعلنة وجزء من حرية المواطن، كما أنها جزء لا يتجزأ من الحياة الغربية عمومًا.

ويطلق حكماء الغرب وخبراءه وساسته حملات للتوعية والحد من "الإفراط في تناول الخمر"، وبخاصة في ظل الأرقام الصريحة، والآثار المفجعة لما فعلته الخمور ببلادهم من دمار أخلاقي، وانهيار اجتماعي، وحالة من الذعر واللاأمن، فضلاً عن الأمراض الفتاكة.

ولكن هذه الحملات والدعوات لا تجرؤ على المطالبة بمنع المسكرات، وإنما تدعو إلى "الترشيد" ووضع "الحدود" ومكافحة "الإدمان"، فتظل هذه المجتمعات تدور في حلقة مفرغة، فالفرق بين متعاطي الخمر ومدمنه ليس إلا ظرف حياتي، بل إن الأضرار الواضحة لا تقتصر على المدمن الذي لا يكاد يفيق.

إن الشعوب في هذه المجتمعات المادية تلجأ إلى مسكن لآلام العقل  بما يذهبه، ومضمد لجراح الروح  بما يتلفها، ويستجيرون من رمضاء الاكتئاب والخواء القلبي والاجتماعي  برمضاء الخمر التي تشعل "العداوة والبغضاء"، وتقضي على ما بقي من نقاء.

    ·الخمور أكثر ضررا من المخدرات

أكدت دراسة علمية موثقة نشرتها دورية لانسيت الطبية البريطانية على أن الخمور هي الأكثر ضررًا بشكل عام، متجاوزة بذلك العقارات المخدرة الخطيرة مثل : الهيروين، والكوكايين.

واتخذت لجنة الخبراء المستقلة القائمة على الدراسة نظامًا جديدًا لتقييم الأضرار لا يقتصر على دراسة الضرر الذي يصيب المتعاطي وحده، وإنما يبحث أيضًا الأضرار التي تصيب الغير.

ووفقا للمقياس الجديد الذي يقيم الأضرار بالنسبة للفرد والمجتمع فإن تعاطي الخمور أخطر من تعاطي الكوكايين والتبغ بثلاثة أضعاف.

ونقلت صحيفة ( الجارديان) عن "دون شينكير" المدير التنفيذي لمؤسسة ( القلق من الكحول) تعليقه على هذه الدراسة، حيث قال: " ما تظهره هذه الدراسة، والتقييم الجديد هو أن الحكومات المتعاقبة ركزت وبشكل خاطيء على المخدرات غير القانونية، بينما يجب أن تمنح الكحوليات والأضرار الناتجة عنها اهتماما أكبر بكثير".

وأشار "شينكير" إلى أن زيادة تعاطي الخمور تفاقمت في السنوات الأخيرة لأن الحكومة رفضت الاقتناع بالعلاقة بين انخفاض أسعارها، وزيادة استهلاكها، وبين الأضرار المترتبة على ذلك للفرد والمجتمع.

·الخمر وتأثيره على المجتمع الأمريكي

كشف مجلة "ريسكيو" الأمريكية قبل سنوات عن بيانات خطيرة تكشف بعض الدمار الذي يلحق بمتعاطي الخمر على المجتمع، ومنها:

*تعاطي الخمور يتسبب في حوادث قتل كل 22 دقيقة.

*في كل دقيقة يوجد قائد سيارة مخمورٌ "ثملٌ" واحد من بين كل خمسين سائق سيارة، وفي عطلة نهاية الأسبوع تقفز هذه النسبة إلى شخص من بين كل عشرة سائقين.

*طبقا لمركز السيطرة على الأمراض في أتلانتا فإن هناك مائة وخمسة آلاف حالة وفاة سنويًا لها علاقة بالخمور ( حوادث سير، وأمراض، وإصابات)

*الحوادث ذات الصلة بالخمور هي السبب الريئسي في وفيات الشباب.

*نصف الحوادث المرورية ترجع إلى تناول الخمور.

*الكحول يتسبب في ما لا يقل عن 34% من حوادث القتل العمد.

*أكثر من نصف المغتصبين قاموا بجريمتهم في حالة من السكر.

*جرائم العنف وإساءة معاملة الأطفال وانتهاكهم تزداد في الأمهات حال معاقرتهن الخمور بثلاثة أضعاف، أما في عند الآباء فتزداد جرائم المخمورين إزاء أطفالهم بنسبة عشرة أضعاف عنها في الأمهات.

*36%  من المنتحرين تعاطوا الخمر قبل تنفيذ عملية الانتحار .

*حالات السكر الشديدة تتسبب في: 60% من جرائم العنف، و30% من جرائم الانتحار، و80% من حوادث الحريق والغرق.

*معدل الانتحار بين مدمني الخمور تفوق بثلاثين ضعفًا معدلات الانتحار عند الأشخاص غير المدمنين.

*الخمور تكلف الولايات المتحدة (15 مليار دولار) سنويًا من أجل الرعاية الصحية وعلاج آثارها. (إحصاء عام 1988).

* 2.9%  من كل ألف مولود حي لديهم ما يعرف بمتلازمة الكحول الجينية.

وكشف المعهد الوطني لإدمان الكحول عن أن نصف البالغين الأمريكيين لديهم شخص من العائلة مدمن خمر، وأن 20% من الأطفال ينشأون في أسر بها شخص واحد على الأقل مدمن على الخمر.

ويتقصى المعهد الوطني تأثير الخمر على الحياة الأسرية الأمريكية من عدة نواح، منها:

أولا: الأطفال:

*الأجنة:

 الأمهات اللواتي يشربن الخمر أثناء الحمل ينقلنه إلى الأجنة في كل مرة تعاطي، وشرب الأمهات للخمر أثناء الحمل يسبب مشكلات جسدية وعقلية عسيرة لأطفالهن، وهي ما تسمى متلازمة الكحول الجينية (FAS) ، حيث يكبر هؤلاء الأطفال مع تشوهات في الوجه، وتلف في الدماغ، وتأخر في النمو، مما يحول بينهم وبين الحياة بصورة طبيعية.

ويقدر المعهد الوطني حالات الإصابة بهذه المتلازمة بخمسة آلاف طفل سنويًا ، كما أن هناك 35 حالة لأطفال يعانون من أمراض أقل من المتلازمة بسبب تعاطي الأمهات للخمور.

ويتضح فداحة هذا الأمر في ظل الإحصائيات الرسمية التي تظهر أن هناك خمسة ملايين امرأة مدمنة على الخمر في الولايات المتحدة.

وينبغي التفريق هنا بين الذين يشربون الخمر في المناسبات والحفلات، وبين الذين وصلوا إلى مرحلة الإدمان ؛ إذ لا يطيقون التوقف عن الشرب واللذين يذهبون في نهاية المطاف إلى مصحات علاج الإدمان ليقضوا فترة علاج طويلة، ثم يعود ثمانون بالمائة منهم إلى الإدمان مرة أخرى.

*الأثار النفسية المدمرة:

أبناء المدمنين يعانون من مشكلات نفسية كذلك ، وأبرزها: تدني احترام الذات ، واليأس والوحدة والخوف من الهجر ، الاكتئاب المزمن ، ومستويات عالية من القلق والتوتر.

والشعور بالذنب يأخذ مداه بصورة واضحة مع أبناء المدمنين ؛ إذ يعتقد الأطفال أن شرب آبائهم للخمر هو خطؤهم، ويبكون كثيرا وتراودهم الكوابيس ويعانون من التبول اللاإرادي، ولا يزيدهم التقدم في العمر إلا أن يصبحوا أكثر انطواء، وقد لا يكون لديهم أي أصدقاء، ويصبحون أكثر عرضة للرهاب، والوسواس.

وتؤكد دراسات المعهد الوطني الأمريكي أن النشأة في أسر كحولية تجعل الأطفال يشعرون بأنهم مختلفين عن الآخرين ويرسمون صورة فقيرة ومتدنية لأنفسهم تصاحبهم طوال حياتهم.

وتكون لديهم صعوبات في الدراسة، ومعدل وصولهم في المستقبل إلى الجامعة أقل من غيرهم، ويشيع بينهم الاكتئاب، والقلق، والسلوك الانتحاري، ويصبحون أكثر عرضة للانتهاك، وإساءة المعاملة، وزنا المحارم.

ثانيا: تأثير الخمر على العلاقات الزوجية:

تثبت الدراسة أن إدمان الخمور يؤثر بشكل كبير على العلاقة بين الزوجين، ويسبب صدمات نفسية كبيرة، ومشكلات صحية، كما أن نسبة الطلاق أعلى بكثير من المعدل الوطني في حالة إدمان الزوجين أو أحدهما للخمر.

ويشعر الزوج "غير المدمن" بالشفقة على الذات ويضطر لأخذ دور الرعاية، ويؤدي إدمان الخمر إلى ضعف التواصل بين الزوجين، وزيادة الغضب والضيق، وانخفاض الرغبة الجنسية.

* حفلات الخمر في بريطانيا

على الرغم من أن معدل استهلاك الخمور في كل من أسبانيا، وفرنسا، وأيرلندا، يفوق الاستهلاك في بريطانيا، إلا أن الوفيات الناجمة عن تعاطي الخمر أقل بكثير في هذه الدول، ويرجع ذلك إلى انتشار "حفلات الشرب" في المملكة المتحدة.

وتؤكد الدراسات على أن الشباب الذين لا يموتون من تناول الخمر بجرعات كبيرة، تتأثر أدمغتهم بضرر بالغ.

في ذلك السياق كشف معهد دراسات الكحول في بريطانيا عن نتائج خطيرة حيث أثبت الاستقصاء أن واحدًا من بين كل ثلاثة عشر  شخصا في بريطانيا يحرصون على الشرب المفرط للخمور، وأن 40% من حالات الانتحار في انجلترا وويلز كانت لأشخاص لديهم تاريخ سيء في تناول الخمر.

كما أشارت التقارير إلى أن 2.5 مليون طفل بريطاني يتعرضون للإهمال بسبب وجودهم في أسر لابوين ـ أحدهما أو كلاهما ـ مدمن للخمر.

وتتلقى السلطات 100 مكالمة هاتفية أسبوعيا من أطفال ـ لا تتجاوز أعمارهم الخامسة ـ مذعورين أثناء سكر الأبوين أو أحدهما.

وعلى مستوى العمل الوظيفي شكا أكثر من 60% من المديرين من مشكلات ناجمة عن سوء تعاطي الموظفين للخمر، مما ينتج عنه التغيب عن العمل ، أو ضعف في الأداء الوظيفي أو أخطاء واضحة أو أضرار جسيمة أو ارتفاع معدلات الإصابة أثناء العمل جراء ضعف التركيز.

كما يشكل الخمر عنصرًا أساسيًا في الجريمة، ووفقا للتقارير فإن ما يزيد عن 40% من جرائم العنف كانت لأشخاص مخمورين.

وأظهرت مجموعة من الدراسات الدولية أن تعاطي الخمور يكلف بريطانيا ما يصل إلى 5% من إجمالي الناتج القومي سنويًا، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية، وانخفاض الطاقة الإنتاجية.

وأظهر استطلاع "موري" أن ثمانية وثمانين بالمائة من البريطانيين يعتقدون أن الخمر هو السبب الرئيسي للعنف في بلادهم، وأن 81% يعتقدون أن إدمانه هو السبب الرئيسي للانهيار السريع للزواج.

وفي استطلاع آخر أنحى ثمانون بالمائة من المواطنين بالمملكة المتحدة باللائمة على الحكومة لعدم قيامها بواجبها للحد من مخاطر الخمور.

وذكر موقع "الكحول إيشوز" أن وزارة الداخلية البريطانية قالت إن الجرائم الناتجة عن شرب الخمر شهدت ارتفاعًا مطردًا مقارنة بالعام الماضي.

وتشير الإحصائيات الوطنية في بريطانيا إلى أن أعداد الوفيات الناتجة عن الخمر بين النساء تضاعفت منذ عام 1990، ويرجع الخبراء هذه الزيادة الملحوظة إلى زيادة الدخل، وقلة أسعار الخمور في ظل السوق الأوروبية المشتركة، وتمديد ساعات عمل الحانات، والنوادي الليلية.