مجلة البيان - أحفاد الموريسكيين والعودة لأحضان الإسلام

 أحفاد الموريسكيين والعودة لأحضان الإسلام
أحفاد الموريسكيين والعودة لأحضان الإسلام


قبل 524 عاماً حدثت نكبة المسلمين في الأندلس وتعرضوا لأبشع عمليات التعذيب والإبادة الجماعية ونصبت لهم محاكم التفتيش، أما المسلمون الذين لم يتمكنوا من العبور إلى المغرب وبقوا على قيد الحياة فكان مصيرهم التحول عن الإسلام بالإكراه والتهجير إلى الأرض الجديدة الأمريكيتين.

ولم يكتفِ النصارى بفتنة المسلمين عن دينهم، وإطلاق تسمية «الموريسكيين»[1] عليهم تمييزاً لهم عن غيرهم؛ بل قاموا بتهجير عشرات الآلاف وأخذوهم عنوةً إلى المستعمرات الإسبانبة في أمريكا الجنوبية بعد وعود كاذبة بالأمان للجميع بمن فيهم النساء والأطفال.

وبعد تلك القرون المتطاولة يُقبل أحفاد هؤلاء الأندلسيين على الإسلام من جديد ويدخلون فيه أفواجاً والله متم نوره ولو كره المشركون، وبقيت تلك المحاكم وصمةً في جبين الإنسانية، بينما يخلد التاريخ ذكر الفاتحين المسلمين الذين أسسوا لحضارة لم يعرف التاريخ لها مثيلاً أنارت أوربا في عصور الظلام وصكوك الغفران.

ولعل الله سبحانه أراد أن ينتشر أحفاد الأندلسيين بالملايين اليوم في الولايات المتحدة والمكسيك وسائر الدول اللاتينية الناطقة بالإسبانية، وهم المعروفون بمصطلح Hispanic)[2].

وتعد الجالية اللاتينية أو الهيسبانية هي الأكبر في الولايات المتحدة الأمريكية، وهم ليسوا عرقاً واحداً بطبيعة الحال، لكنهم يتقاسمون تراثاً ثقافياً وإن تعددت أعراقهم، فمنهم البيض والسود وذوو الأصول الهندية[3]، لكن هذا التعدد العرقي لم يحل دون التجانس الذي ساهمت فيه وحدة اللغة.

وقد قدر إحصاء منتدى بيو عام 2015م تعداد اللاتينيين في الولايات المتحدة بـ55,4 مليون، ما يشكل 17,4% من السكان، يتركز أغلبهم في ولاية كاليفورنيا وبالأخص مدينة لوس أنجلوس تليها ولاية تكساس ثم ولاية فلوريدا.

ويشكل ذوو الأصول المكسيكية أغلبية اللاتينيين في أمريكا بنسبة 63%، يليهم البورتوريكيون 13%، والكوبيون 5%، والبقية لدول عديدة من أمريكا الوسطى والجنوبية.

المسلمون اللاتينيون في أمريكا:

برغم أنهم يواجهون تحديات مضاعفة باعتناقهم الإسلام حيث يصبحون «أقلية داخل أقلية»، إلا إن أعدادهم تتزايد بشكل ملحوظ، وبحسب BBC فإن تعداد السكان الأمريكي وجد أن المسلمين اللاتينيين يقاربون 200 ألف.

وأظهرت الدراسة التي أجراها منتدى بيو حول الدين والحياة العامة Pew Forum on Religion and Public Life عام 2011م أن عدد المسلمين في أمريكا يبلغ 2,75 مليون، يشكل اللاتينيون 4% منهم، وتعيش الغالبية العظمى من المسلمين اللاتينيين في المدن الكبرى، مثل: أتلانتا، ولوس أنجلوس، وشيكاغو، وبرونكس.

وبحسب صحيفة «لاتين تايمز»[4] يونيون سيتي في ولاية نيو جيرسي والتي يشكل اللاتينيون أكثر من 80% من سكانها، من اللافت زيادة المساجد والمراكز الدينية الإسلامية، أحد المساجد المحلية أكثر من ثلث رواده لاتينيون، وتعقد فيه الدروس الدينية باللغة الإسبانية لمساعدة المسلمين الجدد على تعلم المزيد عن القرآن والسنة.

ووفقاً لمنظمات مثل WhyIslam.org فإن اللاتينيين أسرع الجاليات نمواً في المجتمع الإسلامي، نحو ستة في المئة من المسلمين في الولايات المتحدة الآن لاتينيون، كما أن قرابة خمس المهتدين الجدد في أمريكا لاتينيون.

الجمعية الأمريكية الإسلامية في أمريكا الشمالية A.M.A.N.A، ومقرها شمال ولاية ميامي، أكدت أن الوجود السكاني الكثيف في جنوب فلوريدا على وجه الخصوص أصبح موطناً لاعتناق اللاتينيين للإسلام. كما شهدت منظمة ورابطة مسلمي أمريكا الشمالية طلبات متزايدة بشكل كبير على المصاحف باللغة الإسبانية في السنوات العشر الماضية.

عودة إلى الإسلام:

عودة إلى التراث.. اكتشاف التاريخ المهمش والمخفي.. بهذه العبارات وما يشبهها يعبر معتنقو الإسلام من اللاتينيين عن مشاعرهم بتحولهم الديني، فهي خطوة تلامس في وجدانهم أصالة التاريخ وشعوراً بملامسة الجذور التاريخية للعصور الذهبية للحضارة الإسلامية في الأندلس.

وفي تحليلها حول ظاهرة اعتناق اللاتينيين للإسلام نفت شبكة WLRN أن يكون التحول من الثقافة الكاثوليكية الرومانية إلى الإيمان الإسلامي العربي الأصل أمراً غريباً، فكما حدث مع الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية في ستينات القرن الماضي يكتشف اللاتينيون اليوم عمق الروابط التاريخية والثقافية بينهم وبين العالم الإسلامي.

وفي تصريحاته للشبكة قال المحامي ويلفريدو روزيز[5] إن أكثر ما يُدهش معتنقي الإسلام من اللاتينيين على الصعيد الثقافي هو شعورهم بأنهم يكتشفون ماضيهم، ويتعرفون إلى المنطقة التي أُخفيت عنهم من تاريخهم.

وأضاف: «حكم العرب المسلمين إسبانيا لنحو 800 عام في فترة العصور الوسطى، وجعلوا من شبه الجزيرة الإيبيرية واحدة من أرقى الحضارات وأكثرها تقدماً في ذلك الوقت، فالماضي جزء لا مفر منه من الحمض النووي الإسباني».

وقال معتنق الإسلام ميجيل أنخيل إيسلاس الذي غير اسمه إلى «خليل أحمد» في تصريحه لشبكة «فرنس24»: لا مشكلة كبيرة في الهوية، فلدينا شعور بالعودة إلى الإسلام.

غياب أزمة الهوية:

تزامن العصر الذهبي للحضارة الإسلامية مع ولادة الثقافة اللاتينية والإيبيرية، ويؤرخ لمهد الحضارة للدول الناطقة بالإسبانية بالفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الإيبيرية.

الأندلس:

لا يعاني اللاتينيون من غربة ثقافية مع الإسلام، وذلك للتقارب القيمي والثقافي بين ما نشأوا عليه وما يجدونه في تعاليم الإسلام، بل إن الكثيرين منهم يعبرون عن شعورهم باستعادة القيم الجميلة في الثقافة اللاتينية الأصيلة.

ومن مظاهر التأثير للحضارة الإسلامية التقارب اللغوي الملحوظ، ووجود العديد من الكلمات الإسبانية المستعارة من العربية.

يقول يلفريدو رويز: «لغتنا بها أكثر من أربعة آلاف كلمة مأخوذة من العربية، وكل الكلمات الإسبانية تبدأ بـ AL مثلما تبدأ العربية».

وأشار رويز إلى أن كلاً من اللاتينيين والعرب يثمنون قيمة الأسرة، ولديهم تقاليد كريمة يتمسكون بها مثل حسن ضيافة الغرباء. أما عن الحالة الدينية فإن الإسلام يقدم شكلاً مباشراً ومفهوماً ومبسطاً للعبادة بالمقارنة مع الكاثوليكية، وفي الوقت ذاته يقدم انضباطاً وتعاليم أكثر من الكنائس الإنجيلية التي يلتحق بها اللاتينيون.

ويشير العديد من اللاتينيين إلى أنه من الأمور التي ساعدت على ارتباطهم بالإسلام واعتناقهم له أنهم وجدوا به تبجيلاً للسيدة مريم وللمسيح.

وتقول ليليانا بارودي، وأصلها من بيرو، وتعمل فنية جراحة في ميامي الأمريكية، واعتنقت الإسلام قبل 24 عاماً: «في البداية عندما كنت أقرأ القرآن كنت مدهوشة من أن المسلمين يؤمنون بالآخرة، ويعتقدون بوجود الملائكة، كما كان اعتقادي».

لماذا يعتنقون الإسلام؟

هناك العديد من الأسباب التي يرصدها المحللون[6] لتفسير ظاهرة اعتناق الإسلام في صفوف اللاتينيين، بدءاً من ترسخ حقيقة كون الإسلام دين أجدادهم المهجرين، بالإضافة إلى النفور من الكاثوليكية، والإنجيليون على سبيل المثال يستثمرون جيداً في تحويل الكاثوليك بأعداد غفيرة من تشياباس (إحدى ولايات المكسيك) إلى باتاغونيا (منطقة طبيعية جنوب الأرجنتين وشيلي).

إذن فهناك أسباب مختلفة وعديدة تجذب اللاتينيين بداية للإسلام، ولعل ما يجمع الغالبية منهم هو «بحثهم عن التغيير»، وشعورهم بأن الكاثوليكية التقليدية لا تملأ فراغهم الروحي.

يقول معتنق الإسلام مارك جونزاليس في حواره مع هافينغتون بوست عام 2012م[7] إنه لم يكن يحب فكرة وجود وسيط بين الإنسان وبين الله، وشبه القساوسة ورجال الدين النصارى بأنهم مثل «حرس البوابة».

الأمر ذاته عبرت عنه معتنقة الإسلام المكسيكية ليزبيث لشبكة فرنس24 بقولها: «الإسلام به كل مزايا الكاثوليكية بلا سيئاتها فلا صور ولا تماثيل وإنما محبة الله».

وهناك من اهتم بالتعرف على الإسلام نتيجة علاقاته وصداقاته مع المسلمين، وهناك من يتأثر بما سمعه أو قرأه عن الإسلام في السجن، وهناك من يكون باحثاً في الأديان أو له اهتمام أكاديمي بها، وهناك من الإسبان من يهتم بالإسلام نظراً للتاريخ الطويل للمسلمين في إسبانيا فيشعر بعمق الرابطة مع هذا الدين ويسعى للتعرف على جذوره التاريخية، ويلفريدو رويز يقول إن الفضول هو الذي أوصله لتحويل دينه، ففي الوقت الذي كان يعيد التفكير فيه في أمر الدين، رأى مركزاً إسلامياً يجري بناؤه في سان خوان ببورتريكو فقرر الاستكشاف.

وتحدثت مراسلة BBC كاتي واتسون مع معتنق الإسلام يوسف، الإكوادوري الكولومبي، والذي قال إنه كان جاهلاً جداً»، فعندما وقعت أحداث سبتمبر شعر بكراهية كبيرة للمسلمين، لكن مشروعه في دراسته الجامعية كان يتطلب معرفة بالإسلام، وعندما بدأ في التعرف الحقيقي عليه، أخذ قراره باعتناقه، وأصبح مسلماً.

اعتنقت المكسيكية الأصل مارتا فيلسيا، التي غيرت اسمها إلى خديجة، الإسلام عام 1983م، وهي الآن ترأس جمعية المسلمين الأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية LALMA، وكانت البداية في شعورها بالخواء الروحي، كانت غير راضية عن الإيمان الكاثوليكي التقليدي الذي ورثته، وبدأ أصدقاؤها المسلمون يرسلون لها كتابات ونصوصاً إسلامية، وزارت أحد المساجد مما ولد لديها عاطفة قوية وشعرت بسلام داخلي.

تشير إلى أن التعرف على الإسلام واعتناقه في السجون الأمريكية أمر منتشر بين اللاتينين كما هو مع الأمريكيين الأفارقة.

الكاتب والشاعر مارك جونزاليس مكسيكي ونشأ في كندا كاثوليكياً، كان مسيحياً متديناً لكنه كان يشعر باستياء لفكرة الوساطة الروحية في العلاقة مع الله، وكانت بداية تعرفه على الإسلام أثناء عمله على العدالة التصالحية مع عائلات تم ترحيلها بعد 11 سبتمبر، وبدأ بناء علاقات وصداقات مع المسلمين الأصليين والمتحولين.

تحديات:

نظراً لما تمثله العائلة من قيمة كبيرة لدى اللاتينيين، فإن أهم التحديات التي يواجهها المسلمون الجدد من أبناء هذه الجالية تتمثل في رفض عائلاتهم لتحولهم الديني، لكن الأمر ينتهي غالباً بتقبل واحترام الأسر لخيار أبنائها، وبخاصة بعد ملاحظتهم للتأثير الإيجابي في سلوكهم.

 نجيب سوما كان اسمه الأول داريو قبل إسلامه منذ ست سنوات، والآن هو عضو بارز في مسجد الإحسان جنوب ميامي، لكن أمه الكوبية كانت مصدومة في البداية، يقول سوما: «الآن تغيرت وجهة نظرها، فهي ترى الفرق الإيجابي الكبير في شخصيتي بعد الإسلام».

وتحكي مارينا غونزاليس، ممرضة موطنها الأصلي نيكاراغوا وتعمل في ميامي، أنها وبعد اعتناقها الإسلام منذ خمس سنوات وارتدائها الحجاب قاطعتها أسرتها، فكانوا يدعونها «طالبانة»، وكانت أمها ترفض الخروج معها لارتدائها الحجاب، ولكنها اليوم تحظى بتفهمهم وتقديرهم، وعندما تذهب إلى بيت أسرتها يغلقون التلفاز أثناء أدائها للصلاة.

كما يمثل التشويه الإعلامي وتقديم صور مغلوطة عن المسلمين في الإعلام تحدياً كبيراً للمسلمين في أمريكا، بمن فيهم اللاتينيون، وهو ما انتقدته ليليانا بارودي، التي اعتنقت الإسلام قبل 24 عاماً، مشيرة إلى أن طريقة تعاطي شبكات التلفزيون الناطقة بالإسبانية مع إقبال النساء اللاتينيات على الإسلام، حيث تقوم - في رأيها - بعرض معتنقات الإسلام على أنهن عصبيات ومضطربات، لانتقاد إيمانهن.

ويشير رويز، وهو واعظ ديني في البحرية أيضاً، إلى أنه قبل عقد من الزمان كانت صورة المسلم اللاتيني ترتبط بشخصية سيئة للأسف مثل خوسيه باديلا، الذي سُمي بـ«المفجر القذر»، حيث أدين بمساعدة «الإرهابيين»، لكن الوضع اختلف الآن وأصبح اللاتينيون أقل خوفاً من التحول.

وأوضح أن بعض ذوي الأصول اللاتينية يرفض الإسلام في البداية بسبب الصور السلبية التي تعرضها وسائل الإعلام، لكن ما أن يتعرف عليه حتى يكتشف العديد من القيم الأخلاقية المشتركة بينه وبين المسلمين.

نهيلة المكسيكية الأصل، اعتنقت الإسلام، وتعمل في مركز للتوعية الدينية، تقول إنه برغم كل الصعوبات، وأنه باعتناق الإسلام يصبح ذوو الأصول اللاتينية أقلية داخل أقلية إلا إنهم يزدادون بشكل سريع جداً.

وأشارت إلى أن أصعب تحدي في رأيها أمام اللاتينيين عند اعتناقهم الإسلام هو المشكلات الأسرية التي يواجهونها من الأهل، نظراً لعمق وقوة الصلات العائلية بين أبناء هذه الجالية.


 


[1] هم المسلمون الذين بقوا في شبة الجزيرة الأيبيرية بعد سقوط الأندلس وأجبروا على اعتناق المسيحية لكنهم أبطنوا الإسلام، وهي تعريب لكلمة (Los Moriscos) أي المسلمون الصغار.

[2] مصطلح يطلق على المنحدرين من أصول لاتينية.

[3] من بينهم بقايا من سلالة السكان الأصليين للأمريكتين والذين تعرضوا للإبادة وكان يطلق عليهم الهنود الحمر.

[4]  http://goo.gl/vc71cx.

[5] ولد في بورتريكو، واعتنق الإسلام وأصبح محامياً لدى مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية «كير».

[6]  http://goo.gl/rECW5n.

[7]  http://goo.gl/iSprsJ.