انعكاسات الحرب الأخيرة على

انعكاسات الحرب الأخيرة على "حماس"







[تل أبيب] إذا اعتبرنا أن عداد الجثث المتزايد وتدمير الأسلحة هو المعيار للنصر, فإن الحكومة الإسرائيلية هي المنتصر البارز في المواجهة الأخيرة مع حماس. لا شك بأن الحكومة الإسرائيلية يمكنها أن تحتل قطاع غزة بشكل كامل وبالتالي تقضي على قوة حماس العسكرية. لقد اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن لا يقوم بذلك وهو الآن يتمتع بأعلى نسبة تأييد لم يصل إليها من قبل في حياته.

ولكن عدد الجثث ليس المقياس الأكثر أهمية لتحديد من الذي يعلن انتصاره, فالأمر الأكثر أهمية هو مقارنة أهداف كل طرف قبل القتال وماذا حقق كل طرف من أهدافه, وما يُرى في الضوء هو أن حماس هي التي ربحت.

لقد بدأت حماس الحرب لأنها كانت في ضيق شديد جدا, فعلاقاتها مع إيران ومصر قد انقطعت ولكن وبشكل سريع ومبكر ولحد كاف كانت تفرض استمرار الصراع عن طريق رفض وقف إطلاق النار بشكل متكرر. وعلاوةً على ذلك فقد حمت قدرتها على ضرب الصواريخ والقذائف على معظم المناطق الإسرائيلية وذلك بالرغم من الجهود الكبيرة التي تقوم بها القوات الجوية الإسرائيلية لضرب مواقع مفتوحة.

لقد استخدمت حماس أيضاً حملةً عسكريةً في المدن ضد القوات البرية الإسرائيلية, حيث أوقعت على الأقل ولخمس مرات إصابات بقدر ما أوقعته في الصراع الأخير واستخدمت بنجاح الأنفاق لتخترق المناطق الإسرائيلية  وتزرع الخوف والإرباك هناك. لقد جعلت الحكومة الإسرائيلية تدفع ثمنا باهظا وبالتالي كانت النهاية سحب الجيش لآلياته العسكرية من غزة بدون وقف لإطلاق النار.

إن تحويل غزة الى منطقةٍ منزوعة السلاح يعتبر الآن أحد أهداف القادة الإسرائيليون, ولكن يبدو من الصعب تصور كيفية تحقيق ذلك. كما أن حماس لن توافق على نزع سلاحها إذا ظلت تواجه استمرار احتلال الحكومة الإسرائيلية لقطاع غزة وهو الأمر الذي سبق وأن أعلن بنيامين نتنياهو عن عدم موافقته عليه.

إذا كيف استطاع تنظيم عصابات أن يتغلب على أقوى جيش في الشرق الأوسط؟

إن انجازات حماس على أرض المعركة تعتبر فاكهة الجهود المدبرة لاستنتاج الدروس من الهزائم الإسرائيلية السابقة.

وفي يوليو من عام 2006 قام تنظيم حزب الله بأسر جنديين إسرائيليين على الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وكرد فعلٍ على ذلك ذهبت إسرائيل إلى تدمير الجماعة. لقد فشلت في ذلك, حتى أن الأهداف الأكثر تواضعاً والمتمثلة في استعادة الأسيرين أو تجريد جنوب لبنان من السلاح قد أثبت عدم القدرة على تحقيقها. لقد خرجت الحكومة الإسرائيلية من تلك الحرب مهزومة وبالتالي أدى ذلك إلى انسحاب القوة العسكرية بكاملها تقريبا بالإضافة إلى عددٍ من التحقيقات الداخلية شديدة اللهجة.

لقد فحصت الحكومة الإسرائيلية وبدقة قدراتها الإستخباراتية وقدراتها القتالية على الأرض وقامت بتطبيق الدروس التي استفادت منها في لبنان على المعركتين المتتاليتين لها مع حماس.

إن عملية الرصاص المصبوب في عام 2008م، بدأت بتدمير 1200 هدف باستخدام القصف الجوي العنيف, وحماس في ذلك الوقت كانت مصدومة عندما رأت أن الحكومة الإسرائيلية لم تتراجع عن وضع قدمها على أرض غزة.

وفي نوفمبر من عام 2012 بدأت الحكومة الإسرائيلية عمليتها باغتيال أحمد الجعبري أحد قادة حماس العسكريين, ثم انتقلت إلى قصف معظم مواقع حماس التي تستخدمها لإطلاق الصواريخ ثم نفذت هجوم بري, وبالتالي أدى ذلك الى وضع قوات حماس في حالة فوضى واضطراب وعلى الأغلب في حالة من التلاشي.

لقد وافقت الحكومة الإسرائيلية على وقف إطلاق نارٍ مبكرٍ، وذلك لسبب ظل غامضاً وسرياً إلى حدٍ بعيدٍ، فنظام القبة الحديدية الذي يتصدى للصواريخ والقذائف والذي تموله الولايات المتحدة قد نفد من الذخيرة. إن الحكومة الإسرائيلية تعلمت الدرس فهي تتأكد من أن الكميات اللازمة من القذائف والصواريخ الخاصة بالقبة الحديدية متوفرة وموجودة في هذا الوقت.

لكن حماس لم تغادر فارغة الأيدي في عام 2012م، فقد تعلمت حماس الدروس ودرستها جيداً.

أولاً: أخذت حماس مقاييس استخباراتية مضادة وصارمة من أجل تجنب المراقبة  الإلكترونية الإسرائيلية. وبناءاً على ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية عرفت القليل جداً مقارنة بما يجب أن تعرفه عن المدى المتزايد لصواريخ حماس وحمولة المتفجرات لهذه الصواريخ, بالإضافة الى مستودعات تخزين الصواريخ وإطلاقها بالتحكم عن بعد.

ثانياً: من أجل الإعداد للعدوان الإسرائيلي قامت حماس باستبدال قادة كتائبها برجالٍ جددٍ قد تلقوا تدريباتهم في كل من لبنان وإيران. لقد طورت حماس مبادئ حرب المدن المنظمة من أجل ضمان إيقاع إصابات بين الإسرائيليين ولتحمي قادتها الكبار من الاغتيال.

أخيراً: قامت حماس ببناء شبكة أنفاقٍ ضخمةٍ ومعقدةٍ تصل إلى المدن الإسرائيلية وشكلت وحدات من الضفادع البشرية لمهاجمة الكيان الصهيوني من البحر، وكانت تلك تطورات رئيسية.

لقد طُلب من القادة الإسرائيليين أن يعلنوا الحد الدفاعي وكأنه نصر تم تحقيقه, وبالتالي فإنه لأمرٍ بعيد الاحتمال أن يتم إنشاء هيئات تحقيق عامة كالتي تم تكوينها بعد حرب لبنان عام 2006 أو أن بعض القيادات ستكون في ورطة شديدة.

ومع ذلك فإن الجيش الإسرائيلي سوف يكون لزاماً عليه أن يضاعف ويستبدل الطريقة التي يواجه بها مقاتلي العصابات في حربه ضدهم. ومرة أخرى عليه أن يحاول تجنيد عملاء في غزة فالآن أصبح من الواضح أن التجسس الإلكتروني بات طريقة غير فعالة لأن حماس أصبحت حذرة للغاية.

لقد أصبح من الواجب على الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الشباك) أن تقدم اهتماماً أكثر برجال حماس المهمين في قطر وتركيا والقيام باعتراض اتصالات حماس مع الذين يزودوها بالسلاح مثل كوريا الشمالية، وربما تفكر الحكومة الإسرائيلية بالتركيز على ضرب رموز حماس خارج غزة بدون الإحساس بالمسؤولية.

عندما اغتال الموساد مسؤول كبير في حماس في دبي عام 2010م، فإن الدعاية الشعبية السلبية الكبيرة أدت إلى حدوث توقف عن ممارسة مثل تلك الأفعال, ولكن الآن من المحتمل أن يتم محاكمتهم بفعالية أكثر مقارنة بالأفعال العسكرية الكبيرة والهائلة، وبالمثل فإن العمليات الخاصة سوف تسترعي انتباه أكثر.

فاجأت حماس الحكومة الإسرائيلية، وفي المقابل فإن الحكومة لم تنفذ تقريبا أي عملياتٍ ذات هدفٍ بارعٍ أو جرئٍ في هذه الحرب الأخيرة. لقد اعتزم إيهود باراك والذي يعتبر المقاتل المغوار الأبرز في التاريخ الإسرائيلي أن ينفذ ويدبر بعض تلك المخططات عندما كان وزيراً للدفاع في عام 2010، ولكن لم يتم تبنيها وإقرارها.

وأخيراً؛ فإن وزارة الجيش سوف تتلقى تمويل غير محدود من أجل إنشاء سياجٍ أمنيٍ تحت الأرض يعتمد على التقنية المستخدمة للتنقيب عن البترول والغاز، وكل ذلك سوف يتم إنشاءه على طول الحدود بين الكيان الصهيوني وغزة من أجل الكشف عن الأنفاق أثناء بنائها.

وبالنسبة الحكومة الإسرائيلية فإنه على الأرجح سوف تنتهي هذه الجولة من القتال بشكل سياسي أكثر أو أقل، وذلك اعتماداً على النقطة التي بدأت عندها ولكن مع وجود خسارة كبيرة لقوة الردع الإسرائيلية.

كما أن الجهود الضعيفة في المساعي التفاوضية بين السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس وبين الحكومة الإسرائيلية تبدو الآن غير مناسبة لأن القادة العسكريين من كلا الجانبين يعودون مرة أخرى لمجالسهم المشكلة من أجل التخطيط للجولة المحتومة التالية من القتال.

إنه وبالقدر الذي تتطلع فيه الحكومة الإسرائيلية لتهميش حماس وتقوية ضعف السيد عباس, فإن حماس ولأول مرة في تاريخها تقف على الحافة للوصول إلى اعتراف بكينونتها عالمياً وكأنها طرفٌ ندٌ في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

 

رابط المقال:

 http://www.nytimes.com/2014/08/11/opinion/how-hamas-beat-israel-in-gaza.html?hp&action=click&pgtype=Homepage&module=c-column-top-span-region&region=c-column-top-span-region&WT.nav=c-column-top-span-region&_r=2

 


أعلى