حتى لا ننسى

حتى لا ننسى


العنتريات التي يفتعلها حزب الله في مواجهة إسرائيل، ثم تقوم بالرد عليه وتقصف المدنيين اللبنانيين، لا تلهينا عن قصة تواجد حزب الله في جنوب لبنان والدور الذي يقوم به منذ ما يقرب من أربعين عاما على الحدود بين لبنان وبين فلسطين.

لذلك لابد من استرجاع الذاكرة التاريخية التي يريد البعض أن ننساها لتثبيت فكرة أن المقاومة لإسرائيل يقودها الشيعة وليس لأهل السنة منها نصيب.... حتى حماس اختصروا مقاومتها في مساندة حزب الله لها ودعمها بالسلاح والتدريب، وهي التي لجأت إلى هذا الوضع بعد أن ضاقت عليها الخيارات حين ابتعد الحاضنون من أهل السنة عن دعمها.

ولنعد للتاريخ ونتساءل متى ومن بدأ المقاومة في لبنان ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين؟

منذ عام 1968 وبعد هزيمة 67 شرعت المقاومة الفلسطينية بزعامة فتح ومنظمة التحرير في التدفق إلى لبنان وحمل السلاح في مواجهة اسرائيل، وانطلقت عمليات من الجنوب اللبناني في اتجاه اسرائيل وعانى اليهود منها الكثير وخاصة سكان شمال فلسطين المواجه للجنوب اللبناني، وتمركزت انطلاقات المقاومة من المناطق السنية اللبنانية بصفة خاصة في الجنوب ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين الواقعة في تلك المنطقة ...

حاولت اسرائيل في البداية تجنيد ميليشيات جنوبية شيعية ومسيحية لمواجهة الفلسطينيين هناك، فأنشأت ميليشيات سعد حداد وهو ضابط منشق من الجيش اللبناني، الذي لم يلبث أن مات فخلفه ضابط آخر هو أنطوان لحد، وقبل وفاته كان حداد قد أعلن قيام دولة لبنان الحر في الجنوب بعد أن وصل عدد مقاتليه إلى ما يقرب من 6000 جندي يتلقون رواتبهم مباشرة من اسرائيل، وبذلك تحققت الاستراتيجية إسرائيل لحماية حدودها وهي وجود أنظمة موالية وتتمتع بقدرات عسكرية تمنع تسلل الفدائيين وضبط اجراءات الأمن على حدودها، وهو ما تحقق مع الحالة الأردنية والمصرية والسورية ولكن تعثرت هذه الاستراتيجية في لبنان نظرا لضعف النظام السياسي لبنان المنقسم طائفيا، والذي تتحكم فيه قوى اقليمية ودولية عديدة.

ولكن الاعتماد على هذه الميليشيات لم يدم طويلا، ولم تثق فيها القيادة الاسرائيلية لأن المقاومة الفلسطينية نجحت في التسلل مرارا داخل اسرائيل بالرغم من وجود هذه الميليشيات العميلة مما جعل اسرائيل في احتياج مستمر لاجتياح متكرر للجيش الصهيوني وتوغله داخل لبنان في محاولة لوقف المقاومة الفلسطينية، ولكن هذا التوغل له أثمانه وهذا دفع بمجلس الوزراء الاسرائيلي في يونيو عام 1985  إلى الاعلان عن الانسحاب من لبنان والتخلي عن وجود دائم للقوات الاسرائيلية على خط الحدود الدولية مع استمرار تقديم الدعم للقوات الموالية لإسرائيل في منطقة الجنوب، وأكد هذا القرار انه اذا تعرضت تلك القوات لمخاطر لا تستطيع مواجهتها فان الجيش الاسرائيلي سوف يتدخل لمساعدتها كما قرر المجلس اقامة حزام امني بلغت مساحته قرابة 1000كم2 او ما يماثل 10% من مساحة لبنان تقريباً تشمل نحو 120 قرية وبلدة ومدينة.

وكانت حرب 1982 والتي وصلت فيها القوات الاسرائيلية إلى بيروت وحاصرتها، قد أسفرت عن اخراج المقاومة الفلسطينية على سفن خارج لبنان بعد تواطؤ عربي ودولي...ولكن ظل الكيان الصهيوني خائفا ومتوجسا من عودة المقاومة الفلسطينية إلى الجنوب مرة أخرى.

ومن نتائج تلك الحرب، أن نظام الأسد حاول غرس ذراعه الشيعي وهي حركة أمل بزعامة نبيه بري في الجنوب بعد أن تسلط على معظم لبنان عبر مخابراته وتغلغله داخل فصائل فلسطينية ولبنانية من مختلف الطوائف.

في ذلك الوقت قامت ثورة الآيات في إيران، والتي أسفرت عن اعلان مد النفوذ الشيعي للعالم الاسلامي وكان للبنان النصيب الأوفر في هذه المخططات لوجود جالية شيعية قوية.

ومنذ عام 1982 تمكنت إيران من زرع بذرة حزب الله في لبنان، وبدأ عملياته ضد القوات الاسرائيلية والقوات العميلة الموالية له منهزا فرصة صعف الوجود الفلسطيني المسلح تمهيدا للسيطرة على الجنوب ومد النفوذ الايراني إلى الحدود الإسرائيلية لتتخذها إيران ورقة تفاوضية وتبادلية في صعودها الاقليمي.

ونجح حزب الله في الحاق خسائر كبيرة في صفوف القوات العميلة لإسرائيل وفي نفس الوقت قام حزب الله بالتدريج بتصفية أي نفوذ شيعي آخر سواء في الجنوب أو بقية لبنان لتصبح إيران وذراعها الحزبي هو المهيمن على الحالة الشيعية في لبنان.

 وبعدها حدث توافق مباشر سري بين اسرائيل والحزب، أسفر عن تفاهمات  بينهما تم على اثرها انسحاب اسرائيلي كامل من الجنوب عام 2000، ويبدو أن هذه التفاهمات تتعلق بفرض حزب الله الانضباط في الجنوب اللبناني ومنع أي سلاح هناك واحباط أي عمليات فدائية سواء كانت فلسطينية أو سنية تنطلق من الجنوب ضد اسرائيل، والدليل أن الحدود ظلت هادئة وخلت من أي حوادث تذكر حتى عام 2006 عندما ارتأت إيران تجريك جبهة لبنان واستخدام ورقة حزب الله ضد اسرائيل عندما اشتد عليها الخناق الدولي بسبب أنشطتها النووية، فاندلعت الحرب بتحريض ايراني وأسفرت عن فرض تفاهمات جديدة اسرائيلية على الحزب وايران تحول دون استخدامه للجنوب كورقة من أوراق لعبته في المنطقة.

وبذلك يتبين لنا أن ورقة التصعيد في جنوب لبنان ذات رأسين لا تخرج عن أحدهما: إسرائيل وإيران ممثلة في ذراعها المعلن حزب الله، الذي لا يتأخر حسن نصر الله عن الاعلان أنه يمثل النفوذ الايراني في لبنان ...

والتصعيد دائما في هذه المنطقة المحصورة سياسيا وجغرافيا بين هذين الطرفين، ويكون هو تنفيس عن احتقان سياسي، أو ضغط يعيشه أحد هذه الأطراف، ويفرغ طاقته ويستعرض أوراقه ومجال قوته في هذه المنطقة الرخوة نسبيا.

أعلى