الملفات الساخنة التي تنتظر الرئيس الجزائري الجديد

الملفات الساخنة التي تنتظر الرئيس الجزائري الجديد


ها هي الانتخابات قد انتهت، وحان وقت العمل لتكريس الالتزامات وكل ما سبق وأن صرحت به قبل وخلال الحملة الانتخابية، بلا تهميش ولا إقصاء ولم الشمل دون أي نزعة للانتقام، بل سأعمل جاهدا على الجمع لطي صفحة الماضي وفتح صفحة الجمهورية الجديدة، بعقلية جديدة وأخلاق جديدة ومنهجية جديدة.

بهذه الكلمات افتتح الرئيس الجزائري الجديد المنتخب، عبد المجيد تبون كلمته بعد فوزه بالانتخابات متفوقا على منافسيه الأربعة بنسبة 58 %، التي شارك فيها نحو 10 ملايين ناخب من أصل 24.5 مليون مسجل في القوائم الانتخابية في الجزائر. 

تبون، الذي شغل منصب رئيس الحكومة في الجزائر، في أيار/مايو 2017، سيكون أول رئيس منتخب بعد الحراك الذي أطاح بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وثامن رئيس يصل إلى هرم الجمهورية، منذ استقلال البلاد سنة 1962. تنتظره العديد من الملفات الحيوية والساخنة مما يعني أن فترته مرهونة بتخطي وانجاز هذه الملفات التي تعهد بالتغيير وطي صفحة الماضي.

المهمة التي سيخوضها تبون ليست سهلة، وتنوء بالكثير من الصعاب والمطبات مما يجعل هامش التحرك لديه ضيقا بعد تراكمات إدارية فاسدة خلفها سلفه السابق، بوتفليقة ومما يؤكد صعوبة المهمة سوء الأوضاع الاقتصادية وشح الموارد واستعجال الناخبين والمواطنين لإيجاد حلول لحالتهم المعيشية المتردية والصعبة، وعليه يواجه الرئيس الجديد ثلاث ملفات ساخنة تتمثل في بعث الاقتصاد عبر زيادة النمو، وكبح الإنفاق، وحماية جيوب المواطنين.

لعل من أبرز الملفات التي تندرج تحت القضايا الرئيسية الواجب إصلاحها في الجزائر، والذي يتعين على تبون التعامل معها وإعادة النظر فيها، الهيئات المنتخبة الموروثة عن النظام السابق، والتي جاءت عن طريق التزوير والمال الفاسد، من خلال الدعوة لانتخابات برلمانية، تختار شخصيات جديدة، تتمتع بالكفاءة والسمعة الطيبة، وتكون قادرة على إخراج الجزائر من المشكلات التي يعاني منها، وكذلك انجاز ملف الحريات والديمقراطية، والفصل بين السلطات، ومحاربة الفساد، وإصلاح مواطن الخلل في كافة مناحي الدولة. ولعلّ فصل المال عن السياسة من أبرز المسائل التي يتوجب على تبون التعامل معها، والعمل على مكافحتها.

يمكن الجزم كذلك بان من أكثر الملفات الساخنة التي تجعل الرئيس الجديد أمام اختيار صعب وتحدي أكبر هي، قضية استرجاع المال المنهوب والمقدرة بقرابة 20 مليار دولار، والذي وعد باسترجاعها من طرف ما يُعرف في الجزائر بـالعصابة القابعة وراء قضبان السجن، في وقت قياسي، لكن ثمة أمر يجعل من الأمر ليس سهلا بل مستحيلا، هو أن جزء كبير من هذه الأموال قد تم تحويلها للخارج ولأنها ليست موجودة في حسابات معلومة، وتتطلب تحديدا دقيقا لمصيرها ومكانها، واثبات ملكيتها لخزينة الدولة، وملفا قضائيا كاملا ودقيقا للمطالبة بها، و إجراءات قانونية وقضائية قد تستغرق وقتا طويلا وسنوات عديدة.

إن كل ما قاله تبون في خطاب الفوز الحماسي والمستعجل نابع من رجل حقق حلمه لبلوغ كرسي الرئاسة بالوعود دون إدراك لصعوبة المهمة، كون الدولة العميقة الممتدة في الجزائر لعقود لا تزال نشطه، وتستطيع إفشال أي خطة إصلاحية متوقعة، كما أن مهمة إقناع الشارع ومهمة الإصلاح الاقتصادي المثقل بالأزمات تتطلب وقتاً طويلاً ولا يستطيع فعله في وقت قصير كما يعد، والعجلة في مثل هذه التصريحات قد تورطه كرئيس أمام شعبه، أكثر مما تساعده.

على تبون أن يدرك أنه يواجه حراكاً يرفض الاستسلام، ولم ينته بعد لشباب يتوقون إلى التغيير ولن يهدأ لهم بال حتى يروا أن التغيير قد أصبح سنة حسنة في بلادهم، وعليه أيضا أن يتيقن أنه أمام وضع سياسي وحالة اقتصادية واجتماعية لا تقبل مزيداً من التأخر في حلها، وأزمات صحية وتعليمية وأخلاقية.

إن الرئيس الجزائري الجديد في تحدي نقل الجزائر من مرحلة فساد إلى مرحلة يتمنّى الجميع أن تتحقق فيها العدالة الاجتماعية، وأن يسود فيها القانون، ويتم التخلص فيها من رواسب 20 سنة سيطرت فيها عصابة على مقاليد الحكم، وتفننت في نهب خيرات البلاد فهو أمام أول امتحان مع بلوغه 100 يوم من الحكم، يريد الجزائريون المتعطشون للتغيير أن يشاهدوا من خلالها بوادر للإصلاح، أو خطة ممنهجة لإعادة الجزائر سياسيا واقتصاديا وثقافيا لمسارها الصحيح، فهل يستطيع تبون إثبات أنه الرئيس الأصلح لقيادة الجزائر نحو مستقبل أفضل؟

أعلى