حرب التوقعات

حرب التوقعات

 العلاقات الإنسانية تُبنى في كثير من جوانبها على التوقعات ، وعندما يحقق شخصٌ مَّا توقعاتنا عنه، فإن شعوراً بالرضا عنه يتولد، ورغبةً في استمرار العلاقة معه تنشأ. وعندما يُخفِـق في تحقيـق هذه التوقعـات، فإن العلاقة تتجه نحو الفتور، وقد تتوقف بعد مدة من الزمن (تطـول أو تقصر) بحسب أهميته بالنسبة لنا. يصاغ الحد الأدنى من هذه التوقعات من خلال الدين والثقافة والقيم والخبرات. وهي تمثل عرفاً بين الناس في علاقاتهم بعضهم ببعض، كتلك العلاقة التي تربط بين الزوجين أو بين الأبناء ووالديهم أو بين الأصدقاء. وقد نعبِّر في بعض الحالات عن توقعاتنا من الآخرين ونفصح عنها، وقد يستـنتجها الآخـرون منَّـا بلا حاجة للإفصـاح. وعادة ما تتعكر العلاقات فيمـا بيننـا إذا ما عجز الآخرون عن استنتاج توقعاتنا وفَشِلْنا في التعبير عنها. العلاقات بين العاملين في المنظمات الإدارية هي شكل من العلاقات الإنسانية التي تربط الموظفين بعضهم ببعض والموظفين بمديرهم. وحتى لا تكون العلاقات بين هؤلاء العاملين معتمدة على التوقعات؛ فإن المنظمات الإدارية الناجحة هي التي تمتلك هيكلاً وظيفياً يرتب العلاقات، ووصفاً وظيفياً لكل عامل يحدد مسؤولياته وصلاحياته، ونظاماً واضحاً لتقييم الأداء، وهو ما يسهل على العاملين معرفة ما يُتَوقَّع وما لا يتوقع منهم. وعندما تخلو المنظمة الإدارية من مثل هذه الأشياء، فإن حرباً من المحتمل أن تنشب بين العاملين، يتقاذفون فيها التوقعات ويتراشقون الظنون فيما بينهم، وتتساقط المشاعر جريحة، والأحاسيس مكلومة، ويسود الإحباط والضجر، وتذهب ريح المنظمة. أحمد الذي بدأ مسيرته المهنية موظفاً في جمعية خيرية منذ عام ما زال يشعر أنه تائه؛ بعدما باءت محاولاته للتعرف على حدود عمله وواجباته اليومية بالفشل، ويواجه التحديات لمعرفة ما يراد منه بالتحديد؟ وهو أن يعرف مسمى وظيفته؛ فهو متأكد أن كثيراً مــن الأعمــال التــي يُطــلب منه أداؤها لا تعكس مسمى وطبيعة هذه الوظيفة التي لم يشاهد قط وصفاً وظيفياً لها أو نموذجاً لتقييم أدائه فيها. أما مدير أحمد، فهو يدنو من مرحلة اليأس من إصلاحه وتطويره، فأحمد في نظره موظف غير مستجيب ويتعدى حدود صلاحياته كثيراً ويمضي وقتاً أطول في إنجاز أعماله. أحمد ومديره ليسا حالة استثنائية في عالم المنظمات الخيرية الإسلامية والعربية فيما يبدو؛ فكثير من منظماتنا الخيرية تشكو من انعدام أو ضعف البنية الإدارية والتنظيمية، وهي - بلا شك - من أَوْلَى المناطق التي ينبغي أن تجذب اهتمام قادة المنظمات الخيرية وإداراتها العليا للبناء والتطوير. إن البيئة الإدارية المنظَّمة توفر مناخاً مناسباً لنشوء علاقات واضحة بين العاملين، وأسلوب اتصال كفء، ويشيع السلام في أرجاء المنظمة.  

أعلى