المؤتمر الرابع للسكان والتنمية

المؤتمر الرابع للسكان والتنمية


انعقد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الثالث في القاهرة سنة 1994م، وأثيرت فيه كثير من القضايا التي واجهت انتقاداً شديداً من غالبية دول العالم المشاركة، ثم خرج برنامج العمل بالتوافق بعدما قيدت تحفظات الدول، ونص في بداية الفصل الثاني على أن «لكل بلد الحق السيادي في أن ينفذ التوصيات الواردة في برنامج العمل مع ما يتمشى مع القوانين الوطنية وأولويات التنمية، ومع الاحترام الكامل لمختلف القيم الدينية والأخلاقية، والخلفيات الثقافية لشعبه، ووفقاً لحقوق الإنسان المعترف بها دولياً»[1].

 وبيّن برنامج العمل أنه لا ينتظر من الحكومات أن تحقق بمفردها خلال 20 سنة[2] غايات وأهداف المؤتمر؛ لذلك دعا لمشاركة رجال الأعمال، والمنظمات غير الحكومية، وجماعات المجتمعات المحلية، والأفراد[3].

أبرز القضايا التي تضمنها برنامج العمل وتحفظت عليها الدول:

- الاعتراف بالعلاقات الجنسية بين غير المتزوجين[4].

- توفير المشورة والخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة للمراهقين الناشطين جنسياً ودعم المراهقات الحوامل[5].

- التوسع في توزيع الرفالات للوقاية من الإيدز[6].

- النصوص التي تتضمن عبارات مثل: أشكال الأسر المختلفة، وأشكال الاقتران الأخرى، وغيرها، والتي تعترف بالشذوذ وتسوي بين الأسر السوية والشاذة.

- إنهاء الحمل وعدّ الإجهاض خدمة إنجابية، وقد تكرر ورودها في برنامج العمل.

- الدعوة لمساواة الزوجين في كل شيء بما في ذلك الإرث.

لكن في الواقع لم يترك الأمر للحكومات كما وعد لتنفذ التوصيات المتماشية مع القوانين الوطنية، بل تولت لجنة السكان والتنمية في الأمم المتحدة متابعة الحكومات سنوياً والمتابعة الإقليمية كل خمس سنوات. وجاء في القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1999م بعد الاستعراض الخماسي الأول لما أنجز من برنامج عمل المؤتمر: «إن هذه الوثيقة تستند إلى نتائج واستنتاجات الاستعراضات الحكومية الدولية، وإلى اجتماعات وتقارير لجان الأمم المتحدة الإقليمية فيما يتعلق بالتقدم المحرز والضغوط القائمة في تنفيذ برنامج العمل»[7].

ومما ورد في القرار مبدوءاً بـعبارة: ينبغي على الحكومات دون استثناء لمن تحفظ:

- التوقيع والتصديق على اتفاقية «سيداو» وتنفيذها، وذلك يقتضي تغيير التشريعات والقوانين التي تحول بين التسوية التامة بين الجنسين، والتسوية هذه نقطة تحفظت عليها عدة دول عربية وأدرج تحفظها في تقرير المؤتمر[8].

- إدماج الحقوق الإنجابية وفقاً للفقرات 1-15، 7-3، و8-25، ضمن سياسات السكان والتنمية[9]. والفقرتان 7-3 التي تسوي بين المتزوجين والزناة، و8-25 التي تدعو للتوسع في توزيع وسائل منع الحمل للتقليل من حالات الحمل غير المرغوب فيه؛ هما من أكثر الفقرات التي نوقشت وتحفظ عليها، بل نوقش كل برنامج العمل باللغة الإنجليزية ما عدا الفقرة 8-25 قبل فيها النقاش بلغات الأمم المتحدة الست[10].

- منح أولوية عليا للصحة الإنجابية[11] والجنسية في السياق الأوسع نطاقاً لإصلاح قطاع الصحة[12].

- القيام على المستوى الوطني والمستويات الأخرى عند الاقتضاء، بوضع خطط عمل للمراهقين والشباب وتثقيفهم، وفقاً للمادة 7/47 [13] من برنامج العمل[14].

وسواها من النماذج التي أوجبت على الحكومات تنفيذ ما تحفظت عليه، وتحولت لأسس تتابع على أساسها الدول وتقيم تطبيقها لبرنامج عمل مؤتمر السكان والتنمية.

ثم صيغت الأهداف الإنمائية للألفية لتحقق أهداف المؤتمرات التي عقدت في التسعينيات الميلادية، ومن ضمنها مؤتمر السكان والتنمية، فزاد الضغط على الدول لتنفيذ ما تحول لالتزامات دولية واجبة الأداء. والمطلع على مخرجات الاجتماعات التحضيرية الإقليمية لمؤتمر السكان والتنمية الرابع، يلحظ أنها تتبنّى برنامج عمل مؤتمر السكان الثالث دون تحفظ. من الأمثلة على ذلك إعلان القاهرة الذي نتج عن المؤتمر الإقليمي للدول العربية، والذي جاء في ديباجته ما نصه: «وإذ نشير إلى تأكيد قرار الجمعية العامة[15] المشار إليه إلى أن الدورة الاستثنائية لتقييم حالة تنفيذ برنامج العمل[16] تكون على أساس التقيّد التام بما جاء به دون أي إعادة تفاوض بشأن الاتفاقيات الواردة فيه»، و«إدراكاً بأن التنفيذ الكامل لبرنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية».

بعد انتهاء مهلة الأعوام العشرين التي منحت للحكومات لتنفذ برنامج العمل، وإشراف صندوق السكان وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي المباشر على التنفيذ ومتابعة لجنة السكان والتنمية ومشاركة عدد من الهيئات المتخصصة والمنظمات غير الحكومية؛ لا تزال الفجوة كبيرة بين برنامج العمل وما طبق فعلاً؛ لذا تقرر عقد مؤتمر عالمي رابع يستعرض الإنجازات، ويحدد العقبات والتحديات، ويقدم الحلول اللازمة لتتمكّن الدول من الوفاء بالتزامها بتطبيق برنامج عمل المؤتمر كاملاً!

في سبيل التحضير للمؤتمر الذي سيعقد تحت شعار: «حقوق وتنمية»، وزعت على الدول صيغ تقارير موحدة تقدم إحصاءات دقيقة لما أنجز، والعقبات التي حالت دون التطبيق، والتجارب المفيدة التي يمكن تعميمها. بدأ التحليل الإحصائي للتقارير في مارس 2013م، وصدر التقرير لتحليل محتوى تقارير العالم في يونيو 2013م. وفي 22 - 26 أبريل 2013م انعقدت الدورة 46 لمفوضية السكان والتنمية للتجهيز للمؤتمر. ومن يونيو حتى سبتمبر عقدت المؤتمرات الإقليمية التحضيرية لأقاليم العالم المختلفة، وهي: الاتحاد الإفريقي (يستثنى منه الدول العربية الإفريقية)، وآسيا الباسيفيكية، وأمريكا اللاتينية والكاريبي، وغرب آسيا وشمال إفريقيا (المنطقة العربية)، وأوروبا ووسط آسيا وأمريكا الشمالية، وخرج كل منها بإعلان يتضمن الاستعراض الإقليمي ليقدم في المؤتمر. وفي ديسمبر أعدت مسودة التقرير العالمي الذي يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة. وفي 21 - 24 يناير 2014 عقد مؤتمر عن الصحة الجنسية والإنجابية في مانيلا نظمته المجموعة الآسيوية الباسيفيكية.

وسيعقد بعد المؤتمر الدولي الرابع للسكان والتنمية بأيام مؤتمر دولي للبرلمانيين من 23 - 25 أبريل. ويصدر تقرير الأمين العام للسكان والتنمية المبني على مداولات المؤتمر في يونيو/ يوليو 2014م، ثم تعقد جلسة للجمعية العامة في سبتمبر حول المؤتمر للخروج بقرارات تلزم بها دول العالم لما بعد 2014م[17].

من الموضوعات التي ستطرح في المؤتمر[18]:

أن الفقر مرتبط بالتمييز بين الجنسين.

وحقوق النساء والبنات الواردة في وثائق الأمم المتحدة، مثل: اتفاقية سيداو، وإعلان القضاء على العنف ضد المرأة، وغيرهما.

الشباب والمراهقون والقضايا المتعلقة بهم المضمنة في برنامج عمل مؤتمر السكان الثالث.

الصحة والحقوق الإنجابية وفقاً لتعريف مؤتمر السكان الثالث.

استدامة التنمية.

الشيخوخة.

التحضر والهجرة.

وفي سبيل الترويج لهذه الموضوعات السبعة أطلق صندوق السكان في 2011 حملة السبعة بلايين شخص وسبعة بلايين دعوة للعمل[19].

المتوقع أن يخدم المؤتمر خط الألفية التنموية الثانية التي ستعلن بعد عام ونصف العام وتصب في ذات الأهداف، وأن يحدد وسائل لمسألة تمويل البرامج المختلفة المتعلقة بقضايا السكان، وتعمّم التجارب التي يرونها ناجحة في تطبيع برامج الصحة الإنجابية ودعاوى المساواة التي تأباها المجتمعات السوية.

** المؤمرات على السكان :: ملف العدد :: (323) رجب 1435هـ

:: مجلة البيان العدد  323 رجب 1435هـ، مايو  2014م.


[1] برنامج عمل مؤتمر السكان والتنمية، الفصل الثاني، المبادئ، القاهرة، سبتمبر 1994م.

[2] 2014م هو الموعد الذي ضرب كحد أقصى لتنفيذ برنامج عمل المؤتمر بشكل كامل في كل العالم، لذلك لم يعقد مؤتمر رابع للسكان سنة 2004م، إذ يعقد مؤتمر للسكان كل عشر سنوات، لكن عقدت مؤتمرات إقليمية كل خمس سنوات (1999- 2004- 2009م) لمتابعة تطبيق برنامج العمل.

[3] برنامج عمل المؤتمر، 1-14.

[4] السابق، مفهوم المادة 7/3.

[5] السابق، 7/47.

[6] السابق، 13/14/ج.

[7] الإجراءات الأساسية لمواصلة تنفيذ برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الديباجة، الفقرة 13، الدورة الاستثنائية 21، رقم: A/RES/S-21/2.

[8] القرار السابق، الفقرة 39.

[9] القرار السابق، الفقرة 40.

[10] تقرير مؤتمر السكان، هامش ص 2.

[11] جاء في تعريفها في الفصل السابع من برنامج عمل المؤتمر: «ولذلك تعني الصحة الإنجابية قدرة الناس على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة».

[12] القرار السابق، 52/أ.

[13] والتي شملت توفير المشورة والخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة للمراهقين الناشطين جنسياً، ودعم المراهقات الحوامل، وتحفظت عليها عدة دول.

[14] القرار السابق، 73/ج.

[15] للأمم المتحدة الصادر في 22 ديسمبر 2010 في جلستها العامة 72، في الدورة 65، برقم: A/RES/65/234.

[16] برنامج عمل مؤتمر السكان الثالث.

[17] انظر:

http://icpdbeyond2014.org/key-events/view/15-icpd-beyond-2014-review-timeline.

ولتفاصيل ما خرجت به المؤتمرات الإقليمية انظر:

http://icpdbeyond2014.org/key-events.

[18] انظر:

http://icpdbeyond2014.org/rights-development.

[19] انظر:

http://www.unfpa.org/public/home/sitemap/7Billion.

أعلى