جريمة التدمير الشامل في العراق ( حجم الكارثة البيئية لجريمة العراق )

جريمة التدمير الشامل في العراق ( حجم الكارثة البيئية لجريمة العراق )


 تتكشف يومياً أسرارٌ ومعلوماتٌ عن حجم الدمار والتخريب الذي لحق بيئة العراق، نتيجة جريمة الغزو الأمريكي له، وهذه الآثار التدميرية لن يقتصر مداها وضررها على البيئة العراقية فحسب، بل ستتأثر بيئة المنطقة عموماً بفعل الآثار الكارثية للجريمة؛ فالأمراض الفتاكة بدأت تنتشر بين الناس في المدن العراقية، وبالأخص المدن التي نالها قسط أكبر من أسلحة الفتك والدمار: كالفلوجة والقائم وسامراء والبصرة وعموم مدن العراق من جراء الأسلحة الـمُحرَّمة دولياً التي استخدمتها القوات الغازية، ورميها آلاف الأطنان من الفسفور الأبيض واليورانيوم المُنضَّب والأسلحة المشعة، وهذه الأسلحة الفتاكة بدأت آثارها تظهر على أجيال من الولادات المشوهة، وارتفاع نسبة الإصابة بمرض السرطان بين العراقيين وبخاصة الأطفال والنساء.

 
ومشكلة العراق اليوم في ظل الاحتلال والغزو، لا تتمثل فقط في الدمار والخراب وتدمير بنيته التحتية وتهجير الملايين من أفراده؛ بل إن المشكلة الأخطر تأتي من التلوث البيئي الشديد نتيجة استخدام الغزاة أسلحة محرمة دولياً، فضلاً عن تلويث البيئة بالنفايات الخطرة التي زادت نسبتها في العراق عن الحدود العالمية المسموح بها كثيراً وهو ما سيؤدي إلى آثار صحية سلبية خطيرة ستستمر على مدى مئات السنين القادمة على أجيال العراق.‏

وقد أصدرت المنظمة الدولية للبيئة جملة تقارير تشير الى أن المدن العراقية قد تحوَّلت إلى (مكبَّات) للنفايات الخطرة الناتجة عن الفعاليات الحربية لقوات الاحتلال، ونظراً للإهمال والظروف الحربية المسيطرة لا يمكن إزالة هذه النفايات وترحيلها وحتى لو تم ترحيلها فإن آثارها السلبية الخطيرة لا يمكن إزالتها وفي مقدمة هذه النفايات الخطرة الزئبق والرصاص والكادميون والزنك والنحاس وهي كلها معادن ذات تأثير سام على الأنسجة وتتسرب إلى مياه الأنهار فتلوثها وتُحدِث ضرراً كبيراً للكائنات الحية التي تعيش فيها.

وكانت صحيفة (التايمز) البريطانية نشرت تقريراً عن شركات خاصة مهمتها إعادة تدوير النفايات، تعمل داخل القواعد الأمريكية عمدت إلى خلطها بخردة العامة وتمريرها إلى التجار المحليين. وأفاد التقرير أن القوات ستخلِّف نحو 10 ملايين كيلو غراماً من النفايات الخطرة في العراق، كما تعمل حالياً للتخلص من 14.500 طن من النفط والتربة الملوثة. وأشار التقرير إلى أن الجانب الأميركي يتخلص من المواد السامة التي يمتلكها من طريق طمرها في مواقع محلية بدلاً من إرسالها إلى الولايات المتحدة، وهو ما يشكل خرقاً واضحاً للقواعد التي أرستها وزارة الدفاع الأميركية.

وهكذا يبدو أن الجيش الأمريكي حينما سيغادر العراق، فإنه لن يخلِّف وراءه سبعة أعوام من الحرب فحسب، بكل كميات هائلة من النفايات السامة، هي مخلفات أكثر من 170 ألف جندي أمريكي في 500 قاعدة عسكرية انتشرت بكافة أنحاء العراق إبان ذروة الحرب. ويبلغ عدد المخلفات السامة التي كشف عنها تحقيق أجرته صحيفة (التايمز) البريطانية، نحو 11 مليون رطل، تسببت بتفشي أمراض وأضرار بيئية خطيرة.

وقد كشفت شبكة «سكاي نيوز» التلفزيونية البريطانية مؤخراً النقاب عن فضيحة جديدة تتعلق باستخدام القوات الأمريكية أسلحة محرَّمة دولية ضد المدنيين أثناء تنفيذها لعملية عسكرية ضخمة في مدينة الفلوجة عام 2004م، وأوضح التقرير أن تحقيقاً صحفياً أظهر تزايد عدد الأطفال الذين يولدون مشوهين، في إشارة إلى مدى تدهور الوضع الصحي الذي عاشته الفلوجة في أعقاب انتهاء العملية العسكرية الأمريكية. ونقلت عن جيف انجلهارت، وهو جندي في فرقة المشاة الأمريكية الأولى بالعراق قوله: (أعرف أن الفوسفور الأبيض قد استخدم بالفعل وأنا شاهدت جثثاً محترقة، وأطفالاً محترقين ونساء محترقات)، وأكد أن الفوسفور الأبيض يقتل بلا تمييز. ونقلت «سكاي نيوز» عن سكان الفلوجة رغبتهم فتح تحقيق مستقل حول الأضرار التي سببها استخدام الأسلحة الكيميائية، ومن بينها الفوسفور الأبيض.

 ويقوم الصليب الأحمر الدولي حالياً بإجراء تحقيق في تشوهات مواليد العراق إثر الإجراءات القضائية التي بدأتها عائلات عراقية ضد الوزارة بشأن دور الجيش البريطاني في الهجوم على الفلوجة واستخدامه أسلحة كيماوية تسببت في تشوهات المواليد؛ حيث تزايدت أعداد المواليد المشوهة على مدار سبع سنوات منذ غزو العراق إثر استخدام القوات البريطانية والأميركية أسلحة ممنوعة دولياً. ويتهم أهالي الأطفال الحكومة البريطانية بخرق القانون الدولي وارتكاب جرائمَ حرب وعدم التدخل لمنعها. وبعث المحامون الذين يتابعون قضايا العائلات العراقية، برسائل إلى وزارة الدفاع البريطانية يطالبون فيها بالكشف عن دور الجيش البريطاني في الهجوم، والكشف عن وجود أسلحة ممنوعة.

وكانت صحيفة (التايمز) البريطانية قد كشفت أن غازات الأعصاب هي السبب وراء ارتفاع نسبة الإصابات بمرض اللوكيميا ( سرطان الدم) لدى الأطفال في العراق، وذكرت الصحيفة أن معدلات إصابة أطفال محافظة البصرة، ثاني أكبر مدينة عراقية والميناء الوحيد ومركز الثروة النفطية، تضاعفت ثلاث مرات خلال السنوات السبع الأخيرة حسب تقديرات خبراء الصحة.  وفي بحث متخصص نشر في مجلة الصحة العامة الأمريكية أشار إلى أن هناك 698 حالة سرطان دم بين الأطفال تحت سن 15 عاماً حتى عام 2007م، وفي عام 2006م سُجِّل منها 211 حالة كلها في البصرة بأقصى جنوب العراق. واستنتج البحث أن هناك زيادةً نسبتها 8.5 في المئة في الإصابات بين كل مئة ألف طفل خلال الفترة نفسها، وهي تزيد عن ضعف نسبة الإصابات بسرطان الدم في الاتحاد الأوروبي. ووجد الباحثون أن 698 حالة إصابة باللوكيميا موثقة في المحافظة من بين الأطفال تحت سن 15 خلال المدة بين عامي 2003م و 2007م. وقد سُجِّل أعلى عدد من الإصابات في عام 2006م؛ حيث بلغت 211 إصابة. وتشير مصادر إلى أن ما استعمل على العراق من قذائف وإطلاق اليورانيوم المنضب خلال ستة أسابيع قارب 940.000 إطلاقة عيار 30 ملم و 14.000 قذيفة مدفع ودبابة من مختلفة العيارات، وهو ما يقارب 300 طن.

وكان تقرير بثته قناة CNN مؤخراً قد تناول تزايد الولادات المشوهة في العراق. ويقول بعض المسؤولين: إن آثار الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003م - إلى جانب عدم وجود ضوابط حكومية كافيـة على الانبعـاثات والمخلفـات الصناعية - قد حولت جميعُها العراق إلى أحد أكثر بلدان العالم تلوثاً. وتحدث مسؤولون عن تلوث الماء والهواء والتربة الناجم عن مخلفات الحرب والقصف باليورانيوم المنضب بالإضافة إلى انبعاثات السيارات والمولدات الكهربائية في المناطق المزدحمة واستخدام الأسمدة الكيميائية دون تخطيط. وكانت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة قد استخدمت اليورانيوم المنضب كمكون أساسي في قذائف الدبابات الخارقة للدروع في حربي 1991م و 2003م.

ومن المؤسف أن العراق اليوم يقف في مجال التلوث في المرتبة الأولى في العالم؟ بسبب المصائب والرزايا التي نالها العراق من الحروب فقد ضربت القوات الأمريكية الدبابات العراقية بالقذائف المحملة بـ (اليورانيوم المستنزف) لاختراق دروع الدبابات فلوث اليورانيوم المستنزف حقول البصرة خاصة مزارع التمور العراقية. كما تلوثت تربة وهواء ومياه منطقة الخليج بما فيها البصرة.

وكان التلوث الأكبر قد حصل بعد غزو العراق 2003م من خلال  تلوث مناطق جنوب بغداد عندما سرق جناة أغبياء مقرَّ ومخازن منظمة الطاقة النووية العراقية في الزعفرانية واستخدموا البراميل في حفظ المياه، وليس هناك من دراسة طبية في رصد ما حدث؛ إذ لم يبق في العراق مؤسسات علمية لاستقراء ما حل في العراق من تلوثات هائلة على مدى السنوات السابقة، ومن المؤسف أن حكومة المالكي لم تنتبه ولم تهتم بالأمر وكأن الأمر لا يعنيها؛ لذلك لم نلمس أي تحرُّك من وزارة البيئة حتى صدور تقرير التايمز البريطانية الذي كشف الفضيحة، وكشف تقاعُس المسؤولين العراقيين عن التدخل لحماية صحة المواطن العراقي وحماية البيئة العراقية. بل إن فضيحة تقرير (الغارديان) البريطانية يوم الخميس الماضي من أن أن شركة (أوكتيل) البريطانية قدمت رشاً لمسؤولين عراقيين للاستمرار في شراء الوقود السام مقابل أن يتغاضوا عن تأثير ذلك على صحة الأطفال. وإن هناك توقعات بتسليم مدير الشركة البريطانية بول غينينس إلى الولايات المتحدة ليحاكَم بتهمة تقديم رشاً بملايين الدولارات لمسؤولين عراقيين حتى يتغاضوا عن الآثار الخطيرة على صحة الأطفال العراقيين ويستمروا في شراء مواد سامة، تُستخدَم في إنتاج وقود السيارات. وأشارت الصحيفة إلى أن غينينس ومساعده دينس كيريسون صدَّرا أطناناً من الرصاص رباعي الإيتيل إلى العراق وهي مادة محظورة دولياً لكونها تصيب الأطفال بضرر في الدماغ. وكانت الشركة التي غيرت اسمها من (أوكتيل) إلى (إينوسبيك) قد أقرت مؤخراً بأن مسؤولين فيها قدموا رشاً بملايين الدولارات لمسؤولين في العراق في سبيل زيادة الأرباح للاستمرار في استخدام المادة المذكورة رغم عواقبها الصحية على الأطفال.

وتشير الدراسات إلى أن استخدام الأسلحة المحرمة في العراق قد أثر في (أجنَّة النساء) الحوامل اللواتي استنشقن الغبار حتى لو كان هذا الاستنشاق من مسافة عشرات الكيلو مترات من موقع الإطلاق. وأفاد أحدث تقرير طبي صادر عن وزارة الصحة بأن نحواً من 64 ألف شخص أصيبوا بالسرطان خلال السنوات الخمس الماضية، وجاء في التقرير الذي أُعدَّ من قِبَل ستة من المتخصصين بأمراض السرطان أن (الإحصائيات المتوافرة في المحافظات العراقية، تؤكد إصابة 63923 شخصاً بالسرطان خلال السنوات الخمس الماضية، منهم 32281 من الذكور و 31552 من الإناث، تعرَّض أغلبهم إلى الموت، ويشكل الأطفال والنساء النسبة الأكبر من المصابين.

تُرَى متى سيحاكَم المجرمون الحقيقيون المسؤولون عن هذه الكوارث البيئة في العراق؟

 

 

أعلى