• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العمل الخيري والأدوار المعاصرة المطلوبة

العمل الخيري والأدوار المعاصرة المطلوبة


التعقيدات التي نعيشها في عالمنا المعاصر، والتحولات السريعة، والمنعطفات الحادة، وتعدد مسارات الأحداث.. كل ذلك أضحى يلقي بمسؤوليات جسيمة على قطاع العمل الخيري، ويستنهضه ليكون أكثر فاعلية وتأثيرًا في هذا العالم الذي يعج بالمتغيرات والمفاجآت.

الفاعلية والتأثير اللذان نعنيهما: أن يكون للعمل الخيري دور أكبر في خدمة قضايا أمتنا الإسلامية. فمع سعة الإمكانات، والدعم الرسمي والاحترام الشعبي الذي يحظى به العمل الخيري كقيمة شرعية وأخلاقية، فمن غير المعقول أن يظل هذا القطاع متخندقًا خلف صناديق مساعدة الفقراء، وإعانة المحتاجين، ليصبح كما في أذهان بعض الناس «آلة مناولة» فحسب!!

نعم.. إيصال الخير للناس، وتوجيه أموال المتبرعين عبر المسارات الصحيحة لتصل إلى مستحقيها.. كل ذلك يعتبر عملًا أصيلًا لهذا القطاع، لكن تداعيات الواقع المعاش تحتم كسر تلك القوقعة، والخروج إلى عالم أرحب. وذلك بتفعيل دور القطاع الخيري ليصبح أحد صنّاع وموجهي الأحداث في عالمنا المعاصر.

لقد غدا قطاع العمل الخيري مشبعًا بكل المقومات التي تجعله مؤهلًا ليمارس وظائف جديدة، ومهام أكثر تأثيرًا، وهي وظائف ومهام تتماشى مع طبيعته، وتتسق مع أهدافه الإنسانية.

ولعل من أبرز تلك الوظائف والمهام:

1. تحسين صورة الدول الإسلامية وإدارة سمعتها:

فبعد رواج شبهات ما بعد 11 سبتمبر، انكفأ القطاع الخيري على وجهه، ورجع القهقرى - وهكذا أراد له أعداؤنا - وقد أضر هذا الانكفاء كثيرًا بالمجتمعات والدول الإسلامية، إذ أورث الجميع ما يشبه انحناء الرأس عند هبوب العاصفة أملًا أن تمر. 

وفي غمرة هذه الانحناءة تلاعبت ألسنٌ وأسنةُ أقلام بسمعة الإسلام، حتى غدا لفظ «الإسلام» أيقونة للإرهاب، وغدا لفظ «المسلم» قرينًا للتخريب وإزهاق الأرواح البريئة.

هذا الواقع الذي مضى كأمس الذاهب، بقيت بعض مراراته تطارد الكيانات الخيرية، بل والدول الإسلامية. وهو أمر يستوجب تفعيل دور القطاع الخيري ليعمل كواجهة إعلامية، تعمل برؤية مخططة من أجل تحسين صورة الإسلام، وإدارة سمعة المسلمين، وذلك على نحو يحيي أمجاد هذا القطاع، ويبرز أعماله الإنسانية، ومن ثَمّ يكبت الشبهات ويدفعها، ويعلن للعالم براءة العمل الخيري والدول الإسلامية من كل قبيح جرى إلصاقه بهم.

2. الحد من خطورة الأموال المؤدلجة:

الملاحظ أن تراجع العمل الخيري بعد 11 سبتمبر أسهم كثيرًا في نمو بؤر انتهازية، كان أبرزها: التشيع الرافضي بنمطه الإيراني الفارسي، حيث استغلت إيران تغييب القطاع الخيري الموثوق عن أكثر من 70 دولة في العالم، وأجلبت بخيلها ورجلها على الفقراء والمحتاجين في بعض تلك البلدان، ونجحت في بث فتنتها عبر استغلال حالة الفراغ الحادثة بفعل تغييب هذا القطاع.

دخلت إيران إلى بعض تلك البلدان عن طريق «المال المؤدلج» وهو مال يدخل في دثار العمل الخيري، لكنه يستبطن أهدافًا أيدلوجية، تكمن في نشر الفكر الشيعي الرافضي، في معادلة كريهة: الاعتقاد مقابل الغذاء، والتشيع مقابل الدواء.

إن إطلاق يد العمل الخيري، ومساعدته على الانطلاق، من شأنه حماية أهل السنة في العالم، فلقطاع العمل الخيري قدرات متعددة، وسمعة ممتازة، تجعله مؤهلًا وكفيلًا بمكافحة تلك السموم التي حقنتها إيران في جسد الأمة السنيّة. وقد يتحقق ذلك بمجرد استعادة القطاع لأعماله الدعوية والتعليمية القائمة على عقيدة أهل السنة والجماعة. 

3. ارتياد آفاق العمل الأممي:

العمل الأممي المقصود هنا: ذلك العمل المؤسسي، المعترف به دوليًّا، ومن خلاله تستطيع الدول الإسلامية توجيه الأموال إلى مواطن الاحتياج بصورة مباشرة. وهو طريق ينأى بالأموال عن هيمنة منظمات وصناديق الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، ويضمن لهذه الدول تحكمًا كاملًا في توجيه أموالها، وينقلها من دول مانحة (متفرجة)، إلى دول تملك القرار والتنفيذ، بما يتماشى مع مصالحها، ومصالح المجتمعات التي يجري تمرير هذه الأموال إليها، ويجعل هذه الأموال بعيدة عن المزايدات. 

إن هذا الأمر يبدأ عبر دعم وحماية القطاع الخيري، وتوفير حماية وغطاء قانوني من جانب منظومة الدول الإسلامية، فيجري ترسيم هذا القطاع دوليًّا، وإضفاء صبغة الشرعية الدولية عليه، وعقد الاتفاقات الدولية والأممية الكفيلة بحماية أمواله ومنسوبيه، وضمان سلامة وحرية تنقلهم، ومعاملتهم كسائر المنظمات الأممية والبعثات الدبلوماسية، خاصة وأنه قد ثبت بالبرهان القاطع - داخليًّا وخارجيًّا - براءة منسوبي وأموال وأنشطة هذا القطاع من جميع الاتهامات التي كالتها له الصحافة الغربية زورًا وبهتانًا بعد 11 سبتمبر.

إن هذه الحماية كفيلة بإكساب هذا القطاع مرونة في التحرك بحرية نحو مواطن الأزمات، وفاعلية أكثر في التعامل معها قبل وصولها إلى مرحلة النضج.

4. ممارسة الدبلوماسية الشعبية:

إن لغة «الإحسان» هي اللغة الجديرة بكسر جدار العداوات، والكفيلة بجبر كسور التواصل. وبلا ريب فإن قطاع العمل الخيري يعتبر أكثر جهة تجيد هذه اللغة، وذلك طبع أصيل في أنشطة هذا القطاع.

إن القطاع الخيري يستطيع بكل سلاسة أن يمارس «دبلوماسية شعبية» تعتني برتق الفجوات التي تحدثها عوالم السياسة بين أنظمة الدول، وعبر هذه الدبلوماسية يستطيع القطاع أن يعمل موجهًا لشعوب الدول المختلفة، ومرسخًا لصورة مثالية لدولنا الإسلامية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

5. صنع مسارات المستقبل الفكري للمجتمعات الإسلامية:

في عالم اليوم، أضحت المجتمعات الإسلامية تعيش واقعًا مريرًا من التخبط، وذلك بفعل دسائس أعدائها، وجهل بعض أبنائها. 

فحين صورت الآلة الإعلامية الغربية الفرد المسلم في صورة متخلف جلف، يأبى الرقي والتطور، ويجنح نحو الهمجية والعدوانية، خرج بعض الغلاة والجهلاء من أبناء الأمة متبرعين بتثبيت تلك الصورة المقيتة، وذلك عبر ممارسات تمتطي صهوة الدين وتزعم أنها من شريعة رب العالمين.

إن هذه الممارسات تعتبر في المقام الأول خللًا فكريًّا تربويًّا، يحتاج إلى معالجة صائبة ومتأنية، عبر مناهج تربوية ومحاضن تعليمية تعمل على ترسيخ ونشر الإسلام الوسطي، ولعل العمل الخيري من أقدر الجهات على قيادة هذا التغيير، وضبط مساره المستقبلي، وذلك اتكاءً على ما يملكه هذا القطاع من إمكانيات وعلاقات وتصورات شرعية.

:: مجلة البيان العدد  338 شوال  1436هـ، يوليو  - أغسطس  2015م.

أعلى