الأزمة الليبية والسيناريوهات المحتملة

الأزمة الليبية والسيناريوهات المحتملة

بمرور الوقت تزداد تعقيدات الأزمة الليبية وتبدو كأنها عصية عن الحل؛ لأن دعوات التدخل العسكري تتصاعد من وقت لآخر، كما أن التهديد بالعقوبات بات أحد الأساليب الغربية للضغط على أطراف الأزمة المتصاعدة بين حوالي 25 فصيلاً مسلحاً، نصفهم يدعم المؤتمر الوطني العام «حكومة طرابلس التي يرأسها عمر الحاسي»، والنصف الآخر من هذه الفصائل المسلحة يتبنى موقف مجلس النواب بمدينة طبرق ورئيس الوزراء الليبي المرغوب غربياً عبد الله الثني، والمدعوم بقوات رئاسة الأركان التي يدعمها خليفة حفتر، ذلك الاسم الشهير المتهم بالانقلاب على شرعية ما بعد الثورة، والذي يدعمه النظام الحاكم في مصر بشكل مباشر وبعض الأنظمة العربية.

بين هذا وذاك استطاع تنظيم الدولة «داعش» أن يستغل حالة الفوضى التي تشهدها البلاد ليفرض سيطرته على بعض المدن الساحلية، فكانت مدينة درنة المعقل الأول للتنظيم والذي طرد منها مؤخراً، مروراً بمدينة سرت، وصولاً إلى السيطرة على بعض منابع النفط المهمة، ولا سيما حقل المبروك النفطي، وباتت منطقة الهلال النفطي هدفاً له، كما أن مدينة مصراتة باتت هي الأخرى هدفاً يسعى التنظيم للسيطرة عليها مستقبلاً.

رغم المحاولات السلمية المبذولة من قبل أطراف متعددة لوقف نزيف الدم الليبي، إلا أنها لم تحقق أي شيء يذكر في هذا الشأن، حتى الحديث الإعلامي عن نجاح اتفاق «الصخيرات» الأخير في المغرب يفتقد إلى المصداقية؛ لأن النجاح يتطلب توقيع الأطراف كافة عليه، ولا سيما الرئيسة منها، فرفض المؤتمر الوطني العام التوقيع على الاتفاق وربط توقيعه بشروط تتطلب تعديل بعض نصوص مسودة الاتفاق، تجعل نجاحه على المحك؛ لأن الحل السلمي يتطلب توافق الأطراف الرئيسة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، لكن يبقى الباب مفتوحاً لإلحاق المؤتمر الوطني العام باتفاق الصخيرات، حينها يمكن الحديث عن توفر فرصة مناسبة لعودة الحوار السياسي  بين الأطراف المتنازعة من جديد.

وحتى لو افترضنا جدلاً انضمام المؤتمر الوطني العام للاتفاق، هل توقيع الأطراف كافة كافٍ لوضع حد للصراع الدموي؟ أم أن التوقيع على المسودة يبقى أشبه بحصان طروادة كما وصفة أحد المحللين السياسيين الليبيين.

الأمر المؤكد في هذا الصدد هو أن الحوار الحقيقي لم يبدأ بعد؛ لأن المسودات التي تتحدث عنها بعثة الأمم المتحدة من حين لآخر هي جزء من مشروع البعثة الدولية التي تسعى لتمريره من أجل البحث عن إطار شرعي أو سياسي أو قانوني، من شأنه أن يشكل أرضية أو مرجعية مناسبة يمكن البناء عليها مستقبلاً، لذا فإن معظم الأطراف الموقعة على مسودة اتفاق الصخيرات، لم تكتشف بعد طبيعة الغموض الذي تحمله المسودة في ثناياها، وهو ما دفع المؤتمر الوطني العام لرفض التوقيع عليها، خاصة أن مسودة الاتفاق لا تراعي مبدأ التوازن السياسي بين الأطراف الليبية كافة، كما أن مسودة الاتفاق تؤكد تشكيل حكومة وحدة وطنية وتعتبر برلمان طبرق الهيئة التشريعية للبلاد، وهو ما ينكر وجود المؤتمر الوطني العام في طرابلس، لذلك كان توقيع الأطراف الأخرى على الاتفاق من مبدأ تحقيق مكسب سياسي على حساب المؤتمر الوطني العام وأكثر من اثنى عشر فصيلاً مسلحاً تدعم الأخير، وهو ما يؤكد عدم مراعاة حالة التوازن السياسي والعسكري على الأرض.

من جانب آخر كان واضحاً أن الإعلان عن اتفاق الصخيرات، قد كان محل ترحيب دولي، مصحوباً بلغة تهديد واضحة وجهتها بعض الأطراف الأوروبية إلى المؤتمر الوطني العام بعد رفضه التوقيع عليه، فوزير الخارجية الإيطالي «جينتيلوني» هدد بعزلة دولية للأطراف الرافضة للتوقيع على الاتفاق، كما أن مصادر أوروبية أكدت نية الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات عقابية على تلك الأطراف الرافضة للاتفاق في إطار الأمم المتحدة.

لذلك يبدو من خلال تلك المعطيات أن هناك تحولاً كبيراً قد طرأ على الموقف الغربي تجاه الأطراف الرئيسة للصراع، فهذا التحول المهم بات أكثر دعماً لرئيس الوزراء عبد الله الثني ومجلس النواب في طبرق، المدعومين بقوات الانقلابي خليفة حفتر، الذي بات يحظى بشرعية دولية أكثر من أي وقت مضى، كما أن المزاج الدولي بدأ أكثر انسجاماً مع الموقف المصري الداعم لقوات حفتر ومجلس طبرق.

في المقابل تتضاءل خيارات المؤتمر الوطني العام الذي بدأ يتجه خلال الساعات القليلة الماضية لبحث إمكانية إجراء تعديل على مسودة اتفاق الصخيرات، وهو ما رفضته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عبر رئيسها «برناردينو ليون» الذي أكد مراراً وضوح الاتفاق في نصوصه بما لا يدع مجالاً لتعديله.

في هذه الأثناء اختلفت لهجة المؤتمر الوطني العام تجاه الاتفاق، وبدأت تحمل رئيس البعثة الدولية مسؤولية تعثر الحوار، واعتبر المؤتمر الوطني العام اتفاق الصخيرات غير ملزم بالنسبة له، داعياً الأطراف الليبية الأخرى إلى الدخول في حوار دون أي وساطة خارجية، وهو ما يبقي الأزمة مفتوحة على سيناريوهات محتملة عدة هي:

السيناريو الأول: تجاوب دولي لشروط المؤتمر الوطني وإدخال بعض التعديلات على مسودة الاتفاق لإقناع المؤتمر الوطني العام بالتوقيع على المسودة وبدء تنفيذ بنودها لاحقاً بموافقة الأطراف كافة.

السيناريو الثاني: تشكيل حكومة وحدة وطنية في المناطق التي لا يسيطر عليها المؤتمر الوطني العام، مع فرض العقوبات الدولية عليه، لإرغامه على قبول ما جاء في الاتفاق.

السيناريو الثالث: استمرار تصاعد حدة الأزمة وبدء بعثة الأمم المتحدة بالبحث عن حلول جديدة من شأنها تقريب المواقف للتوصل إلى صيغة اتفاق مناسب للأطراف كافة، من شأنه أن يضع حداً للصراع المستمر.

:: مجلة البيان العدد  339 ذو القعدة  1436هـ، أغسطس  - سبتمبر  2015م.

أعلى