• - الموافق2024/04/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
جولة بين خيام اللاجئين في تركيا

جولة بين خيام اللاجئين في تركيا

هبطت طائرتنا القادمة من إسطنبول في مطار محافظة «هاتاي» التركية لنتوجه إلى مدينة «الريحانية»، بعد صعوبات في إجراءات الخروج من المطار بسبب هيئتنا العربية وجوارها الملاصق للجانب السوري، استضافتنا إحدى المؤسسات الإغاثية القائمة على مخيمات اللاجئين في الداخل السوري لنقيم داخل مدينة الريحانية التي تبعد عن الأراضي السورية خمسة كيلومترات لنقف على الواقع الذي يعيشه السوريون داخل المدينة.

الريحانية:

هي مدينة داخل محافظة «هاتاي» التركية، وإحدى مدن «لواء إسكندرون» المتنازَع عليه بين سوريا وتركيا، كما يقع فيها معبر «باب الهوى» الفاصل بين حدود البلدين. ويقابلها من الجانب السوري للحدود الحالية مدينتا «حارم، وكفر تخاريم» في محافظة إدلب. وغالبية سكان المدينة من العرب السنة، ويتكلم فيها الأتراك اللغة العربية كلغة ثانية بجانب لغتهم الأصلية. يفضل السوريون التواجد فيها واللجوء إليها عن مدن «هاتاي»، بسبب مذهب أهلها السني والبعد التاريخي والمصاهرة بين أهل المدينة وأهل سوريا، كما تتمركز في الريحانية أغلب الهيئات الإغاثية والطبية والدعوية التي تدير المخيمات في الداخل السوري.

تتشابه المدينة بشكل كبير مع المدن السورية، خاصة مدينة إدلب، ما يعد عامل جذب للجوء السوريين إليها. تتزايد بالمدينة الإجراءت الأمنية بشكل كبير، فعربات الشرطة، وحرس الحدود التركي (الجندرمة) يتجولون في الشوارع 24 ساعة بلا انقطاع، وقد استُهدِفت المدينة قبل ذلك عدة مرات بتفجيرات سقط فيها عدد كبير من الأتراك بين قتيل وجريح، يرجح بعضهم أنها من انتقام نظام الأسد.

لا يحبذ السوريون الذهاب إلى مدينة «أنطاكيا» التي تبعد عن الريحانية أقل من 100 كيلومتر؛ نظرًا لوضع أنطاكيا المرتبك وتركيبتها السكانية المعقدة، التي جعلت تعاطفها مع القضية السورية أقل بكثير من تعاطف أهل الريحانية، فأنطاكيا خليط بين علويين وسنة، ومزيج من أتراك يقفون في صف المعارضة، وأتراك يقدمون الولاء للنظام السوري أكثر من ولائهم لحكومتهم. وهي أيضًا مدينة تحتوي على كافة أصناف السوريين من مؤيدين للنظام وحياديين ومعارضين.

الدور التركي:

يبرز الدور التركي واضحًا جليًّا في أزمة اللاجئين السوريين باستضافتهم وإكرامهم داخل الأراضي التركية، واحتضان مؤسسات الثورة، وتحمل غباء النظام الأسدي بعملياته الانتقامية في الداخل التركي، ويتضح هذا في ثناء القائمين على المؤسسات الإغاثية من السوريين على حكومة تركيا وشعبها حتى وصل الحال بالبعض إلى تعليق الأعلام التركية وصور الرئيس التركي في الشُرف والمكاتب.

وقد أصدرت تركيا نهاية العام المنصرم هويات مؤقتة للاجئين للإقامة بالداخل التركي، ومنحتهم حقوق المواطنة التي يحصل عليها المواطن التركي: كتسجيل الطلاب بالمدارس التركية، ومراجعة المشافي، وإمكانية التنقل بين المدن، والسفر بالطائرة، وإجراءات المعاملات الحكومية، وتنظيم عقد الإيجار، وتسجيل ساعة الكهرباء والماء والغاز، وفتح حساب مصرفي.

ووفق تصريح رسمي لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين «أنطونيو غوتيريش» فإن تركيا تعتبر اليوم الدولة الأولى في العالم من حيث استضافة اللاجئين وتقديم الخدمات الضرورية لهم.

وأكد غوتيريش أن تركيا تستضيف حاليًا أكثر من 4 ملايين و100 ألف لاجئ من مختلف الجنسيات، وهو الرقم الأكبر مقارنة مع الدول الأخرى. معظم هؤلاء اللاجئين من العراقيين والسوريين.

بداية الرحلة:

زيارات المشافي:

ابتدأنا رحلتنا بجولات في المشافي الطبية التابعة للمنظمات الإغاثية، منها: منظمة «بنفسج». دخلنا المشفى التابع للمؤسسة الذي يقع في دور أرضي تجاري، وتم تقسيمه إلى: عيادات للأعصاب، والباطنة والقلب، والجلدية، والعلاج الفزيائي، والعيادة النسائية، وأماكن للإقامة الطويلة للعلاج مقسمة إلى مكان للرجال ومكان للنساء ومجهزة بإمكانات بسيطة للغاية. أغلب الإصابات التي زرناها ناجمة عن طريق القصف الجوي بالبراميل المتفجرة.

اشتكى المسؤول عن المشفى من صعوبة استقدام الأجهزة الطبية، خاصة العصبية والفزيائية، بالإضافة إلى ندرة قدوم الأطباء المتطوعين للتشخيص والجراحة، والغريب أن أغلب المتطوعين كانوا من الأطباء الأجانب، ولم يزرهم طبيب عربي واحد!

الحالة النفسية للمرضى كانت سيئة لدرجة كبيرة، فأحدهم مُصاب بشلل في قدميه، حين رآنا أخذ يصرخ ويصيح كي نحاول فعل أي مساعدة طبية ليستعيد التحرك على قدميه، وآخر مُسن فقد قدمه تمامًا كان يُعالَج علاجًا فزيائيًّا تنَهَّدَ تنهيدةً ملؤها الضجر، وتمنى بعدها الرجوع لبلده هروبًا من غلاء المعيشة في تركيا.

ليسوا وحدهم المرضى مَن يعانون من الحالة النفسية السيئة، فالعاملون أيضًا في المشافي معاناتهم أشد وأعظم؛ فهذا «أبو سفيان» شرح لنا جزءًا من معاناته مع المرضى، خاصة المصاب منهم بالشلل وليست له قدرة على الحركة، قال: «الضغط النفسي علينا مضاعف بسبب ما نراه من نقل المرضى وخدمتهم، بالإضافة إلى تحمل عصبية ونفسية المريض، فهناك بعض المرضى يحتاجون إلى إدخالهم الحمام لقضاء الحاجة أو للاستحمام، وهذا ليس أمرًا سهلًا على نفسية المريض، خاصة إن كان صغيرًا في السن».

انتقلنا بعد ذلك إلى «دار الاستشفاء»، وهو مشفى تابع لعدة مؤسسات وهيئات خيرية، اكتفينا بزيارة الدور الأرضي وهو قسم فاقدي الأطراف والمصابين بالشلل. والملفت للنظر أن أغلب المصابين مقاتلون وصغار في السن، وتسيطر عليهم حالة من الإحباط بسبب إصابتهم، وكلهم يلهجون بحمد الله تعالى على قدره وتعويضهم خيرًا.

لافتات كثيرة في المشفى تدعو للابتسام والتفاؤل والأمل، ولكن الظروف التي بها المرضى أقوى من أن يستجيبوا لها أو أن ينظروا إليها من الأصل!

أبناء الشهداء:

انتقلنا بعد ذلك لزيارة مؤسسة «كهاتين» لكفالة اليتامى من أبناء الشهداء، والتقينا بالقائمين عليها، وشرحوا لنا أن الجمعية قائمة منذ عام 2008م بالداخل السوري، وكانت مُكَلَّفَة برعاية أبناء الشهداء في قطاع غزة، وتحول جهدها بالكامل إلى السوريين بعد اندلاع الثورة وسقوط الشهداء.

المؤسسة تكفل أكثر من 30 ألف طفل يتيم في الداخل والخارج السوري، بالإضافة إلى إيواء 40 طفلًا بشكل كامل من فاقدي الأب والأم ضمن برنامج تربوي شامل يشرف عليه متخصصون في المجال التربوي والديني. البرنامج يحوي برامج للعلوم الشرعية وتحفيظ القرآن وبرامج ترفيهية للأطفال اليتامى، كما يتعهد بالأطفال إلى سن زواجهم وعملهم.

تسعى المؤسسة إلى بناء مدينة متكاملة للأيتام داخل الأراضي التركية، بحيث تتسع إلى عدد أكبر من الأطفال، شاملة كل وسائل التعليم والترفيه. الملفت للنظر هو حسن إدارة الجمعية وشفافية الأمور المالية فيها.

بعد ذلك يأتي تفقد الشق الدعوي والتربوي في الرحلة فكانت زيارتنا إلى «هيئة الشام الإسلامية»، وهي مؤسسة إسلامية دعوية (علمية في المقام الأول)، تتفرع منها عدة قطاعات إغاثية وطبية، تأسست بعد اندلاع الثورة بشهور، ولها 16 فرعًا في الداخل السوري والخارج.

للهيئة مجهود دعوي عظيم خاصة في تحفيظ القرآن؛ فقد أسست «جمعية الشام لتعليم القرآن الكريم»، وهي تشرف على 500 حلقة قرآن، و15 ألف طالب وطالبة، وقد تم تخريج عشرات الحفاظ لكتاب الله، يسكن بعضهم في مخيم «الزعتري» بالأردن.

الهيئة لها مجهود إغاثي رائع في الداخل السوري؛ فهي تملك 75 فريقًا بمجموع ألف شخص للعمل في المشاريع الخاصة بالهيئة داخل المخيمات، والهيئة أيضًا لها أثر علمي وشرعي في الثورة؛ فقد أصدرت فتاوى الثورة السورية، وهذه الفتاوى أصبحت مرجعًا شرعيًّا مهمًّا لكل الفصائل المقاتلة في فقه الجهاد كي لا تتخبط الفصائل في فتاوى مغلوطة أو مضللة.

بعدها انتقلنا إلى «دار الحرائر»، وهي معهد لإعداد الداعيات يهتم بالجوانب الشرعية والعلمية والمهارية والاجتماعية، وتمتاز الدار بانضباطها الشرعي والمنهجي في المناهج المقدمة للطلاب، كما يتم إلزام كل طالبة قبل التخرج بإعداد مشروع للتخرج.

داخل المخيمات:

قابلنا بعد ذلك الشيخ «أيمن»، وهو من الدعاة السوريين في «الريحانية»، وله أثر عظيم في الدعوة بأغلب المؤسسات الموجودة في الداخل أو الخارج، حدثنا الشيخ عن الكارثة المجتمعية التي تحدث داخل المخيمات بسبب غياب الوعي التربوي أو الدعوي أو الأخلاقي للدرجة التي يضطر فيها إلى المبيت مع بعض إخوانه داخل المخيمات لتثقيف القاطنين. كما يعمل على إعداد كوادر في كل مخيم لكي يقوموا بحمل المسؤولية التوعوية داخل المخيم. وتحدث الشيخ عن مخاطر الزيجات التي تتم بلا وعي في المخيمات، وأنها من أكثر المشاكل التي يواجهونها، وأرجع ذلك إلى أن بعض الآباء يفرحون بالمهور دون أن ينظروا إلى أخلاق الزوج أو أصله، ثم بعدها يتم الطلاق وترجع البنت لأبيها ليزيد العبء ويصبح الحمل حملين.

أبدى قلقه أيضًا من خطورة هجرة السوريين إلى البلاد الغربية؛ بما فيها من ذوبان للهوية الإسلامية والسورية، وإهمال القضية السورية مع الوقت الطويل بسبب الانشغال والعيش في الأجواء المترفة.

المنظمات الإغاثية:

جلسنا مع «فؤاد السيد»، وهو أحد مديري البرامج داخل إحدى المنظمات ليحدثنا عن وضع المنظمات والهيئات الخيرية سواء في الداخل أو الخارج، فأبدى لنا استياءَه الشديد من المنظمات العربية، خاصة في التوزيع والتخطيط للمساعدات، وأن أغلبها يعطي المساعدات للجهات الدولية المانحة مثل: «الأمم المتحدة»، ثم بعد ذلك تحوَّل إلى المنظمات السورية التي تعمل بتركيا، وفي خلال هذه الدورة تُخصم مصاريف تشغيلية وإدارية كبيرة تؤدي إلى تآكل قيمة التبرعات الإجمالية، وقال: «إن حل تلك المعضلة التنسيق بين المؤسسات العربية والخليجية خاصة، والهيئات السورية الثقة المعروفة بنزاهة أدائها».

وأضاف فؤاد: «إن بعض المخيمات بالداخل تتم إدارتها من فاسدين يفرضون إيجارًا على الخيام، وأحيانًا يتم نهب بعض المساعدات الموجهة للمخيمات»، وأردف: «إن الحل في ذلك كله هو فرض رقابة على جميع المخيمات في الداخل لضمان إيصال الدعم إلى مستحقيه».

الأحوال الإنسانية:

وعن الأحوال الإنسانية في ظل الوضع الحاصل فحدِّثْ ولا حرج؛ فهذا «عمر» لم يستطع أن يرى والدته أو والده مدة أربع سنوات بسبب مطاردة نظام الأسد له، ورآهم بعد تحرير مدينة إدلب عن قريب. وهذا الآخر واسمه «مسلم» لم يرَ خطيبته منذ ثمانية شهور بسبب وجوده في منطقة محررة، وخطيبته في منطقة أخرى بيد النظام، واضطر في النهاية إلى أن يعقد عليها عبر الإنترنت. هذا بالإضافة إلى الآلاف من الطلاب الجامعيين الذين فُصِلوا من الجامعات، ويدرسون الآن في فروع الجامعات العربية في تركيا أو في الجامعات التركية نفسها.

وهذا والله غيض من فيض، ومن كثرة القصص والمآسي تحيرت أيهم أكتب حتى تذكرت قول الشاعر:

تَكَاثرَتِ الظّبَاءُ على خِرَاشٍ

فما يدري خِراشٌ ما يصيدُ

ولسنا هنا في مقام القصص، فالمواقع والتقارير مليئة بها، ولكن هنا مقام الحث على دعم الثورة السورية بكل ما نملك من إمكانيات، لأن الكارثة فوق الاحتمال، والعبء ثقيل جدًّا، فكل مَن هناك تشبه أوضاعُهم أوضاعَ الحرب العالمية الأولى والثانية، ويؤسفني أن أقول: «بل إن الوضع أشد»، ومن الظاهر أن الأزمة ستطول، وإن لم ندرك أنها أزمة أمة بأكملها ونتكاتف ونشد من عضد إخواننا فستكون بعد سوريا نسخ كثيرة مكررة في بلدان الإسلام!

 :: مجلة البيان العدد  341 مـحـرّم  1437هـ، أكتوبر - نوفمبر  2015م.

 

أعلى