• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التدخل الروسي في سوريا كيف ولماذا؟

التدخل الروسي في سوريا كيف ولماذا؟

الأسابيع القليلة التي سبقت وصول طلائع القوات الروسية إلى سوريا والأسابيع القليلة التي أعقبت وصولها شهدت نشاطًا دبلوماسيًّا محمومًا، شارك فيه مسؤولون كبار من أمريكا وروسيا والصين والدول الأوربية ودول الإقليم؛ نستطيع أن نستخلص من مجمل تلك اللقاءات أن التدخل العسكري الروسي في سوريا لم يكن مفاجأة لأحد - ربما باستثناء السوريين أنفسهم - كما دلت التصريحات الأمريكية والأوربية التي علقت على ذلك التدخل بترحيب ضمني به ورضا واضح عنه بعد وقوعه.

هذه المقدمة ضرورية لفهم التدخل الروسي في سياقه الصحيح، ولكي نستبعد فرضية كونه حلقة من حلقات الصراع على النفوذ بين روسيا وأمريكا، بل إن هذا التدخل لم يتم إلا بعيد اللقاء الذي جمع بين الرئيسين الروسي والأمريكي، ما يمنحنا مزيدًا من الثقة بأنه نتيجة لتفاهم صريح بين البلدين.

إذا كان لي أن أتخيل فإنني أفترض أن روسيا دخلت إلى سوريا بقواتها العسكرية ضمن صفقة مع أمريكا، حيث سُمح لها بالاحتفاظ بمصالحها العسكرية والاقتصادية مقابل المشاركة في الجهود الدولية الداعمة للحل السياسي؛ الحل الذي توافقت عليه القوى الدولية قبل أربعين شهرًا بقيادة أمريكية وتحت مظلة أممية.

(1)

بالعودة إلى الوراء نجد أن القوى الدولية كلها - بما فيها روسيا وأمريكا - اتفقت كلها على حل واحد للمشكلة السورية منذ وقت باكر وهو: إعادة إنتاج النظام من خلال حذف العناصر التي تعيق الحل من الطرفين - بما فيها الأسد نفسه على الأغلب - وإبقاء سوريا تحت هيمنة الطائفة العلوية. لقد استطعنا استقراء هذا الاتفاق بأنفسنا من خلال دراسة مواقف تلك الدول، قبل أن تعلن هي نفسها عنه رسميًّا في بيان جنيف الشهير.

ذلك الإعلان الصادر في الثلاثين من يونيو 2012م صار هو الأساس لكل المبادرات السياسية التي شهدتها الساحة السورية منذ ذلك الحين، وهو يمثل وجهة النظر الأمريكية والروسية والصينية والأوربية والدولية و«العربية الرسمية» للحل، باعتبار أن الذين أصدروه ووقعوا عليه هم وزراء خارجية أمريكا وروسيا وبريطانيا والصين، والأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية، وممثلة الاتحاد الأوربي السامية للسياسة الخارجية والأمنية، بوصفهم «مجموعة العمل من أجل سوريا» في ذلك الحين.

كل ما صدر عن الدول الكبرى والدول الإقليمية منذ ذلك الوقت يؤكد أن «إعلان جنيف» هو الأساس الوحيد المقبول لحل المشكلة السورية كما أشرت قبل قليل، وهذا يقتضي أن نتعرف بشكل دقيق على تفاصيل ذلك الإعلان الذي نص على «فرض مرحلة انتقالية ضمن أربعة مبادئ أساسية»، هذا تفصيلها:

المبدأ الأول بعنوان: «منظور للمستقبل»، وينص على إقامة دولة ديمقراطية تعددية تمتثل للمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وتتيح فرصًا متساوية لجميع السوريين، بعيدًا عن التمييز القائم على أساس عرقي أو ديني أو لغوي.

المبدأ الثاني بعنوان: «خطوات واضحة في العملية الانتقالية لا رجعة فيها»، وتشمل إنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذية، تضم أعضاء من الحكومة والمعارضة الحاليتين ومن مجموعات أخرى، ويتم تشكيلها على أساس الموافقة المتبادلة، ويكون من مسؤولياتها الإعداد لحوار وطني تشارك فيه جميع فئات المجتمع السوري، وإعادة النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية، على أن تعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام، والإعداد لانتخابات حرة نزيهة تعددية، مع التأكيد على ضرورة تمثيل المرأة تمثيلًا كاملًا في جميع مراحل العملية الانتقالية.

المبدأ الثالث بعنوان: «السلامة والاستقرار»، ويتضمن نزع سلاح المجموعات المسلحة وتسريح أفرادها أو دمجهم في المؤسسة العسكرية، وإقرار إجراءات عملية لحماية الأقليات، والإفراج عن المحتجزين من كل الأطراف، والالتزام بالمصالحة الوطنية، واستمرار الخدمات والحفاظ على المؤسسات الحكومية، بما فيها الجيش ودوائر الأمن.

المبدأ الرابع بعنوان: «خطوات سريعة للتوصل إلى اتفاق سياسي ذي مصداقية»، وأهم ما ورد فيه أن النزاع يجب أن يحل بالحوار السلمي وعن طريق التفاوض حصرًا.

(2)

لا ريب أن لروسيا مصالح اقتصادية وعسكرية في سوريا جديرة بالدفاع عنها، لكن يغلب على الظن أن التدخل الروسي لم يكن لحماية تلك المصالح بصورة مباشرة، بل هو لحماية النظام الأسدي العلوي وتكريس بقائه باعتباره حارسًا وضامنًا لتلك المصالح على المدى الطويل. ويبدو أن توقيت هذا التدخل يتوافق مع تراجع القدرات القتالية للنظام وخسائره المتتالية خلال الأشهر الأخيرة، كما يتوافق أيضًا مع الجهود الدولية المتسارعة الهادفة إلى فرض الحل السياسي على طرفي الصراع.

لنتعرف أولًا على المصالح الروسية في سوريا: إن سوريا تمثل منطقة ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لمصالح الطاقة الروسية من ناحيتين، من ناحية حصول الروس على الحق الحصري لاستخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية السورية، ومن ناحية إحباط مشروع مد خطوط نقل الغاز القطري عبر الأراضي السورية إلى تركيا ومن ثم إلى أوربا (أوربا هي أهم أسواق الغاز الروسي. وروسيا هي ثاني أكبر منتج للغاز في العالم وقطر المنتج الخامس). وقد ذهب «أندرو كريتشلو» في مقالة نشرها في جريدة «التلغراف» البريطانية منذ وقت قريب إلى أن مصلحة روسيا في النفط والغاز الطبيعي هي الدافع الوحيد للتدخل الروسي الأخير.

لا شك أن كريتشلو بالغ حينما اعتبر أن مصادر الطاقة هي «الدافع الوحيد» للتدخل الروسي، لكنها ستبقى بالتأكيد من العوامل المهمة التي تحدد علاقة روسيا بسوريا الآن وفي المستقبل، فالاقتصاد الروسي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على النفط والغاز، اللذين لا يغطيان جزءًا كبيرًا من الناتج القومي الروسي الإجمالي لكنهما جزء مهم جدًا من الصادرات الخارجية، حيث يمثلان مع المعادن المختلفة أربعة أخماس الصادرات الروسية؛ أي أن النفط والغاز مهمان لموازنة أرصدة روسيا من العملة الصعبة، وهذا يفسر تأثرها الكبير باضطراب أسعار النفط في السنتين الأخيرتين، حيث تسبب انخفاض أسعار النفط في تراجع روسيا من المركز الثالث إلى المركز التاسع في قائمة الدول الأغنى بالاحتياطات النقدية الأجنبية (بعد الصين واليابان والسعودية وسويسرا وتايوان وكوريا الجنوبية والبرازيل والهند)، وتسبب في هبوط قيمة الروبل الروسي بنسبة 43% مقابل الدولار الأمريكي خلال السنة الأخيرة، التي وصل فيها التضخم إلى أعلى مستوياته في ثلاثة عشر عامًا.

يمكننا أيضًا أن نضيف المصالح العسكرية المتمثلة في الدفاع عن القاعدة البحرية التي أنشأتها روسيا في طرطوس عام 1971م، ولكن هذا العامل سوف يتداخل - بشكل أو بآخر - مع العامل الأول، فتلك القاعدة لم تخضع لأي عمليات تجديد ذات شأن طوال أربعة عقود، حتى كان عام 2009م حينما خضعت لتحديث محدود. وفي نهاية عام 2013م بدأت عملية توسعة وصيانة رئيسية، وذلك على إثر توقيع صفقة التنقيب عن النفط في مياه الساحل السوري، التي منحت روسيا بموجبها حق التنقيب في مساحة تزيد عن ألفي كيلومتر مربع، على أمل استخراج ملياري برميل من النفط وثمانية تريليونات قدم مكعب من الغاز سنويًا، بحسب التفصيل الذي نشرته في حينه مجلة «ذا أويل أند جاز».

في نهاية المطاف تعتقد روسيا أن مصالحها في سوريا لا يمكن ضمانها إلا من خلال استمرار سيطرة الطائفة العلوية على المؤسستين العسكرية والأمنية، وقد صدرت بهذا المعنى تصريحات علنية عن الرئيس الروسي ووزير خارجيته خلال السنة الأخيرة، فأزالت أي شك في تمسك الروس بالطائفة على رأس الحكم في سوريا، بغض النظر عن الأسد نفسه هل يبقى على رأس النظام أو يستبدل به غيره من الطائفة العلوية نفسها.

(3)

إن الأهداف التي ضربتها الغارات الجوية الروسية في سوريا منذ بداية التدخل العسكري الروسي السافر ملفتة للانتباه، فقد شن الروس أولى غاراتهم في الثلاثين من سبتمبر على «كتائب العزة» في حماة، وهي من فصائل الجيش الحر ومن مكونات تحالف «جيش النصر» الذي ينتشر في ريف حماة الشمالي، ويتكون كله من فصائل الجيش الحر. بعد ذلك ثابرت الغارات على استهداف فصائل الجيش الحر في حماة وإدلب وحلب، وقد شملت حتى تاريخ كتابة هذه المقالة الفصائل التالية: صقور الغاب في حماة، الفرقة 101 في حماة، فرسان الحق في حماة، الفرقة 46 في حماة، الفرقة الساحلية الأولى في اللاذقية، الفرقة الساحلية الثانية في اللاذقية، صقور الجبل في حلب، الفرقة الوسطى في إدلب، الفرقة 13 في إدلب، فيلق الشام في إدلب، صقور الشرقية في ريف دمشق.

الملفت للانتباه أن الفصائل السابقة كلها من فصائل الجيش الحر التي تدعمها غرفة التسليح الأمريكية، واستهدفت بعض الغارات أيضًا كتائب تابعةً لحركة أحرار الشام في إدلب وجبهة النصرة في إدلب وحلب، أما داعش فلم توجه إليها أي ضربة ذات شأن. أما المناطق التي استهدفتها الغارات بشكل رئيسي فهي مناطق التماس في ريف حماة الشمالي، بالإضافة إلى ضربات أخرى أقل قوة في جبل الأكراد وريف حلب الجنوبي.

لعل المراقب لتوزيع هذه الضربات والفصائل المستهدفة فيها يلاحظ أنها تعمل على تشكيل «جدار ناري» يحيط بمناطق سيطرة النظام ويمنع تقدم الثوار باتجاهها، بمعنى «تثبيت خطوط التماس بين الفريقين». كما يلاحظ أنها تهدف إلى تحطيم القدرات القتالية لفصائل الجيش الحر التي لا تستطيع طائرات التحالف ضربها، باعتبار أنها تمثل - نظريًّا - «الطرف الصديق»، فلا هي تنتمي لتحالف النظام الذي «تزعم» أمريكا استهدافه، ولا تنتمي كذلك للتنظيمات التي تصنفها أمريكا «إرهابية» وتستبيح ضربها بذريعة محاربة الإرهاب.

هل هو دور تكاملي إذنْ بين أمريكا وروسيا: تضرب إحداهما فصائل الجيش الحر وتضرب الثانية الفصائل الإسلامية؟ ربما، فإن من شأن تحالف من هذا النوع أن يصيب القوى الثورية بأضرار كبيرة، ولعلهم يرجون أن تصل على إثره إلى درجة من الضعف ترغمها على الاستسلام لشروط الحل السياسي المطلوب.

بل ربما كان هذا هو الهدف النهائي من دفع روسيا إلى التدخل المباشر في سوريا. حتى الآن لا نجد أي دليل ينقض هذا الاستنتاج، بل نجد ما يدل على ترحيب غربي ودولي بالتدخل الروسي، ونجد ما يدل على وجود تنسيق في العمليات الجوية بين الطرفين. ومن المعروف بداهةً أن الحركة الجوية في أي سماء لا بد من خضوعها لغرفة عمليات موحدة تفاديًا للحوادث الجوية، فإذا ما طارت في الأجواء طيارات تابعة لأطراف متعددة لا تنسيق بينها فإن مظنة اصطدام تلك الطيارات معًا مرتفعة، بل تكاد تكون متحققة.

(4)

السؤال الأخير الذي ينشأ عن التدخل الروسي المباشر هو عن علاقته بإيران، فهل تم بالتفاهم المسبق بين الطرفين أم أنه جاء رغمًا عن الإيرانيين؟ وهل يمكن أن يكون الأسد هو من طلب تدخل الروس لموازنة النفوذ الإيراني والحد منه كما يشاع؟

التعليل الأخير كتبه «كريستوفر رويتر» في مقالة نشرها في مجلة «دير شبيغل» الألمانية في السادس من أكتوبر الماضي وقال فيها إن التدخل الروسي هو محاولة من الأسد للهروب من الهيمنة الإيرانية التي وصلت لدرجة عزل قائد الحرس الجمهوري، ما جعل الأسد رهينةً للحماية الإيرانية المباشرة. ونقل كاتب المقالة عن دبلوماسي روسي يعمل في السفارة الروسية في دمشق أن الأسد وأركان حكمه خائفون من الإيرانيين ومستاؤون من غطرستهم، ولم يعودوا واثقين من الإيرانيين الذين صاروا يتدخلون في أدق تفاصيل العمليات العسكرية ويتحكمون في القرار السوري.

لا أحد يستطيع الجزم بصحة الخبر الذي نشرته المجلة الألمانية، لكن يمكننا تأكيد وجود درجة عالية من التذمر في أوساط العلويين الذين بدؤوا يضجون من تسلط الشيعة الإيرانيين عليهم والتعامل معهم بفوقية وعجرفة، بالاشتراك مع حلفائهم من «حزب الله» اللبناني الذي يمارس التسلط والتكبر نفسه على عناصر قوات الأسد. كما يمكننا أن نؤكد وجود بعض التعارض بين مصالح الطرفين وصولًا إلى محاولة النظام «التمرد» على الوصاية الإيرانية، وقد ظهر هذا الصراع الخفي جليًّا أثناء مفاوضات الزبداني التي عقدت في تركيا بين الإيرانيين وحركة أحرار الشام، حيث حرص النظام على خرق الهدنة باستمرار، وأحرج الإيرانيين عندما رفض التجاوب مع طلباتهم التي شملت وقف القصف على بعض المناطق وإطلاق أعداد من المعتقلين.

برغم كل ما سبق فإن الواقع الميداني ينفي أي احتمال لإمكانية دخول الروس إلى سوريا دون موافقة ودعم إيرانيين. في نهاية الأمر فإن الإمدادات العسكرية التي يتلقاها النظام من روسيا تمر غالبًا عبر المجال الجوي الإيراني، ثم إن العمليات العسكرية على الأرض تتم بمشاركة الطرفين، وبتكامل واضح بين الأعمال العسكرية الأرضية التي يحمل الإيرانيون مع حليفهم اللبناني العبء الأكبر فيها، والأعمال العسكرية الجوية التي تتحمل روسيا النصيب الأوفر منها منذ نهاية سبتمبر الماضي.

من الصعب تصور التدخل الروسي في سوريا دون التنسيق مع إيران التي صارت - منذ وقت طويل - صاحبة الرأي والأمر والنهي في سوريا، لكن يسعنا أن نتصور شيئًا من التنافس والصراع المحدود على النفوذ بين القوتين، ولعل حادثة مقتل العميد حسين همداني، القيادي في الحرس الثوري الإيراني، تأتي في هذا السياق. ربما تنازعت القوتان الروسية والإيرانية على القيادة، فإيران ستعتبر أنها صاحبة الحق من «منظور كمي»، أي بالنظر إلى حجم مساهمتها في العمليات العسكرية وحجم القوى البشرية التي تخضع لسيطرتها على الأرض، فيما ستعتبر روسيا نفسها صاحبة الحق من «منظور نوعي»، باعتبار أن التدخل الروسي هو المرجح بسبب نوعية الأسلحة والخبرات.

إن التنافس بين الدولتين على القيادة والنفوذ مفهوم في هذا السياق، ولكن يصعب تصور وصوله إلى مستوى التنازع والقطيعة، ومن هنا أميل إلى نفي الخبر الذي نقلته وكالة «آكي» الإيطالية للأنباء بعد بداية التدخل الروسي بوقت قصير عن مصادر دبلوماسية أوربية رفيعة المستوى، حيث قالت تلك المصادر إن روسيا «أخرجت إيران من غرفة عمليات النظام السوري بشكل كامل». ولو كان لهذا الخبر أصل فإنه سيكون غالبًا بهذه الصورة: «رفضت روسيا أن تكون قواتها تحت تصرف غرفة العمليات التي تقودها إيران، وأصرت أن تكون هي الطرف المسؤول عن إدارة تلك الغرفة فيما تبقى الأطراف الثلاثة الأخرى تحت تلك القيادة: النظام وإيران وحزب الله اللبناني».

(5)

أين تتفق إيران مع روسيا وأين تختلف؟ مهما تكن طبيعة العلاقة الآنية بين الطرفين فإن من المحقق أن كلًا منهما سيبقى حريصًا على مصالحه الإستراتيجية في سوريا، وقد رأينا في جزء سابق من هذه المقالة أن المصالح الروسية تبقى محدودة مهما اتسعت، وأن روسيا تحقق مصالحها من خلال استمرار الهيمنة العلوية على الجيش والأمن ومفاصل الدولة السورية، فماذا عن إيران؟

إيران لها وضع مختلف، فإن مصالحها أكبر من ذلك بكثير، ولعل هذا هو السبب في التفاوت الهائل بين الدعم الذي قدمته روسيا للنظام الأسدي خلال السنوات الخمس الأخيرة والدعم الذي قدمته له إيران في الفترة نفسها. إن إيران ما تزال حتى الآن هي صاحبة الثقل الأكبر في سوريا، سواء من حيث الدعم المالي الضخم الذي جعل سوريا مصرفًا رئيسيًّا من مصارف الميزانية العامة لإيران واستهلك مليارات الدولارات خلال سنوات الثورة الخمس، أو من حيث الدعم البشري الهائل الذي عوض النقص الكبير في قدرات الجيش السوري القتالية، بعد خسائر وإصابات وانشقاقات كبيرة أصيب بها جيش الأسد بسبب القتال الطويل.

لقد كانت إيران سخيةً للغاية في دعمها للنظام العلوي الأسدي في سوريا، وسوف تستمر كذلك مهما بلغ العبء لأن مصالحها في سوريا غير محدودة، فهي لا تريد مزايا اقتصادية ولا قواعد عسكرية، إنها تريد أن تصبح سوريا جزءًا من الإمبراطورية الفارسية الجديدة.

عندما بدأت الثورة كان على إيران أن تتحرك على الفور لحماية مشروعها الكبير من الانهيار، وقد فعلت، فخصصت جزءًا من دخلها القومي للصرف على معركتها المفصلية في الشام، وقدمت للنظام كل أنواع الدعم بلا حساب: الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري والمليشياتي والخبراتي، وهكذا صارت إيران هي «العمود الفقري» الذي اعتمد عليه نظام الأسد، وصارت هي العمق الإستراتيجي لهذا النظام المتهالك الذي ما كان له أن يستمر بالحياة لولا هذا الدعم الهائل.

بقي أن نذكر أن إيران لم تبدأ بلعب دورها الخبيث في سوريا مع بداية الثورة، بل سبقتها بسنوات، حيث بدأت بالزحف الصامت على محورين رئيسيين: الأول هو نشر التشيع في أوساط العلويين والسنة على السواء، والثاني هو شراء العقارات والأراضي في دمشق وفي بعض المناطق السورية الأخرى، ويبدو أن الهدف النهائي لإيران كان وما يزال هو السيطرة على سوريا بالكامل وضمها إلى الإمبراطورية الفارسية الآخذة بالتوسع، حيث نجحت في ابتلاع العراق، وسيطرت على لبنان، وتوغلت في اليمن، وأوشكت أن تأكل البحرين، وهي تجهز حاليًا طبخة الكويت على نار هادئة، ولن يبقى بعدها إلا المملكة العربية السعودية، الهدف النهائي الكبير. حماها الله من الغدر والمكر الإيراني، وحمى سوريا وسائر بلدان المسلمين.

:: مجلة البيان العدد  342 صـفــر 1437هـ، نوفمبر  2015م.

أعلى