"الكيان الصهيوني" وكابوس المقاطعة
تعيش «إسرائيل» حالة قلق
واضحة من اتساع دائرة المقاطعة عليها بشكل تعاظمت معه المخاوف بأن يفضي الأمر إلى
حدوث تدهور في أوضاعها الاقتصادية. ويحذر ساسة واقتصاديون وباحثون «إسرائيليون» من
مغبّة انهيار الاقتصاد في حال تواصلت وتيرة المقاطعة التي يفرضها العالم بسبب سلوك
حكومة بنيامين نتنياهو تجاه الفلسطينيين. فقد قال وزير المالية يئير لبيد، الذي
يرأس حزب «ييش عتيد» ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم، إن الوضع القائم حالياً
سيؤثر في الوضع المادي لكل «إسرائيلي»، مشيراً إلى أنه متشائم إزاء المستقبل.
وبحسب لبيد، فإن وزارته شكلت طواقم لبناء سيناريوهات حول الوضع الاقتصادي في
إسرائيل في حال فرض مقاطعة شاملة على «إسرائيل»، مشيراً إلى أن كل السيناريوهات
تفضي إلى «نتيجة سيئة». ويقرّ الرئيس «الإسرائيلي» شمعون بيريس بأن المقاطعة
الاقتصادية «تمثل خطراً يفوق في أضراره كل الأخطار الأمنية». وقد وصل الأمر إلى حد
أن بيريس طالب الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، بإبداء المرونة
المطلوبة من أجل التوصل لتحقيق تسوية سياسية حتى لا يتم تحميلها المسؤولية عن
تعطيل المفاوضات، ما يمثل بحد ذاته سبباً لفرض مزيد من المقاطعة على «إسرائيل». ومن
المفارقة أن أرباب المرافق الاقتصادية في الكيان الصهيوني باتوا يدركون طابع الدور
الذي تلعبه حكومة نتنياهو في تعاظم المقاطعة على الكيان الصهيوني. من هنا، فقد حذر
100 من كبار مديري المرافق الاقتصادية في «إسرائيل» من «النتائج الكارثية» لجمود
المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، مشيرين إلى أن «إسرائيل» لا يمكنها مواصلة النمو
الاقتصادي والازدهار في حال تم تحميلها المسؤولية عن فشل مشروع التسوية. ويؤكد
الاقتصاديون «الإسرائيليون» أنه من دون إقامة دولة فلسطينية «فلن تضمن إسرائيل
مواصلة النمو الاقتصادي». ويحذرون من أن «الإسرائيليين» جميعاً سيعانون تبعات هذه
الأوضاع. ومما يدلل على بدء «إسرائيل» دفع ثمن اقتصادي نتاج المقاطعة، أن
المستوطنات اليهودية في منطقة «غور الأردن» خسرت العام الماضي 29 مليون دولار
لتوقف الأوروبيين عن استيراد منتوجاتها الزراعية من التمور والفلفل والعنب. لقد
تراجع التصدير من مستوطنات الغور التي يبلغ عددها 21 مستوطنة بنسبة 14%، وهو ما
ينذر بأزمة كبيرة. ويعبّر جرشون موسيكا، المسؤول عن المجمع الصناعي «بركان» الذي
يضم كل المصانع المقامة في المستوطنات اليهودية شمال الضفة الغربية، عن مخاوفه من
إمكانية تأثر عمل المصانع بالمقاطعات، مع العلم أن مجمع «بركان» يضم 120 مصنعاً.
ويتوقع موسيكا أن يتكبد أصحاب المصانع خسائر كبيرة في حال توقف العالم عن استيراد
ما تنتجه هذه المصانع، مستدركاً أنه لم يحدث حتى الآن أي تغيير على أنشطة التصدير
من المجمع. وفي سياق متصل، عبّرت محافل رسمية إسرائيلية عن مخاوفها من أن تسهم أي
مقاطعة رسمية أوروبية على إسرائيل في إلحاق أضرار كبيرة بالاقتصاد «الإسرائيلي». ونوهت
محافل في وزارة الخارجية الإسرائيلية بالعوائد الهائلة التي تجنيها «إسرائيل» من
مشاركتها في مشروع «هوريزون 2020» للأبحاث والتطوير، والذي تبلغ موازنته 77 مليار
يورو. وأكدت المحافل أنه في حال تم طرد إسرائيل من عضوية المشروع، فإن هذا يعني
اضطرار تل أبيب إلى تخصيص مليارات الدولارات لتمويل الأبحاث في مجال التقنيات
المتقدمة والصناعة، الأمر الذي سيؤدي إلى التسبب بعجز في الموازنة العامة، ما يعني
زيادة معدلات البطالة وتراجع نسب النمو الاقتصادي، فضلاً عن تراجع معدلات التصدير.
تبادل اتهامات
وقد تبادل المستوى السياسي
والدبلوماسي في إسرائيل الاتهامات بشأن المسؤولية عن تدهور العلاقات بين إسرائيل
والاتحاد الأوروبي، والتي وصلت لذروتها في قرار الاتحاد التوقف عن تقديم الدعم
المادي لمؤسسات إسرائيلية تعمل داخل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. فمن
ناحية يحمّل نتنياهو بشكل واضح السلك الدبلوماسي وطاقم وزارة الخارجية المسؤولية
عن تدهور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، واصفاً سلوك السلك الدبلوماسي الإسرائيلي
بـ «التقصير الأكبر الذي ارتكبته الدبلوماسية الإسرائيلية منذ أكثر من 30 عاماً».
ووجه نتنياهو انتقادات حادة للسلك الدبلوماسي وطاقم وزارة الخارجية. وانتقد
الوزراء «الإسرائيليون» بشكل خاص سفارة إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي، حيث اتهموها
بعدم تقديم إنذارات مسبقة حول توجهات الاتحاد الأوروبي، ما جعل الإجراء الذي أقدمت
عليه مفوضية العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي مفاجأة لصناع القرار في تل
أبيب. وفي المقابل، فنّد تقرير صادر عن لجنة تقصي حقائق أمر بتشكيلها وكيل وزارة
الخارجية «الإسرائيلية» رافي براك، اتهامات الوزراء، حيث أكد التقرير أن المفوضية
الأوروبية صاغت توصياتها ضد المستوطنات «بسرية تامة وتضليل مقصود»، ما قلص من قدرة
طاقم السفارة على التعرف إلى نوايا الأوروبيين وتوجيه إنذار للحكومة الإسرائيلية
بشأنها. وحمّل التقرير المستوى السياسي المسؤولية عن عدم التعاطي بجدية كافية مع
تحذيرات وزارة الخارجية بشأن الخطوات التي قد يقدم عليها الاتحاد الأوروبي
كإجراءات عقابية ضد المستوطنات. وذكر التقرير أن «مركز الأبحاث السياسية»، الذي
يعد الذراع الاستخبارية لوزارة الخارجية، حذر في أواخر عام 2012 الحكومة
الإسرائيلية من أن عام 2013 سيشهد تصعيداً كبيراً للإجراءات الأوروبية ضد
المستوطنات، متهماً الحكومة الإسرائيلية بتجاهل هذه التحذيرات. ورفض زئيف إلكين،
نائب وزير الخارجية، ما جاء في التقرير، على اعتبار أنه «لا يساعد على استخلاص
العبر في المستقبل». وقد تجند نتنياهو لمحاولة ثني الاتحاد الأوروبي عن تطبيق
القرار أو على الأقل تأجيله، حيث اتصل بكل من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند
ومستشار النمسا فيرنر فايمان ورئيس وزراء اليونان إنتونيوس سامراس، وذكر موقع «واي
نت» الإخباري أن نتنياهو شدد في اتصالاته مع القادة الأوروبيين على أن هناك قضايا
أكثر أهمية يتوجب على الأوروبيين أن يستثمروا فيها، مثل: الأوضاع في سورية، وسباق
إيران نحو الحصول على سلاح نووي.
ومن المفارقة أن بعض الكتّاب
«الإسرائيليين» يؤيدون المقاطعة، حيث اعتبر الكاتب جدعون ليفي القرار الأوروبي
معاقبة المؤسسات التي تعمل في المستوطنات «خطوة أخلاقية»، مشدداً على أن إسرائيل
لن تغير من سياساتها العدوانية قبل أن تدفع ثمناً على مواصلتها احتلال الضفة
الغربية. وأكد ليفي أن القرار الأوروبي يسهم فقط في منع تواصل سفك الدماء في
المنطقة، على اعتبار أنه يوجه رسالة لإسرائيل مفادها أنه لا يمكن أن تستمر الأوضاع
الحالية للأبد. وأكد ليفي أنه لا طائل من استخدام النقد الناعم في تغيير قناعات
الرأي العام الإسرائيلي، مشيراً إلى أن «الإسرائيليين» يواصلون «سلب الفلسطينيين
والعرب إنسانيتهم وشيطنتهم». ودعا ليفي الأوروبيين إلى فرض مقاطعة على إسرائيل
بأسرها على اعتبار أنها كدولة هي التي ترعى الاحتلال، منوهاً بأن المقاطعة
الاقتصادية أسهمت في إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، مشيراً إلى أن
إسرائيل ستحذو حذو جنوب إفريقيا في حال ووجهت بنظام مقاطعة قوي.
تهمة «معاداة السامية»
بالنسبة لنتنياهو الذي يقود
ويحرك ماكينة الدعاية الصهيونية، فإن المقاطعة على «إسرائيل» تأتي لدوافع «لا
سامية» وبسبب كراهية اليهود. وقد عبّر نتنياهو عن موقفه الدعائي هذا في الاجتماع
السنوي لمنظمة «أيباك» اليهودية، والذي عقد في الولايات المتحدة مؤخراً. نتنياهو
وأركان حكومته اعتبروا أن مواجهة المقاطعة تستدعي شنّ حملة دعائية كبيرة تشارك
فيها «إسرائيل» والمنظمات اليهودية في أرجاء العالم، بحيث يتم تجنيد الحكومات
«الصديقة» إلى جانب الجهد الصهيوني. وقد بدأت الحملة الدعائية الصهيونية بالفعل،
حيث أجرى نتنياهو عشرات الاتصالات مع قادة الدول ورؤساء الشركات الكبيرة في أرجاء
العالم لحثهم على عدم التعاون مع دعوات المقاطعة.
العرب لا يتعاونون مع المقاطعة
في الوقت الذي تتعاظم فيه
الدعوات بالعالم لفرض مقاطعة على منتوجات المستوطنات، فإن شركة «إسرائيلية» كبيرة
تتخذ من مستوطنة مقراً لها، تواصل جني مئات الملايين من الدولارات سنوياً بسبب
زيادة الطلب على منتوجاتها في أماكن شتى في العالم، ومن ضمنها الدول العربية. فقد
بلغت أرباح شركة «صودا ستريم»، التي يقع مصنعها الرئيس في مستوطنة «معاليه
أدوميم»، كبرى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والتي تقع شمال شرق القدس
المحتلة؛ العام الماضي 700 مليون دولار. وتمثل شركة «صودا ستريم» التي تبيع
منتوجاتها في 45 دولة، إضافة نوعية للاقتصاد الإسرائيلي. وفي خطوة تعكس توجهاً
لتحسين وجه الشركة، اختار مجلس الإدارة الممثلة الأمريكية سكرليت جونسون لتكون
رئيسة لها، مع العلم أن جونسون كانت حتى وقت قريب سفيرة في منظمة «أوكفسام»
الإنسانية، حيث أدت الانتقادات التي وجّهت لها عقب تعيينها رئيسة للشركة، إلى
استقالتها من مهامها في «أوكسفام». ويطالب نشطاء فلسطينيون وعرب وأوروبيون المجتمع
الدولي بعدم السماح بتسويق منتوجات الشركة، على اعتبار أن مثل هذه الخطوة يمكن أن
تدفع الحكومة الإسرائيلية لإعادة تقييم سياساتها في الأراضي العربية المحتلة. لكن
المشكلة تكمن في حقيقة أن الدول العربية لا تتخذ إجراءات ضد هذه الشركة، وهذا يدعو
للأسف؛ لأن بعض المسؤولين الصهاينة يهاجمون الحكومات الأوروبية ويصفونها بأنها
«ملكية أكبر من الملك».
:: مجلة البيان العدد 323 رجب 1435هـ، مايو 2014م.