• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
(أصول وقواعد منهجية) المبحث الثاني: قواعد علمية في الرد على المبتدعة 1-2

المبحث الثاني: قواعد علمية في الرد على المبتدعة 1-2


الرئيسية - أصول وقواعد منهجية

 

المبحث الثاني

قواعد علميَّة في الرد على المبتدعة

البدعة أمرها عظيم وشأنها خطير، جرَّ المبتدعة على الأمة فتناً وشروراً عظيمة، حيث لبَّسوا على الناس دينهم، وأدخلوا فيه ما ليس منه، وتواترت النصوص من الكتاب والسُّنَّة الصحيحة وأقوال السلف الصالح بالتحذير من خطر البدعة والمبتدعة، قال الله - تعالى -: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. فإنَّه من يعش منكم، فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور! فإنَّ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»[1].

وحدث ما حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فأطل المبتدعة برؤوسهم، وراحوا يعيثون في الأمة فساداً، وكان موقف السلف الصالح - رضي الله عنهم - موقفاً قوَّياً صارماً في مواجهة المبتدعة، ورسموا في ذلك منهجاً علمَّياً دقيقاً في التعامل مع هؤلاء الضلال المنحرفين.

والعصر الذي عاش فيه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - كان عصراً مليئاً بالفتن والبدع والضلالات؛ مـمَّا جعله يواجه طوائف المبتدعة بمختلف مللهم ونحلهم، ويرد عليهم، وفي أثناء ذلك خط - رحمه الله تعالى - منهجاً متيناً في الردِّ على المخالفين، اقتبسه من منهج القرون المفضلة الأولى، وهو في كتابه (منهاج السُّنَّة النبوية) يردُّ على طائفة من أكثر الطوائف ابتداعاً وتفرقاً وضلالاً، ولا نستطيع أن نحدد معالم ذلك المنهج وخطوطه العامة من خلال مؤلَّف واحد لهذا الإمام، وإنَّما يتطلب الأمر دراسة استقرائية مستفيضة لجميع مؤلفاته وردوده على المخالفين، لكي تكتمل الصورة وتتضح جميع الأطراف، ولكن حسبي في هذه الدراسة أن أشير إشارة يسيرة، آملاً أن تكون حلقة مباركة في هذه الباب إن شاء الله تعالى.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في معرض رده على ابن المطهر الرافضي عدداً من القواعد العلمية التي تضبط منهج الإنسان، وتبعده عن الزيغ والانحراف، من هذه القواعد:

القاعدة الأولى: الحذر من الهوى:

أكد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مواضع كثيرة من كتبه، وفي كتابه (منهاج السُّنَّة النبوية) خاصة، ضرورة نبذ الهوى الذي يطغى على قلب الإنسان فيؤثر على آرائه وتصوراته وسلوكه،وبيَّن أنَّ الهوى من الأسباب الرئيسة لحدوث التفرق والاختلاف في هذه الأمة.

ولا شك بأنَّ نزاهة الباحث وتجرده عن الأهواء والمصالح الذاتية، والتزامه بالموضوعية التامة، وطرحه للمسائل والموضوعات بتجرد تام، وطريقة مهذبة: ركن ركين لسلامة البحث العلمي وقوامه، ولا يمكن أن يصل الباحث إلى المعرفة العلمية الصحيحة حتى يزن الآراء والتصورات والمناهج العقدية والسلوكية بموازين علمية رزينة، بعيدة كل البعد عن الرغبات الشخصية والميول المذهبية.

قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في ذمه للهوى: «وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمُّه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين: أنَّ الذي يرضى له ويغضب له أنَّه السُّنَّة، وأنَّه الحق، وهو الدين، فإذا قُدِّر أنَّ الذي معه الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحميَّة لنفسه وطائفته، أو الرياء، ليُعظَّم هو ويُثنى عليه، أو فعل ذلك شجاعة وطبعاً، أو لغرض من الدنيا: لم يكن لله، ولم يكن مجاهداً في سبيل الله، فكيف إذا كان الذي يدَّعي الحق والسُّنَّة هو كنظيره معه حق وباطل، وسنَّة وبدعة، ومع خصمه حق وباطل، وسنة وبدعة؟!»[2].

ويشير ابن تيمية في موضع آخر إلى وجوب تقديم الشرع على الهوى والرأي، وجعل ذلك أصلاً عظيماً يختلف فيه أهل السُّنَّة المتبعون لرسولهم صلى الله عليه وسلم عن مخالفيهم من جميع الطوائف والفرق، حيث قال: «.. معلوم وجوب تقديم النص على الرأي، والشرع على الهوى، فالأصل الذي افترق عليه المؤمنون بالرسل والمخالفون: تقديم نصوصهم على الآراء، وشرعهم على الأهواء، وأصل الشر من تقديم الرأي على النص، والهوى على الشرع. فمن نَوَّرَ الله قلبه، فرأى ما في النص والشرع من الصلاح والخير، وإلا فعليه الانقياد لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه، وليس له معارضته برأيه وهواه»[3].

ويذكر ابن تيمية بأنَّ المبتدعة إنما يتصرفون بأهوائهم، فقال: «وأيضاً فصاحب البدعة يبقى صاحب هوى يعمل لهواه لا ديانة، ويصدر عن الحقِّ الذي يخالف هواه»[4].

ويقول في موضع آخر أيضاً: «.. وهذه حال أهل البدع المخالفة للكتاب والسُّنَّة، فإنَّهم إن يتبعون إلا الظنَّ وما تهوى الأنفس، ففيهم جهل وظلم، خاصة الرافضة، فإنَّهم أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلماً»[5].

وبناءً على ذلك: أصبح المبتدعة يتعصبون لطوائفهم، ويذمّ بعضهم بعضاً دون أن يزِنُوا الأمور بموازين علمية: «فاختلاف أهل البدع هو من هذا النمط، فالخارجي يقول: ليس الشيعي على شيء، والشيعي يقول: ليس الخارجي على شيء، والقدري النَّافي يقول: ليس المثبت على شيء، والقدري الجبري المثبت يقول: ليس النافي على شيء...

بل ويوجد شيء من هذا بين أهل المذاهب الأصولية والفروعية المنتسبين إلى السُّنَّة، فالكلابي يقول: ليس الكرامي على شيء، والأشعري يقول: ليس السالمي على شيء، والسالمي يقول: ليس الأشعري على شيء.. وهذا من جنس الرفض والتشيع، لكنَّه تشيع في تفضيل بعض الطوائف والعلماء، لا تشيع في تفضيل الصحابة..».

ثم يقول بعد ذلك مبيناً المنهج القويم: «والواجب على كلِّ مسلم يشهد أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، يدور على ذلك، ويتبعه أين وجده، ويعلم أنَّ أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصاراً مطلقاً عامَّاً إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لطائفة انتصاراً مطلقاً عاماً إلا للصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -، فإنَّ الهدى يدور مع الرسول صلى الله عليه وسلم حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا، فإذا أجمعوا لم يُجمعوا على خطـأ قط، بخلاف أصحاب عالم من العلماء، فإنَّهم قد يُجمعون على خطأ؛ بل كلَّ قول قالوه ولم يقله غيرهم من الأمَّة لا يكون إلا خطـأ، فإنَّ الدين الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ليس مُسلَّماً إلى عالم واحد وأصحابه، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم»[6].

وقد ذكر ابن تيمية أنَّ أكثر أهل البدع همَّهم أن ينتصروا على غيرهم، وأن ترتفع رايتهم، دون أن يقصدوا إعلاء كلمة الله - سبحانه وتعالى -، ولذا فهم يدورون حيث دارت بهم أهواؤهم، قال - رحمه الله تعالى -: «فإنَّ أكثرهم [يعني: أهل البدع] قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نُسب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله؛ بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهداً معذوراً لا يغضب الله عليه، ويرضون عمَّن يوافقهم وإن كان جاهلاً سيء القصد، ليس له علم ولا حسن قصد، فيُقضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وهذه حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم، ويقولون: هذا صديقنا وهذا عدونا، وبلغة المغلِّ: هذا بالٍ هذا باغٍ، لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومعاداة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم»[7].

ويُشير ابن تيمية في موضع آخر إلى حال ابن المطهر الرافضي فيقول: «وشيوخهم المصنِّفون: فيهم طوائف يعلمون أنَّ كثيراً ممَّا يقولونه كذب، ولكن يُصنِّفون لهم لرياستهم عليهم.

وهذا المصنِّف يتهمه الناس بهذا، ولكن صنَّف لأجل أتباعه، فإن كان أحدهم يعلم أنَّ ما يقوله باطل ويُظهره، ويقول: إنَّه حق من عند الله، فهو من جنس علماء اليهود الذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، فويل لهم ممَّا كسبت أيديهم، وويل لهم ممَّا يكسبون، وإن كان يعتقد أنَّه حق، دلَّ ذلك على نهاية جهله وضلاله:

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم[8].

ومن أجل ذلك كلِّه يؤكد ابن تيمية - رحمه الله تعالى - ضرورة تطهير القلب وتحسين القصد عند الردِّ على المبتدعة، ويُحذر بشدّة من أن يكون ذلك بقصد التشفي والانتقام، فها هو ذا يقول: «وهكذا الردُّ على أهل البدع من الرافضة وغيرهم إنْ لم يُقصد فيه بيان الحق وهدي الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم: لم يكن عمله صالحاً، وإذا غلَّظ في ذمِّ بدعة ومعصية كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد، كما في نصوص الوعيد وغيرها، وقد يُهجر الرجل عقوبة وتعزيراً، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله، للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الثلاثة الذين خُلفوا، لمَّا جاء المتخلّفون عن الغزاة يتعذرون ويحلفون، وكانوا يكذبون، وهؤلاء الثلاثة صدقوا وعوقبوا بالهجر، ثم تاب الله عليهم ببركة الصدق»[9].

وقال أيضاً: «والأمر بالسُّنَّة والنهي عن البدعة هو أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهو من أفضل الأعمال الصالحة، فيجب أن يبتغي به وجه الله وأن يكون مطابقاً للأمر، وفي الحديث: (من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فينبغي أن يكون عليماً بما يأمر به، عليماً بما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه)[10].

فالعلم قبل الأمر، والرفق مع الأمر، والحلم بعد الأمر، فإن لم يكن عالماً لم يكن له أن يقفوَ ما ليس به علم، وإن كان عالماً ولم يكن رفيقاً، كان كالطبيب الذي لا رفق فيه، فيُغلظ على المريض فلا يقبل منه، وكالمؤدِّب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد، وقد قال - تعالى - لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤].

ثم إذا أمر ونهى فلا بدَّ أن يُؤذى في العادة، فعليه أن يصبر ويحلم كما قال - تعالى -: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْـمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: 17].

وقد أمر الله نبيَّه بالصبر على أذى المشركين في غير موضع، وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، فإنَّ الإنسان عليه أولاً أن يكون أمره لله، وقصده طاعة الله فيما أمره به، وهو يحب صلاح المأمور، أو إقامة الحجة عليه، فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته، وتنقيص غيره، كان ذلك حميَّة لا يقبله الله، وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء كان عمله حابطاً، ثم إذا رُدَّ عليه ذلك وأوذي أو نُسب إلى أنَّه مخطئ وغرضه فاسد، طلبت نفسه الانتصار لنفسه، وأتاه الشيطان، فكان مبدأ عمله الله، ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه، وربما اعتدى على ذلك المؤذي..»[11].

القاعدة الثانية: العدلُ مع الموافق والمخالف:

امتداداً للقضية السابقة وأثراً من آثارها، يؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تعالى - على ضرورة العدل في كل شأن من شؤون الحياة، تقديراً لمبدأ متابعة الحق، ونزاهة البحث، ويعدُّ ذلك أصلاً أصيلاً من دعائم الإسلام، وليس ذلك مع أهل السُّنَّة فحسب، بل مع جميع الملل والطوائف على مختلف اعتقاداتها واتجاهاتها.

ولقد استطاع شيخ الإسلام ابن تيمية إبراز هذا المحور من محاور المنهج العلمي بكلِّ قوة ووضوح، وهو يردُّ على طائفة من أكثر الطوائف غلواً، وعداءً لأهل السُّنَّة.

وتقدَّم قبل قليل قوله - رحمه الله تعالى -: «.. ومعلوم أنَّا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة مثل الملوك المختلفين على الملك، والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم، فإنَّ العدل واجب لكلِّ أحد على كلِّ أحد في كلِّ حال، والظلم محرم مطلقاً، لا يباح قط بحال.

قال - تعالى -: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨]، وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغض مأمور به، فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نُهي صاحبه أن يظلم من أبغضه، فكيف في بغض مسلم بتأويل أو شبهة أو بهوى نفس؟!، فهو أحق ألَّا يُظلم؛ بل يعدل عليه.

وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق من عُدل عليهم في القول والعمل، والعدل مـمَّا اتفق أهل الأرض على مدحه ومحبته، والثناء على أهله ومحبتهم، والظلم مـمَّا اتفقوا على بغضه وذمِّه وتقبيحه، وذم أهله وبغضهم. وليس المقصود: الكلام في التحسين والتقبيح العقلي، فقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع في مصنّف مفرد، ولكن المقصود: أنَّ العدل محبوب باتفاق أهل الأرض، وهو محبوب في النفوس، مركوز حبه في القلوب، تُحبه القلوب وتحمده، وهو من المعروف الذي تعرفه القلوب، والظلم من المنكر الذي تنكره القلوب فتُبغضه وتذمّه»[12].

وقال أيضاً: «وكذلك بيان من غلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية، فهذا إذا تكلَّم فيه الإنسان بعلم وعدل، وقصد النصيحة، فالله - تعالى - يُثيبه على ذلك، لا سيما إذا كان المتكلَّم فيه داعياً إلى بدعة، فهذا يجب بيان أمره للناس، فإنَّ دفع شره عنهم أعظم من دفع شرِّ قاطع الطريق»[13].

وقد ذكر ابن تيمية قول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]، ثم قال: والليُّ: هو تغيير الشهادة، والإعراض: كتمانها، والله - تعالى - قد أمر بالصدق والبيان، ونهى عن الكذب والكتمان فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا محقت بركة بيعهما)[14].

وقال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: ٨]»[15].

وليس هذا الكلام تنظيراً مجرداً يُطلقه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وإنَّما هو تأصيلٌ عمليٌ سار عليه واعتمده في ردّه على المخالفين أيَّاً كان اتجاههم، وقد تبيَّن ذلك جليَّاً في كتابه (منهاج السُّنَّة النبوية) في عدة قضايا، أذكر منها:

أولاً: قبول الحقّ في كلِّ من قاله بغضِّ النظر عن اتجاهه العقدي أو المذهبي:

قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: «والقول الحق الذي يقوم عليه الدليل يُقبل من كلِّ من قاله، وإن لم يُقبل بمجرَّد المخبر به»[16].

وقال أيضاً: «والله قد أمرنا ألَّا نقول عليه إلا الحق، وألَّا نقول عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل القسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني - فضلاً عن الرافضي - قولاً فيه حقٌ أن نتركه، أو نردّه كله، بل لا نردّ إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق؛ ولهذا جُعل هذا الكتاب: (منهاج السُّنَّة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية)، فإن كثيراً من المنتسبين إلى السُّنَّة ردوا ما تقوله المعتزلة والرافضة وغيرهم من أهل البدع بكلام فيه أيضاً بدعة وباطل، وهذه طريقة يستجيزها كثير من أهل الكلام، ويرون أنه يجوز مقابلة الفاسد بالفاسد، لكن أئمة السُّنَّة والسلف على خلاف هذا، وهم يذمون أهل الكلام المبتدع الذين يردون باطلاً بباطل وبدعة ببدعة، ويأمرون ألَّا يقول الإنسان إلا الحق، لا يخرج عن السُّنَّة في حال من الأحوال، وهذا هو الصواب الذي أمر الله - تعالى - به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا لم نرد ما تقوله المعتزلة والرافضة من حق بل قبلناه، لكن بيَّنا أن ما عابوا مخالفيهم من الأقوال، ففي أقوالهم من العيب ما هو أشد من ذلك.

فالمنتسبون إلى إثبات خلافة الأربعة وتفضيل الشيخين، وإن كان بعضهم يقول أقوالاً فاسدة، فأقوال الرافضة أفسد منها، وكذلك المناظر للفلاسفة والمعتزلة من المنتسبين إلى السُّنَّة كالأشعري وأمثاله، وإن كانوا قد يقولون أقوالاً باطلة، ففي أقوال المعتزلة والفلاسفة من الباطل ما هو أعظم منها، فالواجب إذا كان الكلام بين طائفتين من هذه الطوائف أن يبيَّن رجحان قول الفريق الذي هو أقرب إلى السُّنَّة بالعقل والنقل، ولا ننصر القول الباطل المخالف للشرع والعقل أبداً، فإن هذا محرم ومذموم يذم به صاحبه، ويتولد عنه من الشر ما لا يوصف، كما تولد من الأقوال المبتدعة مثل ذلك»[17].

وفي موضع آخر ذكر ابن تيمية قول الله - تعالى -: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ 32 وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُتَّقُونَ} [الزمر: 32 - ٣٣].

ثم قال: «فقد ذمَّ الله - سبحانه وتعالى - الكاذب على الله والمكذِّب بالصدق، وهذا ذمّ عام، والرافضة أعظم أهل البدع دخولاً في هذا الوصف المذموم، فإنَّهم أعظم الطوائف افتراءً للكذب على الله، وأعظمهم تكذيباً بالصدق لمَّا جاءهم، وأبعد الطوائف عن المجيء بالصدق والتصديق به.

وأهل السُّنَّة المحضة أولى الطوائف بهذا، فإنَّهم يَصدقون، ويُصدِّقون بالحق في كلِّ ما جاء به ليس لهم هوى إلا مع الحق...

وقوله: {جَاءَ بِالصِّدْقِ} اسم جنس لكلِّ صدق، وإن كان القرآن أحق بالدخول في ذلك من غيره، ولذلك صدَّق به، أي بجنس الصدق، وقد يكون الصدق الذي صدَّق به ليس هو عين الصدق الذي جاء به، كما تقول فلان يسمع الحق، ويقول الحق ويقبله، ويأمر بالعدل ويعمل به، أي: هو موصوف بقول الحق لغيره، وقبول الحق من غيره، وأنَّه يجمع بين الأمر بالعدل والعمل به، وإن كان كثير من العدل الذي يأمر به ليس هو عين العدل الذي يعمل به.

فلمَّا ذمَّ الله - سبحانه - من اتصف بأحد الوصفين: الكذب على الله، والتكذيب بالحق - إذ كلٌّ منهما يستحق به الذم - مدح ضدَّهما الخالي عنهما، بأن يكون يجيء بالصدق لا بالكذب، وأن يكون مع ذلك مصدَّقاً بالحق، لا يكون بقوله هو، وإذا قاله غيره لم يُصدِّقه، فإنَّ من الناس يصدق ولا يكذب، لكن يكره أنَّ غيره يقوم مقامه في ذلك حسداً ومنافسة، فيُكذِّب غيره في صدقه أو لا يُصدقه؛ بل يُعرض عنه، وفيهم من يُصدِّق طائفة فيما قالت، قبل أن يعلم ما قالوه: أصدقٌ هو أم كذب؟، والطائفة الأخرى لا يُصدّقها فيما تقول وإن كان صدقاً؛ بل إمَّا أن يصدقها وإمَّا أن يُعرض عنها، وهذا موجود في عامة أهل الأهواء: تجد كثيراً منهم صادقاً فيما ينقله، لكن ما ينقله عن طائفته يُعرض عنه، فلا يدخل هذا في المدح، بل في الذمِّ، لأنَّه لم يصدق بالحق الذي جاءه، والله قد ذمَّ الكاذب والمكذِّب بالحق، لقوله في غير آية: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْـحَقِّ لَـمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: ٨٦]..»[18].

وقال في موضع آخر: «.. فإنَّ كثيراً مـمَّن سمع ذمَّ الكلام مجملاً، أو سمع ذم الطائفة الفلانية مجملاً وهو لا يعرف تفاصيل الأمور: من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والعامة، ومن كان متوسطاً في الكلام، لم يصل إلى الغايات التي منها تفرقوا واختلفوا، تجده يذم القول وقائله بعبارة، ويقبله بعبارة، ويقرأ كتب التفسير والفقه وشروح الحديث، وفي تلك المقالات التي كان يذمها، فيقبلها من أشخاص آخرين يُحسن الظنَّ بهم،وقد ذكروها بعبارة أخرى، أو في ضمن تفسير آية أو حديث أو غير ذلك.

وهذا مـمَّا يوجد كثيراً، والسالم من سلَّمه الله، حتى إنَّ كثيراً من هؤلاء يُعظم أئمة، ويذمّ أقوالاً، قد يلعن قائلها أو يُكفِّر، وقد قالها أولئك الأئمة الذين يُعظمهم، ولو علم أنَّهم قالوها لما لعن القائل، وكثير منها قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرف ذلك!»[19].

أمثلة تطبيقية على هذه القاعدة:

في التطيبق لهذه القاعدة النفيسة أذكر الأمثلة الآتية:

المثال الأول:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وليس كون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يُوجب له أنَّ كل ما رواه صدق، كما أنَّ كونه من الشيعة لا يُوجب أن يكون كل ما رواه كذباً؛ بل الاعتبار بميزان العدل»[20].

المثال الثاني:

قال ابن تيمية مخاطباً الرافضة: «وأنتم تعلمون أنَّ أهل الحديث يبغضون الخوارج، ويروون فيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة صحيحة، وقد روى البخاري بعضها، وروى مسلمٌ عشرة منها، وأهل الحديث متديِّنون بما صح عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا: فلم يحملهم بغضهم للخوارج على الكذب عليهم، بل جربوهم فوجدوهم صادقين»[21].

المثال الثالث:

قال ابن تيمية في وصف أئمة السُّنَّة والسلف: «.. وهم يذمّون أهل الكلام المبتدع الذين يردّون باطلاً بباطل، وبدعة ببدعة، ويأمرون ألَّا يقول الإنسان إلا الحق، لا يخرج عن السُّنَّة في حال من الأحوال، وهذا هو الصواب الذي أمر الله - تعالى - به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا لم نردّ ما تقوله المعتزلة والرافضة من حق؛ بل قبلناه، لكن بيَّنا أنَّ ما عابوا به مخالفيهم من الأقوال، ففي أقوالهم من العيب ماهو أشدّ من ذلك»[22].

المثال الرابع:

قال ابن تيمية بعد كلام له سبق عن الفلاسفة: «وقد تكلمتُ عن ذلك، وبيَّنت تحقيق ما قاله أبو حامد في ذلك من الصواب الموافق لأصول الإسلام، وخطأ ما خالفه من كلام ابن رشد وغيره من الفلاسفة، وأنَّ ما قالوه من الحق الموافق للكتاب والسُّنَّة لا يردّ بل يُقبل، وما قصَّر فيه أبو حامد من إفساد أقوالهم الفاسدة فيمكن ردَّه بطريق أخرى يُعان بها أبو حامد على قصده الصحيح»[23].

ملامح الاضطراب في منهج الرافضة:

أمام ذلك المنهاج العلمي المتين لأهل السُّنَّة، يظهر ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مقابل ذلك فساد منهاج الرافضة، وتقاصرهم وبعدهم عن هذه المنزلة الكريمة، ومن ملامح ذلك:

أ - أنَّهم يقبلون من القول ما يوافق أهواءهم:

قال ابن تيمية: «ولا ريب أنَّ المفترين للكذب من شيوخ الرافضة كثيرون جدَّاً، وغالب القوم ذوو هوىً أو جهل، فمن حدَّثهم بما يوافق أهواءهم صدَّقوه، ولم يبحثوا عن صدقه وكذبه، ومن حدَّثهم بما يخالف أهواءهم، كذبوه، ولم يبحثوا عن صدقه وكذبه، ولهم نصيب وافر من قوله - تعالى -: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} [الزمر: 32]، كما أنَّ أهل العلم والدين لهم نصيب وافر من قوله - تعالى -: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُتَّقُونَ} [الزمر: ٣٣]..»[24].

وقال أيضاً: «كل من جرَّب من أهل العلم والدين الجمهورَ علم أنَّهم لا يرضون بالكذب ولو وافق أغراضهم، فكم يروون لهم في فضائل الخلفاء الثلاثة وغيرها أحاديث بأسانيد خير من أسانيد الشيعة، ويرويها مثل أبي نُعيم، وأبي بكر النقاش، والأهوازي، وابن عساكر، وأمثال هؤلاء، ولا يقبل علماء الحديث منه شيئاً، بل إذا كان الراوي عندهم مجهولاً توقفوا في روايته، وأما أنتم معاشر الرافضة: فقد رأيناكم تقبلون كل ما يوافق رأيكم وأهواءكم لا تردّون غثَّاً ولا سميناً»[25].

ب - الرافضة ينقلون ما لهم ويتركون ما عليهم:

قال ابن تيمية: «.. وأيّ كتاب وجدوا فيه ما يوافق أهواءهم نقلوه، من غير معرفة بالحديث، كما نجد هذا المصنِّف [يعني: ابن المطهر] وأمثاله ينقلون ما يجدونه موافقاً لأهوائهم، ولو أنهم ينقلون ما لهم وما عليهم من الكتب التي ينقلون منها، مثل تفسير الثعلبي، وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، وفضائل الصحابة لأبي نعيم، وما في كتاب أحمد من زيادات القطيعي، وزيادات ابن أحمد، لانتصف النَّاس منهم، لكنهم لا يُصدِّقون إلا بما يوافق قلوبهم»[26].

ج - الرافضة يتميزون بالمكابرة وردِّ الحقائق:

قال ابن تيمية: «.. وهم يُنكرون على بعض النواصب أنَّ الحسين لـمَّا قال لهم: أما تعلمون أنّي ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، قالوا: والله ما نعلم ذلك! وهذا لا يقوله ولا يجحد نسب الحسين إلا متعمد للكذب والافتراء، ومن أعمى الله بصيرته باتباع هواه حتى يخفى عليه مثل هذا؟!، فإنَّ عين الهوى عمياء، والرافضة أعظم جحداً للحق تعمداً، وأعمى هؤلاء، فإنَّ منهم - ومن المنتسبين إليهم - كالنصيرية وغيرهم من يقول: إنَّ الحسن والحسين ما كانا أولاد عليّ؛ بل سلمان الفارسي، ومنهم من يقول: إنَّ عليَّاً لم يمت، وكذلك يقولون عن غيره، ومنهم من يقول: إنَّ أبا بكر وعمر ليسا مدفونين عند النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول: إنَّ رقية وأم كلثوم زوجتي عثمان ليستا بنتي النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هما بنتا خديجة من غيره، ولهم في المكابرات وجحد المعلومات بالضرورة أعظم مـمَّا لأولئك النواصب الذين قتلوا الحسين، وهذا مـمَّا يُبين أنهم أكذب وأظلم وأجهل من قتلة الحسين!»[27].

وقال أيضاً: «وهؤلاء الرافضة الذين يدفعون الحق المعلوم يقيناً بطرق كثيرة علماً لا يقبل النقيض بشُبَه في غاية الضعف، هم من أعظم الطوائف الذين في قلوبهم الزيغ، الذين يتبعون المتشابه ويدعون المحكم، كالنصارى، والجهمية، وأمثالهم من أهل البدع والأهواء، الذين يدعون النصوص الصريحة التي تُوجب العلم، ويعارضونها بشبه لا تُفيد إلا الشكّ، لو تُعرض لم تثبت، وهذا في المنقولات سفسطة كالسفسطة في العقليات، وهو القدح فيما عُلم بالحسِّ والعقل بشبه تعارض ذلك، فمن أراد أن يدفع العلم اليقيني المستقر في القلوب الشبه، فقد سلك مسلك السفسطة»[28].

وقال أيضاً: «.. ولكنَّ هؤلاء القوم - لفرط جهلهم وهواهم - يقلبون الحقائق في المنقول والمعقول، فيأتون إلى الأمور التي وقعت وعُلم أنها وقعت، فيقولون: ما وقعت، وإلى أمور ما كانت ويُعلم أنها ما كانت، فيقولون: كانت، ويأتون إلى الأمور التي هي خير وصلاح، فيقولون: هي فساد، وإلى الأمور التي هي فساد، فيقولون: هي خير وصلاح، فليس لهم لا عقل ولا نقل؛ بل لهم نصيب من قوله - تعالى -: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]»[29].

د - الرافضة يتعصبون في الباطل:

أشار ابن تيمية في مواضع عديدة إلى تعصب الرافضة في الباطل، وذكر شيئاً من عجائبهم في هذا المقام، ومن ذلك: «لا نعلم طائفة أعظم تعصباً في الباطل من الرافضة، حتى إنَّهم دون سائر الطوائف عرف منهم شهادة الزور لـمُوافقهم على مخالفهم، وليس في التعصب أعظم من الكذب، وحتى إنهم في التعصب جعلوا للبنت جميع الميراث، ليقولوا: إنَّ فاطمة - رضي الله عنها - ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم دون عمِّه العباس - رضي الله عنه -، وحتى أنَّ فيهم من حرَّم لحم الجمل؛ لأنَّ عائشة قاتلت على جمل، فخالفوا كتاب الله وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة والقرابة لأمر لا يُناسب ذلك، ومن تعصبهم: أنَّهم لا يذكرون اسم العشرة، بل يقولون: تسعة وواحد، وإذا بنوا أعمدة أو غيرها لا يجعلونها عشرة، وهم يتحرون ذلك في كثير من أمورهم.. فنفور هؤلاء الجهال عن التكلّم بهذه الأعداد في غاية الجهل، وإنَّما هو كنفورهم عن التكلّم بأسماء قوم يبغضونهم كما ينفرون عمَّن اسمه أبو بكر وعمر وعثمان لبغضهم لشخص كان اسمه هذا الاسم..

فلو فرض - والعياذ بالله - أنَّ هؤلاء كفار، كما يقول المفترون - لعنهم الله - لم يكن في ذلك ما يُوجب هجران هذه الأسماء، وإنَّما ذلك مبالغة في التعصب والجهل»[30].

- المبحث الثاني: قواعد علمية في الرد على المبتدعة 1-2

- المبحث الثاني: قواعد علمية في الرد على المبتدعة 2-2

 


[1] أخرجه: أحمد (4/126 - 127)، وأبو داود (5/13 - 15)، والترمذي (5/44) وابن ماجة (1/16).

[2] (5/256).

[3] (8/411).

[4] (5/250).

[5] (1/20).

[6] (5/262).

[7] (5/255).

[8] (5/162).

[9] (5/239).

[10] قال المحقق: لم أجد هذا الحديث. قلت: لعلَّه من كلام الإمام الثوري، انظر: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال، رقم (32).

[11] (5/253 - 255).

[12] (5/126 - 127).

[13] (5/146).

[14] أخرجه: البخاري (3/58 و 64)، مسلم (3/1164).

[15] (1/16).

[16] (1/56)، وفي هذا الباب يقول تلميذه ابن القيم: «فطالب الحق يقبله مـمَّن كان، ويردّ ما خالفه على من كان». (مدارج السالكين، 3/331).

[17] (2/342 - 343).

[18] (7/190 - 192).

[19] (5/280 - 281)، وهذا النص والذي قبله من النقول النفيسة التي يُعض عليها بالنواجذ، لأنَّها تعالج مسألة كثر فيها الخلل والاضطراب، خاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه الأهواء، وتفرَّقت فيه السبل، وأصبح الناس شيعاً وأحزاباً كلُّ حزب بما لديهم فرحون... نسأل الله - عزَّ وجلَّ - السلامة والعافية.

وقد قال ابن تيمية في موضع آخر: «وقد رأيت من أتباع الأئمة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم، من يقول أقوالاً ويكفرون من خالفها، وتكون الأقوال المخالفة هي أقوال أئمتهم بعينها، كما أنهم كثيراً ما ينكرون أقوالاً ويكفرون من يقولها، وتكون منصوصة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكثرة ما وقع من الاشتباه والاضطراب في هذا الباب، ولأن شبه الجهمية النفاة أثرت في قلوب كثير من الناس، حتى صار الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو المطابق للمعقول - لا يخطر ببالهم، ولا يتصورونه، وصار في لوازم ذلك من العلم الدقيق ما لا يفهمه كثير من الناس» (درء تعارض العقل والنقل، 2/308 - 309).

[20] (7/412).

[21] (7/412 - 413).

[22] (2/342).

[23] (1/357).

[24] (8/319).

[25] (7/418).

[26] (6/380).

[27] (4/367 - 368).

[28] (7/464).

[29] (6/121)، وانظر: (6/186).

[30] (4/137 - 139)، وانظر: (1/38 - 44).

 

أعلى