وزير العدل اليمني السابق يتحدث

الشيخ "عبد الوهاب الديلمي" عضو رابطة علماء المسلمين


أجرى الحوار: أ. أحمد أبو دقة

شهدت جمهورية اليمن منذ انطلاق الثورة الحالية عدة متغيرات سياسية هامة أثرت في التركيبة السياسية للسلطة الحالية، وأنتجت نظام بديل عن النظام السياسي السابق لا يبتعد عنه كثيرا من حيث الولاء و السياسيات، فنظام الرئيس علي عبد الله صالح كان يتمتع بدعم رؤوس بعض القبائل بالإضافة إلى الخلفية التاريخية التي مكنته من الرقص على رؤوس الثعابين كما وصفته الصحف الغربية. لكن الرئيس الجديد الذي جاء بدعم واضح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وهو عبد ربه منصور هادي يحاول حاليا أن يعيد بناء المنظومة الاجتماعية في اليمن، وهدفه الأساسي تقليص تأثير القبلية على الدور السياسي و تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك القضاء على التكتلات العسكرية التي تضغط على عملية التنمية وتبقى البلاد في حالة حرب وأهمها تنظيم "القاعدة"  وكذلك الحوثيون الذي ظهر دورهم خلال المرحلة الحالية بقوة بعد إستيلائهم على مدن يمنية بأكملها، وبرز الدور الإيراني بوضوح من خلال تمويلهم بالأسلحة. على هامش مؤتمر " الحملة الإسلامية لنصرة سوريا" في مدينة إسطنبول التركية إستضف موقع "البيان"  الشيخ "عبد الوهاب الديلمي" عضو رابطة علماء المسلمين و وزير  العدل الأسبق في اليمن للحديث عن المتغيرات السياسية في اليمن وكذلك الوضع الإسلامي بشكل عام وكان الحوار التالي:-

البيان: كيف ترى أثر مؤتمر "الحملة الإسلامية لنصرة الثورة السورية" على أداء الثورة في سوريا؟

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، الحقيقة الموضوعات التي طرحت والورش التي توزع الإخوة عليها وعملوا فيها عمل طيب و الأفكار التي طرحت كل هذا  والمداخلات، كل ما حصل في المؤتمر من الناحية النظرية أمر جيد ومبدع، وهي بادرة طيبة من العلماء أن يجمتعو يتدارسوا مثل هذه القضايا الملحة  في هذا الوقت العصيب التي تمر به الأمة وخاصة في سوريا، الحكم على النتائج إن شاء الله كما لمسنا نواياهم صادقة وغيرتهم بينة وواضحة، سواء كانوا من إخوتنا الذين جاؤوا من سوريا،  ومن الأقطار العربية الأخرى يوجد تفاعل وما ظهر في نهاية المؤتمر من تبرعات سخية من بعض الإخوة يظهر بوادر الخير التي تشجع إن شاء الله أن مستقبل هذا المؤتمر ونتائجه بالنسبة لسوريا والأمة العربية ستكون طيبة، وهذا المؤتمر فاتحة خير وتجربة وسيعطينا نظرة واضحة وبينه في المؤتمرات التي ستأتي في ما بعد عندما تظهر النتائج العملية والتطبيق.

البيان: فضيلة الشيخ تشهد الحالة الإسلامية نشوء منظمات تتبنى قضايا الأمة تحت رايات مختلفة، كيف تفسر حالة الخلاف هذه؟

طبعاً الطموحات التي طرحت كبيرة جدا قد تكون أكبر من حجم الإخوة العاملين لكن لو استطعنا أن نحقق شيء مما طرح سيكون شيء جيد و إيجابي.

تعدد المؤسسات الدينية تعطي جانب سلبي و جانب إيجابي، الجانب السلبي أنها تظهر الأمة في مظهر الشتات و الفرقة وهذا موقف لا يحمد ولا نحبه، أما الجانب العملي أنه قد يكون عند هؤلاء ما ليس عند هؤلاء، وقد يكون الشخص يرغب في الدخول بهذه الرابطة و لا يرغب بدخول هذه الرابطة، وإن استطاعت هذه اللافتات المتعددة التي تعمل للإسلام أن تستقطب أكبر عدد ممكن من العلماء على اختلاف مذاهبهم و مشاربهم فهذا شيء طيب، و يصب كل هذا الجهد في مصلحة الإسلام.

إن شاء الله لا نتهم أحد في نواياه في الشتات والفرقة، لكن قد تكون من أسباب ذلك البيئات التي يعيش فهيا الناس والرؤى الذي يحملها الناس قد تتفاوت فيما بينهم، وهذا يؤثر في تشكيل مثل هذه الظاهرة.  نأمل أن يكون شئ من التنسيق والتفاهم بين هؤلاء حتى لا تستغل بشكل سيء  من قبل الذين لا يريدون مثل هذه الظاهرة التي تخدم الإسلام.

البيان: أين وصلت اليمن في تطور الحراك السياسي بعد سقوط الرئيس علي عبد الله صالح؟

سقوط الرئيس كان محل استبشار وفرح عند الغالبية العظمة، خاصة في الفترة التي مرت بها اليمن منذ بداية الثورة وحتى سقوط على عبدالله صالح، دخلت اليمن في أزمة خوف وأزمة غلاء وشلل الحياة في نواحي متعددة وحصل ما حصل من القتل والجرح و إغلاق الطرق وغير ذلك من القضايا . التي أقلقت الشارع اليمني، وكان الأمر ينظر إليه بأكبر من هذا، وكانت الخشية من دخول الناس في حرب أهلية وفتنة داخلية، لكن ربنا سلم والثوار ضبطوا أعصابهم بالرغم مما تعرفه بأن الشعب اليمني شعب مسلح، ومع ذلك قابل كل هذه المآسي بضبط النفس و الاستمرار في خط الثورة السلمية، وتحمل الشباب كثيرا من الضحايا من القتلى والجرحى والمعاقين، كذل ذلك رغبة منهم في إخراج البلد إلى شاطئ الأمان ..و أن لا يحصل هناك استغلال من الجوانب الأخرى السيئة التي تريد جر البلاد إلى فتنة.

بعد سقوط الرئيس المخلوع على عبدالله صالح بدأ الأمل يدخل في نفوس الناس، أن اليمن ستدخل في حياة جديدة إن شاء الله ولذلك الناس الذين كان الكثيرين منهم منقسمين بين مؤيد ومعارض لعلي عبدالله صالح، لما اشتدت الأزمة في البلد كان الناس يريدون الخروج من الأزمة بأي أسلوب وأي طريقة وأي حل، ولما جاءت الانتخابات لعبد ربه منصور هادي الرئيس الجديد وجاء تنازل صالح، الناس أقبلوا على الانتخابات بشكل كبير، عبد ربه منصور هادي حصل على 6.6 مليون صوت وهو عدد لم يحصل عليه على عبدالله صالح في أي فترة من فترات حياته بالرغم من استخدام التزوير بكافة وسائله ويحاول الحصول على السلطة بكل  الوسائل  المال والإعلام والجيش وكل ذلك، ولم يكن يحصل على أصوات بهذا القدر.

كون عبد ربه منصور هادي يحصل على هذا العدد يدلل على أن الناس يريدون الخروج من الأزمة بأي طريقة كانت، وهذا كان مبشرا بحمد الله، إلا أن منذ أن تولى هادي ما تزال الأمور تبدو خطواتها بطيئة جدا لأن آليات تنفيذ المبادرة الخليجية آليات فيها رتابة، لأن أهم نقطة في الآلية هو إعادة هيكلة الجيش، وإعادة هيكلة الجيش فيه مغالطات وتمطيط القضية من قبل جهات تريد باليمن الشر و لا تريد به الخير، كون الجيش يضل معظمه أبناء الرئيس المخلوع هذه تمثل منعطف خطير يدخل البلد في متاهات,,

إذا نفذت المبادرة الخليجية بآليتها التنفيذية بأقرب وقت ممكن بحيث لا تنتهي السنتين إلا وقد نفذت كل بنودها فإن هذا سيكون شيء طيب جدا، وهذا الذي نؤمله والقوى السياسية في الساحة والعلماء والدعاة ومشايخ القبائل مازالوا يضغطون باتجاه إخراج اليمن بما يمكن أن يدبر لها من الشر.

البيان: كيف تفسر إقدام التيار السلفي نحو الديمقراطية في العالم الإسلامي، لاسيما في مصر وتونس، وهل ترى ذلك تخلي عن الثوابت المنهجية لديهم؟

الإخوان السلفيين أعلنوا عن أنفسهم في حزب جديد وهذا يعني أنهم دخلوا في طور جديد يتحرجون الدخول فيه،  أو كانوا يرون رؤية شرعية تخالف الدخول في هذا الجانب، وهو موضوع الدخول في الديمقراطية و التعددية السياسية، لكن رؤوا  أن هذا أصبح أمرا واقعا ومفروضا وأن لا مفر من الدخول فيه، وأن خدمة الإسلام لا تأتي من خلال البعد والانطواء على  النفس وعدم الدخول في هذا الجانب. الحمد الله عقلاء الإخوان من السلفيين جاءت لهم القناعة بأنه لابد من المشاركة السياسية تحت مظلة حزب من الأحزاب وكونوا لأنفسهم حزب الآن ونحن استبشرنا خيرا لأن دخولهم في غمرة الجانب السياسي ومقاومة الظلم والإعلان عن أنفسهم كحزب هذه تقرب بينهم وبين أحزاب إسلامية أخرى، وتوجد شيء من التفاهم والتنسيق بحيث لا يستغل أي طرف لحساب أعداء الإسلام.

هناك ثوابت لا يمكن للإنسان أن يخرج عنها سواء كان سلفي أو غير سلفي، لكن هناك أمور تفرضها الحياة والواقع لابد للإنسان أن ينفتح عليها،  الإسلام كما نعرف جميعا يوجد به ثوابت وفيه مرونة ويوجد قضايا خارجة عن الثوابت، وهذه القضايا التي تحتاج إلى مرونة هي، كيف يتعامل الإنسان مع الديمقراطية التي هي مفروضة الآن في الساحة. الزمن التي كان فيه أهل الحل والعقد، الآن ما عاد فيه أهل الحل والعقد، وهذا الجانب خرج عن أيدينا .

الأخوة السلفيين رؤوا أنه لابد من الخروج عن التصور السابق، الذي كانوا عليه ولابد أن يخوضوا غمار الحياة من جديد ويتركوا الجوانب الجزئية التي كانت نقطة خلاف بينهم وبين الأحزاب الأخرى. هم الآن لاشك أنهم لن يتركوا ثوابتهم، كون الإنسان يريد أن يكون حزب ويعمل تحت لافته معينة هو ما يريد إلا خدمة الإسلام خاصة الإسلاميين.

كونهم يسلكون مسلك غير المسلك الأول هو اجتهاد "ذاك ما قضينا به الأمس وهذا ما نقضيه اليوم" نرجوا لهم ولجميع الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة أن يأخذ الله بأيديهم وأن يجمع كلمتهم ويحقق لهم ما يريدونه من خدمة الإسلام و ما يريدون لدين الله سبحانه وتعالى.  ونحن استبشرنا أن الإخوان السلفيين في مصر واليمن والبحرين والكويت يشاركون في الجانب السياسي لهم تفاعلات واضحة وهذا يبشر بخير كثير إن شاء الله.

البيان: ماهو حجم التوافق في اليمن بين التيار السلفي و جماعة الإخوان المسلمين؟

التوافق إلى حد كبير إن شاء الله وما يوجد من خلافات إن وجد فهو من أفراد لهم رؤى معينة سواء كانوا من إخوان أو من السلفيين، لكن التوجه العام فيه نوع من التفاهم و نرجو أن يكون هذا التفاهم والمحبة دائمة وتتطور أكثر ويكون التنسيق، على مستوى أكثر مما هو قائم وهذا ما نأمل به في المستقبل,.

البيان: الحوثيين في اليمن تزيد قوتهم و أصبحوا يحتلون مدن، هل تعتقد أن أطراف خارجية تدعمهم من أجل عدم استقرار منطقة الخليج؟

ما أحد يشك في أن إيران تدعم الحوثيين وجانب من الحراك الذين يريدون الانفصال في المنطقة الجنوبية، وتدعمهم بسخاء بالسلاح والأموال و الخبراء وغير ذلك، إيران لها مطامع، في المنطقة العربية عموما وتجد ثغرات عند العرب والمسلمين وتنفذ من خلالها تحت غطاء حب آل البيت،  أو غير ذلك من الغطاءات والوسائل التي تستخدمها، وأخطر ما في الأمر أنها تبدل بسخاء الأموال لشراء ضمائر الناس الذين لا هم لهم في الحياة الدنيا إلا أن يحصلوا على المال.

أهل السنة لم يصلوا إلى الحد الذي وصلت إليه إيران أهل السنة يعيشون في دور متجاورة بجانب بعضها البعض، لم تتعاون التعاون المطلوب الذي يمكن أني درء عن أنفسهم الخطر سواء كان من غيران أو غير إيران. لا أدري ما الذي يمنعهم من إعانة إخوانهم في المنطقة والبذل،  هل هو الخوف أو الجبن أو يملي عليهم إملاءات خارجية.  الله أعلم لكن في الجملة المسلك الذي يسلكونه مسلك لا يرضي الله عز وجل ولا يرضى الأمة ولا هو في صالحهم مستقبل حياتهم.

الوضع في المحافظات الجنوبية متأرجح، هناك من يريد الوحدة ومن يريد الفدرالية وهناك من يريد، الانفصال التام، وكل جهة لها من يغذيها من خارج البلد، والعقلاء الذين يريدون الوحدة هم لا يريدون الدخول في متاهات الحرب بين الشمال والجنوب، وسيقع الناس في توترات ومشاكل، و أنت تعرف أن دولتان متجاورتان كل واحدة لها نظامها وسياستها ومنهجها في تسير دفة الحياة لابد أن يحصل شيء من التنازع و الاختلاف كما حصل قبل الوحدة والعقلاء يدركون كل هذه المعاني.

كما نعلم أن الحزب الاشتراكي، وأن كان كثير منهم قد غيروا الكثير من الآراء التي كانوا عليها قبل الوحدة، لكن لو عاد يحكم بعض أفراد الحزب الاشتراكي الذين لا يزالوا يحلمون بأنهم لربما يعودون للحكم من جديد، هؤلاء يعودون بأفكار تتصادم مع واقع الأمة وعادتها ودينها وهذا سيدخل البلد في متاهات لا نهاية لها.

البيان: إلى أين يتجه الحراك الحالي في الوطن العربي، وكيف ترى مستقبل الأمة؟

الحراك الذي حصل ابتداء من تونس وانتهاء بسوريا، هذا الحراك لم يكن عفوياً بأسباب وتراكمات كثيرة جداً مرت على هذه الأمة، ومنذ أن اشتعلت الشرارة في تونس استبشر الناس خيراً وتلاحقت هذه الثورات في أماكن متعددة وأسقطت الكثير من الطواغيت التي تحكم البلدان، والتي ورثت الشعوب كما يورث المتاع وتوارثت هذا الحكم وظلت متمسكة به ومصممة عليه ولم تكن تحلم بأنها ستسقط من الحكم من يدها، لكن الله غالب على أمره، وإذا أراد سبحانه وتعالى شيئا فلا راد لحكمه ولا راد لقضائه.

إلى أن  تفضي هذه الثورات إلى نهايتها فإن استقراء المستقبل صعب جدا، لكن ما دام سقط هؤلاء الطغاة نستبشر خيراً، ولا يمكن لمن ضحوا تضحيات هائلة جدا في هذه البلدان لا يمكن أن تضيع تضحياتهم هباءاً ولابد للحكماء في العالم الإسلامي أن يأخذوا بأيدي الشباب إلى شاطئ الإسلام وأن تصبح خيرات ومئالات هذه الثورات إلى خير الإسلام والمسلمين.

أعلى