الصفويون الجدد ومحاولات تشييع العراق

الصفويون الجدد ومحاولات تشييع العراق


 

لقد شاع في الآونة الأخيرة مصطلح (الصفويون الجدد) كتعبير رمزي على ما ارتكبه أجدادهم القدماء من أعمال وحشية بالسنة في إيران حتى حولوهم إلى إقلية وسيأتي بيانه، ثم ما عملوه بسكان العراق من أهل السنة والجماعة، وتدمير العاصمة بغداد؛ وتحديداً المراكز الإسلامية والثقافية التي تتمتع بالشهرة من المعرفة العلمية التي تمتلكها، وأعادوا للأذهان بأفعالهم هذه ما ارتكبه سلفهم (هولاكو) وأحفاده.

ولا يخفى على أحد من المثقفين والباحثين في تاريخ العراق الحديث أن الصفويين غزوا العراق عدة مرات: في المرة الأولى عام 1508م بقيادة مؤسس دولتهم الشاه إسماعيل بن حيدر بن جنيد الصفوي، الهالك 1524م، بعد أن عمل على تشييع إيران بقوة السيف عام 1501م، والذي قام بعد استيلائه على بغداد بتدمير مسجد الإمام أبي حنيفة النعمان الواقع في شمال بغداد ضاحية الأعظمية و مسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني الواقع في شرق بغداد، وحوّلهما إلى إصطبلات لحيواناته. كما قام بعمليات ذبح منظمة لأهل السنة في بغداد. فقد نسب المؤرخ العراقي المشهور (عباس العزاوي) إلى صاحب منتخب التواريخ قوله: (إن الجيوش الصفوية قتلت الكثير من مخالفيها من أهل السنة والجماعة بعد دخولها مدينة بغداد)، كما نسب أيضاً إلى صاحب قلائد الجواهر قوله: إن الشاه إسماعيل الصفوي ضرب إحدى الزوايا (التكايا) المهمة في مدينة بغداد (مسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني). أما العالم الشيعي (ضامن بن شدقم العلوي الحسيني) فإنه يقول: « إن الشاه إسماعيل الصفوي بعد احتلاله بغداد، فعل بأهلها النواصب (يقصد أهل السنة) ذوي الصغار ما لم يسمع بمثله قطُّ في سائر الدهور! ».

ومن جهة أخرى، فإن المستشرق البريطاني (إدوارد براون) يصف الشاه إسماعيل الصفوي قائلاً: « إذ هو من جهة كان قاسياً متعطشاً للدماء إلى حد يكاد لا يصدق.

بينما كان من الجهة الأخرى وسيماً ذا أخلاق رقيقة! محبوباً لدى جنوده إلى درجة العبادة، حتى إنهم كانوا يرمون بأنفسهم إلى ساحة الحرب من غير دروع؛ ( زاعمين) بأنه يحميهم من الخطر عند القتال ». ويروى عن الشاه إسماعيل أنه عندما استولى على تبريز في بداية أمره وأراد فرض التشيع على أهلها بالقوة عام 1501م، نصحه بعض مستشاريه من (رجال الدين)! أن لا يفعل ذلك؛ بحجة أن ثلثي سكان المدينة من أهل السنة، وأنهم لا يصبرون على سب الخلفاء الراشدين من على المنابر، ولكنه أجابهم قائلاً: « أنا مكلف بذلك، وإن الله والأئمة المعصومين معي! وإني لا أخاف أحداً؛ فإذا وجدتُ من الناس كلمة اعتراض شهرت سيفي بعون الله فيهم؛ فلا أبقي منهم أحداً حياً ».

كما أن الشاه إسماعيل اتخذ من سب الخلفاء، وبخاصة (أبي بكر، و عمر، و عثمان) وسيلة لامتحان الإيرانيين، فمن يسمع السب منهم يجب أن يهتف قائلاً: (بيش باد، كم ماباد)، وهذه العبارة تعني في اللغة الأذربيجانية التركمانية أن السامع يوافق على السب ويطلب المزيد منه، أما إذا امتنع السامع عن النطق بهذه العبارة؛ قطعت رقبته حالاً. وقد أمر الشاه بأن يعلن السب في الشوارع والأسواق وعلى المنابر؛ منذراً المعاندين بقطع رقابهم (عامله الله بما يستحق).

في عام 1623م، قام الشاه عباس الصفوي حفيد إسماعيل الصفوي بغزو العراق من جديد، ودخل بغداد وقام بالأعمال الهمجية نفسها التي قام بها جده إسماعيل من تدمير مسجدي الإمام أبي حنيفة والشيخ عبد القادر الكيلاني. كما طلب من معاونيه ومن عملائه الصفويين في بغداد تنظيم جدول بأسماء أهل السنة في بغداد تمهيداً لاستئصالهم. وحول همجية الشاه عباس الصفوي وبشاعة أعماله، يضيف المؤرخ العزاوي قائلاً: « ثم إن أهل السنّة المسجلين في دفتر الشاه قُتِلوا جميعاً، ومَثّلوا ببعض العلماء وأنالوهم أنواع العذاب والأذى، وقضوا عليهم بصورة يقشعر منها بدن الإنسانية ».

وبخصوص أصول (أسرة الحكيم)، فإنها ترجع في حقيقة الأمر إلى مدينة ( بروجرد) الواقعة في أقليم لورستان الإيراني، وقد ادّعوا أن نسبهم يرجع إلى الحسن السِّبط - رضي الله عنه -، وأن جدهم المير (هذا المصطلح خاص بالفرس واللور) عليَّ بن مراد بن شاه صَحِب الشاه عباس الصفوي عندما غزا العراق وكان طبيبه الخاص، وعندما انتهت مهمة الشاه عباس في العراق طلب المير علي من الشاه عباس السماح له بالإقامة في النجف، فأجازه وأقام بها إلى أن مات، فيما كان جد عبد العزيز الحكيم (مهدي ابن صالح بن أحمد) قد توفي في جبل عامل في جنوب لبنان سنة 1894م، وقد خلفه كل من: محمود، و هاشم، و محسن؛ وهو والد محمد باقر الحكيم و عبد العزيز الحكيم.

ولذلك فإن أحد الكتّاب الشيعة من أهالي الجنوب العراقي المدعو (عادل حسين)، قد أشار إلى سِجلِّ محمد باقر الحكيم شقيق عبد العزيز الحكيم بقوله: « أسألك بالله العظيم أيها القارئ الكريم: ماذا تحكم على من يدعي الدفاع عنا ( يقصد به محمداً باقر بن محسن الحكيم) وسِجلُّه المدني كما يلي: والده عربي ( لوري - فارسي)، هو عراقي + إيراني، والدته عربية من لبنان من شيعة جبل عامل، زوجته تركية من أهالي تبريز، أولاده إيرانيون حسب بطاقاتهم الشخصية، أخوه من أبيه هندي، ابنته متزوجة من إيراني.. أريد فقط أن أتساءل: أهذه أمم متحدة؟ مجلس أمن؟ يونسيف؟ كيف أنا الجنوبي (من جنوب العراق حيث مركز تجمُّع الشيعة العراقيين) يدافع عني شخص بهذه المواصفات الغريبة والعجيبة؟ وشخص مثل هذا درجة انتباهه صفر، ودرجة تفهمه للأمور أيضاً صفر، لا يمكن بأي حال من الأحوال التعويل عليه! هذا شخص غريب عني، حتى ولو كان أبوه من فاتحي أفريقيا وجده من فاتحي بلاد ما وراء النهر. مؤتمر مثل مؤتمر لندن على درجة كبيرة من الأهمية لا يحضرونه؛ خوفاً من أن يغضب الرهبر (القائد) [يقصد به علي الخامنئي]! أما التسول الرمضاني السنوي في دولة الكويت والتسكع في ديوانيات الشيعة؛ فهذا - مولانا - جائز ولا إشكال فيه! ».

وكان العراق بعد مرور تلك القرون المظلمة ينتظر الخلاص من جزّاريه الذين طالما أثخنوه بالقتل والتدمير؛ فإذا به في بداية القرن الحادي والعشرين يتعرض لموجة غزو صفوية جديدة منظمة من داخله تبعاً لخارجه، ونقول هجمة ( منظمة)؛ لأنها تدرس وتبحث بخطط جهنمية عما تريد تدميره من إرث أهل السنة، من النواحي الجغرافية والديموغرافية (السكانية) والتاريخية؛ حيث يمكن الاستفادة من موروث الشيعة التاريخي القائم على أصل التقية، فبينما يقوم الصفويون الجدد أحفاد الصفويين القدماء بأعمال يندى لها جبين الإنسانية، من: قتل وتدمير وتهجير بحق أهل السنة، يتظاهرون في الوقت نفسه بالمظلومية والغبن التاريخي، ويطالبون بحقوق الإنسان والتعددية وبناء العراق الجديد، ويُلقُون تبعية هذه الأعمال على خصومهم من أهل السنة، ويتهمونهم بالإرهاب والتكفير والصداميين.. وغيرها من الألقاب والمسميات التي حيكت بكل عناية في دوائر القرار السياسي في مقرات الأحزاب الشيعية، وتحديداً فيما يسمى سابقاً بـ (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) في العراق بإشراف السفير الإيراني في بغداد.

* مراحل التشييع وأبرز أدلتها:

خرج لنا إبراهيم الأشيقر الجعفري رئيس حزب الدعوة ورئيس وزراء العراق السابق، بمصطلحات الوحدة الوطنية وضرورة بناء العراق الجديد، كما أن خلفه وشريكه في حزب الدعوة (نوري المالكي) دائما ما يخرج لنا بمصطلح المصالحة الوطنية؛ وهما في الحقيقة أبعد ما يكونان عن هذه المصطلحات الإنسانية الفضفاضة؛ فهما ينفِّذان بكل صلافة وحقد تاريخي مزمن مخططاتِ الصفويين الجدد القاضية بتشييع بغداد وضواحيها في المرحلة الأولى، عن طريق قتل النخب العلمية والسياسية والعسكرية من أهل السنة، وتهجير الباقين إلى صحراء منطقة الرمادي و تكريت. ومن ثم تنفيذ المرحلة الثانية، وهي: السيطرة على محافظة ديالى حيث الغالبية السنية؛ تمهيداً لتأمين الطريق بين إيران والعاصمة بغداد، ومن ثم السيطرة على مدينة سامراء بحجة كونها إحدى ما يسمونه بـ (العتبات الشيعية المقدسة)! حيث تحوي أرضها مرقدَي الإماميين العاشر والحادي عشر للشيعة، فضلاً عن السرداب الذي اختفى فيه مهديهم المزعوم.

وسامراء تمتاز بأنها مدينة سنية تاريخية، لها إرث وماضٍ عريق، وقد حاول المرجع الشيعي الإيراني الشيرازي تشييعها في نهاية القرن التاسع عشر عن طريق بناء حوزة شيعية فيها، ولكنَّ حذَر أهلها وإبلاغ السُّلطات العثمانية بهذا المخطط، جعلت من الأخيرة تقوم بإخراجه من سامراء؛ لكونه إيرانياً، حيث غادرها إلى كربلاء، وبذلك وُئد المخطط الشيعي. أما الآن، فإن المخطط في طريقه للتنفيذ؛ حيث أشار إلى ذلك المتطرف الشيعي (ياسر الحبيب) المحسوب على التيار الصدري؛ حيث ذكر صراحة أن على الشيعة السيطرة على سامراء، وأن ضريحي الإمامين الشيعين أكثر تعظيماً وقدسية من البيت المقدس!

أما المرحلة الثالثة فستضمن تشييع كركوك والمناطق الشرقية التي تفصلها عن إيران؛ حتى تصبح الحدود الإيرانية العراقية في مأمن من كردستان شمالاً حتى البصرة جنوباً، لنقل المساعدات والدعم اللوجستي كلما احتاج الصفويون الجدد إلى ذلك؛ حيث إن إيران لديها أكثر من خمسين ألف واجهات علاقات وأعمال إنسانية وخدمية في الظاهر، ومخابراتية وطائفية في الباطن؛ حيث تزوِّد عملاءها في العراق بـ (220.000) راتب شهري. لذا، فلا عجب أن يتباهى زعيم الصفويين الجدد في العراق - حفيد الطبيب الصفوي المرافق للشاه عباس الصفوي - (عبد العزيز الحكيم) بالدعم الإيراني، ويعلن في تصريحات صحفية في العاصمة الأردنية عمان مؤخراً أنه في حالة حدوث حرب أهلية بين الشيعة والسنة؛ فإن النصر سيكون من حليف الشيعة؛ نظراً لمعرفته بالدعم الإيراني غير المحدود لشيعة العراق بكافة أحزابهم ومرجعياتهم.

وغني عن القول: إن هناك عدداً من دهاقنة الشيعة، وهم أعضاء في البرلمان العراقي، يقومون بالترويج لهذا الغزو الصفوي عن طريق تذكير جمهورهم بأن القيادات السنية في العراق قامت بزرع تجمعات سنية في ضواحي بغداد لمحاصرة التجمعات الشيعية الكبيرة فيها. ومن أبرز هؤلاء: جلال الصغير إمام مسجد (براثا) الواقع شمال غرب بغداد، وهي من المساجد الشيعية المهمة، و صدر الدين القبانجي إمام جمعة النجف وعضو (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) في العراق.

:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)

أعلى