إيران وطالبان.. عدو مشترك جَمَعهما وأزمات عميقة تفرّقهما

تربط إيران وحركة طالبان الأفغانية علاقة معقدة منذ سنوات طويلة، تعود جذور هذه العلاقة إلى فترة الحكم الطالباني في أفغانستان خلال الفترة من عام 1996 إلى عام 2001، حيث كانت إيران تعارض حكم طالبان وتدعم القوى المعارضة لها

 لكن مع الغزو الأمريكي لأفغانستان في 2001 والإطاحة بنظام طالبان بدأت تتغير العلاقة بين طهران وطالبان، والآن وبعد خروج الولايات المتحدة من أفغانستان وعودة طالبان إلى السلطة بدأت تطفو إلى السطح مجددًا بوادر قلق في العلاقات بينهما ناتجة عن تزايد محاولات فرض النفوذ إلى جانب توترات ومواجهات متفرقة عبر الحدود، وهو ما يوضح مدى تعقيد العلاقة تاريخيًا بين الطرفين.

 

 إيران حاولت في السنوات الأخيرة التواصل مع طالبان مجددًا بعد أن باتت الأخيرة هي المسيطرة على السلطة في أفغانستان، وحاولت الدخول في تفاوض معها، لكن لا تزال العلاقة بينهما معقدة

روابط وعلاقات

تربط إيران وحركة طالبان الأفغانية علاقة مركبة، فالحركة التي تأسست في أفغانستان في عام 1994 انخرط قادتها ومعظم عناصرها الأوائل في النضال ضد السوفيت ومن ثمَّ ضد الحكومة الأفغانية، في عام 1996 تمكنت حركة طالبان من السيطرة على العاصمة الأفغانية كابول وأسست الحركة حكمًا إسلاميًا في البلاد، خلال سنوات متفرقة من تلك الحقبة أيّدت إيران حركة طالبان إعلاميا ورحبت بظهورها كقوة مزعزعة للنظام الشيوعي، لكن هذا الدعم لم يدم طويلًا إذ كانت إيران تدعم جماعات شيعية مسلحة معارضة لطالبان في أفغانستان بما في ذلك جماعة حزب الله الأفغاني وذلك للحفاظ على نفوذها، وهو ما دفع طالبان إلى اتهام إيران بالتدخل في شؤونها الداخلية، وفي عام 1998 اتهمت إيران طالبان بقتل عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين في القنصلية الإيرانية في مزار شريف، مما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين إلى حد كبير، وردت إيران بشنّ هجمات عسكرية على مواقع حركة طالبان في المناطق الحدودية بين البلدين، وقد قامت إيران بحشد 200 ألف جندي نظامي على الحدود الأفغانية الإيرانية، لكن تم تجنب الحرب في نهاية الأمر.

ورغم أن إيران اضطرت إلى إغلاق سفارتها وقنصلياتها في أفغانستان بعد ذلك في أغسطس 2021، إلا أن إيران حاولت في السنوات الأخيرة التواصل مع طالبان مجددًا بعد أن باتت الأخيرة هي المسيطرة على السلطة في أفغانستان، وحاولت الدخول في تفاوض معها، لكن لا تزال العلاقة بينهما معقدة ومتوترة في كثير من الأحيان، وبالرغم من ذلك فقد حافظت إيران على علاقة مستمرة مع مقاتلي طالبان للتأثير على الأوضاع في أفغانستان وضمان مصالحها الاستراتيجية هناك، وفي فبراير 2023 سلمت إيران رسميًا السفارة الأفغانية في طهران لدبلوماسيين من حركة طالبان، ويُنظَر إلى هذا على أنه بادرة رمزية للنوايا الحسنة، وهو ما يشير إلى أن الطرفين على استعداد للعمل معًا في بعض القضايا.

تطور المواجهة

 

 بشكل عام لدى كلا الطرفين مصلحة قوية في تجنب الحرب، فإيران قلقة على أمن حدودها وطالبان قلقة على استقرار حكومتها، كما أن لكلا الطرفين مصلحة في التنمية الاقتصادية لأفغانستان

في ظل الأوضاع الراهنة، تظل إمكانية لاندلاع حرب بين إيران وطالبان موضع تكهنات كبيرة، لا سيما في الأشهر الأخيرة، فهناك تاريخ طويل من عدم الثقة وهناك عدد من القضايا التي لديها القدرة على إشعال الصراع في أية لحظة، لكن في نفس الوقت تركز إيران على مواجهة التحديات الداخلية الكبيرة التي تعاني منها، بما في ذلك العقوبات الغربية المفروضة عليها، وبالتالي فإنها قد تفضل التركيز على مواجهة هذه التحديات بدلا من الدخول في صراع جديد خارج حدودها قد يثير ضدها المزيد من غضب المجتمع الدولي، ناهيك عن أن قدرة طالبان القتالية عالية ومعروفة بقوتها، وستكلف حربها إيران خسائر فادحة، كما أن هذه الحرب في حال اندلاعها قد تدفع أفغانستان أكثر نحو باكستان، وهو ما لا تريده إيران، لأن زيادة النفوذ الباكستاني في أفغانستان سيضعف من قدرة طهران على التأثير على الشؤون الأفغانية، وهو ما يتنافى مع مصالحها الإقليمية.

يصعب تقييم احتمالية اندلاع حرب بين إيران وحركة طالبان، لكن بشكل عام لدى كلا الطرفين مصلحة قوية في تجنب الحرب، فإيران قلقة على أمن حدودها وطالبان قلقة على استقرار حكومتها، كما أن لكلا الطرفين مصلحة في التنمية الاقتصادية لأفغانستان، ومن المرجح أن تؤدي الحرب إلى تعطيل هذا التطور، وبشكل عام يمكن تصور السيناريوهات المحتملة للمواجهة كالتالي:

1ـ السيناريو الأول هو أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق عبر تسوية تفاوضية مما سيسمح لهما بالتعايش السلمي، ستكون هذه هي النتيجة المرغوبة، وسيتطلب هذا من كلا الجانبين تقديم تنازلات لأن كلا الجانبين لهما مصالح وأولويات مختلفة، لكنها هذه ستبقى هي النتيجة الأكثر استحسانًا للمنطقة، وقد تفضل إيران أن تحافظ على تأثيرها في أفغانستان على الطرق السياسية والدبلوماسية.

2ـ السيناريو الثاني هو أن التوترات يمكن أن تتصاعد إلى صراع كامل، وسيكون هذا بمثابة كارثة على المنطقة، ومن المرجح أن يؤدي إلى أزمة إنسانية كبيرة، ومع ذلك من المهم ملاحظة أنه لا إيران ولا طالبان لهما مصلحة في الحرب، فكلاهما لديهما الكثير ليخسراه إذا اندلع الصراع.

3ـ السيناريو الثالث هو أن التوترات يمكن أن تستمر في الغليان دون أن تؤدي على الإطلاق إلى صراع شامل، وستكون هذه النتيجة الأقل استحسانًا، لأنها ستبقي المنطقة في حالة من عدم الاستقرار، ومع ذلك فهي أيضًا النتيجة الأكثر ترجيحًا، حيث من المحتمل أن يكون كلا الجانبين مترددًا في اتخاذ أي خطوات قد تؤدي إلى الحرب.

مستقبل هشّ

قد يكون من السابق لأوانه القول ما إذا كانت إيران وطالبان ستتمكنان من التغلب على خلافاتهما وبناء علاقة مستقرة، فلدى الطرفين تاريخ طويل من عدم الثقة، وهناك عدد من العقبات الرئيسية التي يجب التغلب عليها قبل أن تتحسن العلاقات، لكن في النهاية، سيعتمد اتطور العلاقات بينهما على كيفية إدارة كلا الطرفين لخلافاتهما، فإذا كانتا قادرتين على إيجاد طرق للتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك، سيتم تجنب الصراع بلا شك، وبخلاف ذلك فإن الحرب قد تصبح احتمالًا حقيقيًا.

أعلى