ينتقد العديد من النخب السياسية والمحللين الأمريكيين سياسة ترامب، لكن يمثل هذا النقد نوعا من الاختلاف في الآراء أم أن أخطاء ترامب تمثل كارثة سياسية واقتصادية يمكن أن تودي بالولايات المتحدة كقوى عظمى في العالم في نهاية المطاف
المصدر: فورين بوليسي
كتب: ستيفان والت
من الصعب تجاهل التأثير
الدرامي لإدارة ترامب على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ففي أقل من ثمانية
أشهر اتسمت خطوات إدارة ترامب بعدم الاتساق، وأحيانا يمكن وصفها بالتهور، مما أثر
على مكانة الولايات المتحدة كقوى عظمى ونفوذها الجيوسياسي في التاريخ الحديث
النتائج دراماتيكية ومقلقة، لكن من شبه المستحيل أن نحول أنظارنا عنها.
لقد وقعت أحداث سيئة كثيرة
لدرجة أن حتى المتخصصين بدوام كامل في السياسة الخارجية يجدون صعوبة في مواكبتها
جميعًا. هل تتذكرون فضيحة تطبيق السيجنال؟ حين تم مناقشة خطط الهجوم على إيران في
مجموعة تواصل اجتماعي وتم إضافة صحفة أمريكي إلى تلك المجموعة عن طريق الخطأ لقد
كانت فضحية كبيرة تخبر كيف تدار أمور في عهدة ترامب الثانية
ومن هذا المنطلق سأعرض أهم
عشرة أخطاء في السياسة الخارجية لإدارة ترامب حتى الآن.
1- حرب
التجارة الحرة المدمرة
لستُ من دعاة التجارة
الحرة المطلقة، وأدرك أن هناك بعض الأسباب المشروعة لتقييد التجارة الدولية عبر
الرسوم الجمركية أو غيرها من الإجراءات. لكن هجوم الرئيس دونالد ترامب غير المتماسك
والمتقلب وغير المبرر على النظام التجاري العالمي ينجح في إيذاء الولايات المتحدة
وكثير من الدول الأخرى في آن واحد.
وعلى الرغم من أن ردود فعل
الأسواق كانت حتى الآن محدودة لأسباب مختلفة، فإن فرض الضرائب على الواردات
الأجنبية بدأ بالفعل يقلل من نمو الاقتصاد الأميركي والعالمي، ويغذي التضخم، ويعيق
الصناعة الأميركية عبر زيادة تكلفة المدخلات المستوردة، ويثير غضب عدد كبير من
الدول.
وهو أيضًا يتناقض مع بعض
أهداف الإدارة الأخرى: فإن تطلب من الحلفاء إنفاق المزيد على الدفاع، ثم توجه ضربة
قوية لاقتصاداتهم، فهذا هدم ذاتي. واستخدام الرسوم الجمركية لمعاقبة الحكومات لأن
قادتها يزعجون الرئيس الأميركي ضعيف الجلد يجعل الولايات المتحدة تبدو كمتنمّر
انتقامي.
إن التحرير المدروس
والقائم على القواعد للاقتصاد العالمي يُعد من أكثر إنجازات السياسة الخارجية
بروزًا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو أحد الأسباب التي تجعل معظم الأميركيين
اليوم يعيشون حياة أيسر وأكثر رخاء مما عاشه أجدادهم. فهل هذا النظام مثالي؟ لا.
وهل يحتاج إلى صيانة مستمرة وإصلاحات مدروسة بين حين وآخر؟ بالطبع. لكنه لا يحتاج
بأي حال إلى الكارثة المدمرة التي أشعلها ترامب
—
نهج يتسم بالجهل الاقتصادي والحماقة الجيوسياسية.
2-
الاستيلاء على غرينلاند وكندا وربما أكثر
محاولات ترامب ضم غرينلاند
وفرض الرسوم الجمركية على كندا أظهرت قلة فهم للعلاقات الدولية. هذه التحركات أضرت
بعلاقات الولايات المتحدة مع شركاء تقليديين، وأثارت استياء دول كانت داعمة
لأميركا، مثل الدنمارك.
أي نوع من
“العبقرية
الاستراتيجية” دفعت
ترامب لأن يعلن صراحةً أنه يرغب في الاستيلاء على أراضٍ تعود بوضوح لدولة أخرى؟ إن
اقتراح ترامب بجعل كندا الولاية الأميركية الحادية والخمسين، وسياسة الرسوم
الجمركية العقابية ضدها ساعدت في هزيمة مرشح مؤيد لترامب في الانتخابات الكندية
الأخيرة، وقد يكون ذلك قد نفّر بشكل دائم مجتمعًا كان جارًا جيدًا بشكل استثنائي
لأكثر من قرن.
|
واجتماع
“القمة” غير الجاهز والمحرج وعديم الجدوى الذي عقده مع بوتين في ألاسكا كان
تذكيرًا محرجًا بأن ترامب مفاوض مهمل وغير كفء، مهتم بالظهور أكثر من تحقيق
تقدم حقيقي نحو السلام. |
أما رغبته غير المدروسة في
ضم غرينلاند فلا معنى استراتيجيًا أو اقتصاديًا لها، لكنها أفسدت العلاقات مع
الدنمارك، التي كانت سابقًا واحدة من أكثر الدول الأوروبية تأييدًا لأميركا. لكن لم
يعد الأمر كذلك: فقد أظهر استطلاع نشرته صحيفة دنماركية مؤخرًا أن 41% من
الدنماركيين يعتبرون الولايات المتحدة تهديدًا. وهل يدرك ترامب أن تقويض الأعراف
الراسخة ضد هذا النوع من السلوك الإمبريالي سيفتح الباب أمام أعمال افتراس مماثلة
من قبل آخرين؟ الجواب: بالقطع هو لا يدرك.
3- توحيد
الآخرين ضد الولايات المتحدة.
في عالم متعدد الأقطاب،
ينبغي أن يكون الهدف جذب أكبر عدد ممكن من الحلفاء المهمين وإبقاء الخصوم الرئيسيين
معزولين. يقول وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر، إذ كنت في علاقة مثلثة
(الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، والصين) وهم خصوم أقوياء فإن من الأفضل
الانحياز إلى الأضعف لاحتواء الأقوى.
وبما أن الولايات المتحدة
بعيدة جغرافيًا عن القوى الكبرى الأخرى، ولأنها لم تكن تملك طموحات إقليمية كبيرة
في أوراسيا، فقد فضّلت كثير من الدول المهمة هناك التحالف مع الولايات المتحدة
بدلًا من الاتحاد ضدها. وهذا أحد الأسباب الكبرى التي جعلت النظام التحالفي بقيادة
الولايات المتحدة أكبر وأقوى وأكثر ثراءً من حلف وارسو، ولماذا لم تتحد كل القوى
الكبرى الأخرى لموازنة الولايات المتحدة خلال لحظة القطب الواحد. على العكس، سعى
العديد منهم إلى مساعدة الولايات المتحدة في مواجهة التحديات الأقرب إليهم.
لكن ترامب نجح في تعريض
هذه الميزة الكبيرة للخطر، خاصة عبر خلافه الشخصي مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا
مودي، فإن تصرفاته ساعدت على تقريب الهند أكثر إلى روسيا والصين وكوريا الشمالية،
مما قوض جهدًا أميركيًا استمر نحو ثلاثة عقود لاستقطاب نيودلهي كقوة موازنة لصعود
بكين. كنت أعلم أن نموذج ترامب المفضل للحكم العالمي
—مؤتمر
الزعماء الكبار- لن ينجح، لكن لم أتوقع أنه سيدمره بنفسه ويترك الولايات المتحدة في
موقع المتفرج.
4- منح
الضوء الأخضر للإبادة الجماعية.
كانت السياسة الأميركية في
الشرق الأوسط مختلة منذ فترة طويلة، ولا يتحمل ترامب مسؤولية رد إدارة بايدن المخزي
وغير الفعّال على الحرب الإسرائيلية الإبادة في غزة. لكن توفير الدعم السخي وغير
المشروط لإسرائيل رغم أفعالها هناك وفي الضفة الغربية لا يجعل الأميركيين أكثر
أمنًا أو ثراءً أو احترامًا في العالم، كما أن استطلاعات الرأي تظهر بشكل متزايد أن
الشعب الأميركي لم يعد يؤيد ذلك.
يطرح العديد من
الديمقراطيين وعدد متزايد من الجمهوريين البارزين تساؤلات علنية حول هذه السياسة،
ما منح ترامب فرصة ذهبية ليذكّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن
الولايات المتحدة قوة عظمى وأن إسرائيل مجرد عميل يعتمد عليها، وبالتالي لوضع
العلاقات الأميركية–الإسرائيلية
على أسس جديدة وأصلب. كل ما كان عليه فعله هو أن يخبر نتنياهو أن المساعدات
الأميركية ستتوقف إذا لم يقبل بوقف إطلاق النار، ويوقف الضم الفعلي للضفة، ويتعامل
بجدية مع حل الدولتين. فماذا فعل ترامب بدلًا من ذلك؟ أضاع الفرصة واختار دعم
محاولة إسرائيل العقيمة والهدامة لترسيخ هيمنة إقليمية دائمة.
5- المهادنة
مع روسيا دون استراتيجية واضحة
التعامل الساذج مع الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين، بما في ذلك الاجتماعات غير المحضرة، أضعف موقف الولايات
المتحدة التفاوضي في الصراع الأوكراني، وأظهر قلة جدية الإدارة في التعامل مع القوى
الكبرى.
بالنسبة لي فعلى العكس من
كثير من منتقدي ترامب، لا أعتقد أن آراءه حول إنهاء الحرب في أوكرانيا خاطئة
بالكامل. أتمنى لو كان الوضع مختلفًا، لكنه محق في التفكير بأن أوكرانيا لن تستعيد
كل أراضيها المفقودة (في المستقبل المنظور)، وأن أي تسوية سلام يجب أن تعالج بعض
(وليس كل) الأسباب التي دفعت روسيا إلى شن حربها غير الشرعية في المقام الأول. كما
يجب أن تضمن هذه التسوية ألّا تستأنف روسيا عدوانها.
|
ركز ترامب على ولاء المسؤولين الشخصي لها بدلًا من خبرتهم المهنية، مما أدى
إلى تقليل مصداقية القيادة الأميركية وتقويض الخبرة في إدارة الملفات
الحرجة مثل أوكرانيا وغزة.
|
لكن اعتقاد ترامب بأنه
قادر على إنهاء الحرب عبر ترهيب القادة الأوكرانيين ومهادنة الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين كان ساذجًا في أفضل الأحوال.
واجتماع
“القمة” غير الجاهز والمحرج وعديم الجدوى الذي عقده مع بوتين في ألاسكا كان تذكيرًا
محرجًا بأن ترامب مفاوض مهمل وغير كفء، مهتم بالظهور أكثر من تحقيق تقدم حقيقي نحو
السلام.
6- تقويض
الثورة الخضراء
في وقت تتسبب فيه انبعاثات
الغازات الدفيئة بارتفاع درجات الحرارة العالمية، وتضاعف الظواهر المناخية الخطرة،
وتهدد ملايين الأرواح حول العالم، وفي الوقت نفسه تزيد التطورات التكنولوجية مثل
الذكاء الاصطناعي الطلب على كميات هائلة من الكهرباء، هل من المنطقي على الإطلاق
تقويض جهود الولايات المتحدة لبناء قدرات أكبر في مجال الطاقة الشمسية والرياح؟ ثم
الضغط على دول أخرى لفعل الشيء نفسه؟ هل تمزحون؟
حتى لو أردتَ حماية شركات
النفط والغاز الكبرى (ومواصلة جذب تبرعاتها لحملتك)، فإن هذه السياسات العمياء تجعل
الولايات المتحدة تبدو جاهلة وقصيرة النظر. كما أنها تعني أن أميركا تتنازل عن
مستقبل إنتاج الطاقة المتجددة لدول مثل الصين، التي تهيمن بالفعل على كثير من
التقنيات الخضراء ويرجح أن تقود هذا المجال في المستقبل. يتطلب الأمر قدرًا خاصًا
من العمى لعدم إدراك الحماقة في هذه الأفعال، لكن يبدو أن هذه الإدارة لديها من قصر
النظر ما يكفي.
7- عروض
عسكرية بلا جدوى
لإنصاف ترامب، هو متحفظ
إزاء
“الحروب
الأبدية” التي
ورط فيها الرئيس السابق جورج بوش الابن نفسه ولم يتمكن باراك أوباما من الإفلات
منها. لكنه يحب استخدام القوة الجوية في حملات قصيرة ضد خصوم ضعفاء لا يستطيعون
بسهولة الرد، مثل إيران، والحوثيين في اليمن، أو قارب صغير يُزعم أنه يهرّب
المخدرات في الكاريبي.
المشكلة أن هذه الأفعال
العسكرية شبه العشوائية لا تحقق أي هدف استراتيجي ملموس
—
فالحوثيون ما زالوا متحدّين، والبرنامج النووي الإيراني لم يُدمّر، وتدفق المخدرات
غير المشروعة من أميركا اللاتينية سيستمر دون عائق رغم هذا العمل الاستعراضي غير
القانوني. كما أن محاولات ترامب تحويل الجيش الأميركي إلى أداة للقمع الداخلي يجب
أن تقلق جميع الأميركيين، ليس فقط بسبب تهديدها للحريات الداخلية، بل لأنها تقلل
حتمًا من قدرة الولايات المتحدة على مواجهة خصوم خارجيين أقوياء بشكل متزايد.
8- محاولة
التأثير على استقلالية الاحتياطي الفدرالي
سعي ترامب للإطاحة بمسؤولي
الاحتياطي الفدرالي يهدد الثقة الدولية بالسياسة النقدية الأميركية، ويضعف مكانة
الدولار كعملة احتياطية عالمية، مما قد يؤدي إلى تبعات اقتصادية سلبية طويلة الأمد.
فقد تبدو محاولة ترامب
الإطاحة برئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول وعضوة المجلس ليزا كوك مسألة داخلية
بحتة، لكنها تحمل تداعيات كبرى على السياسة الاقتصادية الخارجية. فوجود بنك مركزي
مستقل وموثوق يزيد ثقة الخارج بأن السياسة النقدية الأميركية لن تُفصَّل وفقًا
لمصالح أو نزوات الرئيس، مما يجعلهم أكثر استعدادًا لقبول الدَّين الأميركي
واستخدام الدولار كعملة احتياطية.
عندما يستولي السياسيون
على السياسة النقدية
— كما فعل
الرئيس رجب طيب أردوغان في تركيا أو كما فعل قادة أرجنتينيون في الماضي
—
تكون النتائج كارثية عادة. وإذا دعم الجمهوريون في مجلس الشيوخ والمحكمة العليا
مسعى ترامب لتسييس الفدرالي، فسيدخل رئيس المحكمة جون روبرتس وزملاؤه التاريخ ضمن
سجل أسوأ الانحرافات القضائية المدمرة.
9- إرساء
نهج الولاء لا الكفاءة في اختيار الإدارة
ركز ترامب على ولاء المسؤولين الشخصي لها بدلًا من خبرتهم المهنية، مما أدى إلى
تقليل مصداقية القيادة الأميركية وتقويض الخبرة في إدارة الملفات الحرجة مثل
أوكرانيا وغزة.
لا ينبغي أن تثير هذه
الأخطاء الدهشة، إذ إن الإدارة تعمدت تعيين مسؤولين غير مؤهلين، عديمي الخبرة في
إدارة مؤسسات كبرى، اختيروا ليس بناءً على معرفتهم المهنية بل لولائهم الشخصي
للرئيس.
أتحدث هنا عن وزير الدفاع
بيت هيجسث؛ ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد؛ وخاصة المبعوث الخاص ستيف
ويتكوف. فمن يا ترى يكلّف رجل عقارات بلا خبرة دبلوماسية بمهمة صعبة مثل حل الحرب
في أوكرانيا وإنهاء الإبادة في غزة؟ الجواب: رئيس لا يهتم حقًا بتحقيق أي من
الهدفين. هذه فئة من الأشخاص غير الجادين، الذين يظنون أن مجرد إطلاق تسمية
“خليج
أميركا” على
مسطح مائي أو إعادة تسمية وزارة الدفاع سيجعل الولايات المتحدة أكثر أمنًا وقوة
وازدهارًا.
وما يفعله ترامب في الواقع
هو مهاجمة المهنيين المحايدين: مثل كبار محللي روسيا في الـ
CIA؛ خبراء
الأمن السيبراني غير الحزبيين مثل جين إيسترلي؛ أو الجنرال تيموثي هو، قائد وكالة
الأمن القومي والقيادة السيبرانية. وسببه، إن صدقتم، هو أن مؤثرة على وسائل التواصل
الاجتماعي مثل لورا لومر لا تحبهم!
وهذا مهم لأن إحدى أبرز
نقاط القوة الأميركية كانت الاعتقاد الواسع بأن البلاد يقودها أشخاص ذوو كفاءة
يعرفون ما يفعلونه.
فمنذ الحرب العالمية
الثانية، ويعلم الحلفاء والخصوم على حد سواء أن كبار المسؤولين الأميركيين غالبًا
ما يكونون جادين، يدرسون ملفاتهم جيدًا، ويفهمون وظائفهم، ويستحقون الإصغاء حتى لو
لم يتفق الآخرون معهم.
أما ترامب، فيفضّل الإطراء
والولاء على الكفاءة والنزاهة، ولهذا أقال رئيس مكتب إحصاءات العمل لأنه قدّم
تقارير دقيقة أظهرت أن سياساته الاقتصادية لم تنجح كما وعد. وبالمضي قدمًا، سيكون
المسؤولون الأجانب أقل استعدادًا لاتباع القيادة الأميركية لأنهم لن يحترموا خبرة
نظرائهم الأميركيين أو
“الحقائق”
التي يزعمون الإيمان بها. لن يعلنوا ذلك صراحة لأنهم يدركون أن التملق هو ثمن
الدخول إلى البيت الأبيض الحالي، لكن يمكنك أن تثق أنهم يعرفون السيرك حين يرونه.
10- تجهيل
أمريكا
قلل ترامب من التمويل
الفدرالي للبحث العلمي واستهدف الجامعات الأميركية، مما أثار قلق العلماء والطلاب
الأجانب، وأضر بمكانة الولايات المتحدة في الابتكار والتكنولوجيا، وهي من أعظم
أصولها الاستراتيجية.
أعظم أصول الولايات
المتحدة الاستراتيجية هو موقعها الجغرافي المميز للغاية، لكن هذه الميزة الضخمة
عززتها جامعاتها ومؤسساتها البحثية الرائدة عالميًا. هذه المؤسسات تجذب مليارات
الدولارات من رسوم الطلاب الأجانب، وتطوّر اكتشافات وأفكارًا جديدة تزيد الإنتاجية
وتحسن الصحة والسلامة، وتساعد في الحفاظ على التفوق التكنولوجي للجيش الأميركي. لو
كنت رئيسًا وترغب في بقاء أميركا القوة العالمية الأولى، لبذلت جهدك للحفاظ على
موقع مهيمن في مجالات العلم والتكنولوجيا والتعليم
—
خصوصًا إذا كنت تدرك مدى جدية الصين في محاولة تجاوزنا.
لكن ما فعله ترامب هو
العكس: تقليص التمويل الفدرالي للبحث العلمي، استهداف الجامعات الأميركية باتهامات
ملفقة، تثبيط الطلاب الأجانب عن الدراسة هناك، وجعل أميركا مكانًا أقل جذبًا
للعلماء. الضرر قد لا يظهر فورًا، لكنه سيكون واسع النطاق، طويل الأمد، وصعب
الإصلاح.
النتيجة:
إذا جمعت هذه العناصر
العشرة، تجد أنها ترقى إلى عملية منهجية لتمزيق ما أسماه الراحل جوزيف ناي
“القوة
الناعمة”. رغم أن
القوة الناعمة لا تحل محل القوة الصلبة، لكنها تجعل الدول الأخرى أكثر استعدادًا
لاتباع القيادة الأميركية طوعًا، وبالتالي تقل الحاجة لاستخدام القوة.
أما الولايات المتحدة
اليوم، في ظل إدارة ترامب الثانية، فهي تفرض رسومًا عقابية بلا حساب، تهاجم دولًا
وسفنًا مدنية بشكل غير قانوني، تساعد حلفاءها على قتل عشرات الآلاف من المدنيين
الأبرياء، وتفرض عقوبات على محققي المحكمة الجنائية الدولية بدلًا من الجناة. وفي
الداخل، تُدخل القوات للشوارع، وتُرحل الناس دون محاكمة، وتنتهك القانون بطرق لا
تُحصى، بينما يثري الرئيس نفسه وأسرته، ويكرّم المتمردين ويعاقب من حاول محاسبتهم.
غالبًا ما
تتحسن الإدارات الرئاسية مع الزمن، وتتدارك أخطاءها، لكن فترة ترامب الثانية لا
تشهد هذا التحسن؛ فهو أكبر سنًا وفريقه أقل تقبلًا للوقائع، وقد أظهر صلفا وجمودا،
وهو ما سيؤدي إلى تزايد الأخطاء في السياسة الخارجية.