• - الموافق2024/04/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
سؤالات النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل

سؤالات النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهـد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 أيها الناس: ليالي العشر المباركة أفضل الليالي، وفيها {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 3 - 5]. وهي ليالي سؤال الرب سبحانه وتعالى الحاجات؛ فترفع فيها الأيدي بالدعاء، فلا يردها الله تعالى خائبة صفرا؛ لأن شهر الصوم شهر إجابة؛ ولأن ثلث الليل الآخر ساعة استجابة، وكثير من أهل الإيمان في رمضان يصلون فيها ويدعون، فحري أن يستجاب لهم.

وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دعوات سأل الله تعالى فيها حاجات، وهي من أولى الدعوات، فما كان صلى الله عليه وسلم ليختار إلا أفضل الدعاء:

ومن تلكم السؤالات: ما جاء في حديث اختصام الملأ الأعلى، وفيه قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: «سَلْ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ» صححه البخاري والترمذي.

وهذا من أجمع السؤال وأنفعه؛ فإن سؤاله فعل الخيرات ينتظم كل خير، وإذا وفق لفعل الخير كان من السابقين المفلحين، وقد أمر الله تعالى بذلك فقال سبحانه {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] وأثنى على جملة من أنبيائه فقال سبحانه {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 90] وأثنى على من وجلت قلوبهم من خشية الله تعالى فقال فيهم {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61].

كما أن ترك المنكرات يشمل كل منكر من الأقوال والأفعال والكبائر والصغائر، ومن وفق لترك المنكرات بورك له في الحسنات، وتفرغ لفعل الخيرات؛ فالعبد إذا لم يُشغل باكتساب الحسنات اكتسب السيئات. قال الحافظ بن رجب في هذه الجملة الجامعة: «يتضمن طلب كل خير وترك كل شر، فإن الخيرات تجمع كل ما يحبه الله تعالى ويقرب منه من الأعمال والأقوال من الواجبات والمستحبات، والمنكرات تشمل كل ما يكرهه الله تعالى ويباعد منه من الأقوال والأعمال، فمن حصل له هذا المطلوب حصل له خير الدنيا والآخرة».

كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه حب المساكين؛ والحب عمل قلبي، فإذا صرف لله تعالى كان هو أوثق عرى الإيمان، «وحب المساكين أصل الحب في الله تعالى، لأن المساكين ليس عندهم من الدنيا ما يوجب محبتهم لأجله، فلا يحبون إلا لله عز وجل» وجاء في حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: «أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ» رواه أحمد. وكتب سفيان الثوري إلى بعض إخوانه: «عليك بالفقراء والمساكين والدنو منهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل ربه حب المساكين».

وسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل فقال: «وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ». وهذا السؤال يشمل السلامة من فتن السراء والضراء؛ فإن كثيرا من الناس يخاف فتن الضراء، ولا ينتبه لفتن السراء وهي أشد فتكا بالقلوب «قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: بلينا بفتنة الضراء فصبرنا، وبلينا بفتنة السراء فلم نصبر. وقال بعضهم: فتنة الضراء يصبر عليها البر والفاجر، ولا يصبر على فتنة السراء إلا صديق». «والمقصود من هذا الدعاء: سلامة العبد من فتن الدنيا مدة حياته، فإن قدر الله عز وجل على عباده فتنة قبض عبده إليه قبل وقوعها، وهذا من أهم الأدعية فإن المؤمن إذا عاش سليماً من الفتن ثم قبضه الله تعالى إليه قبل وقوعها وحصول الناس فيها كان في ذلك نجاة له من الشر كله». وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم أن يتعوذوا بالله تعالى من الفتن، فقال: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» رواه مسلم. ومن أعاذه الله تعالى من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأعاذه من فتن السراء والضراء سلم له دينه، واستوفى من دنياه ما قدر له، وعاش حميدا، ومات سعيدا، نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل فقال: «وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ» وهي آخر مسألة في هذا الحديث العظيم. «وهذا الدعاء يجمع كل خير، فإن الأفعال الاختيارية من العباد إنما تنشأ عن محبة وإرادة، فإن كانت محبة الله تعالى ثابتة في قلب العبد نشأت عنها حركات الجوارح، فكانت بحسب ما يحبه الله تعالى ويرتضيه، فأحب ما يحبه الله عز وجل من الأعمال والأقوال كلها، ففعل حينئذ الخيرات كلها، وترك المنكرات كلها، وأحب من يحبه الله تعالى من خلقه»

«ومحبة الله تعالى على درجتين: إحداهما: واجبة، وهي المحبة التي توجب للعبد محبة ما يحبه الله تعالى من الواجبات، وكراهة ما يكرهه من المحرمات... والدرجة الثانية من المحبة: درجة المقربين، وهي أن يمتلئ القلب بمحبة الله تعالى حتى توجب له محبة النوافل، والاجتهاد فيها، وكراهة المكروهات، والانكفاف عنها، والرضا بالأقضية والأقدار المؤلمة للنفوس لصدورها عن المحبوب سبحانه».

«ولما كانت محبة الله عز وجل لها لوازم، وهي محبة ما يحبه الله عز وجل من الأشخاص والأعمال، وكراهة ما يكرهه من ذلك، سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه مع محبته محبة شيئين آخرين، أحدهما: محبة من يحب الله تعالى، فإن من أحب الله تعالى أحب أحباءه فيه ووالاهم، وأبغض أعداءه، والثاني: محبة ما يحبه الله تعالى من الأعمال وبها يبلغ إلى حبه. وفي هذا إشارة إلى أن محبة لله تعالى إنما تنال بطاعته وبفعل ما يحبه، فإذا امتثل العبد لأوامر مولاه وفعل ما يحبه أحبه الله تعالى ورقاه إلى درجة محبته». فحري بالمؤمن أن يكثر من هذا الدعاء النبوي المبارك، ولا سيما في هذه الليالي الفاضلة.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

 

الخطبة الثانية

  الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].

أيها المسلمون: حفظ سؤالات النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل، وسؤال الله تعالى إياها أنفع للعبد من غيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الدعاء، وقد ألهمه الله تعالى أنفعه، كما أن في الإتيان بها في الدعاء تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

ومن سؤالات النبي صلى الله عليه وسلم المأثورة عنه: ما جاء في حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» رواه أحمد.

قال الشوكاني رحمه الله تعالى: «سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه الثَّبَات فِي الْأَمر، وَهِي صِيغَة عَامَّة ينْدَرج تحتهَا كل أَمر من الْأُمُور، وَإِذا وَقع الثَّبَات فِي كل أُمُوره أجراهَا على السداد والصواب، فَلَا يخْشَى من عَاقبَتهَا، وَلَا تعود عَلَيْهِ بِضَرَر. وَسَأَلَهُ عَزِيمَة الرشد وَهِي الْجد فِي الْأَمر بِحَيْثُ ينجز كل مَا هُوَ رشد من أُمُوره، والرشد هُوَ الصّلاح والفلاح وَالصَّوَاب. ثمَّ سَأَلَهُ شكر نعْمَته وَحسن عِبَادَته؛ لِأَن شكر النِّعْمَة يُوجب مزيدها واستمرارها على العَبْد، فَلَا تنْزع مِنْهُ، وَحسن الْعِبَادَة يُوجب الْفَوْز بسعادة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَسَأَلَهُ اللِّسَان الصَّادِق؛ لِأَن الصدْق هُوَ ملاك الْخَيْر كُله، وَسَأَلَهُ سَلامَة الْقلب؛ لِأَن من كَانَ كَذَلِك يسلم عَن الحقد والغل والغدر والخيانة وَنَحْو ذَلِك، وَسَأَلَهُ أَن يعيذه من شَرّ مَا يعلم سُبْحَانَهُ، وَسَأَلَهُ من خير مَا يعلم؛ لإحاطة علمه سُبْحَانَهُ بِكُل دقيقة وجليلة بِمَا يُعلمهُ الْبشر وَبِمَا لَا يعلمونه، فَلَا يبْقى خير وَلَا شَرّ إِلَّا هُوَ دَاخل فِي ذَلِك، واستغفر مِمَّا يعلمه سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ يعلم بِكُل ذَنْب مِمَّا يعلمهُ العَبْد وَمِمَّا لَا يعلمهُ».

فحري بالمؤمن أن يحفظ هذا السؤال ويكثر منه في هذه العشر المباركة.

وصلوا وسلموا على نبيكم....

 

 

أعلى