• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لعلكم تتقون هل نعي الحكمة الكبرى من الصوم ؟

لعلكم تتقون هل نعي الحكمة الكبرى من الصوم ؟

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فإن التقوى من أهم الصفات التي يحرص الإسلام على تحلِّي المسلمين بها ؛لما لها من أثر عظيم على حياة المسلم في الدنيا ، ولما يناله بسببها من خيرات الآخرة وكرامتها ، لذلك كان المقصد الأعظم والهدف الأسمى من كل التشريعات هو الوصول بالمسلم إلى منزلة المتقين .

ونحن حين ننظر فيما أمر الله تعالى به أو نهى عنه ؛ سواء ما كان متعلقاً بالقلب أو بالجوارح ، نجد النصوص الواردة فيها كلها تؤكد على تلك الحقيقة .

والتقوى حالة قلبية ومنزلة إيمانية رفيعة ، ومرتقى عالٍ لا يُنال إلا بالمجاهدة والمصابرة ؛ فهي تطبع صاحبها بطابَع الخشية لله في السر والعلن ، كما تحمله على المراقبة الدائمة لأقواله وأفعاله ومقاصده ، وتتعاهد قلبه حتى لا يعكر صفو إيمانه شيء مما يدخل به الشيطان على النفوس ، فلا يكاد يُدخِل الشيطان عليه شيئاً من باطله إلا انتبه له . فالتقوى تجعل للمسلم حاسة قوية يدرك بها كيد الشيطان ؛ فإذا مر به الخاطر الشيطاني فإن تقواه تعصمه منه حتى يصير مستبصراً مستيقظاً وعارفاً بمداخله وضلالاته كما قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } (الأعراف : 201) ، فتجعل التقوى من داخل المسلم على نفسه حسيباً رقيباً ، يمسك بزمامها ويقهرها قهراً على فعل الطيبات وترك المنكرات ، حتى تلين ويسلس قيادها له ، فلا تعود تأمره إلا بخير ولا تدله إلا على خير ، وتلتصق التقوى به التصاقاً حتى تصير له بمنزلة اللباس الذي لا يفارقه .

قال تعالى : { يَابَنِي ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } (الأعراف : 26) ،فكما أن اللباس كان زينة الظاهر فإن التقوى زينة الباطن ولا تكمل الزينة إلا بوجود الزينتين .

وقد أظلّتنا المنحة السنوية والنفحة الربانية ، فأقبل علينا شهر رمضان الذي كتب الله علينا صيامه وسن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيامه ؛ حتى نحقق فيه التقوى ونتحلى بها . قال الرازي في تفسير قوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة : 183) : « الصوم يورث التقوى ؛ لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى ؛ فإنه يردع عن الأشَر والبطَر والفواحش ، ويهوِّن لذّات الدنيا ورياستها ؛وذلك لأن الصوم يكسر شهوة البطن والفرج ، وإنما يسعى الناس لهذين ؛ فمن أكثرَ الصوم هان عليه أمر هذين وخفَّت عليه مؤنتهما ، فكان ذلك رادعاً له عن ارتكاب المحارم والفواحش ، ومهوِّناً عليه أمر الرياسة في الدنيا ، وذلك جامع لأسباب التقوى ، فيكون معنى الآية : فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم في كتابي ، وأعلمت أن هذا الكتاب هدى لهم » [1] .

فليس المقصود من الصيام الجوع والعطش المجردين من تأثيرهما على المسلم .

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامه وشرابه » [2] . والزور يشمل الكذب والجهل والسفه ، وقد بين الله تعالى أن القصد من كل ما شرعه سواء في العقيدة أو الشريعة أن تصبح التقوى صفة لازمة للمسلم ؛ ففي ستة مواضع من القرآن يعقِّب الله تعالى على التشريع بقوله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة : 183) ، وفي ستة مواضع أخرى بلفظ : { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } ، ولذلك جاء الأمر بالتقوى والوصاية بها لكل من أرسل الله تعالى لهم الرسل ، فقال تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ } (النساء : 131) ، وكانت وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه الأمر بالتقوى ، فقال لأبي ذر - رضي الله عنه - : « اتقِ الله حيثما كنت » [3] . وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال : « صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول الله ! كأنها موعظة مودع ؛ فأوصنا ! فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ... » [4] .

وقال أنس - رضي الله عنه - : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ! أريد سفراً فزوّدني ! فقال : « زوّدك الله التقوى » .. الحديث [5] ؛ فأول ما بدأ به التقوى . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميراً على سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً [6] . وكان الأمر بالتقوى وصية الرسل لأقوامهم ؛ فها هو ذا نوح و هود و صالح و لوط - عليهم السلام - كل منهم يقول لقومه : { أَلاَ تَتَّقُونَ } .

وكانت وصية أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعد ذلك ؛ فها هو ذا أبو بكر - رضي الله تعالى - عنه خطب في المسلمين ، فقال : « أوصيكم بتقوى الله » [7] ، وها هو ذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول : « أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله » [8] ، « وكُنَّ نساء أهل المدينة إذا أردن أن يبنين بامرأة على زوجها ، بدأن بعائشة فأدخلنها عليها ، فتضع يدها على رأسها تدعو لها ، وتأمرها بتقوى الله وحق الزوج » [9] ، وها هو ذا عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يكتب لبعض عماله فيقول : « أوصيك بتقوى الله » [10] .

والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة جداً لا يمكن أن نستقصيها هنا . وقد جاء الأمر بالتقوى في كتاب الله تعالى في أكثر من ستين موضعاً ، كما وردت مادة ( التقوى ) وما تفرّع منها في أكثر من مائة وتسعين موضعاً مما يدل على الأهمية الكبرى للتقوى في ميزان الإسلام .

وبجولة يسيرة على آيات الكتاب العزيز نجد أن المراد من المأمور به أو المنهي عنه تحقيق التقوى . قال الله تعالى فأصل الأمر بالإيمان : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة : 21) ، وقد بيّن الله تعالى حكمته في الأمر بالقصاص فقال : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة : 179) ، وقال عندما أمر عباده بالصيام : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:183)، ولما أمر عباده باتباع الصراط المستقيم والبعد عن الطرق المخالفة له .

قال سبحانه : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (الأنعام : 153) ، وعندما نهى المسلمين عن مباشرة النساء في الاعتكاف قال : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (البقرة : 187) .

ويقول الله تعالى عندما أمر عباده ببعض مناسك الحج التي منها ذبح الهَدْيِ :{ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ } (الحج : 37) .

وقد تكلم أهل العلم عن حد التقوى ؛ فعن علي - رضي الله تعالى عنه - قال :« التقوى الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضى بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل » .

وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - : « أن رجلاً قال له : ما التقوى ؟ قال : هل وجدت طريقاً ذا شوك ؟ قال : نعم ! قال : فكيف صنعتَ ؟ قال : إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه . قال : ذاك التقوى » [11] ، وقال ابن القيم : « وأصل التقوى معرفة ما يتقى ثم العمل به ؛ فالواجب على كل عبد أن يبذل جهده في معرفة ما يتقيه مما أمره الله به ونهاه عنه ، ثم يلتزم طاعة الله ورسوله » ، وقال : « وأما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيماناً واحتساباً أمراً ونهياً ، فيفعل ما أمر الله به إيماناً بالأمر وتصديقاً بوعده ، ويترك ما نهى الله عنه إيماناً بالنهي وخوفاً من وعيده ، كما قال طلق بن حبيب : إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى ! قالوا : وما التقوى ؟ قال : أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ،وهذا أحسن ما قيل في حد التقوى » [12] .

* بعض فضائل التقوى : وقد بيّن الله تعالى أن خير ما يتزود به الإنسان في سفره إلى الله والدار الآخرة هو التقوى ، فقال تعالى : { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } (البقرة : 197) ، وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - « أنه خرج إلى المقابر ، فلما أشرف على أهل القبور رفع صوته فنادى : يا أهل القبور ! أتخبروننا عنكم أو نخبركم خبر ما عندنا ؟ أما خبر ما قِبَلَنا فالمال قد اقتُسِمَ ،والنساء قد تزوجن ، والمساكن قد سكنها قوم غيركم ، هذا خبر ما قِبَلَنا ، فأخبرونا خبر ما قِبَلَكم ؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال : أمَا واللهِ لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا :لم نرَ زاداً خيراً من التقوى » [13] ، ويقول ابن القيم : « فكما أنه لا يصل المسافر إلى مقصده إلا بزاد يبلِّغه إياه ، فكذلك المسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل إلا بزاد من التقوى ؛ فجمع بين الزادين » [14] .

وقد ربط الله الفلاح بالتقوى فقال : { وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (البقرة:189)، فالذي يُرجى فلاحه هو المتقي . وكانت من أعظم المنة على المتصفين بصفة التقوى أن الله تعالى لم يجعل له أولياء غيرهم فقال تعالى : { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المُتَّقُونَ } (الأنفال : 34) ، وحصر قبول الأعمال فيهم فقال تعالى : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ } (المائدة : 27) ، حتى يقول أبو الدرداء : « لَأَن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحب إليّ من الدنيا وما فيها ، إن الله يقول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} (المائدة : 27) » [15] .

وكان مطرف بن عبد الله يقول : « اللهم تقبل مني صلاة يوم ، اللهم تقبل مني صوم يوم ، اللهم اكتب لي حسنة ، ثم يقول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ }(المائدة:27)[16] » .

وقد خصهم الله تعالى بمعيّته التي لا يضام من كان معه فقال : { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة : 194) قال قتادة : « من يتقِ الله يكن معه ، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تُغلب ، والحارس الذي لا ينام ، والهادي الذي لا يضل » [17] .

وجعل لهم محبته فقال : {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } (آل عمران:76) ، ومن كرمهم على ربهم أنهم يُحشرون إليه وفداً : { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا } (مريم : 85) ، قال علي - رضي الله عنه - : « لا ، واللهِ ما على أرجلهم يُحشَرون ، ولا يحشر الوفد على أرجلهم ، ولكن بنوق لم يرَ الخلائق مثلها ، عليها رحائل من ذهب ، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة » [18] . وجعل للمتقين بصيرة نافذة تورثهم فرقاناً يفرقون به بين الحق والباطل .

قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } (الأنفال : 29) .

وبالتقوى يحفظ المسلم ذريته بعد موته ؛ فمن أهمّه أمر ذريته بعد الموت فليتق الله ربه ؛ قال تعالى :{ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا }(النساء:9).

وكانت تقوى الله تعالى هي المخرج للمسلم من المضايق الدنيوية والأخروية ،وهي السبيل إلى سعة الرزق حيث يأتيه الرزق من حيث لا يتوقع . قال الله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ }(الطلاق:2-3)، وفي تقواه تعالى تكفير السيئات وتكثير الأجر وتعظيم الثواب . قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } (الطلاق : 5) ، وكانت تقوى الله مما ييسر للعبد أمور دينه ودنياه ؛ كما قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (الطلاق : 4) ، قال ابن القيم : « فالمتقي مُيَسَّرة عليه أمور دنياه وآخرته ، وتاركُ التقوى وإن يُسِّرَت عليه بعض أمور دنياه تعسر عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى ، وأما تيسير ما تيسر عليه من أمور الدنيا فلو اتقى الله لكان تيسيرها عليه أتم ، ولو قدر أنها لم تتيسر له فقد يسر الله له من الدنيا ما هو أنفع له مما ناله بغير التقى ؛ فإن طيب العيش ونعيم القلب ولذة الروح وفرحها وابتهاجها من أعظم نعيم الدنيا ، وهو أجلُّ من نعيم أرباب الدنيا بالشهوات واللذات » [19] . وجعل للمتقين أعظم الانتفاع والاهتداء بكلامه فقال : { ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (البقرة : 2) ، ومن كرامتهم عليه فقد أعدَّ لهم جنات عريضة لا يقدرها حق قدرها إلا الذي خلقها ، فقال : { َسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } (آل عمران : 133) ،وجعل لهم العاقبة الباقية وخصهم بها فعُقباهم خير وأمرهم لا يؤول إلا إلى خير ،فقال : { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (الأعراف : 128) . وعندما يَرِدُ الناس على الصراط فلا ينجو مما هم عليه إلا المتقون . قال تعالى : { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } (مريم : 72) .

هذه منح عظيمة وعطايا ربانية لا يقدر أن يحدها حادّ ،وها هو ذا شهر الصيام ، شهر التقوى والقيام ومدارسة القرآن ، شهر الجود والإحسان ، أقبل علينا بخيره ومِنَحِه وبركاته ، فهل من إقبال صادق على الله يقدِّر هذا الشهر حقه وقدره ، وأوبة وتوبة يمحو الله بها الخطايا ويقيل بها من العثرات ويقي من الزلل ، ونكون بها من المتقين ؟ اللهم اكتب لنا ذلك واجعلنا من الذين يتقونك حق التقوى .

 

 


(1) مفاتيح الغيب ، للرازي ، في تفسير قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) الآية .

(2) أخرجه البخاري : كتاب الصوم ، رقم 1903 .

(3) أخرجه الترمذي : كتاب البر ، رقم 1987 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وقال الألباني : حسن ، وفي رواية أنه من مسند معاذ .

(4) الترمذي : كتاب العلم ، رقم 2676 ، وقال : هذا حديث صحيح .

(5) الترمذي : كتاب الدعوات ، رقم 3444 ، وقال : هذا حديث حسن غريب ، وقال الألباني : حسن صحيح .

(6) أخرجه مسلم : كتاب الجهاد ، رقم 1731 .

(7) مصنف ابن أبي شيبة : 8/144 .

(8) مصنف ابن أبي شيبة : 8/577 ، السنن الكبرى للنسائي : 6/485 .

(9) مصنف ابن أبي شيبة : 3/398 .

(10) الإبانة الكبرى ، لابن بطة .

(11) فتح القدير : 1/52 .

(12) الرسالة التبوكية ، ص 10 .

(13) التمهيد لابن عبد البر : 20/242 .

(14) إغاثة اللهفان : 1/58 .

(15) تفسير ابن كثير : 3/85 .

(16) مصنف ابن أبي شيبة : 8/245 .

(17) حلية الأولياء : 2/340 ، جامع العلوم والحكم : شرح الحديث التاسع عشر .

(18) رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند ، رقم 1335 .

(19) التبيان في أقسام القرآن ، ص 36 .

 

أعلى