• - الموافق2024/05/02م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
عودة نتنياهو.. لا يموت الذئب ولا يفني الغنم

عودة نتنياهو إلى السلطة، وضعت الكيان الإسرائيلي في موقف سياسي منكشف، فلا يمكن أن تكتمل العملية السياسية بدون نتنياهو، وإن حدث ذلك فإنها ستفشل في لحظة ليست ببعيدة، لقد فرض نتنياهو هيمنة اليمين المتطرف على الحياة السياسية الإسرائيلية، وهذا ما سيوفر له قُبلة


مع ظهور النتائج النهائية لخامس انتخابات يشهدها الكيان الإسرائيلي خلال أقل من 4 أعوام، وفي ظل استقطاب حاد وعدم استقرار سياسي وخلافات واضحة بين الأحزاب المتناحرة على السلطة، يعود نجم رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو إلى البزوغ بقوة مجددًا، بعدما حصل معسكره على أغلبية واضحة مع ظهور النتائج الأولية للانتخابات، وهي عودة تذكرنا بالمثل العربي القائل "لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم"، الذي يتم استحضاره في النقاش الجمعي للوصول إلى حلّ وسطي لا وسط فيه، فعودة نتنياهو الذي لا يزال يواجه لائحة اتهام بالرشوة والفساد ما هو ترقيع لثوب الحياة السياسية المتهالك في إسرائيل، خاصةً وأن لنتنياهو من العورات أكثر مما به من الستر، لقد لجأ الناخبون الإسرائيليون إلى معسكر نتنياهو بالرغم من تطرفه وفساده مع الإبقاء على حصة معتبرة للمعسكر الآخر، وهي وضعية متوازنة ولكنها غير مضمونة لأنها تضع العملية السياسية على المحك أيضا إذا ما انهار معسكر نتنياهو بانسحاب أي طرف منه، لتعود إسرائيل إلى صناديق الانتخابات مرة أخرى.

 نتائج نهائية

أظهرت النتائج حصول معسكر نتنياهو على 64 صوتًا في الكنيست المؤلف من 120 مقعدًا، حيث توزعت المقاعد بين حزب "الليكود" الذي يقوده نتنياهو وحصل على 32 مقعدًا، وحزب "كتلة الصهيونية الدينية" بقيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وحصل على 14 مقعدًا، أما حزبا "يهودوت هتوراه" لليهود الغربين (الأشكناز) وحزب "شاس" لليهود الشرقيين (السفراديم) فقد حصلا معا على 18 مقعدًا، في المقابل حصل المعسكر المعارض على باقي الأصوات، حيث حصل حزب "هناك مستقبل ـ ييش عتيد" الذي يرأسه رئيس الوزراء الحالي يائير لابيد على 24 مقعدًا، وحزب "المعسكر الوطني" برئاسة وزير الدفاع بيني غانتس على 12 مقعدًا، وحزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة وزير المالية أفيغدور ليبرمان على 6 مقاعد.

أما القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس فقد حصلت على 5 مقاعد، أما تحالف "الجبهة الديمقراطية والقائمة العربية للتغيير" التي يقودها أيمن عودة وأحمد الطيبي فقد حصل على 5 مقاعد، وحاز حزب "العمل" 4 مقاعد أيضا، فيما فشل حزب "ميرتس" اليساري والتجمع الوطني الديمقراطي في الفوز بأي مقعد، ووفقًا لقوانين الكيان الإسرائيلي، يتطلب حصول الحزب المكلف بتشكيل الحكومة على 61 صوتًا على الأقل من أجل نيل ثقة الكنيست.

 

شخصية نتنياهو مثيرة للاهتمام والتناقض في نفس الوقت، فقد ظل كواجهة للكيان المحتل تحظى بنفوذ دولي طيلة 8 سنوات وهي مرشحة للزيادة الآن، وقد لعب دورًا بارزًا في وضع برامج إسرائيل السياسية منذ عام 1997م

ذئب سياسي

لم تكن مسيرة نتنياهو نحو الفوز الأخير بالسهلة، لقد قبض على الجمر بيديه حتى يصل إلى مبتغاه، استغل كل الظروف والمسببات التي قد تدفع الأطياف المختلفة لانتخاب مرشحي معسكره، بدءًا من مسألة الخوف من اللاحسم بين معسكره ومعسكر لابيد واحتمالية الذهاب إلى انتخابات سادسة مبكرة، حيث سئم الإسرائيليون من عدم الاستقرار المزمن لنظامهم السياسي، مرورًا بالوضع الاقتصادي المضطرب، حيث يواجهون نفس التكاليف المتزايدة لتحديات المعيشة التي تواجهها جميع دول العالم في الوقت الحالي، إلى جانب التهديدات الأمنية التي تجعل الكيان الإسرائيلي في حالة قلق وتأهب دائم، دعا نتنياهو الإسرائيليين إلى التصويت بكثافة على أمل أن يتخلصوا من مخاوفهم عندما تصبح لديهم حكومة أغلبية مستقرة، توجه نتنياهو إلى الجيل الشاب الذي ينتخب للمرة الأولى بعد وصوله إلى السن القانونية للتصويت، وضع خطة لاسترجاع أكثر 300 ألف ناخب من المصوتين لحزبه وبقية حلفائه خلال انتخابات مارس 2019، لكنهم امتنعوا عن التصويت في الانتخابات التالية بعدما أصابهم الإحباط، ذهب نتنياهو إلى بلدات الريف النائية والتقى سكانها المحبطين وأمضى معهم ساعات طوال يستمع إلى مطالبهم ويكيل لهم الوعود، كما ركز على دعوة المجتمع الحريدي المغلق الذي استشعر نتنياهو قوته وعمل على الاستفادة منه برفع نسبة التصويت لصالحه، فذهب إلى مدن الحريديم أكثر من مرة خلال الأيام السابقة للتصويت، وحثّهم على الذهاب إلى صناديق الاقتراع بعدما نشر حالة من الخوف بينهم بأن المجتمع سيصبح يساريًا إذا ما تولى لابيد الحكم مجددًا، بالرغم من أن معسكر لابيد يضم قوى يمينية راديكالية.

دأب نتنياهو طوال الفترة الماضية على تقوية التحالف داخل معسكره، وفي نفس الوقت استمر في انتقاد الخصوم، حيث انتقص من قدرة لابيد على القيادة واستمر في إظهاره ضعيفًا أمام تهديدات قوى المقاومة في قطاع غزة وحزب الله اللبناني، وانتقد رضوخه أمام سياسات واشنطن حيال إيران دون أن يبدي رأيًا صلبًا أمام بايدن، واستغل نتنياهو تصريحات لابيد في الأمم المتحدة عن تأييده حل الدولتين كي يخيف المستوطنين وناخبي اليمين المتشدد من اتفاق أوسلو جديد من شأنه أن يسلبهم الأراضي التي اغتصبوها خلال عهده السابق، حاول نتنياهو أيضًا استقطاب أصوات الناخبين العرب من خلال تدشين حملة انتخابية باللغة العربية على وسائل التواصل الاجتماعية، وقام بنشر العديد من مقاطع الفيديو مترجمة بالعربية، وأكد في بعضها أنه ملتزمٌ تحقيق المساواة بين العرب واليهود في إسرائيل، زاعمًا أن مؤيديه العرب يلقبونه دائما بـ "أبو يائير"، وهو مسار مخالف تمامًا لما دأب عليه طيلة السنوات الماضية حيث كان دائم التحريض على العرب والفلسطينيين في أراضي 48، وحاول صرف النظر عن مشكلاتهم وزاد من معاناتهم من خلال سياساته العنصرية، وقام بسنّ تشريعات وقوانين لتضيّق الخناق عليهم مثل قانون "المواطنة"، وانبرت حكومته في هدم المئات من منازل العرب بذريعة عدم الترخيص، وهو ما جعل شعار حملات الانتخابات للقوائم العربية في إسرائيل قائمًا بشكل دائم على مبدأ "إسقاط نتنياهو"، لكن انقسام القوائم العربية وتشرذمها أعطى نتنياهو فرصة ذهبية، إذ كان انتخاب عدد كبير وغير مسبوق من النواب العرب (ما بين 12 إلى 15 نائبًا) في الكنيست خلال الانتخابات الأربعة السابقة، يعرقل من فرص عودته إلى الحكم.

 

عودة نتنياهو إلى السلطة، وضعت الكيان الإسرائيلي في موقف سياسي منكشف، فلا يمكن أن تكتمل العملية السياسية بدون نتنياهو، وإن حدث فإنها ستفشل في لحظة ليست ببعيدة، لقد فرض نتنياهو هيمنة اليمين المتطرف على الحياة السياسية الإسرائيلية

بطـل صهيوني

بالرغم من اتهامه بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة ووجود قائمة طويلة من الفضائح التي لازمته من حين لآخر، إلا أن إنجازاته لصالح الكيان الصهيوني جعلت منه بطلاً ذي شعبية واسعة، وفي مفارقة عجيبة كان أنصاره في بعض وسائل الإعلام يصفونه بـ "موسى الثاني"، وتزداد الغرابة حينما أقدم أفيخاي ماندلبليت، المدعي العام الذي قدم لائحة الاتهام بالفساد والرشوة ضد نتنياهو، على وصفه بـ "القائد المبدع"، معبرًا عن شعوره بالأسى لتوجيه الاتهامات إليه، لكن هذا المتهم الفاسد والقائد المبدع في آنٍ واحد على وشك العودة الآن إلى مقر إقامة رئيس الحكومة الواقع في شارع بلفور بالقدس المحتلة بعد غياب أقل من عامين تقريبا، في مؤشر واقعي على أن مزاج الناخب الإسرائيلي لا يحترم القانون ولا تشغله مسألة الانضباط والشرف الوظيفي، وهذا ليس بغريب على من اغتصبوا الأرض واستباحوا الدم منذ عشرات السنين، بل هذا انعكاس حقيقي للفكر الصهيوني المجتمعي الذي يرى في نتنياهو رجل دولة من الطراز الرفيع، أو "ساحر السياسة" كما يلقبه بعض أنصاره، بالرغم من الاتهامات الخطيرة التي لا تزال موجهة إليه، والتي يمكن أن تنهي المسيرة السياسية لأي سياسي في أي مكان يحترم القانون، لكن أي بطل هذا الذي دأب ـ هو وزوجته ـ على أخذ حقائب مكدسة بالملابس المتسخة خلال زياراتهما الرسمية للبيت الأبيض، حتى يحصلا على خدمة غسيلها وكيّها بالمجان؟!

شخصية نتنياهو مثيرة للاهتمام والتناقض في نفس الوقت، فقد ظل كواجهة للكيان المحتل تحظى بنفوذ دولي طيلة 8 سنوات وهي مرشحة للزيادة الآن، وقد لعب دورًا بارزًا في وضع برامج إسرائيل السياسية منذ عام 1997م، ويُحسب له إسرائيليًا أنه صاحب الفضل الأكبر في التوسع في السياسة الاستيطانية بالضفة الغربية عبر هدم الآلاف من منازل الفلسطينيين، ومصادرة أراضيهم الزراعية، مع تسريع خطى تهويد القدس، وتسريع بناء جدار الفصل العنصري، هذا إلى جانب استغلاله الجيد لفترة رئاسة دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الشعبوي وصاحب الأفكار المتطرفة، حيث تمكنا معا من إحداث اختراق كبير في عملية التطبيع مع بعض الدول العربية عبر فصل المسار الفلسطيني عن العلاقة مع إسرائيل وهو ما انعكس سلبًا على الشعب الفلسطيني وقضيته، إلى جانب اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان، والاعتراف بشرعية المستوطنات، ونقل سفارة واشنطن إلى القدس، واستغل نتنياهو "يمينية" ترامب أكثر فأكثر حين أقنعه بوقف التمويل لوكالة غوث اللاجئين "الأنروا" وأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.

 

بمجرد الإعلان عن فوز نتنياهو، تبارت رموز اليمين المتطرف حول العالم في تهنئته بالفوز، كان في المقدمة رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان"، الذي نشر عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لنفسه مع كتاب نتنياهو الجديد "بيبي.. قصتي"

حكومة يمينية متطرفة

عودة نتنياهو إلى السلطة، وضعت الكيان الإسرائيلي في موقف سياسي منكشف، فلا يمكن أن تكتمل العملية السياسية بدون نتنياهو، وإن حدث فإنها ستفشل في لحظة ليست ببعيدة، لقد فرض نتنياهو هيمنة اليمين المتطرف على الحياة السياسية الإسرائيلية، وهذا ما سيوفر له قبلة حياة تبقيه حيًّا كلما اقترب من الموت سياسيًا، لقد ساعدته التحولات الفكرية والاجتماعية العميقة التي حدثت داخل المجتمع الإسرائيلي على مر السنوات الماضية، إذ أصبح التيار الديني الاستيطاني وصاحب الأفكار اليمينية المتطرفة في موضع الصدارة، وفي ظل هذا التغير الجوهري في خريطة القوى داخل إسرائيل لا عجب أن تحظى كتلة الصهيونية الدينية بقيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بأعلى نسبة تصويت لصالح حزب صهيوني ديني منذ قيام الكيان المحتل، حيث جاءت الكتلة في المرتبة الثالثة، يقول محللون إن الحكومة المقبلة ستكون أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل، وهذا بالفعل ما صرّحَ به بن غفير الذي قال إنه سيعمل مع نتنياهو على تشكيل "حكومة يمينية كاملة"، وأضاف مخاطبًا أنصاره بعد صدور النتائج: "حان الوقت كي نعود لنكون سادة بلدنا".

سيتعين على حكومة نتنياهو المقبلة أن تتعامل مع البيت الأبيض في ظل إدارة جو بايدن، وهي إدارة أكثر تحفظًا تجاه سياسات نتنياهو مقارنة بإدارة ترامب التي كانت تسبقها، فبينما أبدى نتنياهو جرأة كبيرة في مواجهة الولايات المتحدة علنًا بشأن برنامج إيران النووي حيث تكللت هذ المواجهة في نهاية المطاف بانسحاب ترامب من الاتفاق، لا يمكن لنتنياهو أن يبدي نفس الاندفاع لا سيّما وأن العلاقة بينه وبين بايدن ستبدأ متوترة استنادًا إلى إرث قديم من الجفاء وبرود العلاقة منذ عهد أوباما، حيث كان بايدن نائبًا للرئيس، وقد تزداد العلاقات سوءًا إذا تولى بن غفير دورًا بارزًا في حكومة نتنياهو المقبلة، لا سيّما وأن بعض التقارير أشارت إلى أن إدارة بايدن لا ترحب بالتعامل مع بن غفير، الذي تصفه بأنه "متعصب لليهود"، هذا بخلاف أفكاره شديدة التطرف بالنسبة للإسرائيليين أنفسهم، فهو على سبيل المثال يسعى إلى ترحيل أي شخص يعمل ضد دولة إسرائيل ويطالب بمنح جنود الاحتلال مزيدًا من الحرية لإطلاق النار على الفلسطينيين في أي وقت.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن التجارب السابقة أثبتت أن حكومات اليسار لا تختلف جوهريًا عن حكومات اليمين، لا سيّما عندما يتعلق الأمر بممارسة التمييز والاضطهاد والعنصرية ضد عرب 48 والفلسطينيين، لذا فإن حكومة تضم نتنياهو بن غفير وسموتريتش ستندفع من أجل توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ورفض أي حل للدولتين، وستبقى احتمالات عودة محادثات السلام مع الفلسطينيين في أي وقت قريب شبه مستحيلة، يأتي ذلك فيما يترقب اللبنانيون أي جديد قد يطرأ على اتفاقهم الأخير لترسيم الحدود البحرية المشتركة، والذي تم توقيعه مؤخرًا ووصفه لابيد حينها بأنه "إنجاز تاريخي سيعزز أمن إسرائيل ويضخ المليارات في اقتصادها ويضمن استقرار حدودها الشمالية"، حالة الترقب تأتي بسبب ما أعلنه نتنياهو خلال حملته الانتخابية بأنه سيعمل على "تحييد الاتفاق" إذا استعاد حزبه الحكم.

داخليًا؛ سيحتاج نتنياهو ـ الذي شغل منصب رئيس الوزراء أطول من أي زعيم إسرائيلي آخر ـ إلى مزيد من الجهد لرأب الصدع الكبير داخل المجتمع الإسرائيلي، مع إعادة الشعور بالأمن للإسرائيليين والعمل على تقليل تكاليف المعيشة المرتفعة، ومن بين وعوده الكثيرة للداخل الإسرائيلي كان من اللافت أنه وعد بإصلاح النظام القضائي وتقليص ما يعتبره سلطة القضاة غير المتكافئة لتحدي سلطة البرلمانيين المنتخبين، سيستغل نتنياهو الماكر ذلك الأمر بذكاء من أجل سنّ بعض قوانين الإصلاح القضائي التي قد تساعده في معركته القانونية أو تلغي القضايا المرفوعة ضده بالكامل.

الطيور على أشكالها .. تقع

بمجرد الإعلان عن فوز نتنياهو، تبارت رموز اليمين المتطرف حول العالم في تهنئته بالفوز، كان في المقدمة رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان"، الذي نشر عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لنفسه مع كتاب نتنياهو الجديد "بيبي.. قصتي"، وكتب معلقًا: "يا له من نصر عظيم لبنيامين نتنياهو في إسرائيل!، الأوقات الصعبة تتطلب قادة أقوياء، أهلا بك من جديد"، أما رئيسة الوزراء الإيطالية الجديدة "جيورجيا ميلوني" فقد غرّدت عبر حسابها على موقع تويتر: "تهانينا لنتنياهو على النجاح الانتخابي، مستعدة لتعزيز صداقتنا وعلاقاتنا الثنائية لمواجهة تحدياتنا المشتركة بشكل أفضل".

جزء رئيسي من اللعبة

مجرد التفكير في بديل لنتنياهو يمثل تحديًا حقيقيًا لقطاع كبير من السياسيين في إسرائيل، فهو إما قائد للمعارضة أو على رأس السلطة، فما أنجزه نتنياهو يمثل قاعدة تراكمية من النجاحات لصالح الكيان المحتل، وعودته الآن إلى رأس هرم السلطة تمثل نجاحًا سياسيًا لافتًا يختلف عن كل المرات السابقة، بل ربما هي العودة الأهم لحزب الليكود منذ عام 1977م حينما صعد الحزب بزعامة مناحيم بيغن إلى رئاسة الحكومة على حساب حزب العمل، الذي يعدّ المؤسس الأول للكيان المحتل، كما أن هذه العودة تشير إلى حالة من التحول الجذري لمسار الصهيونية الدينية، حيث انتقلت من هامش المشروع الاستيطاني المسمى إسرائيل إلى مركز قيادته وثبتت أقدامها على قمته، وهو ما يحمل تداعيات وآثار خطيرة على القضية الفلسطينية وعلى المنطقة برمتها.

عودة نتنياهو هذه المرة بمثابة قفزة في المجهول، فخلال فترات رئاسته السابقة للحكومة، كان دائمًا يتواجد في ائتلافه حزب وسطي واحد على الأقل، مما سمح بوضع حد لقوى اليمين في حكومته، لكن قراره هذه المرة بالتحالف فقط مع الأحزاب اليمينية والأحزاب اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة، دون وجود أي قوى وسطية في تحالفه، يأخذ الحكومة المقبلة إلى منطقة غير معروفة، لا أحد يعرف ما إذا نتنياهو سيتبع أجندة حلفائه من اليمين المتطرف بانصياع تام، أم سيعمل بنفسه ككابح لتجاوزاتهم المتطرفة، من المؤسف أن بعض المراهنين على عودة نتنياهو ينظرون إليها على أنها قد تكون فرصة لنيل بعض الحقوق عبر مناورات سياسية عربية وإقليمية لخلق حالة من الضغط عليه كي يقدم بعض التنازلات لصالح الفلسطينيين، لكن غالب الظن أن هذه الراهنات مجرد أوهام، سيستمر نتنياهو في تحقيق الإنجازات للكيان الإسرائيلي وسيواصل سياساته الرامية إلى سحق الفلسطينيين ودفن قضيتهم، فالذئب لا يمكن أن يغيّر طباعه.

أعلى