• - الموافق2024/04/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما وراء الاشتباك الحدودي في سيناء

ما الذي جرى على الحدود المصرية مع دولة الاحتلال، هل بالفعل كانت الاشتباكات بين تجار مخدرات وجنود الاحتلال، أم كانت محاولة اختراق كما حدث في عملية الجندي محمد صلاح، هل تريد مصر إرسال رسائل معينة للجانب الآخر، أم الأمور خرجت عن السيطرة؟


منذ عدة أيام، ومع حلول منتصف ليل يوم الاثنين الماضي، بدأت وسائل الاعلام الصهيونية تتناقل خبر اشتباك على الحدود بين مصر ودولة الاحتلال.

وبعدها نقلت وكالات الأنباء عن المتحدث باسم جيش الكيان الصهيوني أفيخاي أدرعي، إن نحو عشرين مشتبها من بينهم عدد من المسلحين وصلوا من داخل الأراضي المصرية نحو منطقة الحدود مع قطاع غزة بالقرب من معبر العوجة الذي يبعد ٤٠ كيلو مترًا عن معبر رفح، حيث قام الجنود الإسرائيليون بإطلاق النار نحو المسلحين ورصدوا عدة إصابات. بينما ذكرت مصادر إعلامية صهيونية أن محاولة اختراق الحدود كانت من نفس المكان الذي اخترق فيه الجندي المصري محمد صلاح منذ عدة أشهر، والذي نجح في قتل ثلاثة جنود صهاينة وجرح آخر قبل استشهاده.

أما الرواية المصرية، ففي البداية ربطت قناة القاهرة الإخبارية والتي تتبع الأجهزة الأمنية المصرية محاولة اختراق الحدود بعمليات تهريب المخدرات المنتشرة في سيناء. ثم خرج المتحدث العسكري للجيش المصري ببيان، ذكر فيه أن القوات المصرية قبضت على ستة أشخاص وقتلت شخصًا من مهربي المخدرات دون أن يحدد هوياتهم، وحدد مكان الاشتباك عند منفذ العوجة على الحدود بين سيناء والأراضي المحتلة، كما أعلن عن ضبط المواد المخدرة والتي يقدر وزنها ب١٧٤ كجم من مختلف الأنواع.

ونعود للرواية الصهيونية لما جرى، فقد نقلت الفضائيات عن مصادر عبرية في بداية الأحداث، اختراق جنود مصريين للحدود مع فلسطين واشتباكهم مع دورية للجيش الصهيوني كانت تمر من المكان.

ثم تغيرت الرواية بعد ذلك إلى ذكر أن عشرين شخصا قد تسللوا، وأن بعضهم مسلحًا، دون أن تذكر إنهم تابعين للجيش المصري، وفي نفس الوقت فندت بعض وسائل الإعلام الصهيونية طبيعة المهاجمين وأن سماتهم ليست سمات تجار المخدرات، في كون أن تجار المخدرات في ذلك المكان لا يتحركون بكل هذه الأعداد، فتجار المخدرات عادة ما يتحركون بأعداد صغيرة حتى لا يلفتوا الانتباه، كما أنه لا يمكن تصور أن هناك تجارة للمخدرات وسط أجواء الحرب المشتعلة في سيناء وكل ذلك وفق الإعلام العبري.

ثم ما لبثت الرواية الصهيونية أن تغيرت مرة ثانية بعد بيان المتحدث العسكري المصري، ليتم تعديلها لتوافق الرواية المصرية في كون المتسللين تجارًا للمخدرات.

 

ومع تعثر الجيش الصهيوني في حربه ضد حماس في غزة، وعجز الصهاينة عن تحقيق أهدافهم المعلنة سواء بتفكيك حماس أو تحرير أسراهم، بدأ البحث عن شماعة يعلق عليها القادة الصهاينة أخطاءهم، فبدا أن الحل في تصدير مشكلتهم في غزة إلى مصر

وبالطبع هناك عدة أسباب لهذا التغيير في الرواية الصهيونية: أولها أن الخسائر الصهيونية كانت طفيفة واقتصرت على إصابة خفيفة لمجندة صهيونية، كما أنه على ما يبدو لم ينجح المهاجمون العشرون في اختراق السياج الفاصل على الحدود، كما أن الكيان غارق في وحل غزة سواء على صعيد ضربات المقاومة الناجحة ضد جيشه، أو على مستوى اندلاع الخلافات بين أركان الحكم ومجلس الحرب الصهيوني، وفي نفس الوقت، فإن المناوشات في شمال دولة الاحتلال والاشتباكات مع حزب الله، وتفجر الأوضاع في الضفة، كل هذه الأمور تجعل الاحتلال في غنى عن فتح جبهة جديدة مع مصر.

ولكن كيف نفسر هذا التضارب في الروايات؟

لمحاولة تفسير الغموض والتضارب في هذه الروايات، يجب علينا فهم سياق العلاقات المصرية الصهيونية الحالية في ضوء الحرب المشتعلة في غزة الآن.

من الدفء إلى البرود

تصاعد التوتر في العلاقات المصرية الصهيونية في أعقاب قيام حماس بطوفانها ضد الكيان.

ويرصد المراقبون انقطاع الاتصال بين رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو والرئيس المصري، بعد أن شهدت العلاقات بين الرجلين دفئًا منذ التغيير الذي حدث في مصر عام 2013، وصعد على إثره السيسي لسدة الحكم، حتى أن نتانياهو جاب العواصم الغربية ليقنعهم بضرورة الاعتراف بالنظام الجديد والذي رأى فيه الكيان حماية لمصالحه.

ولكن التوتر الذي شهدته هذه العلاقة بدأ قبل طوفان الأقصى بقليل، فقد انشغل نتانياهو بتقوية العلاقات مع الدول العربية الأخرى والتي أصبحت أكثر قوة ونفوذًا في المنطقة والعالم، بعد أن شهدت الدولة المصرية تراجعًا استراتيجيًا وبالتالي التأثير، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن بنفسه عن فكرة إنشاء ممر يربط بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، الأمر الذي يهمش دور قناة السويس والتي تعتبر موردًا أساسيًا للدخل المصري.

ولذلك عندما جاء طوفان الأقصى أصبح المشروع الصهيوني المتعلق بالممر في مهب الريح، وبدا لنتانياهو أن هناك دورًا مصريًا خفيًا في مساندة وتشجيع حماس في هذا الهجوم لكي تفشل فكرة الممر والتهميش تجاه مصر عمومًا.

ومع تعثر الجيش الصهيوني في حربه ضد حماس في غزة، وعجز الصهاينة عن تحقيق أهدافهم المعلنة سواء بتفكيك حماس أو تحرير أسراهم، بدأ البحث عن شماعة يعلق عليها القادة الصهاينة أخطاءهم، فبدا أن الحل في تصدير مشكلتهم في غزة إلى مصر، خاصة أن جنرالات الجيش لاحظوا أن ترسانة حماس من الأسلحة قد تم تجديدها وظهرت نوعيات جديدة من الأسلحة، فتم الاستنتاج أن شحنات جديدة من السلاح قد وصلت إلى حماس، والمنفذ الوحيد لها هي أنفاق سيناء عبر ممر فيلاديلفيا وهو الشريط الحدودي بين سيناء وغزة، ويستحيل أن تمر هذه الأسلحة إلا بعلم المخابرات المصرية على الأقل.

ومن هنا شرع الكيان في خطة جديدة.

ضغط متبادل

بدأت حكومة الحرب الصهيونية في ممارسة ضغوطها على الجانب المصري، والتي تنوعت بين قصف معبر رفح وممر فيلاديلفيا، الأمر الذي نتج عنه مقتل وإصابة جنود مصريين، وقد بلغت مرات القصف ما يقرب من خمس مرات.

وتمثل عامل الضغط الصهيوني الثاني على مصر بالتهديد بتهجير أهل غزة، ونشر الخطط المعدة لذلك، والتي صدر بعضها من وزيرة الاستخبارات في الكيان الصهيوني، كما قام الوزراء المحسوبون على الصهيونية الدينية بتهديد أهل غزة بالإبادة والتهجير، وكل ذلك بايعاز من نتانياهو لزيادة الضغط على الحكومة المصرية.

 

نشرت يديعوت أحرنوت عن لقاء في القاهرة بين قائد سابق للواء جولاني وعباس كامل، حيث أعطى القائد الصهيوني لمصر خرائط أنفاق لحماس أسفل فيلاديلفيا، ووفق الصحيفة فإن القائد الصهيوني تحدث للمصريين عن عملية تهريب بحري لسلاح إيراني تم إلى سيناء

ثم كان عامل الضغط الثالث متمثلا في التصريحات العلنية بقرب القيام بعملية عسكرية برية في رفح للاستيلاء على ممر فيلاديلفيا، وهذا سيؤدي إلى احتكاك بين القوات المصرية والصهيونية وتنفيذ مشروع التهجير، بإجبار الجانب المصري على فتح معبر رفح بالقوة، لكي يتدفق منه أهالي غزة الواقعين تحت القصف الصهيوني والتجويع المتعمد.

حاول الجانب المصري منذ بداية طوفان الأقصى اتباع سياسة ذات وجهين: فمن ناحية إغلاق معبر عمليًا فلا تدخل المساعدات إلا بموافقة صهيونية، ومن ناحية أخرى لم تُقدم على اتخاذ أي إجراء ضد الأنفاق وكأنها لا تعلم عنها شيئًا.

وإزاء التهديدات الصهيونية حاول المصريون التلويح بورقة القوة، فتم إجراء مناورة عسكرية في سيناء، واستعرض الجيش المصري فيها ترسانته الضخمة من الأسلحة، وفي نفس الوقت التزم المسئولون الصمت إزاء حملة التصريحات الصهيونية، واكتفوا بالسماح لبعض القيادات العسكرية السابقة أو الصحفيين (الذين يتلقون توجيهات النظام) بالظهور على القنوات الإعلامية المختلفة، ليصرحوا بما لم يقله المسئولون علانية.

ولكن هذه السياسة لم تردع الجانب الصهيوني مع بدا أنه هزيمة وشيكة في القطاع وعجزه عن تحقيق أهدافه في صراعه مع حماس، فحاول التواصل مع المسئولين المصريين في لقاءات لا يعلن عن مخرجاتها علانية ولكن يتم تسريب نتائجها إلى الإعلام الصهيوني، وبعضها يتم تسريبها إلى الإعلام الأمريكي كنوع من الضغوط على الحكومة المصرية.

فقد نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤولين مصريين لم تكشف هوياتهم القول، إن الكيان الصهيوني طلب من مصر تركيب أجهزة استشعار على طول محور ممر فيلاديلفيا.

كما طلبوا أيضًا أن يتم إخطار الكيان بشكل مباشر إذا تم تشغيل أجهزة الاستشعار، ومنحها الحق في إرسال طائرات استطلاع بدون طيار إذا تم تشغيلها، حتى يتم تنبيهها في حال حاولت حركة حماس إعادة تشييد أنفاقها وممرات تهريب الأسلحة، عقب انتهاء هذه الحرب.

وردًا على الطلب الصهيوني قال المسؤول إن مصر ستدرس مسألة تفعيل أجهزة الاستشعار، لكن الإخطار المباشر والسماح لتل بيب بإرسال مسيراتها الاستطلاعية يعتبر تعديًا على السيادة المصرية.

ولزيادة الضغط على الحكومة المصرية، لوّح الصهاينة بورقة الديون لدى المصريين، فقد نشرت هيئة البث الصهيونية، أن الكيان الصهيوني يغض الطرف عن المطالبة بالديون التي له عند الحكومة المصرية، والتي كان التحكيم الدولي قد قضى بها لدولة الكيان في عام 2019 والمتعلقة بخطوط الغاز.

وقد نشرت يديعوت أحرنوت عن لقاء في القاهرة بين قائد سابق للواء جولاني وعباس كامل، حيث أعطى القائد الصهيوني لمصر خرائط أنفاق لحماس أسفل فيلاديلفيا، ووفق الصحيفة فإن القائد الصهيوني تحدث للمصريين عن عملية تهريب بحري لسلاح إيراني تم إلى سيناء، عن طريق إريتريا والسودان حيث ينشط الحرس الثوري الإيراني، وأن تهريب هذا السلاح لم يتم مثل المرات السابقة، عن طريق الحدود السودانية ثم داخل مصر ويعبر قناة السويس إلى سيناء ومن ثم الأنفاق، بل تم عبر البحر مباشرة إلى سيناء.

ويلاحظ أن زيارة المسئول الصهيوني جاءت قبل عملية التسلل بيوم واحد، والتي على ما يبدو أنها لم تحقق أغراضها، فبعدها وفي نفس اليوم، أعلن مسؤول أمني مصري وفق ما نقلت وكالة أنباء العالم العربي، أن القاهرة لن تسمح لإسرائيل بالسيطرة على محور صلاح الدين الحدودي بين مصر وقطاع غزة.

كما أضاف المسؤول أن ضبط الحدود مع غزة مسؤولية مصر، لافتًا إلى أن اتفاقية السلام تمنع قيام إسرائيل بأي تحركات عسكرية في محور صلاح الدين، كذلك نفى المسئول مزاعم تهريب الأسلحة عبر الحدود إلى قطاع غزة.

ويُحتمل أن المصريين قد قرروا البدء في إرسال رسائل على طريقتهم، فتم السماح بمظاهرة على نطاق ضيق على سلالم نقابة الصحفيين، ردد خلالها المتظاهرون هتافات معادية للكيان الصهيوني، والمطالبة بمواجهته ونصرة أهل غزة، وأعقب هذه المظاهرات التسلل الذي قام به عشرين شخصًا غير معروف هويتهم في نفس النقطة تقريبًا التي تسلل منها المجند المصري منذ عدة شهور.

وفي نفس الوقت، أورد موقع قناة العربية هذا الخبر بتلك الصيغة وتحت هذا العنوان (بعد الحادث الأمني على الحدود وزير الدفاع المصري يلتقي قادة عسكريين ويطالب بالاستعداد).

ويبقى التساؤل المشروع، هل احتمال غض مصر الطرف عن الأنفاق هو قرار استراتيجي لن تتخلى عنه، لأنه يتعلق بسردية صحيحة تقول إن بقاء حماس قوية في غزة هو جزء من الأمن القومي المصري؟

أم هو مجرد ورقة مصرية يمكن لمصر الاستغناء عنها، نظير الحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية معينة تخدم بقاء الحكم المصري الحالي؟

 

أعلى